info@daheshism.com
ثالثًا: السَّـبَـبِـيَّـةُ  الروحيَّـة والعدالة الإلهيَّة

السيَّالات: مفهومُها، أَنواعُها، نشاطُها وتفاعُلاتُها
في ضوءِ المفاهيم الداهشيَّة

بقلم الدكتور غازي براكْس

ما هو السيَّال؟

تتمـيَّزُ الداهشيَّة باعتمادِ مفهومٍ جديد هو "السيَّال" لتفسيرِ أو تعليلِ كلِّ شيءٍ أو حدثٍ أو حالة، على الصعيدِ المادِّيّ أو النفسيّ، في الإنسان أَو الأرض أو الكونِ كلِّه. ومع أَنَّ هذه الكلمة ليست جديدةً في اللغةِ العربيَّة بلفظِها (إذْ إنَّها صيغةُ مُبالَغة لكلمة "سائل")، فهي جديدة بمعناها. لكنَّ الأَديبَ المُلهَم، جبران خليل جبران، استخدمَها في كتابته العربيَّة، بضعَ مرَّات، بمعنًى يحملُ شيئًا من المدلول الداهشيّ، لكنْ على بعضِ غموض. فهو يُضمِّنُ الكلمة معنى الطاقة الخفيَّة المُتَّصفة بالانفعال والنـزوع.[1]فما هو مفهومُ "السيَّال" في الداهشيَّة؟

في 31 تمُّوز (يوليو) 1963 قمتُ بزيارتي الثانية لمُؤَسِّس الداهشيَّة؛ فاستقبلَني في رُواق المنـزل ببيروت. وبعد أن أمضَيتُ معه مُنفرِدًا نصفَ ساعة علَّمني في أثنائها كيفيَّةَ كتابة "الرمز المقدَّس"،[2]ودَّعتُه لأنصرف. فشيَّعَني إلى أَعلى الدرَج. وما إن أَدرتُ وجهي لأَردَّ له تحيَّةَ الوداع حتَّى اختفى أَمام عَينيَّ. وقد داخلَت يدي اليُمنى رائحةٌ عطريَّة لم تُفارقها بضعةَ أيَّام رغمَ غسلِ يَدَيَّ بالصابون. ولمَّا سألتُ مُؤسِّسَ الداهشيَّة عن الخارقتَين، في زيارةٍ لا حقة، قال لي: "لم أَكن أنا معكَ في الزيارة السابقة، بل كانت شخصيَّة من شخصيَّاتي." وفهمتُ منه، للمرَّةِ الأُولى، أَنَّ الشخصيَّة سيَّالٌ روحيّ تابعٌ له، يهبطَُ من عالَمِه العُلويّ ويُؤدِّي مَهمَّة معيَّنة، ثمَّ يعودُ إلى عالَمِه بسرعةٍ تفوقُ سرعةَ النور أَضعافًا مُضاعفة. أَمَّا الرائحة الذكيَّة التي لازمَت يُمناي، فكانت أيضًا سيَّالاً روحيًّا عُلويًّا وُضِعَ فيَّ لمَهمَّةٍ أُخرى لا مجالَ لتفصيلها في هذا العَرض.[3]ففهمتُ أَنَّ السيَّالَ يُمكنُ أن يتَّخذَ شكلَ إنسان كما يُمكنُه أن يتَّخذَ أيَّةَ صورةٍ محسوسةٍ أُخرى.

وفي 27 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، بينما كان الدكتور داهش يُحادثُني، تغيَّرَت ملامحُه وازدادَ وجهُه بياضًا، وداخلَته قوَّةٌ روحيَّةٌ خارقة حوَّلَت ستَّة "رموز مقدَّسة" (أَي أوراقٍ مطويَّة دُوِّنَت عليها ابتهالاتٌ إلى الخالق) إلى إشعاعٍ تغلغلَ في جسدي واندمجَ فيه. فأَدركتُ الجوهرَ الإشعاعيَّ الخَفيَّ للسيَّال.

وفي أَواخر شباط (فبراير) 1964، زرتُ رجلَ الروح والمُعجزات، فاستزَدتُه إيضاحًا عن مدلول السيَّال؛ فناولَني مجلَّة "المُختار"، عدد فبراير، وطلبَ إليَّ أن أقرأَ فيه مقالاً للعالِم الروسيّ بروتوفسكي. مِمَّا يقولُ فيه:

"من كلِّ ذرَّات الكربون الموجودة في الكون سوف أختار واحدة من جسمك... ذرَّة في كروموزوم xالجنس، وهي من أَصغر الأَجسام التي تُحدِّد الصفاتِ الوراثيَّة التي نقلَتها إليكَ أُمُّك... وربَّما كانت ذرَّةُ كربونكَ في وقتٍ ما جزءًا من ماسة... ثمَّ لعلَّها مُحِيَت وانقسمَت مع ذرَّتَين أُخرَيَين من الأُوكسيجين لتكوين ثاني أُوكسيد الكربون، هذا في أَوراق نباتٍ ما، وهناك تحوَّلَ إلى سكَّر... هذا النباتُ ربَّما التهمَته بقرة، ولعلَّ واحدًا من أجدادِكَ الأَوَّلين شربَ لبنَ هذه البقرة أو أكلَ شريحةً من لحمِها، وقد تكون ذرَّةُ الكربون في أيٍّ منهما. وفي جسم جدِّكَ الأوَّل تسلَّلَت ذرَّةُ الكربون إلى إحدى كروموزوماته التي تنقلُ تعليماتِ الوراثة من الأَب إلى الطفل. وعلى مَرِّ الزمَن أَصبحَت جزءًا من أحد كروموزومَين xاللذَين حملَتهما أُمُّك..." ويمضي العالِم في إيضاحه رحلةَ تلك الذرَّة بعد أن يموتَ مَن يحملُها. فقد تنتقلُ إلى التربة فتدخل في تكوين بعض النبات، وقد يأكلُ الحيوانُ النبات فتصبح جزءًا منه، وربَّما تعود إلى الفضاء بواسطة التنفُّس لتُتابعَ دورتَها في الأَرض. ثمَّ يقول: "والهواءُ الموجود في رِئتَي الإنسان، في أَيَّةِ لحظة، يحوي ذرَّاتٍ يبلغُ عددُها رقمَ واحد وإلى يمينه 22 صفرًا، بحيثُ إنَّ كلَّ واحدٍ منَّا سوف يتنفَّسُ، آجلاً أَم عاجلاً، ذرَّةً سبقَ أَن تنفَّسَها من قبلُ أَيُّ شخصٍ يخطرُ ببالِكَ أَنَّه عاشَ على ظهر هذه الأرض: مايكل آنجلو أَو جورج واشنطن أَو سيِّدنا موسى... وسوف يتنفَّسُ ذرَّتَكَ بعضُ عباقرة المُستقبل..."[4]

ومِمَّا استنتجتُه من قولِ الدكتور داهش تعقيبًا على ما قرأتُه أَنَّ هذا هو السيَّال في صورته "المادِّيـَّة". وهو سيَّالٌ عاقل، لكنْ لا نزعات له ولا إرادة. ولذلك فهو لا يُثابُ ولا يُعاقَب. لكنَّ هذه الصورة "المادِّيَّة" قد يُداخِلُها سيَّالٌ آخَر ذو إدراكٍ ونزعاتٍ وإرادة. وهذا السيَّال هو الذي يُحاسَب. فقد تحملُ الورقةُ أو الكتابُ أوالجبلُ أو الصخرةُ أو الشجرةُ أو الهواءُ أو الماء إلخ مثلَ هذا السيَّال، فضلاً عن الإنسان والحيوان والنبات. ولا عبرةَ للحجم، فالشمسُ سيَّالٌ مُدرِك وذو نزعاتٍ وإرادة، اندمجَ في صورةٍ مادِّيـَّة مُعيَّنة،[5]وكذلك الأرض من حيثُ هي جُرم، والزهرة وعِطر الوردة واللوحةُ الفنِّيـَّة والسمفونيَّة إلخ. لكنَّ انتقالَ السيَّالات من صورة "مادِّيـَّة" إلى أُخرى لا يحدثُ صدفةً، ولكنْ وَفقَ نظامٍ روحيّ مَبنيّ على الاستحقاق.

ومن خلال مئاتِ المُعجزات التي عاينتُها تتمُّ على يَدَي الدكتور داهش، في خلال سبعةَ عشرَ عامًا زرتُه أو لازمتُه فيها (من 1963 إلى 1980)، ومن خلال كثيرٍ من الإيضاحات التي أدلى بها والرسائل الروحيَّة الموحاة التي اطَّلعتُ عليها، أَمكنَني استخلاصُ التالي: السيَّالُ كيانٌ من الإشعاع الخَفيِّ المتواصِل Continuum، يستحيلُ أن تلتقطَه حواسُّ المخلوقات المادِّيـَّة أو أجهزةُ البشر العلميَّة المُتطوِّرة، وذلك لأنَّ جوهرَه روحيّ؛ فتردُّدُه frequencyفائقٌ جدًّا يتخطَّى كلَّ تردُّدٍ كونيٍّ معروف.[6]وبجوهرِه الروحيّ يجمعُ بين الكائنات جميعها، سواءٌ كانت "مادِّيـَّة" أم روحيَّة، بشريَّةً أم ملائكيَّة، أرضيّةً (إنسانًا أو حيوانًا أو جمادًا) أم عُلويَّةً أم سُفليَّة. أَمَّا ما يراه البشرُ من السيَّالات فهو صُوَرُها "المادِّيـَّة" فقط؛ ولكنْ بإمكانِهم استنتاجُ وجودِها الروحيّ من خلال بعض نشاطها في الإنسان، المُتمثِّل بإدراك الأُمور والمفاهيم المُجرَّدة، وكذلك بالنزعات الإنسانيَّةِ الكُلِّيَّة كالمحبَّة والشفقة والرحمة والإيمان الدينيّ، والمواهبِ العلميَّة والأدبيَّة والفنِّـيَّة، كما بإرادةِ الإنسان المُتمثِّلة في اختياراتِه الحُرَّة لأَعماله. وقد رأَى الفيلسوف الفرنسيّ هنري برغسن، حائز جائزة نوبل، أَنَّ الحياة النفسيَّة "كُتلة سيَّالة" masse fluide ، كما رأَى ك. برت C. Burt أنَّ الحياةَ "تيَّارٌ سيَّال"[7] flowing stream.

ومثلما أنَّ سيَّالَ الطاقة الإشعاعيَّة التي هي أحدُ مظاهر الصورة "المادِّيَّة" يُمكنُ أن يتجزَّأ إلى ما سمَّاه العلمُ بالـ"كوانتا" quantaالتي هي دقائقُها الصُّغرى،[8]فإنَّ السيَّالَ الروحيّ يُمكنُ أيضًا أن يتجزَّأ، لكنَّ تجزُّؤَه لا يمنعُ التواصُلَ والتفاعُل بين أجزائه مهما تكن مُتباعدة.

والسيَّالاتُ هبطَت من العوالمِ الروحيَّةِ الإلهيَّةِ التي كانت فيها مُندمجةً بالأرواح الإلهيَّةِ المجيدة أصلاً، وبهبوطِها نشأَ الزمانُ والمكان (أو الزمانُ-المكان)، ثمَّ تكثَّفَت تكثُّفًا نسبيًّا في صُوَرٍ "مادِّيـَّة" اقتضَتها درجاتُها الروحيَّة المُتفاوتة. فهي نسيجُ الأكوان، معروفِها ومجهولها، بما ومَن فيها، ومن خلال جوهرِها الروحيّ يكونُ نشاطُها وتفاعُلُها فيما بينها، أيَّةً كانت صُوَرُها "المادِّيـَّة". ومِمَّا تقدَّمَ شرحُه يتأَكَّدُ أنَّ السيَّالات العاقلة الخاضعة للحساب سابقٌ وجودُها لوجودِ صُوَرِها "المادِّيـَّة". والقرآنُ الكريم يُشيرُ إلى ذلك بالآية القائلة: )ولقد خلَقناكم ثمَّ صوَّرناكم((الأَعراف: 11)؛ كذلك في الآيةِ القائلة: )الذي خلقَكَ فسوَّاكَ فعدلَكَ، في أيِّ صورةٍ ما شاءَ ركَّبَكَ((الانفطار: 8). فجَليٌّ من الآيتَين أنَّ الخَلقَ حدثَ قبل التركيب في الصورة، لأنَّ حرفَي العطف المُستخدَمَين (ثمَّ والفاء) يُفيدان التريُّثَ والتعقيب بدون أيِّ التباس.

وفي ما يأتي تفصيلٌ وإيضاحٌ لِما تقدَّم.

سيَّالاتُ "المادَّة"

ليس للمادَّة الأرضيَّة، أو لأيَّةِ مادَّةٍ أُخرى معروفةٍ أو مجهولة، كيانٌ نهائيٌّ مُستقلّ يختلفُ بجوهره عن السيَّالات العاقلة التي تمدُّ الإنسانَ بالإدراك والعواطف والنـزعات والمواهب والإرادة إلخ. فقد ظنَّ كثيرون من الباحثين والفلاسفة، بينهم الفيلسوف الفرنسيّ رينِه ديكارت، أَنَّ الروحَ والمادَّة كيانان مُتناقضان في طبيعتَيهما، فأَوقعَتهم هذه الفرضيَّة الثُّنائيَّة في تفسيراتٍ اعتباطيَّة لكيفيَّةِ التفاعُل بينهما. وقد أَدَّى ضعفُ براهينهم إلى ردَّةِ فِعلٍ كان من نتائجها، وَفقَ ما وردَ في باب "أنتم تسأَلون والدكتور داهش يُجيب" بمجلَّة "بروق ورعود"، "نشوءُ الفلسفات المادِّيـَّة النافية وجود الروح والقائلة بوجودٍ واحد في الكون هو الوجود المادِّيّ."[9]وقد تنبَّهَ كثيرون من العُلماء والمُفكِّرين المُعاصرين لخطإ ثُنائيَّة الروح والمادَّة، لأنَّه يستحيلُ أن يُؤثِّر عامِلٌ غيرُ مادِّيّ في وجودٍ مادِّيّ.[10]

فالمادَّةُ، إذًا، قوامُها سيَّالاتٌ ذاتُ جوهرٍ روحيّ، لكنَّه مُنخفضُ الدرجة الروحيَّة، بطيءُ التردُّد frequency. ودرجاتُها وأشكالُها تتفاوتُ من كوكبٍ إلى آخَر. وأَيَّةُ كُتلةٍ مادِّيـَّة مُعيَّنة تُعتبَرُ مُعادِلة لطاقةٍ إشعاعيَّة معيَّنة.[11]

وفي الواقع إنَّ وراءَ مظاهر الكون "المادِّيـَّة" المُتقطِّعة والمتنوِّعة مُحيطًا من السيَّالات المتواصلة في سيَلان إشعاعها الخَفيّ. لكنَّ الإنسان لا يستطيعُ أَن يُلاحظَ منه إلاَّ مراكزَ التكسُّرات المَوجيَّة التي تحدثُ على سطحِ هذا المُحيط. فالكتابُ الذي بيدِك، والطاولةُ التي أَمامك، والكُرسيُّ التي تجلسُ عليها، والأشجارُ التي في الحديقة، والطيورُ التي تُغرِّدُ على أغصانها، وأصواتُ الأولاد، فضلاً عن جسمك وما فيه من خلايا وجُزَيئات وجينات—جميعُ هذه وغيرُها مِمَّا يُسمِّيه العلمُ بـ"الظواهر المادِّيـَّة"، بما فيها الذرَّاتُ والذُّرَيراتُ التي تتكوَّنُ المادَّةُ منها، إنَّما هي أَشبهُ بمراكز التكسُّرات المَوجيَّة في هذا المُحيط الدائم السيَلان؛ وهذه المراكز هي كلُّ ما يستطيعُ العلماءُ أن يُلاحظوه سواءٌ بحواسِّهم المباشرة أو بأَجهزتهم المُطوَّرة.

هذه النظرةُ الداهشيَّة—القائلة بوحدةِ الجوهر العاقل بين الإنسان وسائر المظاهر المادِّيـَّة في الكون كلِّه—يتكاثرُ مُؤَيِّدوها بين العُلماء الفلاسفة الذين يرَون أَنَّ التفسيراتِ الحاليَّة للوجودِ المادِّيّ لا تُحيطُ بجوهرِه وكُلِّيَّـتِه وقوانينِه. من هؤلاء السير آرثر إدِنغتون Sir Arthur Eddingtonالذي اعتبرَ أنَّ "قوامَ الكون جوهرٌ عقليّ"،[12]والسير جايمس جينـز Sir James Jeansالذي اعتبرَ الكونَ "فكرة مُفكِّر رياضيّ"،[13] والعالِمُ الفرنسيُّ جان شارون J. Charon الذي ميَّـزَ بين ماهيَّة الأشياء التي هي "واقعُها الحقيقيّ" وما يُمكنُ أَن يُدركَه الإنسانُ منها وهو "الواقعُ المعلوم"، وهما غير مُتماثلَين؛ ورأَى أنَّه، نتيجةً لذلك، لا يُمكنُ أن يكونَ إدراكُ الإنسان لمُحيطِه مُطلقًا، بل نسبيٌّ مهما تكُن الأجهزة المُطوَّرة التي يستخدمُها، لأَنَّ واقعَ الوجود الحقيقيّ يُعبَّرُ عنه بالتموُّجات المُتَّصلة المُستمرَّة، في حين أنَّ الواقعَ المعلوم يُعبَّرُ عنه بالجُزَيئات النوَويَّة ذات التوتُّر المُتقطِّع. [14] زِدْ إلى هؤلاء العلماء الفلاسفة أسماءَ كثيرين من الجيل الحديث، منهم: بول دايفيس [15] Paul Davies الذي ينظرُ إلى الكون نظرةً كُلِّـيَّة وَحدويَّة holistic، ويرى أنَّ في الطاقة والمادَّة قوَّةً عاقلةً قادرة على التنظيم الذاتيّ، وأَميت غوسوامي [16] Amit Goswamiالذي يرى أنَّ قوامَ الوجود هو عقلٌ واعٍ وليس مادَّة،ودايفِد فوستر David Foster،[17]وميناس كافاتوس Menas Kafatos ،[18]وغيرهم.

فالعالَمُ "المادِّيُّ" المنظور مُحدَّدة صُوَرُه وأشكالُه بتركيب حواسِّنا وبأَنواع الأشعَّة القليلة جدًّا التي نستطيعُ إبصارَها. فلو كانت عيونُنا أَكثرَ حسَّاسيَّة بحيثُ نستطيعُ أَن نرى الأَشعَّةَ السينيَّة (أَشعَّة إكس) مثلاً، أو أشعَّة جاما الكونيَّة، لَتغيَّرَت صُورُ الأشياء وأشكالُها تغيُّرًا تامًّا. وإيضاحًا لذلك أُوردُ ما جاءَ في باب "أَنتم تسأَلون والدكتور داهش يُجيب" حول هذا الموضوع في مجلَّة "بروق ورعود":

"خُذْ مثلاً على ذلك صخرةً معيَّنة حجمُها مترٌ مُكعَّب. فإنَّ حجمَ الصخرة وشكلَها وصلابتَها وحرارتَها—كلّ ذلك حدَّدَه التركيبُ المُعيَّن الذي عليه حاسَّةُ بصرِكَ وحاسَّةُ لَمسِك. فإن حصلَ أَيُّ تغيير في تركيب هاتَين الحاسَّتَين تغيَّرَ بالتالي معهما شكلُ الشيء المَرئيّ وحجمُه وصلابتُه وحرارتُه. إفترِضْ أَنَّ لكَ عينًا تركيبُ عدستِها أقربُ إلى تركيب عدَسة مِجهَرٍ يُرى الشيءُ من خلاله مُضخَّمًا مليونَ مرَّة أكثر مِمَّا يُرى بالعَين المُجرَّدة، أو أنَّكَ من سُكَّان كوكبٍ عيونُهم مُركَّبة ذلك التركيب، فإنَّ الصخرة، إذْ ذاك، ستفقدُ أمامك شكلَها المألوف عند الناس فقدانًا تامًّا، ليس من حيثُ الحجمُ والضخامة فحسب، بل أيضًا من حيثُ شكلُها الخارجيّ الذي تلتقطُه العَين. فكم من نتوءاتٍ دقيقة، وخطوطٍ وتعرُّجاتٍ صغيرة، وأَوساخٍ وأَلوانٍ خفيَّة موجودة في الصخرة—ولكنَّها لا تبدو للعين المُجرَّدة —إذا بها عندئذٍ تظهرُ كبيرة جَليَّة وتُعطي الصخرةَ صورةً جديدة وشكلاً لم تألفه العينُ العاديَّة. فقد تبدو الصخرةُ آنئذٍ كسحابةٍ شفَّافة عظيمة، كما يبدو كلُّ ما يُحيطُها من أشياء أَشبهَ بأَبخرة أَو سُحُب. وهكذا يُمكنُك أَن تتخيَّلَ الصوَرَ الغريبة التي ستبدو عليها الأشياء إذا ما راحت حواسُّكَ جميعًا تتبدَّلُ أَجهزتُها. وإنَّ نسبيَّةَ الأَوضاع المادِّيـَّة أَكَّدَها العلماءُ الحديثون ابتداءً من آينشتاين، ولكنَّ الداهشيَّة أَدركَتها عن طريقة المعرفة الروحيَّة بصورةٍ مُسبَّقة، كما أَدركَت غيرَها من الحقائق مِمَّا لم يتوصَّل العلمُ إلى كَشفِه بعد. وقُصارى القول إنَّ ما يُسمَّى "مادَّة" ليس إلاَّ وجودًا "مادِّيًّا" مُؤَقَّتًا نسبيًّا يُخفي مظهرُه الحسِّيّ طاقةً لامادِّيَّة هي، أساسًا، قوامُ الموجودات كلِّها."[19]

وفي التعاليم الداهشيَّة الموحاة أنَّ ثمَّةَ عوالِـمَ وكائناتٍ "مادِّيـَّة" كثيرة—منها ما هو في كوكب الأرض نفسِه—ترتفعُ درجةُ التردُّد في سيَّالات صُوَرِها "المادِّيـَّة" بحيثُ تعجزُ حواسُّ البشر عن إدراكها، كما تعجزُ أَجهزتُهم العلميَّة عن التقاطها، فتُصبح بالنسبةِ للبشر كأَنَّها غير موجودة. وهي ما دامت خاضعة للأَنظمة الطبيعيَّة في العوالم التي تنتمي إليها، يستحيلُ أَن تتحوَّلَ عن طبيعتِها الأصليَّة لتغدوَ مَرئيَّة محسوسة إلاَّ بسماحٍ إلهيّ.

إنَّ التعاليمَ الداهشيَّة المُؤَيَّدة بمئات الخوارق المادِّيـَّة الملموسة—أَمثال مُعجزات تكوين الأشياء وتكثيرها وإعادة تكوينها بعد إحراقها، ومُعجزات التجسُّد[20]—لَـتُؤَكِّدُ أَنَّ كلَّ كيانٍ "مادِّيّ" ذو طاقةٍ جوهرُها روحيٌّ خالد. فالأَشكالُ والمظاهرُ المحسوسة هي التي تتبدَّل، فنُسمِّي تبدُّلَها فناءً أو موتًا؛ لكنَّ السيَّالات التي هي جوهرُ طاقتِها يستحيلُ أَن تفنى. وهي إن تختفِ كطاقةٍ من جسمٍ عُضويّ أو غيرِ عُضويّ، تظهرْ في جسمٍ آخَر.

وقانونُ حِفظ الطاقة هو من القوانين الكُبرى التي اكتشفَها العِلم وأَكَّدَ صحَّتَها. فالطاقةُ محفوظة في الكون، لا تفنى. لكنَّ للطاقةِ مظاهرَ مُختلفة: فقد تكون حرَكيَّة، أو جاذبيَّة، أو حراريَّة، أو كهربائيَّة، أو مغنطيسيَّة، أو ضوئيَّة، أو امتداديَّة، أو كيميائيَّة، أو نوَويَّة، أو غير ذلك... وقد تتحوَّلُ الطاقةُ في شيءٍ ما من مظهرٍ إلى آخَر، أو يتحوَّلُ جزءٌ منها في ذلك الشيء من مظهرٍ إلى آخَر. والطاقةُ المحفوظة في الكون هي الطاقةُ العامَّة في مجموع مظاهرها. وما يُطَبَّقُ على المعادن والسوائل والغازات يُطبَّقُ أَيضًا على ما يُسَمَّى، اصطلاحًا، "الكائنات الحيَّة". فالطاقة قوامُ كلِّ موجود، مهما يكُن صغيرًا تافهًا.[21]. والعُلماءُ ما زالوا يُحاولون أن يوجِدوا قوَّةً ما تتوحَّدُ فيها مظاهرُ الطاقةِ كلُّها، ويُطلِقون عليها تسمياتٍ مختلفة، من أحدثِها ما سمَّوه بـsuperstrings.[22] كذلك اكتشفَ عُلماءُ آخَرون أَنَّ الطبيعةَ الأُولى للمادَّة ليست على الإطلاق مثلما تظهر؛ فهي أشبهُ بما سمَّوه "بلاسما" plasma.[23]بل إنَّ عدَّةَ عُلماء من الجيل الحديث بدأُوا يفترضون أَنَّ نسيجَ الكونِ لن يُفهَمَ فهمًا مُتكاملاً يتناولُ كلَّ مظاهر القوى فيه إلاَّ بتصوُّرِه نسيجًا عقليًّا يتكوَّنُ من مُحيطٍ من المعلومات.[24]وكأنَّهم يُريدون أن يقولوا "سيَّالات عاقلة". بل إنَّ عدَّةَ عُلماء اكتشفوا، حديثًا، أَنَّ الفوتونات الضوئيَّة المتماثلة تتصرَّفُ التصرّفَ نفسَه حتَّى لو كانت الواحدة منها في نجمٍ والأُخرى على الأرض، كأنَّما يتَّصلُ بعضُها ببعض اتِّصالاً خارقًا لقوانين الطبيعة المعروفة، إذْ يقتضي هذا التصرُّف المُتزامِن بين الفوتونات أن تكون سرعةُ الاتِّصال بينها أسرعَ من النور. وهذه الظاهرة لاحظَها آينشتاين نفسُه ووقفَ عندها حائرًا.[25]وهذا يُؤكِّدُ ما أَعلنَه رجلُ الروح والمُعجزات لي منذ عشرات السنين عن أنَّ السيَّالَ أَسرعُ من النور أَضعافًا مُضاعفة.[26]وقد زاد الدكتور داهش تأكيدَه إيضاحًا بقوله لي: "إنَّ سرعةَ السيَّال تزدادُ بقدرِ ما يزدادُ ارتقاؤه الروحيّ، أي إنَّه في العوالمِ الفردَوسيَّة العُليا أسرعُ جدًّا منه في العوالمِ المادِّيـَّةِ الأُخرى." وفي ضوءِ هذه الحقيقة يُمكنُ فهمُ السرعة التي يتمُّ بها هبوطُ شخصيَّات مُؤسِّس الداهشيَّة وتجسُّدها، ثمَّ عودتُها إلى عوالمِها العُلويَّة.

أخيرًا، لا بدَّ من السؤال: ماذا يحدثُ لو اندثرَت صُوَرُ الكونِ "المادِّيـَّة" كلُّها، معلومُها ومجهولُها، في ملايين المجرَّات والسُّدُم؟

ذلك يعني، في ضوء التعاليم الداهشيَّة، أَنَّ السيَّالاتِ الروحيَّة في الموجودات تكونُ قد تحرَّرَت من قيودِها المادِّيـَّة، أي من كثافاتها، بسبب استحقاقها وارتقائها إلى درجة الكمال؛ فإذْ ذاك تعودُ إلى أُمَّهاتِها، الأرواحِ الإلهيَّة النقيَّة، التي انبثقَت منها في عوالمِ الأرواح السعيدة قبل أن تنشأَ الأكوان ويكونَ مكانٌ وزمان؛ وهذه هي الغايةُ العُظمى الكامنة في أَعماق كلِّ كائن حتَّى لو لم يُدركها إدراكًا واعيًا.

وفي انتظار ذلك الحدَثِ الكَونيّ الذي لا يعرفُ أحدٌ زمانَه—الذي قد يمتدُّ إلى عشرات البلايين من السنين—تبقى لسيَّالات "المادَّة"، الموزَّعة في صُورِها وأشكالها، مَهمَّتان: الأُولى أَن تكونَ قَيدًا ذا كثافةٍ تُحدِّدُه درجةُ السيَّالات الروحيَّة المُندمجة فيها وَفقًا لاستحقاقِها، والثانية أَن تكونَ الشاهِدَ الأمينَ على ما تقومُ به السيَّالاتُ الروحيَّة، التي كانت مُندمِجة فيها، من أعمال وما ينشطُ فيها من رغباتٍ ونزعاتٍ وأَفكار. فحالما يضمحلُّ الكيانُ "المادِّيّ"، طبيعيًّا كان أم مصنوعًا، بعد أن يُفارقَه آخِرُ سيَّالٍ روحيّ خاضِعٍ للحساب، يقومُ للكيانِ "المادّيّ"، في عالَمٍ خاصّ، نموذجٌ يكونُ نسخةً مُماثلةً له تمامًا؛ وسيَّالاتُ هذا النموذجِ "المادِّيّ" لا تخضعُ للحساب الروحيّ، سواءٌ أَكانت للإنسان أم غيره، لأنَّها بدون حُرِّيـَّة، وَفقًا لِما علمتُه من مُؤَسِّسِ الداهشيَّة. أَمَّا الإنسان فتكون سيَّالاتُ الشكلِ "المادّيّ" التي انتظمَت سمعَه وبصرَه وسائرَ حواسِّه والتي اندمجَت في يدَيه ورجلَيه وجلدِه ولسانِه وسائرِ أَعضائه هي القوى المُدرِكة التي تشهدُ عليه ساعةَ الحساب. وهذا ما يُفسِّرُ قولَ السيِّدِ المسيح: "ولكن أَقولُ لكم إنَّ كلَّ كلمةٍ بطَّالة يتكلَّمُ بها الناس سوف يُعطَون عنها حسابًا يومَ الدين، لأنَّكَ بكلامِكَ تتبرَّر وبكلامِكَ تُدان"؛[27]كما يُفسِّرُ الآياتِ القرآنيَّة التي وردَت بهذا المعنى، من مِثل: )ويومَ يُحشَرُ أَعداءُ الله إلى النار فهم يوزَعون. حتَّى إذا ما جاؤوها شهدَ عليهم سمعُهم وأبصارُهم وجلودُهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودِهم: لِمَ شهدتم علينا؟ قالوا: أَنطقَنا الله الذي أَنطقَ كلَّ شيء، وهو خالِقُكم أَوَّلَ مرَّة، وإليه تُرجَعون. وما كنتم تستترون أَن يشهدَ عليكم سمعُكم ولا أبصارُكم ولا جلودُكم، ولكن ظننتم أنَّ الله لا يعلمُ كثيرًا مِمَّا تعملون. ([28]كذلك الآيةُ القائلة: )يومَ تشهدُ عليهم أَلسنتُهم وأَيديهم وأَرجلُهم بما كانوا يعملون.([29]

الإنسان في صورتِه المُتكاملة

طالَما سمعتُ مُؤَسِّسَ الداهشيَّة يقولُ لنا أو للزائرين مُعرِّفًا بكيان الإنسان ما فحواه: قِوامُ الإنسان روحٌ وسيَّالاتٌ وجسَد. فالروحُ نفثةٌ إلهيَّة لا تُداخلُ المادَّةَ إطلاقًا، ولا يُمكنُ أن تحتلَّ جسدَ الإنسان. وعالَمُها عالَمُ الحقيقةِ والخيرِ والجمال، عالَمُ السعادةِ والمعرفةِ والقدرةِ والطهارة، عالَمُ الخلودِ المُتخطِّي للزمان والمكان ولِما يُرافقُهُما من تحوُّلاتٍ ومُنغِّصات. ومن الأرواح انبثقَت سيَّالاتُ الأكوان، معروفِها ومجهولِها، ومنها سيَّالاتُ الإنسان. فالأَرواحُ مصدرُ كلِّ سيَّالٍ وهي مَعادُه لكنْ بما أنَّ البحثَ في الروح ليس من أهدافي في هذا المقام، فإنِّي أَكتفي بتذكير القارئ بما وردَ في القرآن الكريم عنها: "يسأَلونَكَ عن الروحِ. قُلِ الروحُ من أَمرِ ربِّي وما أُوتيتم من العِلمِ إلاَّ قليلاً" [30]

أَمَّا سيَّالاتُ الإنسان فهي نوعان: سيَّالاتٌ تنتمي لعقلِه الواعي، وسيَّالاتٌ تنتمي لعقلِه الباطن. وسأَتناولُ إيضاحَها تِباعًا. علمًا بأَنَّ مفهومَ العقل الواعي وخصوصًا مفهومَ العقل الباطن، في الداهشيَّة، يختلفان عن مفهوميهِما في دراسات السيكولوجيِّـين الذين ما زالت مُحاولاتُهم مُتناقضةً وقاصرةً عن الوصول إلى الحقيقة الداهشيَّة.

أَوَّلاً- سيَّالاتُ العقلِ الواعي

سيَّالاتُ العقلِ الواعي هي سيَّالاتُ النفسِ الواعية بأكملِها. وهي تُكوِّنُ وَحداتِ الطاقةِ النفسيَّةِ الأساسيَّة في شخصيَّةِ الإنسان، وتختلفُ في كَمِّها الإشعاعيّ الخَفيّ ودرجاتِ رُقيِّها الروحيّ فيما بينها وبين فردٍ آوخَر. وكلٌّ من هذه السيَّالات يتكوَّنُ من طاقةٍ روحيَّة حيَّة مُتواصلة الفعَّاليَّة، تجتمعُ فيها—مثلما ذكرتُ سابقًا—ثلاثُ قوًى تضمُّ الإدراكَ والنـزعاتِ والإرادة. لكنَّ هذه القوى، على استقلالِها الوظيفيّ، يُؤَثِّرُ بعضُها في نشاطِ بعض، ذلك بأَنَّ التعبيرَ عن نشاطها إنَّما يتمُّ من خلال كيانٍ عُضويٍّ مُوحَّد (أَي جسدٍ حَيٍّ واحد). وهذا السببُ هو الذي يُبقي الإنسانَ مُوَحَّدَ الحياة والوجود بالرّغم من تعدُّدِ سيَّالاتِه.

وقد حاولَ الفلاسفةُ القُدامى والحديثون وعُلماءُ النفس المُعاصرون أن يُفسِّروا ما هيَّةَ "النفس") (soulبالمفاهيم الدينيَّة والفلسفيَّة، وpsycheبالمفاهيم السيكولوجيَّة)، أو يُوضِّحوا مفهومَ "العقل الواعي" counscious / counsciousness، ويُعلِّلوا نشاطَه، لكنَّهم خبَطوا خَبطَ عشواء، وافترضوا شتَّى الافتراضات، حتَّى جعلَ بعضَهم الطاقةَ النفسيَّة مجرَّدَ مجموعة من العمليَّات البيوكيميائيَّة.[31]

غيرَ أَنَّ جماعةً من عُلماءِ النفس حاولوا الاقترابَ من المفهوم الداهشيّ في تفسيرهم وتعليلهم لسلوك الإنسان وشخصيَّتِه المُعقَّدة؛ من أَوائلهم العالِمُ النفسيُّ الأَمريكيّ، هاري ستاك ساليفان H. S. Sullivan(1892-1949). فقد جعلَ كيانَ الإنسان يتأَلَّفُ من "أنماطٍ سلوكيَّة" أَو "ديناميَّات" مُميَّزة، زاعمًا أَنَّه قد يكونُ لشخصٍ ما "ديناميَّة" شرِّيرة، ولآخَر "ديناميَّة" شهوانيَّة، ولثالث "ديناميَّة" الخوف إلخ. وقد حدَّدَ "الديناميَّة" أو "النمَطَ السلوكيَّ" بأَنَّه "غلافٌ يضمُّ فروقًا مُعيَّنة عديمةَ الوزن."[32]وتحديدُ ساليفان يُقاربُ، في الظاهر، مفهومَ "السيَّال" في الداهشيَّة، لكنَّه غامضُ ومُشوَّشٌ، وعاجزٌ عن رَبطِ الإنسان بمظاهر الكَون الأُخرى وبمصدرِه.

وكان الفيلسوفُ الأَلمانيّ لايـبْنيتز Leibnitzقد حاول (1646-1716) أَن يجعلَ الكونَ أَقربَ إلى الفهمِ المنطقيّ، وغيرَ مُنفصل جوهريًّا عن الإنسان، فافترضَ وجودَ "وحدات حقيقيَّة"—سمَّاها "موناد" —monadsتملأُ الكونَ كلَّه ، وتُكوِّنُ جوهرَه؛ وتصوَّرَ هذه الوحدات سلسلةً حيَّةً مُتواصلة مُتشابكة مُتراتبة، تتركَّزُ في كلٍّ منها "طاقةٌ أَصليَّة" نشيطة واعية، وكلُّ وحدة "تحملُ أَثقالَ ماضيها وتحبلُ بمُستقبلِها." رؤوسُ هذه السلسلة العاقلة المُتراتبة هي الأرواح، ورأسُ الكلّ هو الله. لكنَّ الله ليس وحدةَ "موناد"، بل هو النظامُ القائم بين الوحدات والقابض عليه. [33]

وهكذا ما يزالُ العلمُ والفلسفةُ، بالرغم من محاولاتٍ كثيرة، قاصرَين عن فهمِ حقيقةِ الإنسان وعن اكتناهِ النفس وتعليلِ نشاطها وأَحوالِها وتناقُضاتها مثلما قدَّمَتها الداهشيَّة. فبماذا مدَّتنا تعاليمُها لإيضاح هذا الأمر الخطير؟

من تعاليم الداهشيَّةِ الموحاة—والمُؤَيَّدة بالمُعجزات إثباتًا لصحَّتِها—نستنتجُ أَنَّ نفسَ الإنسان أَو ذاتَه الواعية تتكوَّنُ من سيَّالِ رئيسيّ وسيَّالاتٍ ثانويَّة.

السيَّالُ الرئيسيّ

أَمَّا السيَّالُ الرئيسيّ فهو أَهمُّها، لأَنَّه يمدُّ الإنسانَ بالحياة، ويمنحُه طابعَ شخصيَّته المُميَّزة. والسيَّالُ الرئيسيّ يحتلُّ الجنينَ عند الولادة، في الشهر التاسع عادةً،[34]وقد يشذُّ عن ذلك فتُقدَّمُ الولادة فترةً لأسبابٍ روحيَّة. هذا السيَّالُ الرئيسيّ إمَّا أَن يكونَ تابعًا لسيَّال الأب الرئيسيّ وإمَّا لسيَّال الأُمّ الرئيسيّ. فإذا لم يكُن لأَيٍّ منهما سيَّالٌ درجتُه الروحيَّة بمُستوى الأرض، فالولدُ لا يكتمل. هذا إذا استثنَينا أَيضًا كَونَ أَحدِ الاثنَين مُصابًا بعاهةٍ أو مرضٍ يمنعُ تكوُّنَ الجنين لأسبابٍ يقتضيها استحقاقُ الجنين وأَبَوَيه.

غيرَ أنَّ الامتناعَ الروحيَّ الأَوَّل يُمكنُ تخطِّيه في حال وجودِ سيَّالٍ روحيّ في الأبِ أو الأُمِّ يكونُ على درجةٍ روحيَّة مُساوية لدرجةِ سيَّالٍ كائنٍ في عالَمٍ عُلويّ، أَي فردَوسيّ. فإذْ ذاك يحصلُ تَماسٌّ بين السيَّالَين. والعملُ الجنسيُّ يجعلُ السيَّالَ العُلويَّ يسقطُ ليحتلَّ الجنين. يقولُ الدكتور داهش في قطعة "شجرة معرفة الخير والشرّ" بأُسلوبٍ قصَصيّ هدفُه تقريبُ الحقيقةِ من الناس :

حلمتُ أَنَّني أَرتعُ في جنَّةٍ دانية قُطوفُها...

وكانت مُثقَلَةً بما تحملُه من الفواكه اللذيذة. وذَهِلتُ إذْ شاهدتُ أَنَّ كلَّ ثمرة ينبثقُ منها خيطٌ نورانيّ مُمتَدٌّ بصورة لانهائيَّة،

ووجهتُه كُرتُنا الأرضيَّة. وكانت آلافٌ من السيَّالات تجوبُ هذه الحديقةَ العجيبةَ الغريبة، وكلٌّ منها يتذوَّقُ ثمرةً منها... وفجأةً دوَّى صوتٌ رهيبٌ مَهيب قائلاً لي:

"إنَّ كلَّ سيَّال يتذوَّقُ من هذه الثمار هو تابعٌ لمخلوقٍ بشريّ يعيشُ في دُنيا الأرض حيثُ أنتَ تعيشُ أيضًا. فإذا تذوَّقَ السيَّالُ ثمرةً لذيذة أَثَّرَ مَذاقُها في الشخصِ الموجودِ بدُنياكم، وبعكس هذا إذا تذوَّقَ السيَّالُ ثمرةً ما لا تحتوي سيَّالاً عُلويًّا، فإنَّه يُؤَثِّرُ بالسيَّال الموجودِ في عالَمِ الأرض، فيرتكبُ الشخصُ عملاً غيرَ شريف يدعُه يسقط؛ وما سقوطُه إلاَّ بسبب تذوُّق السيَّال لثمرةٍ من الممنوعات. وهكذا الشخصُ الموجودُ في عالَمِ الأرض باستطاعتِه أَن يدَعَ السيَّالَ الموجودَ في هذا العالَم يرتقي أَو يسقط بواسطة أَعماله..."

وفجأةً اقتربَ منِّي سيَّالٌ قال لي:

"أَنا سيَّالٌ منكَ، فلو تزوَّجتَ لَكنتُ ابنتَكَ، ولَكنتُ ارتكبتُ آثامَ اللذَّاتِ المُحرَّمة، فحسنًا فعلتَ بعدمِ زواجِكَ، إذْ منعتَني من السقوط؛ وهذا أَشكرُكَ عليه..."[35]

إنَّ السيَّالَ الرئيسيَّ —كأيِّ سيَّالٍ آخَر—ذو طاقةٍ عاقلة إبداعيَّة مُستمدَّة من جوهرِه الروحيّ. وبفضلِ هذه الطاقة يُقَولِبُ جيناتِ الجنين ويُبرمِجُها وَفقًا لِما يُدخِلُه فيها من استعداداتٍ ونزعاتٍ كائنةٍ فيه، وتَبَعًا لدرجتِه الروحيَّة واستحقاقِه، ومُجاراةً لنظام العدالةِ الإلهيَّة.

وهذا السيَّال الرئيسيّ، كأَيِّ سيَّالٍ آخَر، يكونُ مُزوَّدًا بطاقاتٍ مُعيَّنة من الإدراك والنـزوع والإرادة. ولا ضرورةَ للإسهاب في تعريفِها وتحديد وظائفِها، فهي شائعةٌ في الكتُب السيكولوجيَّة. فأَكتفي بما لا بُدَّ منه.

القوى الإدراكيَّة الواعية

تتناولُ هذه القوى عدَّةَ استعدادات تناولَها الباحثون بالدراسة، ولِذا سأَذكرُ ما توضِحُه الداهشيَّةُ من نقاطٍ لم توضِحها الأبحاثُ العلميَّة.

أَ- الاستعداد الحِسِّيّ الخارجيّ والباطنيّ

وهو يشملُ الحواسَّ الخمس، يُضافُ إليها حسُّ الاتِّجاه والتوازُن الذي قلَّما ينتبهُ الباحثون له. فإذا كان هذا الاستعدادُ ضعيفًا بأَحد فروعِه في السيَّال الرئيسيّ، فإنَّ خلَلاً ما سيظهرُ في الجينات التي تحملُ البرامج المُعَدَّة لصَوغ الحواسّ، كالعمى أو الصَّمَم أو البكَم مثلاً. وهذا الخلَل لا يُمكنُ أن يحدثَ صدفةً، أي من جرَّاء خلَلٍ عفويّ طارئٍ على تركيب الجينات أَو الخلايا، مثلما يتوهَّمُ كثيرون من الباحثين؛ بل يكونُ ناشئًا عن استحقاقٍ له ناتجٍ عن أعمالٍ قام بها هذا السيَّالُ الرئيسيُّ في دورةٍ حياتيَّة سابقة. فالصدفةُ لا وجودَ لها في النظام الإلهيِّ العادل. وكما الحال في سببِ هذا الخلَل، فالحالُ في كلِّ خلَلٍ آخَر أَيضًا: إنَّه سببٌ روحيٌّ خاضعٌ لنظام الاستحقاق والعدالةِ الإلهيَّين.

ب- الاستعداد الذهنيّ

- وهو يشملُ وظيفةَ العقل بالمعنى الحَصريّ، أي الفهم والتفكير، وقدرةَ الرَّبط بين الأَسباب والنتائج، وبين الأَشياء، وبينها وبين رموزها اللفظيَّة أو التصويريَّة إلخ. وصحَّةُ عمل هذه الوظيفة تُولِّدُ سلامةَ المنطق التي تُؤَدِّي إلى صدقِ التمييز بين الحقِّ والباطل والخير والشرّ. فإذا طرأَ ضعفٌ ما على هذا الاستعداد في السيَّال الرئيسيّ، فإنَّه سيُؤَثِّرُ في تكوين الجينات الخاصَّة التي تتحكَّمُ بخلايا الدماغ. وهكذا قد يظهرُ خلَلٌ في عقلِ الولَد منذ طفولتِه أو في أيَّةِ مرحلة من مراحل عُمره، فيتمثَّلُ بهلوسةٍ سمعيَّة أو بصريَّة، أو بضعفٍ منطقيّ، أو بغير ذلك من مظاهر الخلَل العقليّ. وقدرةُ الاستنتاج والاستدلال واكتناه الأَشياء والمفاهيم قد تكون في الوليد قويَّةً أو مُعتدلةً أو ضعيفة وَفقَ ما يحملُه السيَّالُ الرئيسيّ أَصلاً، وتنمو بنموِّ دماغِه. والتربيةُ والثقافةُ وظروفُ البيئة تُؤثِّرُ فيها، فيما بعد، تأثيرًا قد يكون ضعيفًا أو معتدلاً أو قويًّا، لكنَّها لا تُبدِعُها أَو تُغيِّرُ درجتَها الأصليَّة. فتفوُّقُ أَفلاطون وأَرسطو وأَفلوطين والفلاسفة العِظام، أو تفوُّقُ غاليلِه ونيوتن وآينشتاين والعُلماءِ الكبار، هو في مُعظمِه كائنٌ في سيَّالاتهم الرئيسيَّة قبل أن يولَدوا. والقولُ بتساوي البشر على هذا الصعيد قولٌ باطل دحَضَته الاكتشافاتُ البيولوجيَّة الحديثة.

- وظيفةُ الانتباه، وبها يتمُّ تركيز الإدراك ومَنعُ تشتُّتِه، حسِّيـًّا كان أم ذهنيًّا، وسرعةُ الخاطر وحضورُ البديهة. وقدرةُ الانتباه قد تكون ضعيفةً أو قويَّة. وبها يمتازُ الخُطباءُ الكبار. وعرفتُ من مُؤَسِّس الداهشيَّة أَنَّ كثيرين من الناس قد يكونون برُبع سيَّالِ انتباه طوالَ حياتهم، ولا تُفيدُ الثقافةُ والتدرُّبُ على تقويةِ هذه القدرة عندهم إلاَّ قليلاً. وضربَ لي مثَلاً يقظةَ بولس الرسول وقوَّةَ انتباهِه لكلِّ شاردةٍ أو واردة حينما كان يخطبُ مُبشِّرًا الأُممَ بالمسيح. ولمَّا سألتُه كيف يكون الانتباه أو أيُّ استعدادٍ آخَر سيَّالاً ما دامت هذه القوى جميعُها في سيَّالٍ واحد هو السيَّال الرئيسيّ؛ أجابني ما مفادُه: إعتَبِر السيَّالَ الرئيسيَّ حزمةً من الأَشعَّة الروحيَّة، وكلَّ قدرةٍ من القدرات أو استعدادٍ من الاستعدادات في الإنسان طاقةً (أَي شُعاعًا أو مجموعةَ أشعَّة) في تلك الحزمة.

- وظيفةُ التخيُّل، وبها يتمُّ بناءُ صُوَرٍ واقعيَّة أو وهميَّة، أو استحضارُ رُؤًى. ويتميَّزُ كِبارُ الشعراءِ والأُدباءِ والفنَّانين بقوَّةِ هذا الاستعداد. وقد سألتُ مُؤَسِّسَ الداهشيَّة: كيف استطاعَ الأَديبُ الفرنسيّ جول فِرن Jules Verne(1828-1905) أَن يستبقَ الاختراعات والاكتشافات الحديثة فيتخيّلَها قبل حدوثِها؛ فأجابَني ما مفادُه: كان يعيشُ في حضارةٍ قديمةٍ سابقة لآدَم، وقد بلغَت فيها الاختراعاتُ مبلغًا عظيمًا تفوَّقَ على ما نعرفُه اليوم، لكنَّها اندثَرَت بحربٍ نوَويَّة نشبَت بين البشر. وصوَرُ تلك المُنجزات العلميَّة تظلُّ راسخة في سيَّاله، لكنَّها تكونُ غامضة.

- وظيفةُ التذكُّر، وبها يتمُّ الاستحضارُ الذهنيّ لِما تُدركُه الحواسُّ أَو العقلُ وَعيًا أو بناءً، أَو لِما يصوغُه الخيال، في ما سبقَ من الحياة.

وما يهمُّ أَن أُوضِحَه في هذا الصَّدَد هو أَنَّ الإنسانَ محرومٌ من القدرة على تذكُّر الماضي السابق لحياته الراهنة. وهذه القدرة يمتازُ بها الحيوان؛ لكنَّه امتيازٌ لا يجلبُ السرورَ والطمأنينةَ له، بل على العكس، يأتيه بالمُكدِّرات. فبفضلِ هذه القدرة—التي يُسمِّيها الدكتور داهش "الحاسَّة السابعة“—تعرفُ الحيوانات أَشياءَ كثيرة عن أَعمالها وأَوضاعها في تقمُّصاتها السابقة، وبينها تقمُّصاتٌ بشريَّة، كما تعرفُ أسبابَ سقوطِها وتقمُّصها بأجسامٍ حيوانيَّة، وفي ذلك من العذاب والألمِ شيءٌ كثير. وقد أكَّدَ الدكتور داهش هذه الحقيقة مرارًا في كتاباته. ففي خاتمة قصَّة "التقمّص والتناسُخ أو عظُمَ ذنبُه فقُطِعَ ذنَبُه" يقول: "ونظريَّةُ التقمُّص تُؤَكِّدُ أنَّ المرءَ عندما يتقمَّصُ كحيوانٍ أَو طيرٍ أَو سواه يُعطى سيَّالَ معرفة الماضي، فيعرف أَنَّه كان بتقمُّصِه السابق رجلاً أو امرأَة، ولماذا تقمَّصَ الآن بالصورة الحيوانيَّة."[36]أَمَّا الإنسان فقد حُرِمَ من هذا السيَّال رحمةً به. وقد أوضحَ مُؤَسِّسُ الداهشيَّة هذا الأمرَ في قصَّة بعنوان "أسرار الموت والحياة". يقولُ فيها عن شابٍّ انتقلَ إلى الفردوسِ، بعد وفاته، وسُمِحَ له أن يرى أَحداثَ الأيَّام الأخيرة من حياته: فَـ"تكشَّفَت له حقائقُ الناس، فهالَته شرورُهم وأَخافته آثامُهم وإجرامُهم، وعرفَ لماذا لم يضع الله حاسَّةً سابعة للإنسان، وذلك لكي يمنعَ عنه أَهوالاً مُرعِبة إذا عرفَها لَتمنَّى الموتَ فورًا، وهذه حكمةُ الله جلَّت قدرتُه."[37]وفورًا رُفِعَ منه سيَّالُ تذكُّر حياته السابقة رحمةً به.

وأَذكرُ أَنَّه لمَّا سألتُ مُؤَسِّسَ الداهشيَّة، في إحدى زياراتي الأُولى له، عن سببِ نسيان الإنسان التامّ لأحداث حياته السابقة، تناولَ ورقةً من أمامه، وقال ما فحواه: "افترِضْ أنَّ هذه الورقة هي جسدُ إنسان، وأنَّه كتبَ عليها قصَّةَ حياته بألف كلمة هي كناية عن سيَّالاته وما قامت به من أَعمال." ثمَّ مزَّقَ الورقة مئاتِ المِزَق الصغيرة جدًّا، وقال لي: "الموتُ يفعلُ بالسيَّالات ما فعلتُه بهذه الورقة، فيذهبُ كلُّ سيَّالٍ إلى حيثُ يستحقّ من التقمُّصات. هَبْ أنَّ مزقةً من هذه المِزَق أَوصلَتها الرياحُ إليك، وعليها حرفٌ أو كلمة، فهل يُمكنُكَ أن تعرفَ القصَّةَ بأكملها من الحرف أو الكلمة؟"

إنَّ حَجْبَ ماضي الإنسان عنه، هذا الماضي الذي قد يمتدُّ آلافًا وربَّما ملايينَ من السنين على هذه الأرض أو في العوالِمِ السُّفليَّة الجحيميَّة، لَيرفعُ عبئًا من الأَهوال والآلام لو كان على الإنسان أَن يحملَه دقيقةً واحدة لَقُضِيَ عليه مصعوقًا. وغيرُ صحيحٍ أنَّ بعضَ الناس يتذكَّرون أَحداثَ حياتهم السابقة. فهذا الزعمُ ليس إلاَّ إشاعاتٍ هدفُها تأكيدُ صحَّةِ نظريَّة التقمُّص. ولو كان صحيحًا، لَكانت الداهشيَّة أوَّلَ مَن أَعلَنَته وأَيَّدَته. وقد سألتُ مُؤَسِّسَ الداهشيَّة ذاتَ مرَّة: ينسبُ البوذيُّون إلى بوذا أنَّه كان يعرفُ بعضَ تقمُّصاته، فهل هذا صحيح؟ فأجابَني: "لا شكَّ بأنَّ بوذا هادٍ عظيم، وروحانيٌّ ذو فضلٍ عظيم، لكنَّه يستحيلُ أَن يعرفَ حياتَه السابقة من غير وَحْيٍ روحيّ. ولم يكُن بوذا مُؤَيَّدًا بمِثل هذا الوَحي."

ج- الاستعدادُ اللُغَويّ

هذا الاستعدادُ يشتملُ على طاقتَين: الأُولى تتمثَّلُ في سيَّال المهارةِ اللُغَويَّة في التعبير عن الأفكار وخلجات النفس، والثانية في سيَّال النُّطق.

وقد تَمَّ حديثًا اكتشافُ العُلماءِ لجيناتٍ معيَّنة ذاتِ علاقةٍ وثيقة بالاستعداد اللُغَويّ.[38]وهذا يُؤكِّدُ ما تقولُ به الداهشيَّة من أنَّ الاستعدادَ اللُغويَّ سيَّالٌ فطريّ. فإذا فقدَ الإنسانُ هذا الاستعداد مع الاستعداد الحرَكيّ التابع للإرادة (سيأتي الحديثُ عنه لاحقًا)، فإنَّه، إذْ ذاك، يُشبهُ الأَموات، ولكنَّه لا يكونُ، في الواقع، مَيتًا. وقد حدثَت مع مُؤَرِّخ "الوقائع الداهشيَّة"، الشاعر حليم دمُّوس، حادثةٌ عجيبة في 18 حزيران (يونيو) عام 1942، هذا مُلخَّصُها: لقد عرفَ حليم أنَّ ابنَ عمِّه، نجيب تامر دمُّوس، سقطَ عن عربةِ خَيل قبل ثلاثة أَيَّامٍ، فتهشَّمَ رأسُه. فاستغاثَ حليم برجُل الروح والمُعجزات. فأَعطاه الدكتور داهش "رمزَين مُقدَّسَين" (أَي دُعاءَين روحيَّـين كلٌّ منهما مكتوبٌ على ورقةٍ خاصَّة مطويَّة)، وطلبَ إليه أن يضعَهما تحت إبطِ المَيت. فذهبَ إلى المُستشفى حيثُ المَيت، ووضع "الرمزَين" تحت إبطِه. وإذا بالمَيت يفتحُ عَينيه تدريجيًّا وهو يقولُ مُبتسمًا: "إنَّني حَيّ كما ترى، ولم تنفصِل روحي [بمعنى سيَّالاتي الروحيَّة] عن جسدي الانفصالَ التامَّ. أَمَّا عدمُ استطاعتي التكلُّم أَو الإتيان بحركةٍ ما فهو بسبب ذهاب سيَّال النُّطق. ولكنَّكَ عندما وضعتَ ’الرمزَين المقدَّسَين‘، أَعادا إليَّ هذا السيَّال... لهذا تراني أَستطيعُ المُحادثة معكَ، يا ابنَ عمِّي."[39]

إنَّ الاستعدادات الإدراكيَّة الفطريَّة المُشار إليها أَعلاه تتفاوتُ في قوَّتِها وضعفِها منذُ الولادة بين شخصٍ وآخَر. فالغباءُ، والتفكيرُ السطحيّ، والانتباهُ المُشتَّت، والخيالُ البليد، والتذكُّرُ الواهي، إذا حصلَت لإنسان مُجتمعة أو مُنفردة، تُضعِفُ قواه الإدراكيَّة بقدرِ الخلَلِ الذي تُحدِثُه؛ عِلمًا بأَنَّ سلامةَ نشاطِ هذه الاستعدادات الإدراكيَّة مرهونةٌ بسلامة الحواسّ، وخصوصًا بسلامة الدماغ وسائر الجهاز العصبيّ. لكنَّ انحطاطَ القوى الإدراكيَّة في السيَّال تبقى أَقلَّ شؤمًا وخطرًا على مصير السيَّال من انحطاط القوى النـزوعيَّة فيه. فما هي هذه القوى؟

القوى النـزوعيَّة الواعية

إنَّ السيَّالَ الرئيسيّ—ككلِّ سيَّالٍ آخَر—يتكوَّنُ من قوًى نزوعيَّة واعية، فضلاً عن قواه الإدراكيَّة الواعية التي سبقَ الحديثُ عنها. ولن أُفصِّلَ الكلامَ عليها، فهي معروفةٌ مدروسة. ولِذا سأَكتفي بالإيضاح الداهشيِّ عنها.

كلُّ سيَّالٍ رئيسيّ يمدُّ الإنسانَ بالحياة، ومعها حاجاتٌ فطريَّةٌ أَساسيَّة هي طاقاتٌ مُندمجة في السيّال الرئيسيّ نفسِه، أي هي طاقاتٌ جوهريَّةٌ منه. وقد تحدَّثَ عنها مُؤَسِّسُ الداهشيَّة كما كتبَ فيها بطريقةٍ غير منهجيَّة. ويُمكنُ إجمالُها بستّ:

أولاً - الحاجة الأَساسيَّة إلى الجنس الآخَر التي تتولَّدُ منها الرغبةُ الجنسيَّة. يقولُ مُؤَسِّسُ الداهشيَّة في سطوتِها: "ما أَعظمَ تأثيرَ الغريزة الجنسيَّة في الإنسان، وما أَشدَّ تسلُّطَها على قواه العقليَّة! وما أَقدسَ ذلك الإنسانَ الذي يَقدرُ على قَتلِ هذه القوَّة العاتية!"[40]وإنَّما جاءَ حكمُه هكذا بشقَّيه تأكيدًا لواقعٍ بشريّ، من جهة، وتشديدًا على أنَّ الغايةَ من الحياة الأرضيَّة هي تخطِّي الإنسان لمُستوى الطبيعة البشريَّة الذي سقطَ إليه بفِعلِ عصيانِه الأوامرَ الإلهيَّة في الفردَوس الأرضيّ، وبالتالي استعادتُه الروحيَّة للفردَوس المفقود.

ثانياً - الحاجة الأَساسيَّة لتأكيد السيَّال لذاتِه. ومنها تتولَّدُ أربعُ رغباتٍ عامَّة: الرغبة في الخلود، الرغبةُ في تقدير الذات، الرغبةُ في القوَّة، الرغبةُ في التملُّك. ورُقيُّ السيَّال مرهونٌ بمدى تغليب رغبتِه في الخلود الروحيِّ الدائم على رغبتِه في "خلودٍ" أرضيٍّ سرابيّ، سواءٌ كان عَبْـرَ شهرةٍ دُنيَويَّة أو عَـبرَ إيلاد البنين؛ وبمدى تغليب رغبتِه في تقدير ذاتِه الروحيَّة الأَزليَّة، عَبـرَ التمسُّك بالقِيَمِ الروحيَّة والإنسانيَّة الكُلِّـيَّة، على رغبتِه في تقديرِ ذاتِه الدُّنيويَّة العابرة عَـبرَ تشبُّثِه بقِيَمِ الوجاهةِ الاجتماعيَّة؛ كما إنَّ رُقيَّ السيَّال مرهونٌ بمدى تغليب رغبتِه في التعلُّق بقوَّةِ الله وحقيقتِه الأبديَّة، وبالتالي بقوَّة الضمير، على رغبتِه في القوَّةِ المادِّيـَّة المَبنيَّة على العُنفِ والتسلُّطِ والعدائيَّة؛ وبمدى تغليب رغبتِه في امتلاك ما لا يفنى على امتلاك ما يفنى. لكنَّ الواقعَ البشريَّ مُؤسِفٌ مثلما يُظهِرُه الدكتور داهش في كثيرٍ مِمَّا أُلهِمَه أَو أُوحِيَ إليه. وحسبي الشاهدُ التالي من "رسالة الضباب" التي أَوحَتها روحُ جبران خليل جبران في جلسةٍ روحيَّة. يُخاطبُ صوتٌ إلهيٌّ روحَ جبران طالبًا إليه أَن يُبلغَ إلى بَني البشر هذه الرسالة التي منها:

يا أَبناءَ الأرضِ المساكين،

منذُ عشراتِ الآلاف من السنين وأَنا أُشاهدُ أَعمالَكم، وأَسمعُ أَقوالَكم، وأُراقبُ أَفعالَكم، وأَقرأُ ما يجولُ في أَفكارِكم. وإذا هي هي لا تتغيَّر!

فأَنتم تفنَون في حُبِّ (المرأَة)، وتتهالَكون على (المادَّة)، وتعبدون (السلطة)، وتُقدِّسون (السَّطوة)، وتعتدون على (الضعفاء)، وتكفرون بـ(السماء)، وتُموِّهون (الحقائق)، وتُخادعون بعضكم بعضًا![41]

ثالثاً - الحاجةُ الأَساسيَّة إلى صيانةِ الحياة. ومنها تتولَّدُ أربعُ رغباتٍ عامَّة: الرغبة في الطعام والشراب، الرغبة في السلامة والأمن، الرغبة في الرعاية والحماية، الرغبة في العمل والراحة. وجميعُها من حقوقِ الإنسانِ الأساسيَّة المشروعة في الأديانِ كلِّها، وقد شدَّدَ الدكتور داهش عليها في كتاباته. لكنَّ مقياسَ قيمة الحياة، في الداهشيَّة، هو مدى القيمة الروحيَّة والإنسانيَّة الإبداعيَّة التي فيها. فالتمسُّكُ بالحياة الأرضيَّة من أَجل الحياة لا معنى له. وعمرٌ طويلٌ فارغٌ من الرقيِّ الروحيِّ وإفادة الإنسانيَّة لا معنى له. يقولُ الدكتور داهش:

"ما أَشقَّ حياةَ الإنسان، وما أَكثرَ آلامَه على هذه الأرض! بل ما أَشدَّ تمسُّكَه بها وإقبالَه عليها بالرّغم من أَنَّه يُدرِكُ أَنَّه إنَّما يحيا حياةً لا معنى فيها للفرَح ولا قيمةَ فيها للحُزن.[42]كذلك يقول: "لا معنى لحياة الإنسان إذا لم يقُم بعملٍ إنسانيٍّ جليل."[43]

رابعًا-الحاجة الأَساسيَّة إلى الإطار التوجيهيّ. ومنها تتولَّدُ رغبتان عامَّتان: الرغبةُ في التوجيه البشريّ والرغبةُ في التوجيه الغَيببيّ الذي هو مظهرُ سيَّال الإيمان الدينيّ في الإنسان، وإن هو تجاهلَه أو أَنكرَه استكبارًا. يذكرُ الدكتور داهش الرغبةَ الأُولى بقوله: "جميعُنا في حاجةٍ إلى الإرشاد."[44]ويؤَكِّدُ الرغبةَ الثانية بإظهارِه أَنَّها في تكوين الإنسان بل تكوين كلِّ موجود، فيجعلُ عذابَ الضمير وآلامَ الروح نذيرَين بـ"الابتعاد عن وجهِ النور... وجهِ الأَملِ العَذبِ المُرتجى، وجهِ ما يَنشدُه الماءُ والهواءُ والفضاءُ والسماءُ، وجهِ مَن يتطلَّعُ إليه جميعُ الأَحياءِ دون استثناء، وجهِ مَن تتمنَّاهُ جميعُ المخلوقات معروفِها ومجهولِها، وجهِ الحقيقة الحقَّةِ العادلة، وجهِ الخالِقِ عَزَّ وجَلَّ."[45]ويُقاسُ رُقيُّ السيَّال بمدى إشباعِه لهاتَين الرغبتَين. وسيَّالُ الإيمان الذي يحملُه سيَّالُ الإنسان الرئيسيّ الذي يمدُّه بالحياة هو الذي يُحدِّدُ له دينَه بنسبة درجتِه الروحيَّة. وقد قال لي مُؤَسِّسُ الداهشيَّة مرَّةً ما فحواه: إنَّ الإنسانَ لا ينشأُ على دين أَبَوَيه مثلما يظنُّ معظمُ الناس، بل درجةُ السيَّال الرئيسيّ هي التي تُحدِّدُ دينَه." ولمَّا قلتُ له: وُلِدتُ مسيحيًّا كاثوليكيًّا قبل اعتناقي الداهشيَّة في السابعة والعشرين من عمري؛ أجابني: "كنتَ في المدَّة السابقة لإيمانكَ الجديد في حال انتظار وتأَهُّب، وإلاَّ لَما آمنتَ بالداهشيَّة."

خامسًا-الحاجةُ الأَساسيَّة إلى الاستطلاع. ومنها تتولَّدُ رغبتان عامَّتان: الرغبةُ في المعرفة العمليَّة، والرغبةُ في المعرفة النظريَّة. ولا شكَّ بأَنَّ رُقيَّ السيَّال يُقاسُ بمدى إشباعِه هذه الحاجة. يقولُ مُؤَسِّسُ الداهشيَّة، وهو الغَنيُّ عن المعارف البشريَّة لِما يُزوَّدُ به من إلهامٍ ووَحي: "كلَّما مرَّت بي الأَيَّامُ ازدَدتُ علمًا وأَفدتُ دروسًا أَنا في أَمسِّ الحاجةِ إليها؛ وكلَّما أَشرقَت شمسُ صباحٍ جديد، ازدَدتُ تفكيرًا يختلفُ عن تفكير اليومِ الماضي."[46]ذلك فضلاً عن أنَّه كثيرًا ما أَكبرَ العقلَ والعلمَ وأَعلامَ الفلاسفةَ والعلماء.

سادسًا-الحاجة الأَساسيَّة إلى الجمال. ومنها تتولَّدُ رغبتان عامَّتان: الرغبةُ في تذوُّقِ الجمال والرغبةُ في مُحاكاتِه. يقولُ الدكتور داهش:

خلقَ اللهُ لنا الجمالَ الأَخَّاذ، ففُتِنَّا به منذ القديم،

وخفقَتْ له الأرواحُ والقلوبُ عندما شاهدنا قوَّتَه،

ولم نستطعْ أَن ندرأَ عنَّا سحرَه ولا فتنتَه،

ففاضت منَّا الكلماتُ والعبارات، وتدفَّقَت لِسحرِ حلالِه

تُترجِمُ ما نُحسُّ وما نشعرُ به أَمام كمالِه وجلالِه.

آهِ! كم نحن نخشعُ للجمال! وكم نُقيمُ له هياكلَ التكريم![47]

ورُقيُّ هاتين الرغبتَين يُقاسُ بمدى اهتمام الإنسان بالجمال الطبيعيّ ومُحافظتِه عليه، وبمدى تذوُّقِه الجمالَ الفنِّيّ وإقبالِه على روائعِه. أَمَّا إبداعُ الجمال الفنِّيّ فيستوجبُ سيَّالَ موهبةٍ خاصَّة، ذلك بأَنَّ الطاقةَ الإبداعيَّة ليست كائنة في كلِّ سيَّالٍ رئيسيّ يمدُّ الإنسانَ بالحياة.

وسنبحثُ في السيّالات الثانويَّة وسيَّالات المواهب، وتأثيرِ الإرادة، وكذلك في العقل الباطن، وتفاعلاتِ جميع هذه القوى، في أَبحاثٍ لاحقة.

[1]. في قطعة "ملكة الخيال" (من كتاب "دمعة وابتسامة") يقول: "شعرتُ بأَنَّ في الأَثير المُحيطِ بي سيَّالاً يُضارعُ البخورَ عطرًا ويُعادلُ الخمرَ فِعلاً." (المجموعة الكاملة لمُؤَلَّفات جبران خليل جبران، قدَّم لها وأَشرفَ على تنسيقِها ميخائيل نعيمة. بيروت: مكتبة صادر، 1955، ج 2 ، ص 157.) وفي قطعة "أَيَّتها الريح" (من الكتاب نفسه) يقول مُخاطبًا الريح: "تمرِّين غاضبةً في الصحارى فتدوسين القوافلَ بقساوة ثمَّ تُلحِدينها بلِحفِ الرمال. فهل أَنتِ أَنتِ ذلك السيَّالُ الخَفيُّ، المُتموِّجُ مع أَشعَّة الفجرِ بين أَوراق الغصون، المُنسلُّ كالأحلام في مُنعطفاتِ الأَودية؟..." (م. ك. ص 208).وفي "الأجنحة المُتكسِّرة" يقول عن الجمال: "إنَّ الجمالَ سرٌّ تفهمُه أَرواحُنا وتفرحُ به وتنمو بتأثيراتِه؛ أَمَّا أَفكارُنا فتقفُ أَمامه مُحتارةً مُحاوِلةً تحديدَه وتجسيدَه بالألفاظ، ولكنَّها لا تستطيع. هو سيَّالٌ خافٍ عن العَين يتموَّجُ بين عواطفِ الناظر وحقيقةِ المنظور" (المصدرُ السابق، ص 23). وفي كتاب "العواصف" يقول: "إنَّما الموسيقى لُغةُ الأرواح. هي سيّالٌ خَفيّ يتموَّجُ بين روحِ المُنشِد وأرواحِ السامعين" (م. ك. ص 140).

[2]. "الرمز المقدَّس" عبارة عن ابتهال يُرفَع إلى الله تعالى. وهو يُكتَبُ على ورقةٍ صفراء متوسِّطة الحجم، ثمَّ تُطوى الورقة طيًّا خاصًّا وتُحرَق.

[3]. الخارقتان المذكورتان والخارقة التي تَليهما مباشرةً فصَّلتُها في "مدخل الكتاب الداهشيّ"؛ والكتابُ كاملاً يقعُ في ستَّة أجزاء (أَكثر من ثلاثة آلاف صفحة) تتناولُ حياةَ الدكتور داهش ومعجزاته وتعاليمَه.

[4]. مجلَّة "المُختار"، فبراير 1964، ص 11-16. يُمكنُ قراءة مزيدٍ من مقال بروتوفسكي أيضًا في مُلحَق كتاب "جبران خليل جبران في دراسة تحليليَّة –تركيبيَّة لأدبِه ورَسمِه وشخصيَّتِه" لغازي براكس (بيروت: دار الكتاب اللبنانيّ، 1981) ص 526-527 (الحاشية).

[5]. كتبَ الدكتور داهش، عام 1976، قطعةً يُخاطبُ فيها الشمس، يقولُ فيها: "يا سيَّالاً مُتوهِّجًا مُتأَجِّجًا بأَمر خالق السماوات والأرضين!" ("عاشقُ الغِيد الصِّيد" (بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1980)، ص53. كذلك خاطبَ الشمس في قطعةٍ أُخرى، عام 1977، قائلاً: "إنَّكِ سيَّالٌ عُلويّ يهبُنا الحياة ويبعثُ فينا الحيويَّة." ("آمالُنا أَوهام" بيروت: دار النسر المحلِّق،، 1980) ، ص 46. كذلك في قطعة "بطلتان وشجرة" من كتاب "عاشق الغيد الصِّيد" (عام 1975، يقول: "وإذا بالظلمة تُخيِّمُ فيشملُنا الديجور، وتغمرُنا شلاّلاتٌ من سيَّال النور" (ص 115).

[6]. لا تُبصِرُ العينُ البشريَّة من الموجودات إلاَّ التي تتراوحُ تردُّداتُها بين 20 و40 تردُّدًا في الثانية، والتي تتحرَّك بسرعةٍ أَدنى من سرعة النور (أَي 300.000 كلم في الثانية)؛ والأُذنُ البشريَّة لا تسمعُ من الأصوات إلاَّ التي تتراوحُ بين حوالى 15 و20.000 تردُّد في الثانية.

-Henri Bergson. L’évolution créatrice (Belgique/France: Rombaldi, Collection des Prix Nobel, 1971), pp. 42-43

-C. Burt. The Young Delinquent, 1931, p. 423, f. 1.

[8]. يُعتبَرُ الكَمّ quantumهو المقدار الأصغر من الطاقة الذي يُمكنُ ان يوجَد مُستقلاًّ. ويُعبَّرُ عن الكَمّ رياضيًّا بصيغة hvحيث hتُمثِّل ثابتة بلانك، أَي 6.624×10-34، و vتمثِّل تردُّد الإشعاع. أنظر:

Nick Herbert. Quantum Reality: Beyond The New Physics. An Excursion into Metaphysics and the Meaning of Reality. (New York: Anchor Press/Doubleday, 1978).

[9]. أنظر مجلَّة "بروق ورعود"، العدد 2، السنة الأُولى، 23 نيسان 1968: "أَنتم تسأَلون والدكتور داهش يُجيب"، ص 117.

Daniel Dennett. Consciousness Explained (Boston: Little, Brown & Co., 1991), pp. 33-39 & 101-138.:. أنظر: [10]

[11]. هذه المُعادلة أَكَّدَها علميًّا آينشتاين، وعبَّرَ عنها بالصيغة التالية: E=mc2 (حيث Eتعني الطاقة، وmكتلة المادَّة في حالة السكون، وcسرعة النور). وللطاقة مظاهر كثيرة: فإمَّا تكون طاقةً ضوئيَّة، أو كهربائيَّة- مغنطيسيَّة، أو حراريَّة إلخ. وما يُفقَدُ من كتلة مادّيـَّة معيَّنة يكون موجودًا كطاقة.

[12]Sir Arthur Eddington. The Nature of the Physical World. London: Cambridge.. University Press, 1935

Sir James Jeans. The Mysterious Universe. (London: Cambridge Univ. Press, 1930)..[13]

[14]. أنظر:- J. Charon. La connaissance de l’univers (Paris: Edition du Seuil. 1961): “Le psychisme dans l’univers, p. 135-153.

- J. Charon. De la physique àl’homme(Paris: Edition Gonthier, 1964), p 8.

- Max Planck. L’image du monde dans la physique moderne (Paris: Edition Gonthier, 1963), p. 65-81.

Paul Davies. The Cosmic Blueprint. (New York: Simon and Schuster,1988). . [15]

Amit Goswami with R. Reed & M. Goswami. The Self-Aware Universe: How Consciousness Creates the Material World. (New York: Putnam’s Sons, 1993)..[16]

David Foster. The Philosophical Scientists. (New York: Dorser Press, 1985). [17]

Menas Kafatos & R. Nadeau. The Conscious Universe: Part and Whole in Modern .Physical Theory (New York: Springer-Verlag, 1990), pp. 166-189. [18]

[19]. "بروق ورعود"، المصدرُ السابق، ص117-118.

[20]. أنظر غازي براكس: "مدخل إلى الداهشيَّة" (نيويورك: الدار الداهشيَّة، 1992)، ص 74، 98، 108.

Richard Feynman (prix Nobel). La nature des loisphysiques. Trad. de l’Américain (Paris: Marabout université, 1971, “Les grands principes de conservation”, pp. 71-101. [21]

E. David Peat. Superstrings and the Search for the Theory of Everything.
Chicago/Ney York: Contemporary Books, 1988. [22]

[23]. Science News, June 21, 2003, p. 387.

Jacob B. Bekenstein, "Information in the holographicuniverse” in Scientific.American, August 2003, pp. 58-65. [24]

. Anton Zeilinger, “Quantum Teleportation” in Scientific American, April 2000, : . pp. 50-59 :[25]

[26]. أَكَّدَ الدكتور داهش إيضاحَه لي بقولِه في قصَّة "هوفاميا": "ها إنَّ روحي [سيَّالي] تخترقُ أَجوازَ الفضاء بسرعةٍ تفوقُ سرعةَ النور أَضعافًا مُضاعفة." (قِصص غريبة وأساطير عجيبة"، ج 2 (بيروت: دار النسر المحلِّق، 1979، ص 70.)

[27]. متَّى 12: 37-37.

[28]. سورة فُصِّلَت: 19-22. وجديرٌ بالذكر أنَّ أَعضاءَ الإنسان جُعِلَت عاقلة.

[29]. سورة النور: 24. أنظر أيضًا سورة الزخرف: 80.

[30]. سورة الإسراء: 85.

[31]وفي هذا المقال عَرضٌ لآراءِ عدَّة عُلماء وفلاسفة جمعَهم مُؤتَمرٌ في جامعة أَريزونا بالولايات المُتَّحدة.
Can science explain consciousness?” in Scientific American,July 1994, pp. 88-94..

H. S. Sullivan. The Interpersonal Theory of Psychiatry. (New York: Norton,1953), p.104.[32]

Leibnitz. Selections, ed. By P. P. Wiener (N.Y.: Charles Scribner’s sons, 1951), see Introd. And pp. 106-117 & 299-355. [33]

[34]. في قصَّة "الحلُم الهابط إلى أرض البشر" تقول أَحلام التي كانت في عالَمٍ فردَوسيّ: "ومن واجبي أَنا أن أَصدعَ للرؤيا المُقدَّسة التي شاهدتُها منذ تسعة أشهر، إذْ حُدِّدَت لي مدَّة أَقصاها تسعة أَشهر يجبُ عليَّ في نهايتها أَن أَتأَهَّبَ للهبوط إلى أرض البشر، واليومَ هو نهايةُ الشهور التسعة." (د. داهش: "قِصص غريبة وأَساطير عجيبة" ، ج 1، ص 34.)

[35]. د. داهش: "التائه في بيداء الحياة" بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1979)، ص87-89. تُؤَيِّدُ هذه الحقيقةَ أيضًا رسالةٌ روحيَّة أَتَتني مُرتسمةً على ورقة بصورة إعجازيَّة في 10/12/1979وكثيرٌ من الإيضاحات المباشرة من الدكتور داهش.

[36]. د. داهش: "قِصص غريبة وأَساطير عجيبة"، ج 2، 39.

[37]. المصدرُ السابق، ص 194.

Nicholas Wade, “Early Voices: The Leap to Language” in New York Times, July 15, 2003.[38]

[39]. حليم دمُّوس: "مُعجزاتُ مُؤَسِّسِ العقيدة الداهشيَّة ومُدهِشاتُه الخارقة" (بيروت: دار النار والنور، 1983)، ص 72-74.

[40]. د. داهش: "كلمات" (بيروت: دارالنار والنور، 1983)، ص 146.

[41]. د. داهش: "جحيمُ الذكريات" (بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1984) ص 269-270.

[42]. د. داهش: "كلمات"، ص 142.

[43]. المصدرُ السابق، ص 125.

[44]. المصدرُ السابق، ص 124.

[45]. د. داهش: "إبتهالات خشوعيَّة" (بيروت: دار النار والنور، 1983)، ص 81-82.

[46]. د. داهش: "كلمات"، ص 132.

[47]. د. داهش: "بروق ورعود" (نيويورك: الدار الداهشَّة، 1999)، 68.

 

  Back to التعاليم الداهشيَّة بقلم الدكتور غازي براكس