info@daheshism.com
هدف الوجود والحيرة منه

 

أنا حائرٌ

 

أنا حائرّ! في صحراء هذه الحياةِ القاحلة!

أنا حائر! في أنظمتها البالية، وقوانينها الجائرة!

أنا حائر في أوديتها السحيقة، وأخطارها المُحيقة!

أنا حائر! في آمالها الدنيئة، وأحلامها الوهمية!

أنا حائر! في أهدافها العقيمة، وعواقبها الوخيمة!

أنا حائر! في أسبابها الواهية ومسبباتها غير الزاهية!

أنا حائر! في تفهم غاياتها، وتائهٌ في ظلمةِ غاباتها!

أنا حائر! منذُ ولجتُ أبوابها، ومخدوعٌ في بريقِ سَرابِها!

أنا حائرّ في ربوعها، وخائضٌ بأكملي في ينبوعها!

أنا حائر! في مِلَلها، وأعترِفُ بأنني أُصِبتُ بمَلَلِها!

أنا حائر! في ناسها، وخائف من شدةِ بطشها وبأسها!

أنا حائر! في رغباتها، وجاهل مطالبَها وغاياتها!

أنا حائر!... كالعصفور المطارد الحائر!

أنا حائر!... إذ لا أدري ما هي الغايةُ، ومتى النهاية!

أنا حائر!... لشتّى العقائد، وهل الكل منها فوائد!

أنا حائر!... للعمرِ يمضي كالبرقِ الخاطف وكأنّه ظلٌّ زائف!

أنا حائر! من الشرور التي نرتكبُها،

ومن الفجورِ الذي نخوضُ في مستنقعاتِه!

أنا حائر! من العمرِ يمضي سريعًا،

فيضمُّنا وادي النسيانِ جميعًا!

أنا حائر! من العقاب، فالثواب، فالبعث، ثم الفناء ثانيةً!

أنا أحارُ عندما أُفكِّرُ في الجحيم، وأُنعِمُ التفكيرَ في النعيم!

أنا حائر! من المرأة، وأَوَدُّ لو أكشف النقابَ عن أسبابِ خلقِها!

أنا حائر! لأنَّ الله قد سكبَ في أعماقنا مختلفَ الميولِ والنزعات!

أنا حائر! لأن بعضها صالح، وبعضها الآخر طالح!

أنا حائر! ولا أعرفُ ما هي الغايةُ من خلقِ هذا الكون،

ثم خَلْقِنا فيه!

أنا حائر! عندما أودُّ أن أكشفَ الستارَ عن هذه الأسرار،

فإذا بآمالي تنهار!

أنا حائر! وحيرتي عميقةٌ كلَّ العمق، وهي لا حدَّ لها ولا نهاية!

أنا حائر!... أنا حائر!...

نعم، أنا حائر!... وسأبقى على حيرتي،

حتى يردَّني الله إلى (عالمِه) السامي،

فأعرفَ الغايةَ التي وُجِدَ هذا (الكونُ) لأجلها!...

وإذْ ذاك، تسودُ في أعماقي الطمأنينة!

وتشعُّ في أعماقِ قلبي السعادة، وتغمرُني السكينة!

                                         بيروت، 14 أيلول سنة 1942