info@daheshism.com
سادسًا: داهش المُؤَدِّبُ الإلهيّ

حلم غريب

 

تعبت البارحة

من عناء الأعمال المرهقة التي قمت بها،

فتوسدت فراشي.

وإذا بسلطان الكرى يتغلّب عليّ،

ويستولي على كياني فسلمته عناني.

وسبحت في عالم الهيولى والأثير!

 فرأيت نفسي أنني في القرن الخامس عشر!

وفجأة رأيت شخصاً

وقد احمرّت منه العينان،واصفرّت الوجنتان،

وتوترت منه الأعصاب،وخفق منه الفؤاد!

فصال وجال...

ثم نظر أمامه إلى آلاف الخلائق

التي كانت متراصة فوق بعضها!

تنظر إليه بلهفة بالغة،

وتكاد تلتهمه بأعينها المحدقة فيه!

فاستغربت الأمر،

وسألت أحدهم عن هذا الشخص الغريب!

فقال:

-ويح لك! ألا تعرف ديموقليس الخطيب الشهير

الذي ملأ صيته الآفاق؟!

و يظهر أنه انتبه إلى أني رجل غريب،

للهجتي المتباينة عنهم، وللباسي الغريب...

فاعتذر وقال لي:

"إنك الآن في مدينة سبارطة،

واعلم بأنك سترى العجب الآن،

للدرر التي سيلقيها خطيبنا،

إذ إنه خطيب العالم أجمع-ديمقليس!-

وسيحمل حملة شعواء على المظالم التي تجريها الحكومات

على بعض أفراد الجماهير المساكين!

وإن الحكومة تخاف خطبه

كما تخاف الموت الزؤام..."

فالتفت حيث وقف هذا الرجل الغريب!

فرأيت أنه قد اضطرب...وكأنه شعلة متأججة!

وبعد أن هدأت أعصابه قليلاً ازدرد لعابه...

ثم خطب في الحاضرين

الذين كانوا يملأون السهل الفسيح...

وبصوت جهوريّ قال:

"إن لبعض الأشخاص نفوساً لئيمة،

وأخلاقاً وضيعة منحطة،

يشمئز منها أحقر مخلوق!

ويفرّ منها- حتى الطبقات الدنيا-

فرار السليم من الأجرب!

ومما يؤسف له أشد الأسف

أن لهؤلاء الأشخاص الذين لا أخلاق لهم

-وكأنهم نشأوا في الشارع!

ورضعوا علومهم في الأزقة!-

مناصب رفيعة يتبججون بأنهم وصلوا إليها،

لرفعة شأنهم،وغزارة علمهم،

وعريق حسبهم ونسبهم!...

على أن الحقيقة الناصعة

تظهر إفك كلامهم،وكذب ادعائهم...

وبطلان افترائهم!...

لأعمالهم الشريرة القبيحة...التي يرتكبونها!

والحقيقة هي أن الصدفة

هي التي ساقتهم إلى أن يتسنموا ذرى مناصبهم،

والاحكام البشرية الغير العادلة

هي التي ساعدتهم على الوصول إليها!

إن أعمال الوضيعة يأنف من الإتيان بها

حتى وحوش البر وكواسر العراء!

نعم أقول هذا بلهجة الجازم الواثق،

ولا أتراجع عنه،

خصوصاً وقد جرت الحادثة"!!...

وهنا التفت إليّ وقال:

"إنني أطلب منك أيها الغريب

أن تدون خطبتي

لتبقى خالدة في بطون الكتب،

تشهد على تلك النذالة البالغة حدها الأقصى"!

ثم عاد إلى الكلام،فقال:

"نعم!...إن الحادثة التي سأقصها عليكم،

تبرهن أنه لا يزال بين البشر أشخاص

قد انحطت أخلاقهم

إلى الحد الذي به يتسترون وراء مناصب

لا أدري كيف تجيز لهم حكوماتهم أن يتقلدوها،

وهم على ما هم عليه من ضيعة الكرامة،

وضعة الأخلاق!...

لأنهم يرتكبون من الفظائع أبشعها!...

مما تقشعرّ من هوله الأبدان،

وتنفر من رؤيته العيون،

وتتأذى من سماعه الآذان!

إن ما حلّ بأحد أصدقائي

-على يد أحد هؤلاء اللابشريين-

لهو الظلم الصارخ الصريح..

الذي لا يحتاج إلى برهان،

إذ إن براهينه لاصقه به ظاهرة كالشمس النيّرة...

جلية،واضحة لا يعتروها لبس ولا غموض.

أما حادث هذا الظلم الشديد الذي سأقصه عليكم،

فقد أثّر على مستقبل صديقي،

وأضرّ به ضرراً بالغاً،

حتى كاد ينهار صرح عائلته لولا لطف الله!

وكلأته الصمدانية بعينها التي ترقب من وراء الأفلاك

كل ما يجري على مسرح هذا الكون الدنيء

من كل صغيرة وكبيرة!

وإنني أعجب كيف أن الحكومات

لا تتبصر بهذا الأمر الجلل الخطير الشأن!

إذريجب عليها

-قبل أن ترسل قناصلها وممثليها السياسيين-

أن تكون متأكدة من أخلاقهم العالية وصدقهم الوطيد...

وخصوصاً أنهم ممثلو الحكومة،والأمة،

وأن ما يأتيه بعض الحشرات السامة منهم

 من أمور فاضحة

لمما يدل دلالة صريحة على أخلاق أمتهم...

وحكومتهم...

فإن كان (الممثل) حسناً

تكون امته وحكومته كذلك.

وإن كان على نقيض ذلك،يحكم الجمهور عليها أيضاً بنقيض ذلك.

لأن المفروض في الممثلين السياسيين،

أن يكونوا الطبقة الرفيعة

في علومهم،وأخلاقهم وآدابها واجتماعياتها.

لذا يكون الحكم بالغاً أقصى شدته

إن كانت أخلاقه وضيعة...

ثم...

فلتعلم الحكومة الرشيدة أن ممثلها السياسيين

عندما ينفذون غاياتهم الشخصية،

ويرسلون التقارير الكاذبة عن أي شخص كان،

وتأخذ هي بأقوال قنصلها الغير الصادق في ما يقول،

وتمنع الشخص الذي سوّلت

غاية ممثلها الشريف النسائية له ذلك،

ولم تحقق في مسألة ذلك (الشخص)

بعد أن استحصل على أوراق (حكومية)تثبت لها عكس ما قاله قنصلها...

وتفنّد أقواله،وادعاءاته بنداً بنداً...

نعم،لتعلم الحكومة

إن في هذا التعنت هضماً لحقوق الأفراد وسحقهم.

إنه من السخف،والهراء والسخرية اللاذعة

أن تتواطأ الحكومة القوية وتتألب

على رجل فرد أعزل كي تضطهده!

ألا ينظر بعد ذلك هذا (الشخص)

الذي قامت حكومة تحاربه،لا لشيء!

اللهم إلا أنه ضعيف لا حول له ولا طول؟!...

كلا!...إنه ليس بالضعيف!

إنها هي الضعيفة!

يا للعار الأبدي!

أتنفيذاً لغاية أثيمة

يرجوها القنصل من امرأة تدفعه إلى ذلك

وتقيم معه بصفقة دائمة؟!..

ألا تزرع بذور النقمة

في نفسية ذلك المهضوم الحقوق؟

ألا يسخط هذا الرجل البائس،بعد ذلك،

على المجتمع الإنساني؟

ألا يثور

ويمقت كل طبقة متسلمة مقاليد الامور،

تنقاد انقياد الأعمى الذي لا يبصر ما أمامه...

إلى أقوال قنصلها، بتحيّز ظاهر،

وإن كانت كاذبة؟؟

وثقوا أنه لو لم يأخذ صديقي تقارير(حكومية)

تنفي ما جاء في تقارير القنصل

الذي أقسم يمين الولاء أمام مليكه

باستعمال منصبه بكل صدق(وهو كاذب!)،

لما اهتممت لهذا،

ولما خطبت فيكم أيها المجتمعون حرفاً واحداً

أنتقد فيه أعمال الحكومة بشدة!

وسأبقى على ذلك-بغير تردد ولا هوادة-كلما سنحت لي الفرصة!

نعم! إن الحكومة بأعمالها هذه

التي تجريها عنوة واقتداراً

تزرع بذور النقمة في النفوس وتدعها تتأصل فيها!

ولا قوة بعد ذلك تستطيع أن تقتلعها وتلاشيها!

بعدما تينع،وتترعرع!!...

ثم...ثم...يا للسخف!...إنها بعد ذلك،

تحاربها بكل قواها!

وتنفق على محاربتها مئات العشرات،

بل آلاف المئات من الجنيهات!

ولكن دون جدوى!

كفاك! أيتها الحكومة العابثة!...

أو...أجري العدل،وضعيه في نصابه!

وأرسلي قناصلك-وهم نوابك ورسلك-ممن:

تربوا التربية العالية،وتثقفوا بالثقافة الرفيعة!

تخيّريهم ممن يعشقون الشرف والامانة،

ويكرهون الكذب والخيانة!...

إنني سأشن الغارة على الغبن الذي حل بصديقي!...

وذلك بخطبي الصريحة،

كي يدونها من يريد،

لتبقى سجلاً تقرأه الأجيال القادمة،

وتطلع على (العدل)

الذي كانت تجريه هذه الحكومة الظالمة!

وأقسم،

بأنه لن يستريح لي ضميري

ما لم يرجع لكل ذي حق حقه!

وعند ذلك،

عند ذلك فقط،

يطمئن خاطري!

وتهدأ هذه الشعلة التي ما زالت متأججة بين جوانحي...

وستبقى هكذا،

إلى أن يعود سيف العدل إلى نصابه.

أيها الحاضرون!

ثلاثة أعوام طويلة انصرمت!

وصديقي يحصي منها الأيام،

بل الساعات بل الدقائق بل الثواني!

وأنا أؤكد ذلك،وأجزم به،

علّ فجر يوم خلاصه يبزغ...

ثم إنه قد توسطت لصديقي(شخصيات عظيمة)

تكفي(كلمة)من أحداها

أن تجعل تلك المدينة الممنوع عن دخولها...

أن تهرع وتفتح له مصراعي بابها الموصد

على الرحب والسعة!!

ولكن تعنّت القنصل،وتشبث حكومته بأقواله الكاذبة،

منعا صديقي من الدخول،

رغماً عن توسّط(الشخصيات العظيمة)

دون أن يلبى طلبها الذي هو من البساطة بمكان.

وهل تعرفون لماذا؟

اسمعوا اسمعوا،

ثم تأسفوا معي على أخلاق من يحمل لقب (قنصل)

نعم،تأسفوا معي لقنصل غير(صادق)!

هي الحقيقة:إنه (كاذب)!...

هذا الشخص المشبع بالكذب والدناءة،

أحب امرأة ساقطة،وضيعة الأصل!

حتى غرق وغرق في هواها!

ولسوء الحظ! كانت تلك المرأة الجهنمية

تعرف صديقي المغموط الحقوق،

قبل تعرفها بمن يحمل لقب(قنصل)!!...

ومن هنا تبتدئ وقائع هذه الرواية

التي تعد أغرب من الخيال!...

إذ إن صديقي كان في مدينة القنصل!

وقد أوعزت إليه (المرأة) الطليقة

أن يستعمل نفوذه القنصلي

تجاه حكومته

كي يخرجوا هذا (الشخص)

الذي تحب أن تشاهد (الموت) وجهاً لوجه، ولا تراه!

وقد انقاد القنصل الضعيف النفس إلى آرائها!...

مع أن الأجدر به كان ألا ينقاد...

وأن يستعمل سلطة وظيفته بأمانة...

فأرسل التقارير الضافية الكاذبة

إلى المراجع المسؤولة وفي وزارة الداخلية!

ولما كانت الحكومة تعتمد على أقوال (معتمدها)

وهذا مما لا نؤاخذها عليه-

فقد صدقت كل ما جاء في هذه التقارير،

ونفذت ما ورد فيها بالحرف الواحد!

ولكن ما نؤاخذها عليه،حقاً،

أنه كان الأجدر بها

-وهي المحافظة على العدالة والحق-

أن تدقق،وتحقق في دراسة(الأوراق)

التي استحصل عليها(صديقي) من رجال الامن العام!

وبعد اطلاعها عليها

يتبين لها إفك(القنصل) وأكاذيبه،

فترجع الحق إلى نصابه!

وهذا ما لم تقم به،رغم تبينها الحقيقة!

حتى مدير الأمن العام

لم يكلف نفسه مشقة الإهتمام بهذا الأمر!

في حين انه هو المسؤول عن ذلك!

فضلاً عن انه اطلع على هذه المسألة،

ورجا منه بعض شخصيات من رجال السياسة

أن يعيد(الحق)إلى نصابه،

فلم يقبل...

لأنه...صديق القنصل!

ولكن...

يا لسخرية الأقدار من شخصيات ضعيفة النفوس!

ويا للقدر الجبار الذي لا يرحم!

فإنني أؤكد لكم أيها المستمعون الأعزاء!

أن مدير الامن العام أخرج من منصبه!

ولا أدري ما هي الصناعة التي يقوم بها الآن!

فقد انتقم القدر منه،

ومن أصحاب السلطة الذين يمتون إليه بصلة القرابة!

فلا أرجعهم الله!

ولا أعاد لنا أيامهم السوداء الدامسة!

وستبقى تلك الأعمال البربرية التي قاموا بها

وصمة في جبين الأبد

لا تستطيع محوها العصور والأجيال الآتية!

ويتناقلها الخلف عن السلف!...

والآن!

يا من بيدكم مقاليد الأمور!

إن الشعب اختاركم

لتحكموا بينه بالعدل أحكاماً عادلة،

لا أن تكونوا جلاديه!

أو...تجروا عليه أحكام نيرون الطاغية الذي فقتموه في الظلم والعدوان!

أيها البرابرة القساة!

ألقوا نظرة على العصور الغابرة

تروا في تاريخ كل امة طغت وبغت،

إلى أي مصير كانت أيامها الاخيرة،

وكيف كانت نهايتها الأليمة!...

...أنظروا إلى الهوّة التي ابتلعت  كل حكومة جبارة...

كانت تحكم كما كان يوحي إليها ضميرها(الهوائي)!...

أنظروا إلى التاريخ القريب،

لا،بل إلى (الثروة الفرنسية)

التي التهمت الاخضر واليابس،

واجتاحت امامهم كل معترض لإراتها!...

أخبروني!

أين هو (الباستيل)؟!

رمز الجبروت و القوة الغاشمة؟!

لقد عفا أثره،

وأصبح أقصوصة الأيام الآتية!

إذ كل ما تعدى أقصى حده

يأتيه يوم ينقلب فيه إلى ضده!

إسمعي(نبوءتي)أيتها الحكومة:

"سوف يأتي(يوم)تنقلبين فيه شر مُلَب،

وتكونين عبرة لكل معتبر!

إنك غير عادلة في أحكامك،

إنك قاسية القلب،فظة الطبع،جافية الضمير!...

تحكّمين عاطفتك على عقلك،

لا عقلك على عاطفتك!...

لقد حكمت ظلماً على صديقي...

ومن يحكم بالظلم على فرد من أبناء الشعب،

لا يتورّع عن ظلم باقي الإفراد أيضاً!...

سيأتي يوم تكون فيه مقاليد الأمور...في أيدينا،

وعندها سنكيل لك يالكيل الذي سبق وكِلت لنا به!...

وسنحاسب كل فرد منك أتى الظلم...بما يستحق!

إذا كنت جبارة حقاً-كما تدعين-

فاخلصي من نير الأجنبيّ

الذي ما زلت ترسفين في قيوده،

منذ مئات السنين!

إنه يطوق عنقك بالعار،

نازعاً عن رأسك إكليل الغار!...

فيا للذلّ!بل،يا للشنّار!...

بمحاربتك فرد أعزل من كل سلاح!

تظنينها رجولة!

وتتبخترين بعد ذلك...بسطوتك،ومقدرتك!...

أحجبي وجهك عاراً وخجلاً،

يا من تدعين العظمة المزيفة!

إذ إنك...أمام أبسط أميّ أجنبيّ،

تقفين مكتوفة الأيدي مقفلة الفم جاحظة العينين...

لا تستطيعين رفع سبابة يدك.أمام وجهه القويّ!...

كفاك تعنتاً!...

وكفاك إرهاقاً وظلماً لأبناء جلدتك!...

إذ إن الحكومات الأجنبية تنظر من وراء الستار،

           إلى كل ما تقومين به من صغيرة و كبيرة!...

وتزن بميزان حكمتها وتروّيها

ما تقومين به من أعمال سخيفة طائشة!

فتعود

-بعد هذا الجهل الفاضح والغرور المزيّف

من رجالك المسؤولين-

وتقول بنفسها:

"ما دام رجالها المتعلمون المثقّفون يقومون بهذه الصغائر،

إذن...لم لا نبقي نيرنا في عنقها

إلى ما شاء الله؟!...

أيتها الحكومة

(إسمعي نبوءتي)الصّادقة:

" إنّ الظلم والإرهاق الذين تزرعينهما اليوم،

ستحصدينهما غداً : ثورةً وانقلاباً ...

وفي امبراطوريّة روسيّا المسكينة، لكِ خير شاهد.

إذ إنّ ( الأشراف) الروسيين،

عندما طغوا وتجبّروا،

حتى انّهم كانوا يأنفون من ردّ تحيّة الزرّاع والصنّاع الذين هم من أفراد الشعب،وكأنّهم من غير طينتهم!-

وبعدما بلغت الكأس الثمالة،

ولم يعد في قوس الصبر منزع،

دبّت روح العصيان في الملايين...

واجتاحت في طريقها كلُّ معترضٍ لها،

وقوّضت أركان تلك الأمبروطوريّة العظيمة الشأن!

وستبقى أبد الدهر، دون أن تقوم لها قائمة!!...

نعم،

إنّ هذا الأمر الجلل،

ما كان ليحدث،

لولا الظلم والإرهاق الذان كان أكثر المسؤولين

يذيقونهما في كلّ يوم أولئك الأفراد المساكين!...

وكانت أموالهم، وقصورهم، وخيولهم، ومركباتهم،

وما هم فيه من نعيم ولذاذات...

من أتعاب الضعفاء، وشقاء المساكين،

وأعمال أيديهم، وكدحهم، وكدّهم المتواصل!...

نعم!

لولا الظلم والإرهاق لما حاق بروسيّا ما حاق!...

ولبقيت في قمّة عزّها وعظمتها، وسؤددها وجبروتها!...

وأنت اليوم،

تمثّلين الدور الذي سبق ومثّله حكّام روسيّا وطغاتها!

وإنْ بقيتِ على إرهاقك هذا ،

فسيحلُّ بك ما حلَّ بها ...

والعياذ باللّه من ذلك ( اليوم ) العصيب!...

أيّتها الحكومة!

لا تنسِ أيضاً :

أنّ نير الأجنبيّ لم يرفع عن عنقكِ

في طوال تاريخك المعروف حتى يومك هذا!

وإنّه لعدلٌ وحقّ

هذه الأغلال التي ما زالت تقيّدك!

وإنّ رسوفك فيه لهو العدل بعينه!

إذ لو كنت طليقة،

ماذا كنت تقومين به ، ساعتذاك،

من أمور فظيعة وضيعة!؟...

إنّه رغماً عن شلِّ حركتك في الأصفاد التي تقيّدك...

وتمنعك من الإنعتاق،

رغماً عن كلِّ هذا ،

تجرين من الفظائع ...

ما يشيب له ولدان الأجيال القادمة،

فضلاً عن الحاليّة!

فكيف بك لو تحكمين نفسك بنفسك؟!

وهذا منك بعيد المنال،

وحلم ذهبيّ ...

لن تحقّقه لك الأيّام !...

أيّتها الحكومة،

أصغي، وعي ما أقوله:

  • ستدور بك الأيّام دورتها!

وسترين – بعد ذلك – إلى أيّ مُنْقَلَبٍ تنقلبين!...

وستجتاحك أعاصير ظلمك الفاحش!

فتذريك ... في أربع جهات المعمور!...

فتتلاشين!...

وعلى أشلائك المتناثرة:

سيرقص كلُّ مظلوم!!

وسيلعنون حتى ذكرك إلى الأبد!...

ستعولين يوم ذاك... كالنساء الثكالى!

ولكن... لن يرحمك أحد!...

وهل رحمتِ أنتِ المظلومين!؟ كي ترحمي!؟...

أيّتها الحكومة الغاشمة... الصخريّة القلب!

يا من ... لا تحوين عاطفة الرحمة!...

اعلمي:

أنَّ في السماء عيناً تراقب كلّ ما تأتين من مظالم ( محاكم التفتيش )البائدة

في القرون الوسطى!!!

ولكن...

سيأتي يوم

يُنْزل فيه – الجبّار – عليك نيرانه وأهواله...

فتصعقين!...

إذ إنّه وهو ( الجبّار ) العادل

  • المنتقم للضعفاء ولمهضومي الحقوق –

ينظر من عليائه ما يحيق بهم من مظالم،

ويكلأهم بعينه ويحفظهم من الطغاة البغاة،

وسيعلم الظالمون أيّ مُنْقًلبٌ ينقلبون!..."

*   *    *  

وهنا...

خرج الزبد من شدقي الخطيب...

وتوتّرت أعصابه إلى الدرجة القصوى!

وتغيّرت سحنته إلى شكل مخيف!

وبدت عليه... دلائل الجنون المطبق!

حتى بات منظره يلقي الرعب

في أقصى الأفئدة الجبّارة!

ثمّ ألقى على الحاضرين نظرة، وقال:

" أيّتها الجماهير المتراصّة المصغية إلى خطبتي،

إنّ صديقي حاول – كما أسلفت القول – محاولات الجبابرة

كي يدخل ثانيةً... إلى تلك ( المدينة ) !

فلم يفلح مطلقاً!

رغم تلك التقارير التي استحصل عليها ، والتي تكذّب تقارير ( القنصل) المنقاد لرأي ( المرأة)

والتي لا تزال تقيم معه...

والآن ،

إنّني باسم الشعب!

أقول لك أيّتها الحكومة !

يا من تتبجّحين بقوّتك، وسطوتكِ، وعدلك، واحكامك!

وأنتِ أعجز من أن تستطيعي

إخراج أحقر مجرم أجنبيّ ...

أصدقيني القول أيّتها الجبّارة...

أيّتها الحاكمة بأمرها...

هل تستطيع قوّاتك بأكملها

أن تأتي بهذا ( الأمر) البسيط؟!

كلاّ!

لا أظنُّ هذا بالإمكان!

إذاً،

طاردي المجرمين،

إضطهدي القتلة والسارقين،

أظهري مقدرتكِ على الفوضويين،

طهّري بلادكِ من شرذمة الفجّار والفاسقين،

ثمّ!... أبعدي قناصلك الأدنياء النفوس...

المتّخذين كراسي مناصبهم... لقضاء مآربهم!...

أمّا مطاردتك الآمنين الوادعين الصادقين!...

وأخذك بأقوال ( ممثّليك) السياسيين بعين الإهتمام والإعتبار،

رغم تأكّدك،

بعد الإستحصال على شهادات ( رسميّ’ ) تفنّد أقوالهم...

وتظهر غاياتهم النسائيّة... الوضيعة!

وإبقاؤك إيّاهم في مناصبهم يرتعون!...

ويرتكبون – عن طريقها – أحطّ الجرائم،

وأنكر المآثم والمحارم!

فبعملك هذا! تظهرين عجزك،

وتوتّرين النفوس عليك!...

ولكلّ إمرئ في هذا الكون يوم يأتيه!

فها هي الملوك قد ثُلّت عروشها!

ودُكّت حصونها وفُلّت جيوشها!

وخارت عزائمها، وانهارت عظائمها!

وتقوّضت دعائمها، وتوارت معالمها!...

*   *   *

إلى هنا إستيقظْتُ من حلمي الرهيب الغريب !

لا ، بل من هذا الكابوس المخيف العجيب...

الذي استولى عليّ طوال الليل!...

فنهضّت...وحمدّت اللّه على أنّه ليس إلاّ ( حلماً)!!

ولكن!...

هلْ حقيقة... أنّ للأحلام مغزىً،

كما يقولون؟؟!...

 

القدس1933

 

 

Back To  مبادىء داهشيَّة