info@daheshism.com
ثالثًا: عوالمُ الفراديس

الكوكب فومالزاب

 

واقترب الكوكب فومالزاب من الكرة الأرضية التي يقطنها البشر، وأصبح على مسافة عام من النور(1) منها. وهذا الكوكب بلغ من الحضارة الشأو الأعلى.وهو يقترب من الأرض كل مليار عام.ويمكث بمركزه الجديد عاماً كاملاً ثم يعود إلى مركزه السابق.

وقد أمر إمبراطور الكوكب أن تجهز السفن الكونية الثلاث لتذهب إلى الأرض.فالكوكب عندما تنتهي مدة اقترابه من كوكب الأرض ويعود إلى مركزه  الكونيّ،تحتاج المركبة التي تسير بسرعة النور لتصل إليه ملياراً ونصف مليار عام. وفي كل مليارين من الأعوام يعود فيقترب من كوكب الأرض فيصبح على بعد عام من النور عنه.

وجهزت المراكب الثلاث. فالأولى تحمل على متنها 200 رجل. والمركبة الثانية وضعت بداخلها الآلات الإلكترونية التي يمكن أن يتصل بواسطتها رجال السفينة بكوكبهم الحبيب،كما يستطيعون أن يشاهدوا بعضهم بعضاً بأثناء المخابرة الكونية.كما وضعت بها آلات معقدة تستخدم لدكّ الجبال وترديمها،إذ لزم الأمر، ولحفر أعماق سحيقة. وغيرها من الآلات الصغيرة بحجمها الكبير بفعلها،فهيتستطيع أن ترفع أثقالاً هائلة بينما هي بعيدة عن هذه الأثقال،إذ تكفي لمسة على الجهااز العجيب ليتم رفع تلك الأثقال لارتفاعات شاهقة.

أما المركبة الثالثة فقد وضعت فيها الأجهزة التي تصنع بها الأطعمة بمختلف أنواعها. فهذه الآلات العلمية الدقيقة بإمكانها أن تحيل ما يوضع في داخل الأوعية من قشور ونفايات  لطعام لذيذ بدقيقة واحدة.إذ تتحول النفايات إلى كتلة كالعجين يكيفها الجهاز لأرغفة جاهزة للطعام تتخذ طعماً لذيذاً للغاية. كما يستطيع هذا الجهاز الإلكتورني أن ينوّع مذاق الأطعمة حسما يراد لها أن تكون.وقد ثبّت بهذه المركبة أيضاً جهاز يجعل الطقس حاراً أو بارداً،كما يستطاع أن يبقي الطقس صحواً أو ممطراً. وكذلك وضع فيها جهاز كعربة تستوعب ستة رجال كوكبيين،وتسير بهم بسرعة على الأرض أو الماء أو بالفضاء.

وجهزت المركبات الفضائية الثلاث،وأديرت محركاتها دون أن يصدر عنها صوت وكل منها بطوابق ستة.

وقد اجتمع علية القوم والمسؤولين من رجال الحكم ليودعوا الراحلين.وانطلقت المركبات بسرعة هائلة وإذا بها تغيب عن الأنظار.

وكل مركبة كونية يقودها أربعة قباطنة،إذ هي مستطيلة كالقلم،لكن داخلها لولبيّ.فيجلس القائد وهو ممسك بعصا القيادة،وكذلك بنهاية المركبة قائد آخر،وعلى جانبيها الأيمن والأيسر القائدان الآخران.وأمام كل منهم نافذة عليها ماذة شفافة لا يستطيع الرصاص أو ما هو أشدّ مفعولاً منه أن يخترقها،ومنه يشاهد القادة طريقهم.

إذاً المركبة يقودها أربعة رجال،ولكن بانتظام.فالقائد الأساسي هو احدهم.وإذا لزم الأمر أن تتجه المركبة إلى الناحية اليمنى، فمن الصعوبة أن يتم اتجاهها وهي تسير بسرعة النور، فبمحاولتها للإتجاه إلى الناحية اليمنى تكون قد قطعت مئات الآلاف من الأميال وأصبحت بعيدة عن هدفها. فالوحالة هذه،يضاء نور بنفسجي أمام القائد الذي يجلس على الميمنة،فيقودها فوراً لاتجاهها الصحيح. وإذا كان الهدف الناحية اليسرى،أضيء النور البنفسجي أمام الجالس من تلك الناحية فيقودها فوراً،بينما تطفأ محركات الرأس الأمامي والخلفي والجانب الأيمن. وإذا أريد أن تسير المركبة باتجاه معاكس لتبلغ هدفها، تعطى إشارة الضوء البنفسجي للقائد الجالس هناك فيقودها لهدفها.

كان الرجال المئتان يصغون لموسيقى كوكبهم المشنفة للآذان وهم يشاهدون البرنامج أيضاً.بينما سفينتهم تسير بسرعتها الخارقة التي تعجز عنها الختراعات الأرض.

الرجال أقزام. فارتفاع الطويل منهم 35 سنتيميتراً.لكن لديهم طاقة مذهلة.فالقزم منهم يستطيع أن يرفع أثقالاً يعجز عنها عشرة رجال من رجال الأرض!

أما  حديثهم فيتم بواسطة النفخ. فعندما يتحدثون ينفخون حيناً بأفواههم وحيناً بأنوفهم، وهذه النفخات تؤلف لغتهم الكوكبية. ومنها الصفير المتنوع فهو تتمة اللغة الفومالزابية.

أما عيونهم فحجمها كرأس المسمار، وسرعتهم بالركض والقفز خارقة،وآذانهم مستطيلة،وبقدر استطالة الأذن يكون ذكاء المرء أو عدمه. فمن تستطيل أذنه حتى تبلغ الأرض-رجلاً كان أم امرأة-فذكاؤه عجيب،وهو محترم للغاية.

امرأة واحدة فقط رافقتهم،وهي زوجة رئيس الحملة،وقامتها 30 سم.وهي تعتبر من الملسنات،فحديثها النفخي لا يجارى،وهي مثقفة رغم صغر سنها،فهي في عامها الألفي،أي في ربيع عمرها وزهرة صباها فسكان فومالزاب يعمّر كل منهم 6000 عام.ومديدو الحياة-وهم قلة-تمتد أعمارهم حتى السبعة آآلاف من الأعوام.

والمرأة بطبيعتها تحب الزينة.لهذا كانت زوجة قائد الحملة تنفث بفمها من جهاز صغير بطول الإصبع،فتخرج منه مادة تتخذ شكل دائرة تستطيع أن تشاهد فيها وجهها.ثم تذوب هذه الدائرة في الفضاء وتتلاشى المرآة.

أما زوجها فعمره 2000 عاموهو أقل ثقافة منها.وقد حاول منعها من مرافقته، ولكنه لم يستطع أن يفرض إرادته عليها، فهو متأكد أن الرجال يستميتون في سبيلها، وكل منهم يتمنى أن تكون زوجة له إذا انفصل عنها، والسعيد منهم من تختاره.ولهذا رضخ لرغبتها، فرافقت الحملة.وكان جميع من في المركبة ينفذون رغباتها فوراً والسرور يغمرهم إذ أسرتهم بأنوثتها البادية للعيان.

عاماً كاملاً أمضته السفن وهي تقطع محيطات الفضاء وأوقيانوساته بسرعة النور.وكانوا بأجهزتهم الدقيقة المذهلة يشاهدون الأرض وما يجري فيها من خير وشر.

كما كانت أجهزتهم العلمية الخارقة تتيح لهم أن يأخذوا نسخاً عن الصحف اليومية والأسبوعية والكتب التي تصدرها المطابع. وكان جهاز الكتروني يترجمها للغة كوكبهم فومالزاب.فيطالعون ما خطته أقلام أهل الأرض، وهو لا يضارع آدابهم الرفيعة وثقافتهم العالية.

وكانت سافاليا زوجة رئيس الحملة تقضي أكثر أوقاتها في الحديقة حيث تجلس بين ورودكوكبفومالزاب العجيبة الأشكال تقطف منها باقة عطرة، وتشبك وردة بشعرها لتشبع غرورها النسائي. وكانت الحديقة تضم عدداً كبيراً من أشجار الكوكب الغريبة المنظر والعطرية الرائحة.وكانت سافاليا تصغي لتغريد طيور زرقاء وكحلية وإسمانجونية وقوس قزحية،وكان صدحها وكأنه موسيقى تعزفها السماء.وفي أحد الأيام استخفها الطرب وهي تجلس بين الأزهار بحديقة المركبة الكونية،كانت بلابل الكوكب ذات الألوان المتعددة تغرد أغاريد البهجة وهي تتنقل على الأغصان الملونة ا أيضاً،فأنشدت سافاليا النشيد التالي:

أنا سافاليا الجميلة

تحملني المركبة ياتانيا منطلقة بي بسرعة النور

وانا أجلس في جنة مصغرة تمثل جنات فومالزاب كوكبي المفدى،

تحيط بي مجموعة من ورود وأزهار جمالها عجيب غريب.

وبلابل كوكبي ينشدنني أغاريدهنّ العذبة،

تشاركهنّ طيور بلادي التي اشتقت إلى ربوعها المذهلة الفتنة.

وأنا اود ان أبلغ كوكب الأرض،

لأشاهد عالماً غير عالمي العظيم،

جائبة رحابه طاوية سهوله، مخترقة جباله،هابطة أوديته.

ثم يحدوني الشوق للعودة إلى مدينة أحلامي فومالزاب

فأطير إليها بخيالي،ثم تحلق بي ياتانيا،

عائدة بي إلى وطني الحبيب،

حيث ولدت وحيث سأموت وأدفن بربوعه المقدسة.

كان الإتفاق قد تم على المكان الذي سيهبطون فيه،وقد اقتربوا منه وكانوا على ارتفاع عشرين مليوناً من الأميال فوقه. وإذ ذاك أوقف القائد محركات السفينة وكذلك السفينتين الأخريين،وأشعلوا محركات أخرى سرعتها عادية، وابتدأوا بالهبوط.أخيراً،استقروا في سهل ممتد المسافات.

وصادف دقيقة هبوطهم مرور قافلة من الجمال،ففغر رجال القافلة أفواههم عجباً مما شاهدوه،واقتربوا من مكان المركبات،وإذا بهم يتطايرون بالفضاء.

وشاهدوا رجالاً قصار القامة ينفخون باستمرار بقوة وعصبية،وفهموا من نفخهم وإشاراتهم اليدوية أنهم يطلبون منهم الابتعاد فوراً.فولوا الأدبار،والخوف قد هزهم هزاً.

وتوقفت المحركات،وضغط قائد المركبة الأم على جهاز داخليّ،وإذا بقبة كالخيمة من المعدن تظلل المركبة،وكذلك فعل الفائدان الآخران بمركبتيهما.

وتجمهر أهل القرية لمشاهدة أعجب ما يمكن أن تشاهده العيون،والدهشة مرسومة على وجوههم.وذهب عدد من رجال السفينة إلى غابة تبعد عن مكان استقرارهم، نصف ساعة. ورافقتهم جماهير من أهل القرية.وقد ارتقى رجال الكوكب الأشجار،وامتشقوا أوراقها وطلبوا بالإشارة من الجمهور أن يفعل فعلهم.فصعدوا الأشجار وجردوا الأغصان من أوراقها، ووضعت الاوراق ضمن اوعية عميقة.ثم سلّط الأقزام عليها أشعة خضراء من آلة صغيرة،فتحولت أوراق الأشجار إلى عجين قطع كأرغفة.فأكلوا منها وأطعموا أهل القرية الذين ذهلوا من هذه الخارقة، كما استطابوا ما أكلوه للغاية.

أما الماء فكانوا يضعون الوعاء، ويسلطون عليه أشعة صفراء،فيمتلئ بماء صاف مذاقه كماء الينابيع الجبلية.وبإمكان هذا الجهاز أن يدع الماء بارداً جداً أو في غاية السخونة.

وكان كل قزم يحمل بيده عصا طولها 31 سم، وثخانتها 20 سم، وبأعلاها فتحة صغيرة وفي أسفلها ثبتت عجلات ككلل الأولاد.وهذه العصيّ المعدنية مجوفة.وقد دخل كل قزم في عصاه،فإذا بهذه العصي تسابق الريح، فهي مراكب عجيبة غريبة، وعادوا بها حيث تقف مركباتهم الفضائية مخلفين أهل القرية والعجب الشديد قد استبد بهم أيما استبداد.

واختار رجال الكوكب فومالزاب سهلاً شاسعاً في تلك القرية. وركزوا آلاتهم الالكترونية،ثم باشروا في الأسبوع الأول من وصولهم إلى كوكب الأرض،بناء هيكل عظيم تخليداً لزيارتهم للأرض.وقد حولوا أكواماً من تلال الرمال والحجارة إلى معجونة بواسطة آلاتهم الالكترونية.ثم قطعوها بقياسات مختلفة اختاروها ونفذوا فكرتهم فجعلوا منها أعمدة ضخمة للغاية،ومنها حجارة مختلفة الأحجام. ورفعوا هذه الأعمدة بآلاتهم العجيبة،فإا هي منتصبة شامخة تناطح السحاب.وثبتوا على قمة كل عمود منها تاجاً حجرياً هائل الضخامة والثقل.

ثم سقفوه بحجارة متداخلة بعضها ببعض،فأصبحت كأنها قطعة واحدة لا انفصام فيها.كما أقاموا سوراً مرتفعاً حول الهيكل العظيم،ووضعوا أعلاه بضعة حجارة هائلة الطول والعرض، وتركوا حجراً ضخماً للغاية من المعجونة التي صيغت من الرمال والحجارة، وأبقوه بمكانه، وهو يعرف الآن بحجر الحامل، إذ لا يزال ملقى منذ ذلك العهد السحيق.وقد أنهوا بناء الهيكل بخلال شهر.فآلاتهم الإلكترونية تقوم بالعجائب والخوارق.

كذلك تزوج عدد منهم من بنات الأرض.وبعد رحيلهم ولد لهم بنون وبنات.

وبعد مضي ستة أشهر على وصولهم صعد الرجال الأقزام إلى مركباتهم الفضائية الكونية واجتمع أهل القرية بأكملها لوداعهم وكانوا قد تعلموا طريقة حديثهم النفخي لكثرة الاستمرار.كما تعلم رجال الكوكب بضع كلمات أرضية.

واشتعلت محركات المركبات الكونية،وبلمحة خاطفة اعتلت الفضاء،ولسرعتها الهائلة غابت عن الأنظار.

ذهبوا عائدين إلى كوكبهم الموغل في الأبعاد اللانهائية مخلفين وراءهم قلعة بعلبك الشهيرة شامخة تتحدى الزمان،وهي كشاهد على زيارتهم لكوكبنا الأرضي.

 

نيويورك الساعة 25.2 دقيقة

بعد ظهر 29/3/1977

 

 

Back To  مبادىء داهشيَّة