info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "أناشيدُ عاشق"

أناشيدُ عاشق

 

                                      

آه ليتني

ليتني الشعر الذي يتوِّج رأسك الفتَّان الجميل

وكأنه قمَّة جبل الأولمب العظيم،

إذًا لكنتُ أطرب ولا طربَ إلهات النعيم في جنَّة البارناس.

بل ليتني دخان سيجارتكِ المُتصاعد بكبرياء نحو الفضاء،

لأنكِ نفثته من فمك الفتَّان المُضرَّج بلون شقائق النعمان.

بل ليتني الأثير الشفاف الذي يحتاط بجسدك الأملود العجيب،

إذاً لكنتُ أطمعُ إذ ذاك

بتقبيل كلِّ جزء من أجزاء جسدكِ الإلهيّ.

ماذا أقولُ أيتها الجنية الساحرة؟

آه، ليتني، ليتني!

 

 

بتاريخ 16 حزيران 1940 كنتُ (ببسكنتا) وهي قرية بلبنان. وإذا بعصفور يقف على الشجرة التي كنتُ أستظل بظلها وراح يغرد، فأخذت قلمي. وبادرتُ بنظم قصيدة اسميتُها: (تحت ظل السنديانة). وبتاريخ 26/8/1962، أي بعد مرور 22 عامًا انطوى عهدُها، زرتُ بسكنتا وجلستُ تحت الشجرة نفسها. وإذا بعصفورِ صغير يحط على أحد أغصانها ويغرِّد.

 

أيُّها العصفورُ عُدت

بعد مرور 22 عامًا

أيها العصفور عدت بعد تعداد السنين

كيف أنتَ؟ أين كنتَ؟ يا سمير التائهين

أنا في الدنيا تعيسٌ بي للموت حنينْ

من مآسٍ رافقتني منذُ أنْ كنتُ جنينْ

أيها الصداحُ... إصدحْ واملإ الدنيا غناءْ

إنَّ قلبي أفعمتهُ نائباتٌ وشقاءْ

أيُّها الفتانُ... أُرقصْ فوق أدواح الجمالْ

أيقظِ الآمال فيَّ وابعث السحر الحلالْ

 

 

يا أمنية حياتي الغالية

أذكرك كلما انبثق فجر ندي، وانطوى ليلٌ حبي.

أذكركِ كلما شدا بلبلٌ على أيك، ورنَّم عصفورٌ على غصنٍ أملود.

أذكركِ عندما تترنم الجداول وهي تحثُّ خُطاها في أعماقِ الغابات الفتانة.

أذكرك ما هدلت حمامةٌ، وناحت يمامة.

أذكرك عندما أمرٌّ بفردوسٍ تملأُه الورود الملونة الفوَّاحة الشذا.

أذكرك عندما أشاهد البدر وهو يتبختر في أرجاء الفضاء اللانهائي.

أذكرك عندما تتألقُ النجوم في أعاليها، أنتِ يا نجمة حياتي الوحيدة.

أذكرك عندما يزحف الربيع بموكبه الحافل الفتَّان.

أذكرك عندما أرفعُ صلاتي لخالق البرايا ومُوجدِ الكائنات.

أذكرك في كلِّ دقيقة، بل في كلِّ ثانية، أنتِ الجزء المُنفصل عن روحي.

أذكرك يا روح روحي، وأتمنى أن أندمج بكِ وتندمجي بي،

ونبقى هكذا، أنا وأنتِ، عاشقين نشوانين،

حتى تمرَّ الدهور، وتفنى العصور، ويضمحلَّ النور،

ولا يبقى في الكائنات سوانا،

أنا وأنتِ يا حياتي، بلْ يا مُهجةَ روحي وبهجةَ حياتي!

                                                            بيروت، في 16/1/1963

 

 

 

الوردة الجورية

أيتها الوردةُ العجيبة! إن وجهكِ الضاحك هو الجمال المُتجسّد،

وعبيركِ الناعم المُنعش هو روحكِ الشفافة،

ولغتكِ يا وردتي الجورية هي الشعر المُنمق.

إن يد الله هي التي كونت رداءك السماوي!

والنسيمُ الشفاف يطربه قُربك،

لهذا ترينه أبدًا يترنح أمام معبد جمالكِ المُذهل للعقول.

والشمسُ تبتهجُ عندما تراكِ أبدًا تبسمين لها،

فتحييك بدورها إذ تغمركِ بأنوارها الإلهية المُحيية.

وعندما تتفتح براعمكِ الدقيقة، يغمركِ فرحٌ عجيب

للمشاهد التي كونتها يدُ المبدع المُهيمن.

فيا مليكة الأزهار،

أنتِ فينوسُ المروج، وحبيبةُ الشموس،

بل عشيقةُ الأقمار.

أنتِ تشمخين على غصنكِ الأُملود بجمالٍ فائق

وافتخارِ مَن ظفرٍ بالانتصار.

لقد خُلقتِ وردةً بهية، ولكن واأسفاه!

سريعًا ما يطالكِ الموتُ يا مليكة الرياحين.

وإذْ ذاك تحزنُ المروج لفراقِك،

وتنوحُ الحدائق لبُعِدك،

وتندبُ شقائق النعمان غيابكِ المُحزن،

وتُغردُ الأطيار أغاريد الحزن لفراقك المُشجي،

وأوراقكِ الخضراء الغضَّة تتطاير مُتناثرة،

مُوغلةً بعيدًا بعيدًا مع الرياح الغضوب،

وأريجك العجيب، وعبيرك الغريب يتضوع في الأرجاء الفسيحة.

وهكذا تتجسَّدين في عالمٍ آخر وردةً سماوية

تغرسها فينوس على شعرها الإلهي العجيب

كرمزٍ لها يمثل الجمال الخالد.

فيا وردتي ذات الفتنة الفردوسية!

اسكبي عليَّ عبيركِ لأتنسم منه رائحة جنات الخلد

المُترعة باللذاذات اللانهائية.

حدثيني عن عالمكِ المُوشى بالأزهار العجيبة،

حدثيني عن الحب الإلهيّ،

حدثيني عن الجمال والفتنة والروعة،

حدثيني عن الكواكب والسُدُم والمجرَّات،

حدثيني عن عالمكِ السحري الذي لا يَبلغُ إليه

إلا كلُّ من صفتْ نفسُهُ وسَمَت روحُه،

وعرف معنى الجمال الخلاب والفتنة التي تضلُّ فيها العقول.

حدثيني، حدثيني يا وردتي العجيبة،

حدثيني يا ربةَ شعري، حدثيني!

                                            بيروت، في 14 نيسان 1964

 

 

أهلاً بزينا

أهلاً بزينا، زينة بيتنا.

البيت يُرحب بكِ،

والإخوة يصفقون لكِ.

أهلاً بطلتكِ الجميلة، يا زهرةً فواحة

ضوعتْ أرجاء البيت،

فابتهج كل قاطنيه بمجيئك.

قلبك طاهر،

وبايمانه العلوي عامر،

فهو أبدًا يُكافح ويُغامر،

وبالحقيقة الروحية الخالدة يُجاهر.

أهلاً بكِ يا زينا،

يا زينة دارنا الفتية!

أهلاً أهلاً بكِ،

يا زهرةَ بيتنا الندية!

 

                                                    بيروت، في 3 أيار 1964