info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "مختارات من كتب الدكتور داهش "

 

 

مَن أنتَ يا سيد؟!

أنا يسوع الذي تضطهده

 

أجل.لقد مرعلى هذا السؤال الملح والجواب الهاديء ما يقارب العشرين من الأجيال، وما زالت رنتهما جديدة في آذان الناس ولفظهما معسول المقاطع على لسان التاريخ والرسائل.

وهكذا قل عن موجة ذينك الصوتين العميقين واتصالهما الدائم بين الماضي البعيد والقريب الحاضر،وتلك الصفحات التي خطتها أنامل الفداء والتضحية في سبيل الإنسانية فهي ما زالت طرية المداد معصومة من التلف والفساد.

وإلى القارئين خلاصة الحادثة التي وقعت لبولس على مقربة من الشام كما هو مدون في كتاب "العهد الجديد" اصحاح(9:1 – 22):

" أما شاول فكان لم يزل ينفث تهدّدًا وقتلا عن تلاميذ الرب. فتقدم إلى رئيس الكهنة وطلب منه رسائل إلى دمشق، إلى الجماعات، حتى إذا  وجد أناسًا من الطريق – رجالاً أو نساءً – يسوقهم موثقين إلى أورشليم، وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق، فبغتة أبرق حوله نور من السماء فسقط على الأرض وسمع صوتًا قائلاً له: شاول شاول! لماذا تضطهدني؟ فقال: مَن أنتَ يا سيد؟! فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده صعب عليك أن ترفس مناخس فقال وهو مرتعد ومتحير: يا رب ماذا تريد أن أفعل؟ فقال له الرب: قم وادخل المدينة، فيقال لك: ماذا ينبغي أن تفعل؟ وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحدًا. فنهض شاول عن الأرض وكان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحدًا.

فاقتادوه بيده وأخلوه إلى دمشق، وكان ثلاثة أيام لا يبصر فلم يأكل ولم يشرب.

 

وكان في دمشق تلميذ اسمه "حنانيا" فقال له الرب في رؤيا: يا حنانيا! فقال: هاأنذا    يا رب، فقال له الرب: قم واذهب إلى الزقاق الذي يقال له "المستقيم" واطلب في بيت يهوذا رجلاً طرسوسيًا اسمه "شاول"، لأنه هوذا يصلي وقد رأى في رؤيا رجلاً اسمه "حنانيا" داخلا وواضعًا يده عليه لكي يبصر، فأجاب حنانيا: يا رب قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل، كم من الشرور فعل بقديسيك في أورشليم، وهنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة أو يوثق جميع الذيبن يدعون باسمك. فقال هل الرب: إذهب لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني اسرائيل، لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي.

 

فمضى حنانيا ودخل البيت ووضع عليه يديه وقال: أيها الأخ "شاول"، قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس. فالوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور، فأبصر في الحال، وقام واعتمد وتناول طعامًا فتقوى.

 

وكان شاول مع التلاميذ الذين في دمشق أيامًا، والوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح: أن هذا هو ابن الله، فبهت جميع الذين كانوا يسمعون، وقالوا: أليس هذا هو الذي أهلك في أورشليم الذين يدعون بهذا الاسم، وقد جاء إلى هنا لهذا ليسوقهم موثقين إلى رؤساء الكهنة؟ وأما "شاول" فكان يزداد قوة ويحيراليهود الساكنين في دمشق، محققًا أن هذا هو المسيح".

 

إن "شاول" هذا، إنما هو"بولس الرسول" المعروف بين الرومانيين والعبرانيين أنه قطب من أقطاب السياسة، ورب من أرباب الناموس، وقد شن غارة جارفة على أولئك المسيحيين، وعلى المسيحية في أول عهدها، ولم يكتف بذلك حتى قام يلحق بهم إلى الشام، وقبل أن يبلغها ظهر له يسوع وكانت تلك الظاهرة الروحانية.

 

واليوم في العام الثاني والأربعين بعد التسعماية والألف في منتصف هذا الجيل الكافر، تستيقظ الكلمة من رقادها العميق الصامت ليحملها جبار الحياة على شفتيه الناعمتين ويرمي بها آذان التائهين في صحراء الأهواء علهم يهتدون.

 

لقد استوفت الأرض شرورها والدنيا غرورها، ونالت كل نفس قسطها اللازم من تلاميذ السماء، فإلى متى، ثم إلى متى؟!

 

وفي هذا اليوم – لا في الأمس ولا في الغد – قامت هذه الأنامل النحيفة تحمل براعتها لتخوض مرو أخرى معمقة الجهاد قولاً وكتابة، فتستعرض الأجيال وتستنطق الوقائع، وتكون شاهدًا عدلاً على الأيام، وتسير في الطليعة الروحانية حاملة علم النجوى، ولواء الإلهام وصحائف التجلي، تحت ظلال الكلمة التي هي الله وابن الإنسان والنبي الحبيب، وما إلى ذلك مما ستوحيه الينا طلائع الثلاثين وما بعد الثلاثين(1)...

 

أولست أول ظاهرة رأتها عيناي وسمعتها أذناي كانت هنا في هذه الغرفة الصغيرة الواقعة في بيروت (حي المزرعة)، وكان ذلك عند الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الإثنين في 23 من شهر آذار سنة 1942، علاى يدي أنا المؤمن الأول الذي غمره الله بنعمه وخيراته، وطاق عليه برحمته وبركاته؟!

 

ألم يكن ذلك قبسًا جديدًا في سماء أرض الأحياء التي تكاد تنقلب فراديسها الآدمية الزاهية إلى مستنقعات فتاكة منتنة؟!

 

وهذا المدنيات الغاشمة والحروب المهلكة والتزاحم الجشع، وبكلمة وجيزة هذه الجهالات العمياء،أوليست كلها من نتاج تلك الضلالات وثمار هذه الجهالات! ويا ويل الأنام من عثرات الأيام!.

 

بلى وايم الله! أنها لساعة الولادة، وقد ذرّ قرن الشمس في سماء المولود الجديد، ودقت ساعة العمل لتكون السماوات ثمن جهاد واجتهاد.

 

ثم أولم يمدد الإنسان الجديد المتمدن يده اللعوب إلى أبعد مما كان

 

........................................................................

  1. المقصود عمر الدكتور داهش آنذاك.

.....................................................................

 

 

من حقه كمخلوق صغير حقير أمام طبيعة قوية حتى غلب على أمره مما تدفق عليه من صدر هذه الطبيعة الجبارة؟!

 

وبعد كل هذا، أما آن للحياة، وأبنائها أن يستروحوا قليلاً وللسماء أن تتفجر رحمة وحنانًا، وأن يذكر الإنسان أخاه الإنسان بالخير مهما كانت حاغله وحيثما اتجهت رحاله؟!.
 

لقد افتقد الله أبناء العهد أبناء العهد القديم وهم في أشد محنتهم في أرض الفراعنة، ثم افتقدهم في رسالة ابنه الحبيب حين دوى صوت الرحمة في وادي الشريعة القاسية وفي دور القانون الظالم، ثم كانت فترة بين عهد وعهد.

 

وهذه المرة، وهي ساعة الحكم الفصل بين الظلمة والنور وبين الضلالة والهداية، فقد آن للقلوب المتحتجرة أن تلين، وللنفوس المظلمة أ، تستنير، وأن تنتشر أنوارها على تلال القلوب وفي ساحات العقول، وبين أدغال النيات، وفي منعرجات الأفكار والخواطر.

 

فإذا كانت الأرض قد أصبحت ملجأ لأبناء الضلال الين يعيثون فيها فسادًا، وقد غدت الإنسانية حيرى بين شبكات الواقع المحتوم، والدول تتخوف الغد المجهول، وقد أوشك الحاضرالثائرأن يقضيعلى آمال الناسوراحتهم وسلامو حاضرهم وغدهم... إذا كان كل ذلك كذلك فلم هذه الدهشة من رجعة الراجعين ليتقدموا مرة أخرى إلى ميدان العمل في سبيل الحق والواجب.

 

إنها دهشة رهينة التلاشي إذا ما تطلع عقلاء الناس إلى التطورات الكونية التي أغرقت هذا الإنسان الأرعن الجاهل في غمرة من الحقد والضغينة والطمع والكبرياء، وكل رذيلة من شأنها هدم الإنسان بكامله.

فقد حق إذن أن يضرع أبناء الإيمان العاقل إلى الله القدير ليغمر هذه الأرض1 وأبناءها في بحور رحمته وحنانه، في هذا الجيل أيضًا.

 

من أجل هذا حق للمعزي أن يهبط مرة أيضًا ليضمّد جراح هذه الإنسانية التعاعسة، ويحمل مشعل الهداية أمام أبنائها المتشردين، كما وجب عليَّ أنا كواحد من أبناءالحياة أ، أتمثل جهاد رسول الأمم، وأن أتناول تلك الحلقة وأسير بها في طريق الوصل بين حياة وحياة وفترة وفترة.

 

اللهم ارحم ضعفي... وساعدني في هذا الجهاد الجديد، ياأرحم الراحمين وأقوى المساعدين.

 

 

                           1942                     المؤمن الأول

                                                              يوسف الحاج

 

 

 

اللهم

 

اللهم  أنت الألِف والياء

       وأنت الحاء والباء!

 

اللهم  أنت منهلي ومعيني

       وأنت موئلي ومعيني!!

 

اللهم بنُورك الأزلي هديتني

       ونورك الأبدي أهديتني!!

 

اللهم  لا عظمة لي بسواك

       وكلنا بدونكَ عظمة... بل سواك!!

 

اللهم عبرك أبدًا أمامي

       وأنتَ وحدَكَ إمامي!

 

اللهم  إني أحن إلى هدايتك قبل هديتك

       وإلى هداك، قبل هداياك!!

 

اللهم  سدد قلمي، وشدد قدمي

       والارفع علمي،وحل بدمي

 

اللهم  انفحْنا بنفحات تقديرك

       ولا تلفحنا بلفحاتِ تكديرك!

 

اللهم  أدبنا بسماع حنين لذة صوتك

       لا بسماع أنين ألم سوطك!!

 

اللهم  إن إيماننا برسالتك راسخ لن يتزعزع

       مهما عصفت حولنا الريح الزعزع!!

 

اللهم  لتكن عصاك على من عصاك

       وليكن رضاك على من أرضاك!!

 

اللهم  لتقترب روح نعمتك منا

       ولتقترب روح نعمتك منا

       ولاتبتعد ريح نقمتك عنا!!

 

الله    تعهد في عبادك ثمرات عقولهم

       كما تتعهد ثمرات حقولهم!!

 

اللهم  طوبى لمن لمس ندى راحتيك

       وهنيئًا لمن وجد نعمةً في عينيك!!

 

اللهم  لقد آمنت بمسيحك الفادي

       بل بنبيك الحبيب الهادي

       بل بكلمتك... وهو أشهى مرادي!!

 

اللهم  لقد وجدت عزّي بالمعزي

       وبالمعزي وجدتُ كنزي

       فأنت كنزي. وأنت عزائي وعزي!!

 

اللهم  لا تدعنا نسقط وننهار

       يا مرسل السحب ومجري الأنهار

       وفاصل فحمة الليل عن جمرة النهار!!

 

اللهم  إننا ننحني بخضوعٍ قدامك

       وتقبل بخشوع أقدامك

       وننستقبل بخموع أقدامك!!

 

اللهم   أنزل أسرارك على المختارين

       وشدد عزائم الخائرين

       وأرشد عقول الحاثرين

 

اللهم  حول رسالتنا الجديدة إلى جهاد

       وجهادنا إلى استشهاد

       واستشهادنا إلى شهاد

 

       14 أيلول 1942                  المؤمن الثاني

                                         حليم دموس


 

 

 

مقدمة الكتاب

نهضت باكرًا من فراشي، لأنني مزمع السفر مساء اليوم بجولة في البلاد العربية – الكويت  والبحرين – وقطر – والدوحة – ودبي.

 

وحال نهوضي، تصفحت ما سبق وكتبته من خطرات راودتني في أعوام شبابي الغابرة – يضمها مخطوط سأدفعه للطبع إن شاء الله.

 

وهذه القطع اخترتها من كتبي المختلفة، وجمعتها في كتاب أطلقت عليه اسم "مختارات من كتب الدكتور داهش". طالعتها فإذا بها مشحونة بالأسى، مشبعة بالأحزان، مغرقة بالأشجان، فتأكد لي أنني كتبتها وأنا أضع على عيني نظارة سوداء تجعلني أرى كل ما يحيط بي سواده دجوي وليلة أبدي الظلمات.

 

تسعة وثلاثون عامًا مضت منذ دونت هذه الخطرات – أيكنت في شرخ شبابي وميعة صباي لا هم يضنيني، ولا فاجعة تصميني، إذ كنت يومذاك في عمر الورود.

 

إن من يطالع هذا الكتاب يتأكد له أن الأسى هو ربيي، والموت هو حبيبي...

إن جميع أفراح هذه الحياة الالتاعسة، إن هذ إلا أتراح يخوض البشر عبابها، خائفين هوج أمواجها المرعية مكافحين منافحين حتى ينقض الموت عليهم فجأة، فيذهبون وهم يجهلون من أي عالم كان مجيئهم، مثلما يجهلون العالم الذي سيلجونه بعد ما توقثفت ضربات قلوبهم.

 

ترى هل كنت شاعرًا بما كان ينتظرني من أهوال جسام عندما كتبت ما كتبنه وجميعه يحمل في تضاعفه الأشجان المؤسية.

 

إن البلاد العربية بأسرها تعرف ماذا أصابني في عهد بشارة الخوري رئيس الجمهورية اللبنانية.

فقد ظكلمت ظلمًا رهيبًا، واعتدى علي اعتداء شائنًا، وجردت من جنسيتي بطريقة اعتسافية لا مثيل لها، وسلط علي بشاره الخوري يومذاك وسالئله الإعلامية من صحافة وإذاعة، فراحت هذه الوسائل الاعلامية تتوشني نوش النسور الكاسرة لا لجريرة ارتككبتها، أم جريمة أ,قعتها، ولكنه الظلم المرعب البطاش. ومن شاءأن يعرف الأسباب والمسببات، فليطالع كتبي السوداء التي أصدرتها يومذاك فتتكشف له حقائق هائلة ويطلع على أسرار مرعبة عن ذلك العهد البغيض.

 

وبأسف عظيم أقول إنه لم يبرز إلى الميدان – في لبنان رجل واحد يدافع عن الحق الهضميم، وينافح عن العدالة تدوسها سنابك الباطل.

حتى صحيفة واحدة لم تتطوع لجشب تلك الجريمة النكراء، بل العكس، راحت الصحف، ويمكنني أن أؤكد فأقول (جميع الصحف) من يومية وأسبوعية وشهرية، راحت تهاجمني مهاجمة شعواء وتحاول النيل مني بوسائلها المقيتة.

إن درويفوس الضابط اليهودي الذي اتهم بتسليم أسرار الجيش الأفرنسي للسفارة الألمانية في باريس، والذي حوكم وحكم عليه بالسجن المؤبد في (جزيرة الشيطان) وجد من يدافع عنه مدافعة جبارة، فقد أخذ (اميل زولا) على عاتقه مهمة الدفاع عن رجل فكر أنه (متهم بريء) إذ كتب مطالعة، أسماها – إني أتهم – هاجم فيها السلطات القضائية مهاجمة ضارية دفاعًا عن دريفوس.

 

مما اضطره للهرب إذ غادر فرنسا خوفًا من اعتقاله وسجنه لأن الشعب الأفرنسي كان بأكمله ضد دريفوس المتهم. وأخيرصا بريء دريفوس وخرج من سجنه مرفوع الرأس، موفور الكرامة.

وهكذا انتصر الحق على الباطل، وعاد اميل زولا إلى بلاده المحبوبة – فرنسا – وضفر الشعب الأفرنسي على رأسه أكاليل الغار لأنه دافع عن رجل كانت فرنسا بأكملها ضده، ولم يناصره ونيدافع عنه إلا الكاتب الألمعي – اميل زولا  - .

أما في لبنا نفلم يظهر أي رجل، ولم يتطوع أي مخلونق للدفاع ع7ني ضد الظلم البطاش الذي أنزله بي – بشاره الخوري – رئيس الجمهورية يومذاك.

 

فاضطررت أن أفتضي قلمي، وأحارب به الباغية الطاغية، ومن ساعده بجريمته المنكرة المستنرة. وأخيرًا قيض2 لي الانتصار وباء هو بالانكسار. فالحق يعلو ولا يعلى عليه على الإطلاق. وأخيرًا إن ما كتبته هو شعوري الصادق الذي كنت أحسن فأخرجه بكلمات أدونها في أوقاتها المختلفة أسجل فيها ما يختلج في نفسي من رغبات وميول ومن تمنيات وآمال.

 

واليوم وبعد أن توارى كناري الصبا الفتان، وزحفت الشيخوخة علي بثقلها الرهيب مطوقة إياي تطويق السوار للمعصم...

 

رحت أستعرض ماضي وحاضري، فإذا هما توأمان لا يفترقان، فعالمنا تعمُّه الشرور، وزليلة أبدي الديحور، وستبقى العدالة فيه موءودة حتى يوم النشور.

 

هذا هو رأيي، بل هذه هي الحقيقة المرعبة وأسفاه.

بيروت في صباح 26/6/1970

والساعة الخامسة والنصف صباحًا                                     داهش

                          

 

 

 

 

من

كتاب

أشرار الإلهة


 

 

 

                                  أيها الأمل!

أيها الأمل!

لولاك لما بقي قلبي ينبض نبضات الحياة.

ولولاك لما خط يراعي هذه الكلمات.

وما فاضت نفسي بهذه الزفرات.

رحماك أيها الأمل!... وأنلني ما تصبو إليه نفسي.

وإذا كنت تداعبُني فأضرع إليك بحرارة أ، تزيل عني

خيوطك الأثيرية الساحرة وتدعني...

فتعرى، بعدها، روحي العانية طليقة من دنياها الفانية.

 

***

أوَّاه أيها الأمل!...

ما أرأفك بالبشر، وما أعطفك عليهم.

بل ما أشد تأثير سحرك فيهم.

إنك تضفي عليهم من شعاعك الوهاج،

فتلاشي عميق آلامهم، وتحيي ميت آمالهم، ثم تحقق عسير أحلامهم، فيتبدل شقاؤهم سعادة وظلامهم نورًا.

وعند ذلك تنعم قلوبهم بالنشوة، فيرفعون إليك أحر الصلاة وأعمقها، لإنقاذك إياهم من هلاك محقق كانوا مقدمين عليه بكل جوارحهم دون تردد، لكن إشفاقك عليهم وإرسالك جزءًا من سيالك السحري حالا بينهم وبين ما هم فيه ماضون، وعليه عازمون.

إيه أيها الأمل!. يا آخر ما أتشبث به!..

أصدقني أيها الصديق غير المنظور.

تُرى أتطول الأيام على هذا الفراق الدامي؟ وهلا أجتمع بمن أهواها؟.

أوَّاه!.. إ،ك القيت علي جزءصا منك، فأملتُ... وصبرت..

ولكن.. طالت الأيام يا أمل، ولم تأت الساعة التي فيها ألقاها، فمتى تأتي، يا ترى؟ ليتك تبلغها حبي العميق، وتخبرها بأنك أنت الذي ردعتني عما كنت مقدما عليه، فنشكرك على صنيعك الجميل معي وإبقائك على حياتي لألتقيها يومًا.

فيا ليت شعري!

متى يأتي هذا اليوم الذي سأخلده في تاريخ حياتي!

إيه أيها الأمل!

ألا بالله أصدقني!..

                           حيفا – تشرين الثاني 1932

 

 

 

                                  أين أنت!

عندما القى الليل رداءه القاتم على الطبية المخلدة إلى السكون، توسدت فراشي وأطلقت لأفكاري العنان،

وحلقت في سماء اللانهاية علي أرى فتاة أحلامي، فما فزت بطائل!...

أين أنت يا فتنة الأبصار! أين أنت يا فردوس النعيم؟!..

أين أنت يا شقيقة روحي! أين أنت يا كل آمالي؟!...

أين أنت يا جنة الخلد! أين أنت يا واهبة السعادة؟!...

أين أنت يا أمنيتي! أين أنت يا عروس السماء؟!..

أين أنت يا آلهة الجمال!...

وأين تكونين؟ ! أيتها "العذراء" الطاهرة؟!...

أين أنت أيتها الحمامة القدسة؟!...

أين أنت أيتها اليمامة الوادعة؟!...أين أنت يا حبيبتي الآتية!!..

ومتى يتم لي لقاؤك؟!...

أين أنت يا منافسة "ديانا"؟!..

أين أ،ت يا فاتنة "الآلهة"؟!...

 

وهل ستطول الأيام حتى يأتي دور مجيئك إلى أرضنا هذه؟!

وأين تكونين الآن... أيتها العدالة المقدسة!

أين؟!...

القدس... في 23 آذار 1933                        

 

 

أنا غريب!

نعم!.. أنا غريب في هذه الحياة الغريبة عني.

نعم!... أنا جئت من عالم مضيء غير هذا العالم الكئيب.

نعم!.. أنا أشعر بثقل الثواني وهي تمر بي مر الخاطر!

معم!... أنا سرعان ما أراها تتحول إلى دقائق فساعات...

نعم!... أنا أشاهدها وهي تصير أيامًا فأسابيع!... نعم وكأني بها وقد صارت شهورًا فسنين!..

نعم!... إنني أحصيها بعد أن تتكاثق وتتكاثر... نعم!.. وأحس بنفسي أنمو من سني الطفولة!...

نعم!... وأستقبل طور الشباب فالرجولة!.. نعم!... ثم أرى السنين تحط علي بكلكلها الثقيل!...

نعم!... وسيتقوس مني الظهر. ويخبو في الشعور!...

نعم!... وأفتش عن العكاز المعقوف فإذا هو لا يفارق يدي.

نعم!.. ثم أحس بالضعف العام الشامل يسير في جسدي متمشيًا في مفاصلي!

نعم!... ووشكان ما أراني همًا عديمًا باليًا... نعم... ! ثم أشهد الجدث القاسي فاغرًا فاه لابتلاعي...

نعم!.. ثم أذابي أجد نفسي صريعًا بين يدي حبيبي (الموت)

المهيب الجبار!...

نعم!... فترتعش روحي!. وينتعش جسمي... إذ أطرب لهذا اللقاء!

نعم!... ثم يهال التراب فوقي. ويذهب القوم.

نعم!... وأبقى وحيدًا فريدًا لا مؤنس لي في وحشتي...

نعم!.. فأنا هكذا أتيت... وهكذا سأعود!..

نعم!.. إذ غريبًا أتيت هذا العالم

نعم! وغريبًا سأغادره كما أتيته!.

                                  القدس – كانون الثاني 1934

 

أضحةكة الحياة!

ما الحياة غير وهم          ياطل سوف يزول!..

فالدراري سوف تخبو         بعد وقت لا يطول!..\

وذكاء سوف تفنى           بعد ذياك الشمول!..

والليال ستولي               عندما يأتي الأفول!..

وقصور عامرات             سوف تغدو كالطلول!..

وشعوب الأرض طرأ         دول سوف تدول!!..,

وملوك الأرض جمعًا        حكمهم سوف يحول!..

ويجول الخوف في          هذي البرايا ويصول!..

وكل ما فيها قريبًا           وسوف يعروه الذبول!..

يا له من يوم رُعبٍ          إنه يومٌ مهول!!..

                     ***

والطيور الحائمات    والصروح العاليات – سوف تُهوى!

والمروجُ العامرات     والورود الناضرات – سوف تذوى!

والجبال الشامخات    والصخور الراسيات – سوف تعفى!

والبوادي الشاسعات   والصحارى الواسعات -0 سوف تمحى!

ودموع العاشقات      وحنين الوالهات – سوف ينسى!

والغواني الفاتنات     واللحاظ الفاتكات – سوف تلى!

والعيون الناعسات    والشعور الحالكات – سوف تبلى!

والخطوب الطاغيات  وغرور الماضيات – سوف يفنى!

والدراري اللامعات    والنجوم الساطعات – سوف تطفا!

والمياه الساقطات     والبحار الهائجات – سوف تطغى!

وأضاحيك الحياة     وسخافات الممات – سوف تطوى!