
بماذا يترنم الكافر؟
سرتُ في وادي الحياةْ ناشدًا سِرَّ المماتْ
فاصطدمتُ بعظامٍ نَخِراتٍ باليات!
***
ليت شعري! لِمَ هذا؟ أأنا بين القبورْ؟!
... وإذا بي بنساءٍ داعياتٍ بالثبورْ!
***
هائجاتٍ مائجاتٍ نائحاتٍ مُعْوِلاتْ
بقلوبٍ دامياتٍ وشعورٍ مُرسلات!
***
وإذا بي بشباب صاخبينَ، لاعنينْ
وشيوخٍ كظلامٍ ساهمين، شاحبين!
***
بِلِحىً تقطرُ غَيْظًا وأُنوفٍ راقصاتْ
وأَيادٍ رائحاتٍ وأيادٍ غادياتْ!
***
نَطَقَ الحشدُ كلامًا بلسانٍ ولسانْ
فكلامٌ فيه معنىً وكلامٌ معنياتْ:
***
"ويكَ إبليسً الرجيمْ وَيْكَ أفّاكٌ أثيمْ
تَّخِدّ الكفرَ شِعارًا إنَّ مأواكَ الجحيم!
***
ألحقوهُ، أدركوهُ وَيْحكُمْ! لا تتركوهُ
(كافراً) بالله ألقى كّذْبةَ الأجيالِ فوهُ!
***
سَلْسِلوهُ، قَيِّدوهُ إنَّهُ شَيْنٌ وعارْ!
وإذا ما حِزْتموهُ أوقّدوا نارًا فنارْ
***
أحرِقوهُ وانثروهُ كهباءٍ في الهواءْ
واذْهبوا لا تدفنوهُ وانبذوهُ في العراءْ
***
والعنوهُ بلسانٍ وبقلبٍ وضميرْ
واهتفوا في الناس بِشْرًا إنَّ مأواه السعيرْ!
***
وتعالوا نتغنى بلهيبِ الجمراتْ
إذْ سيمضي الكفرُ عنّا وتحلُّ البَركَاتْ"
***
ليتَ شِعري! مَنْ أراهُ وسْطَ هاتيكَ الجموعْ؟
أفتىً كي يأكلوهُ؟ هل هنا فقرٌ وجوعْ؟
***
ودَنَوْتُ باضطراب، وسألتُ ما يكون؟
قيلَ لي: "كِبْرٌ وكُفرٌ وسجونٌ وجنون!
***
إنه (شابٌ عجيبٌ) كلُّ ما فيه (غريبْ)
قولُهُ زورٌ ومَيْنٌ إنّه شيءٌ عجيبْ!
***
حينما حلَّ رُبانا حَلَّ كَرْبٌ وبَلاءْ
أرضُنها جّدْبٌ وقحطٌ دون ماءٍ وشتاء!"
***
عَجبًا! هذا (غلامٌ) أم تُرى جُنَّ الظلامْ؟
لَهُ وجهُ (عبقريٌّ) بعيونٍ لا تنامْ!
***
تارةً ينظرُ أرضًا وأوانًا في السماءْ!
وتراهُ في سرورٍ، وتراهُ في بُكاءْ!
***
واقفًا دون اكتراثٍ بصُراخِ الصارخينْ
مُمِسكًا سهمًا ورمحًا بشمالٍ ويمينْ!
***
قائلاً: "هيّا تعالوا واستَعِدُّوا للمماتْ
أنتُم رمتُمْ حياةً وأنا خصمُ الحياةْ"
***
فعزَمْتُ أن أراهُ لأرى ماذا يقولْ
وليَكُنْ ما قيلَ عنه وليَكُنْ جنًّا وغولْ
***
أنا لستُ مثلَ غيري أنا مهن لا أخافْ
إن يَكُنْ فيه جفافٌ فأنا فيَّ جفافْ
***
ودَنَوتُ منه حالاً، وبدأتُ بالكلامْ
قلتُ: "يا هذا، سلامٌ وسلامٌ وسَلامْ
***
لِمْ أرى القومَ غِضابًا هائجينَ مائجينْ
رامقيكَ بعيونٍ شاتمينَ لاعنينْ؟!
***
أنا أرجوكَ رجاءً أن تجوَد بالجوابْ
ولتُجِبْني بوَقارٍ لا بشَتْمٍ وسِبابْ
***
فانثنى تيهًا وفخرًا قال: "حُبًّا وكرامَهْ
خُذْ جوابي، لا تُقاطِعْ إنْ تكنْ تبغي السلامَهْ
***
أنا، يا هذا، (نَبِيٌّ) لي شؤوني في الحَياهْ
مذهبي مذهبُ صَدْقٍ: "ليس في الدنيا إلهْ"
***
"هذهِ أُّمَةُ كُفْرٍ ونفاقٍ وضلالْ
جئتُ (أهديها) لتنجو من (خُرافاتٍ) ثِقالْ
***
شُغلُها الشاغلُ: خمرٌ وغناءٌ، ونساءْ
وصلاةٌ، وصيامٌ جمعَتْها في وِعاءْ
***
قلتُ: يا أُمَّةَ سوءٍ إسمي هذا الكلامْ
أخمورٌ ونساءٌ وصلاةٌ وصِيامْ؟!
***
قَوِّضي هذي (التَّكايا) واهْدمي هذي الصروحْ
ثم موتي واستريحي ودعيني أستريحْ
***
ليس في الدنيا (نظامٌ) إنّما الدنيا خَصامْ
وحرامٌ من حلالٍ وحلالٌ من حرامْ!
***
إنّما الدنيا ظلامٌ وغشاءٌ وهباءْ
ليس في الدنيا ضياءٌ ليس في الدنيا سماءْ!
***
ليس بعد الموتِ إلاّ ظلمة القبرِ الجحودْ
لا حسابٌ، لا عقابٌ لا بقاءٌ، لا خُلودْ!
***
قلتُ هذا ... فاستشاطَتْ غَضَبًا هذي الجُموعْ
ورمَتْني بضلالٍ وتبارَتْ في الدموع!
***
هذهِ قصّةُ (شخصٍ) ثاقبِ الرأيِ صرحْ
خَبَرَ الدنيا فأضحى واسعَ الفكرِ فصيحْ
***
أنا، يا صاحِ، نبيٌّ وبشيرٌ ورسولْ
فاقْضِ بالحقِّ، وحاذِرْ كَذِبًا في ما تقول"
***
قلتُ: "يكفي، أنَبِيٌّ أنتَ أم وَغْدٌ زنيمْ؟!
أنتَ (جنٌّ) عبقريٌّ أنت (شيطانٌ) رجيم!
***
وكذا هذي الجموعُ - الهائجونَ المائجونْ
كُلُّهم قومُ رياءٍ وخّداعٍ وفلإتُونْ
***
إنَّهم أُمَّةُ سُوءٍ إنهم قومُ ضَلالْ
لو هُمُ قومُ صلاحٍ ما بدا منكَ خَبَالْ!"
***
واختفى (الملعونُ) حالاً وتلاشى في الفضاءْ
فتركْتُ الناسَ (حَيْرى) تتبارى في الرياءْ!
القدس، في 12 كانون الثاني سنة 1935