info@daheshism.com
رابعًا: السيِّدُ المسيح

ليس لنبيٍّ كرامةٌ في وطنه

 

الساعة الذرّية تعلن أنّنا دخلنا في العام 1995، منذ أعلن السيّد المسيح ثورته الكاسحة على أنظمة هذه البشريّة الفاسدة.

فها قد إنطوى 1995 عاماً على تلك الصيحة الجبّارة، التي أطلقها سيّد الثورة النبيلة، كي يحطّم بواسطتها كبول الظلم والإرهاق، ويقطع أغلال الرقّ والعبوديّة، وكي يحقّق الحلم الذهبيّ الذي نشدته البشريّة الحائرة في أمرها، منذ كوّن الباري هذا العالم التاعس البائس.

ولكنّ هذه الصرخة الهزبريّة، التي رجّعت صداها الكرة الأرضيّة، وردّدتها البريّة، لم تجد أرضاً خصبةً في ذلك الزمن، مثلما هي الآن. فباءت هذه البشريّة بالذلّ والهوان، والخيبة والحرمان.

فردٌ أعزل، إلاّ من الإيمان واليقين باليوم الأخير، دافع عن الحقّ دفاع الجبابرة، ونافح عن العدالة نفاح الرآبلة، وكافح الشرّ كفاح الليث في غيله وعرينه. فهاجمه في مواطنه الشديدة الخطر، دون أن يأبه لجبروته، ودون أن يأخذ لنفسه الجذر. وأراد هذا الجبّار أ، يمزّقه شذر مذر، كي ينقذ من هبط لإجلهم من البشر:

ثلاثةً وثلاثون عاماً جاهد جهاداً مستميتاً، داعياً الجميع لإنتقاض على دستور القوّة والبطش، دون أن يسير في ركابه أحد، خوفاً من الدولة الرومانيّة القويّة الشكيمة، وذات الشوكة والإقتدار.

اللّهم، ما خلا نفراً من البسطاء اللذين فتنتهم تعاليمه العلويّة، وأضاءت قلوبهم بأنوار المعرفة الإلهيّة.

لم ييأس، ولم يقنط، ولم يتراجع، ولم يلقي سلاحه، بل راح يهاجم قيصر روما في شخص هيرودس، طاغية فلسطين، حيث نشأ ابن السماء، وحيث ترعرع.

وفي النهاية، عظمت التضحية وضخم العداء. فقد بذل الثائر حياته فداءً لحريّة البشريّة المعذّبة: هذه البشريّة المتألّمة التي أعمت الشهوات والنزوات بصرها وبصيرتها، فقدمته ضحيّةً على مذبح جهلها الصارخ، إذ كافئته على جهوده في سبيل تحريرها، وحبّه إيّاها ، بتعليقه إيّاه على خشبة الصليب. فيا للهول الرهيب!

وماذا كانت النتيجة؟

كانت رهيبةً وذات أثر بعيد.

فإنّها منذ ذلك التاريخ المشؤوم، وهي راسفة في قيود الذلّ والمهانة. وعوضاً عن حصولها على إكليل الغار، قنعت بتتويج مفرقها بشارة العار. فيا للعار!

إنّ السيّد المسيح، له المجد، لم يضرّه الأمر. فابن السماء قد عاد إلى السماء؛ وابن الفردوس عاد إلى فردوسه، بعد فترة قصيرة قضاها بين أبناء الأرض، كي يرفعهم معه إليه. فانكروه وطردوه، وأهانوه وازدروه وشرّدوه، وأخيراً ... صلبوه وعذّبوه، ثمّ بكوه وندبوه.

منطق أعوج، وخلق أعرج، واتّجاه سفيه... إنّ الضّرر البليغ قد حاق بهم وبذرّيتهم، والأسف الفادح قد غمر أرواحهم وتغلغل في أفئدتهم...

فناحوا ... ولكنْ بعدما انطلق الطائر إلى فراديس الجنان ، وتوارى عن العيان. فما كان قد كان.

أمّا الآن فانّهم يرفعون إليه صلاتهم، ويلتجئون إليه في ساعات أحزانهم، ويبثّونه لواعج آلامهم وأشجانهم.

هم الآن يحترمون مخلّفاته ويقدّسون ذكرياته، ويردّدون روائع آياته، ويتغنّون بمعجزاته.

خسئتم، يا أرواح الشرّ، فإنّكم تتضطهدون أنبيائكم ومرسليكم ، عندما يكونون بين ظهرانيكم، وتتهمونهم بأشنع إتهاماتكم، وتقذعونهم بشفار ألسنتكم، وتسلقونهم بصديد مفترياتكم الدنيئة، وتضطهدونهم بخسّة تحسدكم عليها بنات الخيانة.

وعندما ينطلقون من أرضكم ، ويخلّفون لكم جيفتكم الكريهة، إذ ذاك، تعرفون قيمتهم فتندمون، ولكن حين لا تجديكم ندامتكم، بل نتانتكم وخيانتكم. فيا ويحكم من يوم الدين !

أو لم تضطهدوا أيضا" النبي صلعم فأرغمتموه على الهجرة القاسية؟ وكيف لم تفتنكم آيته المنزلة التي لو لمست الصخور الصلدة لآلنتها ودعتها تخشع وتؤمن بنبوّته. فمن هو غير النبيّ الذي يستطيع أن يأتيكم بهذه الآية الكريمة، التي هي لغة الملائكة، يتخاطبون بها فيفتنون النجوم ببلاغتها ، ودقّتها، وشفافية رقّتها، ثمّ روعة سبكها، وعذوبة سحرها:

" اللّه نور السماوات والأرض.

مثل نوره كمشكاة فيه مصباح،

المصباح في زجاجة.

الزجاجة كأنّها كوكبٌ درّيّ،

يوقد من شجرةٍ مباركة،

زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة،

يكاد زيتها يضيء ولو لم تمْسسْه نار.

نورٌ على نور.

يهدي اللّه لنوره من يشاء.

و يضرب اللّه الأمثال للناس .

واللّه بكلِ شيءٍ عليم "(1)

  • * * 

(1) القرآن الكريم، سورة النور، الآية 35

 

 

Back To  مبادىء داهشيَّة