info@daheshism.com
عاشرًا: السيّالات

حديث بين بصلتين خضراوين

 

وذهب الرسول برفقة تلميذتيه الى حديقة الخضار المسيّجة في قلب الغاب الظليل ، وتخلّل أثلام البصل الأخضر والنعناع والباقلاء ، ينتزع البصل الأخضر من الأثلام . ثم عاد أدراجه الى المنزل برفقة المؤمنتين برسالته السماويّة ، وطلب الزيتون الأخضر ، فأحضر له ، والجبنة البيضاء ، فقدّمت اليه بصحن توشّيه رسوم فنيّة .

وهوت سكّينه القاطعة على الطماطم الأحمر الشهيّ ، وتناول عشاء طيّبه البصل الأخضر غير الحرّيف .

وفي الدقيقة التي كان يتناول فيها عشاؤه ، كانت بصلتان خضراوان تتحدّثان . فقالت الأولى ، وهي مستطيلة الفروع المتعرّشة ، لزميلتها :

  • كم كان سروري كبيرا عندما مرّ الرسول بقربي ! وما كان أشدّ رغبتي بتقبيل نعليه ؟ ولكنّه مرّ بعيدا مقدار بضعة سنتيمترات عني ، فكيف لي استطاعة الامتداد لتقبيل قدميه ؟ وليته اقتطفني وجعلني عشاؤه ، اذا لكنت فزت بالسعادة المثلى . وكنت أسمع مثلما كنت تسمعين أصوات الفرح من البصلات رفيقاتنا اللواتي أتاح لهنّ سيّالهنّ أن ينتزعهنّ من الأرض ويضمّهنّ معا ، وهو مسرور من وجوده في هذه الحديقة ذات الأرض المعطاء .

أجابتها البصلة الضامرة :

  • هو ما تقولين . وأنا أيضا ، تمنّيت لو مرّ بجانبي ، اذا لكنت انحنيت نحو قدميه ، ولكنه كان بعيدا عني ، أيضا ، بضعة سنتيمترات ، وهي كافية لأن تمنعني من لثم قدميه .

وعادت البصلة المستطيلة للكلام فقالت :

  • أولم تسمعي تهليل الباقلاء وهي تنشد الفرح عندما اقتلعت ، وكانت تردّد : اليوم ستنطلق سيّالاتنا فنذهب الى عالم بهيج ، أفراحه دائمة ، وأغاريده لا تملّ ، وسوف نأخذ أجساما بشريّة في العالم الذي سنذهب اليه ، اذ أزفت ساعة مكافأتنا بعد مكوثنا في عالم الأرض مئات من الأعوام لم نرتكب فيها آثاما تدعنا نمكث في هذا العالم الماديّ دهورا .

أجابت البصلة الضامرة :

  • انّ العناية قد وضعت فينا شعورا يلهمنا متى سيزورنا ، ثانية ، فزيارته ستكون بعد ظهر 17/7/1978 .
  • هو ما تقولين أيّتها الزميلة التي حان قطفها وأكلها . واليوم هو موعد زيارته ، فلنتأهّب لاستقباله علّنا ننال بغيتنا التي فشلنا في تحقيقها يوم زيارته ايّانا .

وبينما كانتا في حديثهما ، ذهب الرسول ، ثانية ، الى حديقة الخضار ، وسار الهوينا ، ترافقه تلميذته الذكيّة ، وتخلّلا أثلام البصل . وأخذ الرسول ينتزع ما يروقه منها . وفجأة داس بقدمه بصلة خضراء مستطيلة ، ثم تخطّاها ، وداس أخرى ضامرة . وقد نبّهته تلميذته قائلة له :

  • لقد دست بقدمك بصلتين دون أن تنتبه .

فالتفت الى حيث أشارت التلميذة النابغة ، وشاهد البصلتين وقد مالتا نحو الأرض لأنّ قدمه داستهما في أثناء سيره .

ولو قيّض لأحد أبناء البشر سماع أصوات النباتات والخضار لسمع ، بدهشة عظمى ، تهليل الفرح والسرور والانشراح والحبور من هاتين البصلتين الخضراوين . وكانت صفوف البصل الأخضر تردّد معهما نشيد الفرح الطاغي .

وغادر الرسول حديقة الخضار وهو يحمل ضمّة من هذا البصل البديع . وقالت تلميذته :

  • سأصنع لك منها أكلة شهيّة قبل مغادرتك لمنزلنا صباح الغد ، فما يدرينا متى نعود فنلتقي . فالحياة الدنيويّة لا أمان فيها ، وسبق للأدباء والكتّاب أن كتبوا عن السفر في البحر فقالوا :

" الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود ".

ترى ، هل ، مرّة ثانية ، الينا ستعود ؟

 

 

        كتبت هذه القصّة بين الساعة السادسة الاّ 6 دقائق والساعة السادسة والربع من مساء 17/7/1978 في الولايات المتّحدة الأمريكيّة

 

 

Back To  مبادىء داهشيَّة