info@daheshism.com
" شهادة الصحافي حافظ ابراهيم خيرالله "

" شهادة الصحافي حافظ ابراهيم خيرالله "

 

 

3 ساعات داهشيّة مع الغرائب

 

تحت هذا العنوان ، نشرت جريدة " النهار " في عددها رقم 8986 ،

الصادر بتاريخ 21 آذار 1965 ، المقابلة التالية التي أجراها الصحفيّ  حافظ ابراهيم حير الله مع الدكتور داهش :

  • "  مسكين ... بلّش يرنّها .... شو كان صاير عليه ؟"
  • ولك شو يا عمّي بيتكم مسعد ...بعد بدّك شويّ بتصير بالعصفوريّة !..

حتّى الأسبوع الماضي ، أي منذ أن بدأت ألاحق قصّة طهرا بك والداهشيّين ، كنت أعتقد بأنّ الدكتور داهش لا أثر له في البلاد ، خاصّة بعدما سمعت أنّه أعدم لحوالي عشرين سنة خلت ، لأسباب قيل انّها خضّت لبنان في تلك الأيّام .

الاّ أنّ الدكتور فريد أبو سليمان ، وهو من كبار الداهشيّين ، حرص على القول انّ الدكتور داهش مقيم في بيروت – بالضبط في حيّ الصنائع ، على مقربة من القصر الجمهوري القديم في ملك الدكتور حنينه – وانّه مستعدّ لتدبير موعد لي معه لأطّلع بنفسي على كلّ ما يجري في ذلك البيت .

 

 

بوّابة حمراء

المبنى من طبقتين ، والدكتور داهش في الطبقة العليا . والمدخل خاصّ ، وهو ذو بوّابة حديديّة حمراء . وعلى الداخل أن يشدّ حبلا رفيعا قربها ، فيتطّلع أهل البيت من عل ثمّ يشدّون بدورهم حبلا رفيعا فتنفتح البوابة .

 

نمر على الحائط

الغرفة الأولى التي يدخلها الزائر تجلب الرهبة الى النفس . أوّل ما تصطدم به العين جلد نمر على الحائط بشكل يجعل رأس المبصر ناتئا ومركزا الى أمام ، ثمّ جلد دبّ أسود وقد ركّز الرأس عند أسفل ، على طريقة رأس النمر . وبين الرأسين وضعت الكرسيّ التي يجلس عليها الدكتور داهش وراء مكتب أنيق . يضاف الى ذلك كلّه ، في تلك الغرفة الصغيرة ، عدد وفير من الحيوانات المصنوعة بالبورسلين ولوحات زيتيّة مختلفة في عصور فنّها .

الدكتور أبو سليمان كان بالانتظار ، لأنّ الدكتور داهش كان لديه بعض الزوّار في عرفة أخرى . أعترف صراحة بأنّ الانتظار في تلك الغرفة أدخل الضيق الى نفسي . لقد تضافرت عوامل عديدة لتجعل دقائق الانتظار القليلة تلك نوعا من التحضير لما يشبه الحفاظ على النفس ، أو أيّ شيء من هذا القبيل ، اذ لا أخفي أنّ كثيرين ممّن علموا بمشروع المقابلة حذّروني من " صرعات " أنا بغنى عنها .

 

حنطيّ اللون

المهمّ انّه بعد الدقائق ، وصل الدكتور داهش ففتح الباب بهدوء ، مرحّبا مسلّما ببساطة لم أكن أتصورها في شخصه . انّه في حوالى الخمسين من عمره ، مربوع القامة ، حنطيّ اللون ، بشوش ، لطيف ، باسم ، أي بكلمة مختصرة رجل طبيعي جدّا في مظهره ، وخاصّة في طريقة تطلّعه وتركيز عينيه – اذ انّ هذه الطريقة هي التي توهم الناس عادة بأشياء كثيرة – فسلّمت أمري الى القدّيس جاورجيوس الدائم الظفر ، وراعي بلدتي بحمدون ، وقلت انّها ساعة واحدة معه ، فماذا يمكن أن يحدّث ؟

 

 

تماثيل وحيوانات

وانتقلنا من الغرفة الأولى الى غرفة ثانية عبر ممرّ أشبه بمكتبات الجامعات ، رصفت الكتب فيه من الأرض حتّى السقف . واذا بالغرفة الثانية أشبه بالمتحف : الجدران الأربعة مغطّاة باللوحات الفنيّة ، وتحتها هنا وهناك على الطاولات حيوانات كاسرة وأليفة من البورسلين ، وتماثيل رخاميّة وجفصينيّة ...

وقعدنا وامتدّ قعودنا ثلاث ساعات كاملة .

  • ما سرّك يا دكتور ؟
  • لا أسرار هناك ، ودعني أفسّر لك الأمر بشيء علميّ يقرّبه الى ذهنك . خذ التلفزيون ، مثلا : سرعة الصورة فيه من محطّة الارسال الى الجهاز في البيت تبلغ ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية ؛ وهذه ظاهرة طبيعيّة علميّة لها علاقة بالالكترون والتموّجات القائمة في هذا الفلك . فهذه التموّجات ، اذن ، تنقل شخص المذيع أو المغنّي في محطّة التلفزيون الى الجهاز لتعيدها صورة واضحة .

أنا أعتقد ، وأنت حرّ في أن تصدّق أو لا تصدّق ، أنّ فيّ روحا بلغت من القوّة حدّا تستطيع معه أن تنقل إلي ما يجري ، لا في أعمال الناس فحسب ، بل في تفكيرهم ايضا .

والروح عندي هي العمود الفقري لكلّ شيء في العالم ، وهي خالدة ومسؤولة عن أعمالها ، وتوجب على صاحبها ان يتقيّد بقيم سامية معيّنة ، والاّ فضحته . وأنا أعتقد بأن الروح خالدة لا تفنى بفناء الجسد ، بل هي قادرة على الانفصال عن الجسد وعلى التصرّف تصرّفا مستقلا كاملا لا علاقة للجسد به . وأنا في الجلسات الروحيّة التي أعقدها أعتبر نفسي وسيلة الى غاية ، فتحدث لي ولمن معي ظاهرات تخرق الناموس الطبيعيّ.

  • وما هي قصّة تحويل مادّة معيّنة الى مادّة اخرى ، كتحويل قطعة الخشب الى قطعة ذهب مثلا ؟
  • كلنا يعلم أنّ الخشب ليس خشبا الاّ بسبب سرعة الذبذبات في الذرّات التي تتألّف منها مادّته والتي تحتّم عليه أن يكون خشبا ،وهذا شيء علميّ وليس جديدا على أبسط  تلميذ  بكالوريا . ما هو دوري اذن ؟ أنا أستطيع ، بما لي من قوّة روحيّة خارقة ، أن أجعل سرعة الذبذبات التي في ذرّة الخشب كسرعة الذبذبات التي في سرعة الذهب ، وعندئذ تتحوّل قطعة الخشب الى قطعة ذهب .

 

 

من برلين الى بيروت

  • قيل لي ، أيضا ، انّك تستطيع أن تنقل ساعة اليد ، مثلا ، من برلين الى بيروت . فهل هذا صحيح ، وكيف تعلّله؟
  • هذا صحيح بالطبع ، واليك تعليله : عندما تكون الساعة في برلين ، أفرض قوّتي الروحيّة عليها ، فأحوّل مادّتها الى ذرّات تنتقل الى بيروت مع تموّجات الأثير ، وأعود هنا فأجمع هذه الذرّات . وبذلك تكون الساعة نفسها قد وصلت الى بيروت .
  • وهل تريدني أن أصدّق هذا أيضا ؟...

 

 

هل معك ليرة

 

وعدنا الى موضوع آخر . أثرت أمامه موضوع تحويل الورق الى عملة لبنانيّة ، أو دولارات أو أيّة عملة أخرى . وابتسم وقال : هل معك ليرة لبنانيّة أو دولار ؟ قلت هذه ليرة لبنانيّة .

قال : ما دام مصور "النهار "معك ، فدعه يصوّر لك جميع مراحل هذه العمليّة .

واستعدّ " همبار " وبدأنا نحن الثلاثة العمل .

أخذ الدكتور داهش الليرة ووضعها على ورقة بيضاء ، وأخذ القلم وقاس على الورقة البيضاء مقاس الليرة ، ثمّ  أعاد ليرتي إلي . فصارت أمامنا اذن ورقة بيضاء بمساحة الليرة .

طلب أن أكتب اسمي على الورقة البيضاء ، ففعلت . ثمّ طلب أن أطويها بنفسي ، وأن أطبق راحتي وأصابعي عليها  جيّدا ، ففعلت أيضا .

 

السيّالات الروحيّة

وهنا أخذ الدكتور داهش ورقة صفراء ، قال انّ فيها " سيّالا " من احدى الجلسات الروحيّة ، ورسم عليها نجما خماسيّا وزّع فيه أحرف كلمة " جذبوها ". ثمّ كتب في الجزء الأعلى منها :" بحقّ الله والنبيّ الحبيب الهادي ." وكتب في الجزء الأسفل منها : " أن يسمح للأخ حافظ بظاهرة روحيّة فتتحوّل هذه الورقة البيضاء الى ليرة لبنانيّة ." وبدأنا الخطوة الثانية في المشروع : طوى الدكتور داهش الورقة التي كتب عليها هذه العبارات ، ثمّ وضعها فوق منفضة السكاير وأحرقها ، وقال : ردّد من بعدي "بحقّ الله والنبيّ الحبيب الهادي أن يسمح لي بظاهرة روحيّة فتتحوّل هذه الورقة البيضاء الى ليرة لبنانيّة ."

قال : أنقل ورقتك الآن من اليد اليمنى الى اليد اليسرى ، ففعلت .

قال : افتح يدك اليسرى تجد ورقتك قد تحوّلت الى ليرة لبنانيّة

وفتحت يدي اليسرى فاذا بالورقة البيضاء ما تزال بيضاء .

ولا أقول انّه اغتاظ ، وربما الأجدر القول انّه تأثّر .

وأعاد الكرّة ن فكتب ورقة أخرى وأحرقها . وأعدت على مسمعه العبارة التي يتوجّب عليّ أن أقولها . وأشهد في هذه المناسبة أنّه لم يتطّلع فيّ على النحو الذي كنت أتصوره في مخيّلتي بالعينين المفتوحتين المسمّرتين ، بل انّه كان في  هذه الأثناء يتطلّع في الأرض ويبدو وكأنّه في حالة صراع مع نفسه .

وبعد لحظات قليلة ، قال : افتح يدك تجد ورقتك البيضاء قد تحوّلت الى ليرة لبنانيّة . وفعلت ، وبالفعل وجدت الورقة البيضاء قد تحوّلت الى ليرة لبنانيّة وعليها اسمي كما كتبته بخطّ يدي .

والليرة ما تزال معي حتّى الآن .

وانتقلنا الى موضوع آخر .

  • ان كنت ، يا دكتور ، تستطيع أن تقرأ في أفكار الناس ماضيهم وحاضرهم ، فما هو موقفك من أمور المستقبل ؟ هل بامكانك أن تعتبر نفسك حجّة في ذلك أيضا ؟ كان الجواب انّه لا يكشف لا عن الماضي ولا عن الحاضر ولا عن المستقبل ، وانّما يعقد جلسات روحيّة تحلّ المشكلة . وهنا عدنا من جديد الى الكتابة على الورق . اخذت ورقة صفراء قال لي انّ فيها " سيّالا روحيّا " وكتبت عليها ما أملاه عليّ :" ما هي الطريقة ليتحسّن مستقبل حافظ ." ثمّ طويتها في يدي ، وأحكمت ضغطها بأصابعي . أمّا هو ، فقد أخذ ورقة صفراء أخرى فيها " السيّال الروحيّ "، وصوّر عليها النجمة الخماسيّة ، ووزّع فيها أحرف كلمة "جذبوها". ثمّ كتب في أعلاها :" بحقّ الله والنبيّ الحبيب الهادي "، وفي أسفلها :" أن يسمح بمساعدة روحيّة للأخ حافظ فيأتيه الجواب مدوّنا على الورقة الموجودة بيده ردّا على سؤاله عن مستقبله ."

وأخذ ورقته هذه وطواها ، ثمّ أحرقها وطلب إلي أن أطلب حصول المساعدة الروحيّة لي ، ففعلت . وفتحت يدي ، فاذا الجواب مكتوب على الورقة :" اذا أتيح لحافظ أن يعقد جلساته الروحيّة العشر ، اذ ذاك يساعد روحيّا فيصبح مستقبله ..."كذا وكذا .

أعترف بأنّني ، عند هذه النقطة ، بدأت أرتاب في المرامي المقصودة ، وما يمكن أن يكون عمليّة جرّ مقصودة الى اجتماعات دوريّة تعقد عنده ليست في حسابي ، ولست مستعدّا لها في تفاصيلها . قال خفّف عنك ، فأنا لا أدعوك الى عشر جلسات روحيّة ، ولكنّك ، على سبيل الفضول ، تستطيع أن تكتفي بجلسة واحدة تتفرّج فيها على ما يحدث ، والباقي متروك لك . والواقع أنّ الرجل لم يصرّ على شيء ، فلماذا الاعتقاد بأنّه يستدرجني ...

 

 

30 ألف ليرة

أتى بكتلة ورق أبيض ، وقطعها بمساحة ورقة المئة ليرة لبنانيّة ؛ ودعاني الى امتحانها . ثمّ طلب إلي أن أضع هذه الأوراق في مغلّف تحقّقت من أنّه فارغ ، وترك هذا المغلّف في يدي . ثمّ كتب على ورقة صفراء أن يسمح له بتحويل الأوراق البيضاء الى مئات الليرات ، وأحرقها .

النتيجة : فتحت المغلّف ، فاذا كلّ ورقة من الأوراق البيضاء أصبحت مئة ليرة . عدد الأوراق ثلاثمائة . اذن في يدي 30 ألف ليرة .

تحسّست هذه الأوراق وتفحّصتها ، فاذا هي أوراق المئة ليرة ، ولها جميع مواصفات الأوراق النقديّة اللبنانيّة من فئة المئة ليرة ؛ حتّى الأرزة غير المنظورة في الدائرة البيضاء كانت في مكانها .

ووقفت أستودعه بعد ثلاث ساعات من الحديث . وكلّما شرحت لزملائي في " النهار " ما حدث لي ، ازدادت شتائمهم " قرد ياخدك ... لماذا لم تعد الينا بكميّة من أوراق المئة ليرة هذه ؟"

وأظنّ أنّ هذا من الأسباب الجوهريّة التي حملتهم على وصفي بأنّي " بلّشت رنّها ..." و"يا حرام ...بدّو عصفوريّة !"   على كلّ حال ، هذا ما حدث لي في مقابلة مع الدكتور داهش ، فصدّقوا أو لا تصدّقوا .