info@daheshism.com
إضطهاد مؤسّس الداهشيَّة

إضطهاد مؤسّس الداهشيَّة:

منذ حوالي 2000 عام ، تعرض يسوع المسيح للاضطهاد بسبب التبشير بالبرِّ والمحبَّة والإيمان بالله. كان مضطهدوه الملك هيرودس ورجال الدين والشعب اليهودي وبيلاطس البنطي. لا تزال قصّة اضطهاده تُروى حتى يومنا هذا ويتم نقلها من جيل إلى جيل.

 بالنسبة إلى الداهشيين ، فإن اضطهاد نبيِّنا الحبيب والمرشد لا يقل أهميَّةً أو شدّة ، لأنه في 28 آب (أغسطس) 1944 ، تعرَّض مؤسِّس الداهشية للاضطهاد من قبل رئيس لبنان الطاغية - كان يمتلك السيَّالات من كليهما ، الملك هيرودس وبيلاطس البنطي - وسوف تُروى قصة هذا الاضطهاد أيضًا من جيل إلى جيل.

 

كتب نبينا الحبيب في كتابه المُلهم "قصص غريبة أساطير عجيبة " قصة بعنوان " أحاديث الشمعاتِ الأربع ". على الرغم من أن القصة قد تبدو للقارئ كعملٍ خيالي ، إلا أن الراوي ، يتحدَّث من خلال شمعة ، يروي التفاصيل الواقعية لاضطهاده وعواقبه على لبنان والشعب اللبناني - وهي العواقب التي أدَّت إلى إندلاع الحرب الأهلية التي بدأت في 13 أبريل 1975وما زالت مخلَّفات هذه الحرب الأهلية محسوسة وتتطوَّر حتى يومنا هذا..

 

أحاديث الشمعاتِ الأربع

كانت الساعة السابعة تماماً من ليل الرابع من شباط عام ٠١٩٧٩ وكنَّا رجلين وطفلين وأربع نسا.» . وبينما كنَّا نتجاذب اطراف الحديث ، انقطع التيَّار الكهربائي فجأة ، فحلَّت الظلمه وغمرت المكان ، واذاها ظلمة دامسة !

وذهب شكري ، وأحضر أربع شمعات أشعلها ، وصفَّها على الطاولة ، فانار المكان ؛ ولكن النور كان ضئيلا ، طبعاً غير نور الكهرباء- الساطعة ٠

وفجأةً طرق اذني صوت خافت يتحدَّث ، فأدرت بصري لجهة الصوت ، وبعين العجب شاهدت الشمعة المثبَّتة باول الصف ، وهي أقصرها طولأ ، تتحدَّث لرفيقاتها . فأصغيت لها جيداً ، وهاكَ ما سمعته من حديثها :

قالت الشمعة :

— تعيسةٌ هي بيروت ا ومساكين قاطنوها ! فمنذ أربع سنوات، والنكبات

المُزلزلة تنصبُّ انصباب الحمم على سكانها دون هوادة أو رحمة ٠

فدمدمة المدافع المدوِّية زلزلت أركان هذه المدينة' المبتلاة، ومتفجرات القنابل أصمت الأسماع، ودمَّرت ما دمَّرت من العمران، والصواريخ المنطلقة بجبروت عاثت فسادأ في أرجاء مدن لبنان ، وأحالت نعيمه الى بؤسٍ عظيم وهمٍ مُقيم .

وقد تيتَّم من تيتَّم، وترمل من ترمل، وتقطَّعت أوصال، وانتثرت رؤوس، وانفصلت اًيدٍ وأقدام، وثقب الرصاص أجساماً تُعدُّ بالآلاف، وانقضَّت أبالسة الجحيم على أبناء مدينة بيروت فحصدت أرواحهم ، وأبادت وجودهم ، ولاشت آثاارهم !

وها قد مضت أربعة أعوام ، والدم المهراق يتفجَّر ، وقد جرى مثلما تجري الأنهار دون أن تشبع أبالسة الشرّ من حصدها لأرواح وازهاقها للنفوس أ

إنه غضب ألله القدير عصفت بهذه المدينة وبقراها ،فإذا هي بلقعٌ خراب وقفرٌ يباب، فالمناحة شملت جميع المنازل دون استثناء ! الكلُّ قد'أُصبب، والجميع قد نُكِبوا، والعياذ بالله ممَّا أوقعته أسلحة الدمار بأرجاء هذا البلد الجميل إذ استحال الى أكوامٍ  من الأنقاض والخرائب !

فيا لها من ويلاتٍ هائلة نكبت كلَّ لبناني ، وأحالت أفراحه إلى اتراح!

وسألت الشمعة الثانية رفيقتها القصيرة قائلة لها :

— أي أختاه ، ما هو السبب لهذه النكبة العظمى التي دثرت لبنان، وجعلت عامره خراباً؟

اجابتها :

- أولم تسمعي بإضطهاد مؤسس العقيدة الداهشيَّة؟

فقد اضطهده بشاره الخوري رئيس الجمهورية اللبنانية بتاريخ ٢٨ آب , ١٩٤٤ إذ أرسل هذا الرئيس الخائن، بالاتفاق مع زبانيته الأشرار، شرذمةً من شذَّاذ الآفاق ورعاع الازقة، طالباً منهم أن يريحوه من داهش؛ خصوصاً انَّ السيّدة ماري حداد الاديبة والكاتبة المعروفة - وهي شقيقة زوجته لور-قد آمنت برسالة داهش، واعتنقت مبادئها هي وكريماتها الثلاث ماجدا، آندره ، وزينه . ومنذ تلك الدقيقة سلَّط بشاره الخوري سيف نقمته على داهش، وكلَّف دائرة الشرطة ودائرة رجال التحرّي بتعقبه، واحاط منزله برجال الشرطة الخفيَّة يحصون عيه حركاته وسكناته لعلَّهم يجدون عليه مأخذاً قانونيَّاً لإلقا، القبض عليه وإحضاره إلى دائرة التحقيق .

 

ومكثت الرقابة ستة اشهر كاملة ، ولكنهم فشلوا في تحقيق غايتهم المُبتغاة ٠ وكانت التقارير المحرَّرة جميعها تؤكد نزاهة داهش والتزامه بقوانين البلاد . ولم يستطع رجال التحرّي إيجاد أي مأخذ قانوني عليه نتيجه لتحرياتهم واستقصاءاتهم ، بل على العكس جاء كلُّ ما دُوِنَ في تقاريرهم في مصلحة داهش .

إذاً أسقط الأمر بيدهم ، وعادوا بخفي حنين ، وإد ذاك أرسلوا شرذمةً من عصاباتهم الشريرة لاغتياله في مدخل منزله ، فباؤوا بالفشل والخسران إذ انقذه الله مِمَّا انتووه له من فادح الضَّرر — أي من الموت قتلأ واغتيالأ .

وأُلقي القبض عليه ، وأصعدوه إلى سيارة الشرطة ، وبرفقته جورج حذاد عديل الشيخ بشاره الخوري . وكانت سيارات رجال العصابة ملأى برجال العصابات المعتادين على ارتكاب الإجرام، وكان هؤلاء يتبعون سيارة رجال البوليس وهم يهدِّدون بقبضات ايديهم داهش وهو في سيّارة رجال الشرطة .

فالتفت داهش إلى رجال البوليس وقال لهم :

  • اهذه هي العدالة في لبنان ؟ ! تُلقون القبض على البريء ، وتُطلقون سراح المُجرمين ، فيتبعونكم ويهدِّدونني تحت بصركم ونظركم وأنتم لا تُحيرون جواباً ؟!

فما استطاعوا أن ينبسوا ببنت شفة ٠

وسألت الشمعة الثالثة بصوتٍ فيه ارتجاف لما سمعته من حديث هائل :

  • وماذا حصل بعد ذلك ؟

أجابتها الشمعة القصيرة :

  • إن حديث ذلك لطويل ، ويحتاج إلى ساعاتٍ وساعات ، وما عليك إلآ ان تقرأي سلسلة الكئب السوداء التي ألَّفها داهش عن بشارة الخوري الباغية وارتكاباته الإجرامية المتواصلة لتلمّي- بالتفاصيل الكاملة عمَّا حدث من أهوالٍ مُزلزلة .

وقالت الشمعة الرابعة بصوتٍ يملأه القلق :

يا لله ممَّا سمعته ! وكيف يقولون :

 

(( نيّال مين عنده مرقد عنزة في لبنان )) !

أجابتها القصيرة :

- هذا حديث خرافة . فالحقيقة تدحض الواقع ، والواقع تكذّب الأمثال الملفَّقة ٠

فما حدث لداهش من الاضطهاد الهائل يؤيّد أن العدالة كانت مفقودة ، والحقّ كان موءودأ ، والحريَّة كانت مدوسة بنعلِ الحاكم الظَّالم ؛ إذ تبع تجريد الدكتور داهش من جنسيته وتشريده من لبنان سلسلةٌ فادحة من الأهوال المقوّضة ؛ فأُدخلت السيدة ماري حداد إلى السجن الذي قضت فيه عاماً كاملأ بين القتلة والمجرمين ، وما ذلك إلآ لأجل دفاعها عن مؤسِّس عقيدتها الذي ظلم ظلماً هائلأ في القرن العشرين ، وفي مدينة يقولون عنها إنها مدينة العلم والنور .

وما حدثَ يُكذب هذا القول ويُبيده ، ويُلاشي آثاره ، ويواري أخباره .

كذلك سجِنَ ، أيضاً ، بلبل لبنان الغريد وشاعره الغريد حليم دموس هذا المُسالم البريء الذي زُجَّ في أعماق السجن بالظلم والاعتداء الشائن ، لا لذنبٍ جناه أو منكرٍ أتاه ، بل لأنه دافع عن بريء ، رافعاً صوته بالتنديد بهذه الجريمة النكراء القذرة .

عاماً كاملاً قضاه وراء القضبان بأمرٍ من طاغية لبنان السفَّاح !

 

وصاحت الشمعات الثلاث بصوتٍ واحدٍ وقلن :

  • ألم يوجد رجلٌ واحد ناصر الحقّ ، ودافع عن الأبرياء ، وندَّد بتجريد داهش من جنسيته السليبة ؟!

أجابت الشمعة القصيرة:

باسفٍ عظيم أقول إنه لم يظهر أى رجل ما ، سواء اكان صحفيَّاً اًم محامياً أم نائباً أم وزيراً ٠ نعم ، لم يظهر في لبنان ، ولم يوجد في جميع مُدنه وقُراه رجلٌ واحد دافع عن حقٍّ صريح تشهد به صخور لبنان وكلّ جمادٍ في ارجاءِ هذا الوطن.

المُصاب بطاعون الظلم من الطاغوت بشارة الخوري السفَّاح . فالجميع كانوا يسيرون في ركابه لقضاء مصالحهم . فماذا يهمُّهم إذا ظُلِمَ أيُ زيدٍ من الناس ما دامت مصالحهم مؤمَّنة .

وعادت الثمعات الثلاث فقلن معاً :

  • إنَّها لطخة العار دُمِغَ بها لبنان بعد ظلمٍ هائل ، إذ لم يوجد رجل واحد فيه قد استنكر هذه الجريمة المزلزلة .   

ولو حدث واحدٌ بالألف ممَّا حدث في لبنان بأوروبا لسقطت الحكومة سقوطاً ذريعاً ، ولنشبت ثورة أحرقت الأخضر واليابس . فالشعب الأوروبي مثقف يحافظ  على حقوقه ، وحكوماته تحافظ عليها قبل أن يحافظ هو عليها .

ولا يمكن ان يحدث مثل هذه الجريمة المُرعبة إطلاقاً في أيّ بلدٍ مُتحضّر أو عاصمة متمدِّنة ٠

لقد سجَّل التاريخ على لبنان وصمه هائلة سمكث ضاغطه على صدره مدى الأجيال . ومثلما تلعن شفاه سكان الكرة الأرضية بأسرها ( قايين ) قاتل أخيه هابيل ، هكذا ستلعن شفاه أبناء الدنيا بشارة الخوري السفَّاح وزبانيته الأشرار الفجَّار في اليل والنهار.

وعادت الشمعة القصيرة فقالت:

وشمَّر الشاعر حليم دمّوس عن زنديه ونزل إلى الشوارع، و ذرعها جيئة وذهاباً ، مُندِّداً بالجريمة المُرعبة التى كان بطلها الباغية بشارة الخوري، مؤكداً. للشعب أنَّ للجريمة ثمناً فادحاً ، واًنه ( أي الشعب ) إذا لم يرفع راية العصيان إ ويُندِّد بالجريمة ، وإذا لم يتطوع منهم أيّ رجل أو فئة شريفة ويُطالبوا بإعادة جنسية داهش ، وإذا لم تنشر الصحافة انباء هذه الجريمة البشعة وتُندِّد بمرتكبيها ... نعم ، مؤكدأ لهم أنه إذا لم ينصاعوا لارشاداته المستقاة من عالم الروح فسوف يأتي يوم ينقض فيه القصاص الهائل على لبنان ، فيدكّ عمرانه ، ويبيد بنيانه ، ويُيتِّم اطفاله ، ويذبح رجاله ، ويهتك نساءه . ٠ . ومثلما شرَّد المجرم داهشاً سيشرِّد الله أبناء هذا البلد.

واكَّد لهم اقواله المُخيفة هذه مراراً وتكراراً ، ولكنه كان كالنافخ في الرماد ، إد لم يحرّك أحدهم ساكناً ، ولم يتطوّع أيّ رجل منهم منحازاً للحقّ ، ليدافع عن داهش البريء ، ويشجب جريمة رئيس الجمهورية ، هذه الجريمة القذرة التي تدين لبنان وتصمه وصمه هائلة لا منجاة له منها.

وأخيراً طرد الشعب المجرم بشارة الخوري، وأسقطه عن كرسي حكمه ، فانزوى في منزله ذليلأ حزيناً ، بائساً ويائساً ؛ والألم يحزّ في نفسه الشريرة .

طرده الشعب بعد أن تأكَّد له إجرامه وامتصاصه لضرْع لبنان الذي اصبح كبقرة حلوب يتمتَّع بحليبها دون سائر اللبنانيين .

ولكن لم يظهر أيُّ رجلٍ أو فئة تُدافع عن داهش إطلاقاً ، بل على العكس، راحت الصحف تكتب وتذيع الأخبار، متهكِّمة على الشاعر حليم دمّوس ، قائله : إنَّ الشاعر حليم دموس قد فقد عقله ، وأصبح مخبولا ، فهو يقول إذا لم يدافع أحدٌ ما وندَّد بالجريمة التي ارتكبها بشارة الخوري ضد داهش ، فاذا ذاك ستنصبُّ الأهوال المزلزلة على لبنان.

وتابعت الصحف قائلة : إنَّها اضاحيك تافهة يذيعها حليم دموس الذي يجب أن  يحجر عليه في مستشفى الأمراض العقلية ، فهناك أصبح مكانه ٠

وأكملت الشمعة القصيرة كلامها فقالت : ( إنَّ الله يُمهل ولكنه لا يُهمل ) .

- ودارت الأيام دورتها ، ودنت ساعة العقاب ، وإذانا في عام ١٩٧٥ . وفي هذا العام ابتدأ الرصاص يلعلع ، وعقبته المقنبلات ، فالكلاشنكوف ، فالصواريخ ، فالمدافع . . . وراحت الات الدمار تنصبُّ فوق لبنان انصباب الرهبوت إ

وكم وكم ذُبح من الشبَّان على الهويَّة ، وكم منهم تقطَّعت أوصالهم، وكم منهم سُحِلوا ، وكم منهم سُفِح دمه في السراديب المُخيفة ، وكم منهم سُمِلت عيونهم ، وجُدِعَت أنوفهم ، وقُطعت أعناقهم !... لقد تجوَّل الهلع في الشوارع، وذَرَعَ المنازل ، وبحث في المنعطفات ، فكان القتل من الطرفين على الهويَّة دون شفقةٍ أو رحمةٍ إطلاقاً .

وعمَّ الخوف ، وصال الوجل ، واحتلَّ الهلع الأفئدة ، وقطن في الصدور ، وراحت الأبنية تخرُّ وتنهار أمام آلات الهول المفزع ! ..

وكم وكم إعتُديَ على الأعراض !. . وكم وكم خُطف شبَّانٌ وقُتلوا فوراً !٠٠ 1 وكم وكم من المتاجر نُهِبت ، . وبيوتٍ أفرِغت محتوياتها ! - . . وكم وكم من الآلاف وعشرات الألوف هَجروا موطن الهلع المُرعب ، مغادرين منازلهم ، مُشرَّدين تحت كلّ كوكب!..

وها هم سكان الدامور وقد تركوا مدينتهم تنعى من بناها بعدما احتُلَّت . . .

وكم من المآسي وقعت!٠٠٠ وإذا ذُكِرت يُظَنُّ أنَّها أساطير تروى وليست حقائق تُذكر .

وسألت الشموع الثلاثة رئيستهن القصيرة، قائلاتٍ لها :

- وداهش ماذا حلَّ به ؟

اًجابتهنَّ :

إن داهش كان لمضطهديه بالمرصاد ، فكتبه السوداء فكَّكت زرد ظهورهم ، وكشفت حقيقتهم ، فاذاهم يبدون عراةً أمام الجميع ! إذ مُلئت كتبه السوداء بأفظع ما ارتكبوه ، وأقذر ما خاضوا غمراته ، فعرفهم الجميع بعجرهم وبجرهم ، فلعنوهم ليل نهار .

وإني أؤكّد لكم اته لو وحد من داقع عنه كمظلوم مُعتدى على حقوقه لما أنزل الله غضبه على مُدنهم وجعل عاليها سافلها.

وقد اصابهم ما أصاب سادوم وعاموره . فكم وكم نصح لوط ابناء قومه السادوميين والعاموريين ليرتدعوا عن شرورهم، فما أبِهوا بمواعظه وإرشاداته ، وإذا بالعلي القدير يُمطرهم ناراً وكبريتاً فئحرقهم مع مدينتهم ، ويبيد ذكرهم حتى أبد الآبدين ٠ ويقرأ الناس سيرتهم فيردِّدون لعناتهم على قبورهم المدنَّسة ٠

وكذلك أيضأ الأب نوح ، فكم وكم نَصَح أبناء قومه بالارتداع عن الشر وطلب التوبة ، فكان ضحكهم عليه يزيد ، وتهكتهم على أقواله يتفاقم ٠

وإذ ذاك أمطرهم الله ٠ ٤ نهاراً و٠ ٤ ليلة ، وإذا بالطوفان يهلكهم ويوردهم موارد التهلكة ٠

وهذا ما أصاب لبنان ! ...

فقد نصحهم الشاعر حليم دموس مراراً وتكراراً ، ولكنّه كان كالنافخ بالبوق في الصحراء ، فما ناله من أبناء وطنه إلاَّ التهكُّم الذريع والقول الشنيع ٠

 

وعندما طَفَحَ الكيل ، ولم يعد في قوس الصبر منزع ، ودنت الساعة المحدَّدة التي سيحلُّ فيها جزاؤهم إذا لم يرعووا، ولم يدافع أيٌّ منهم عن حقّ داهش المطعون ، ولم يُهاجم الظّلم الهائل والمُرعب الذي أوقعه الباغية بشارة الخوري بداهش ...

إذ ذاك تمَّت نبؤة حليم دمّوس المُستقاة من عالم الروح والتي بلَّغهم إيّاها مراراً وتكراراً ، فكان جزاؤه التهكُّم الذريع على صفحات الصُّحف'مثلما سبق أن تهكَّموا على نوح و لوط .

 

قلتُ : دنت ساعة العقاب ! وإذا بالمدفعية تُحمحم وتصبُّ ويلاتها على ابناء لبنان بقضِّهم وقضيضهم !

وإذا بالصواريخ تزأر وكأنها الأسود تضجُّ بأصواتها المروِّعة!

وإذا بالرصاص والمقبنلات تحصد الأرواح حصداً !

وإذا بالتيتُّم يملأ البلاد ، وبعويل الخوف يجول ويعول في ارجاء لبنان من اقصاه إلى ادناه!

وإذا بالنكبة تتمُّ وبالخراب يشمل الجميع ويعمّ !

وإذا بالنحيب الهائل والعويل المُدوّي يُردِّم الآذان !

وإذا بالسلب والنهب والاعتداء يشمل الجميع، فالجمع عوقبوا دون استثناء!

فلو اصاخوا للشاعر حليم دموس ، ووجِدَ من يُدافع عن مؤسِّس الداهشية لما وصلوا إلى هذه النتيجة الرهيبة التي عصفت بلبنان عصفاً مأكولا !

وفجأةً أنارت الكهرباء الأرجاء ، فصمتت الشمعة عن الحديث إذ بهرتها انوار الكهرباء الساطعة.      

بيروت ، الساعة السابعة والربع: من ليل ١٩٧٩/٢/٤.