info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة العاشرة، العدد الثاني، خريف 2004

 

صوت داهش

السنة العاشرة، العدد الثاني، خريف 2004

تصرُّفات البشر تُمليها عقولهم الواعية وعقولّهم الباطنة

 

ما توضِّحه الداهشيَّة من مفهومِ العقل الباطن في الأفراد أو الجماعات يتخطّى فرضيَّات السيكولوجيين. فإمكان سقوط الإنسان في التجارب الدنيويَّة الوضيعة عامّ، وكذلك تعرّضُه للأمراض والآلام والموت. فهذه الحالات النفسيّة والماديّة راسخة في جينات الجسد البشري، ولا قدرة للإنسان على تغييرها لأن السيَّال الحيوي الذي ينتظمها وينشطّها هو سيّال البشر الأساسيّ الذي انتقل بالوراثة من آدم ، بعد سقوطه في المعصية، وانبث في جميع سلالاته. إنها داخلة في العقل الباطن العام الذي أصبح قدر كل إنسان.

لكنَّ لعقلِ الإنسان الباطن أبعاداً أخرى يمكنه التعامل معها إيجاباً أو سلباً. فلجميع البشر امتدادات روحيّة مُتمثّلة في سيّالاتٍ تابعة لهم، مُختلفة المسُتويات كائنة في الأرض أو العوالم السفليَّة، ولكثيرين منهم سيَّالات في عوالم علوية مجيدة مُختلفة الدرجات ؛ فمن يستسلم غالباً لدوافع عقله الباطن الوضيعة أو وسوساته الشريرة، تُهيمن عليه نزعات أرضيَّة أو سفليّة، فتجرفه الشهوات الوضيعة أو يسقط في هوّة الإجرام. ومن يُعمِل عقله الواعي فيقاومها ويرفضها، يرفع درجته الروحية. لكن كثيرين من البشر تحرِّكهم دوافع باطنيَّة علويَّة مصدرها سیَّالات تابعة لهم في عوالم الفراديس، فتلهمهم الراقي من الأدب والفنّ والعلم والفلسفة (د. براكس، ص 6).

وفي قصة لمؤسِّس الداهشيَّة مثالٌ إيضاحيّ لتأثير دوافع العقل الباطن الخبيثة التي تستفحل حتى تطغى على صاحبها؛ فإذا المودّة الكبيرة تنقلب إلى عداوة مُميتة بين صديقين حميمين بسبب غيرة أحدهما من الآخر على امرأة (ص 60).

ويعالج الأستاذ علاء الأعرجي التأثير السلبيّ للعقل المجتمعيّ لدى العرب ؛ فيوضِحُ أن القبلية الجاهليَّة ما تزال مُهيمنة على غالبيتهم بذهنيتها وأخلاقها وعاداتها، ويرد ذلك إلى أنَّهم بمعظمهم لم يمرُّوا مرحلة الزراعة الضرورية لترغيب الإنسان في الاستقرار والتعاون وسيادة القانون. وكأنما الكاتب يبرز تأثير الدوافع القوية المُعتمة التي ما تزال تعمل في العقل الجماعيّ الباطن عند معظم العرب منذ مئات السنين (ص ۲۹ ).

لكن في مثل هذا المجتمع الذي ما يزال بغالبيَّته مشدوداً إلى الوراء يظهرُ بين حقبة وأخرى أفذاذ مُتحرّرون مُبدعون يشقُّون طريقهم كما النيازك تفري حلكة الليل. من هؤلاء كان الشيخ خالد محمد خالد في مرحلتة الفكريّة الأولى التي بدأها بكتابه الثوري  " من هنا نبدأ "، حيث عالج قضية الظلم الاجتماعي. فشدَّد، من أجل إقامة العدالة، على تطهير الدين مما علق به من خرافاتٍ و انحرافات، وعلى إبعاده عن السياسة كما عن استغلال رجال الدين له، كما ألح على ضرورة تصفية الإقطاع ووضع حدٍّ لجشع الأثرياء تحريراً للاقتصاد و تقليصاً للفجوة الواسعة بين الطبقات الاجتماعية (د. سميرة ماضي، ص ۱۸ ).

 

ويقدِّم لنا الدكتور فكتور الكك شاعر شيراز المتصوّف، حافظ، الذي أثبت حضوره في الأدب العالمي، فتُرجمت أشعاره إلى عدّة لغات، وتأثر به غوته، الشاعر الألماني الكبير. ويمكن اتِّخاد حافظ مثالاً علی كيفية مغالبة الإنسان لدوافعه الباطنية، الدنيويَّة والسفليَّة، استلهاماً لإشراقاته العلويَّة (ص 40 ).

 

كذلك يضمُّ هذا العدد ثلاث مقالات مهمَّة في القسم الإنگليزي الأولى يعالج فيها الدكتور تيسير الناشف موضوع حقوق الإنسان موضحاً أنها مرافقة لطبيعة الإنسان نفسه، ومن الضروري حمايتها (ص 4 )؛ والثانية للدكتور أحمد عتمان يعالج فيها هوية كليوباترا مفرقاً بين الواقع التاريخي والأسطورة حيث تتَّحد كليوباترا بإيزيس (ص ۹ )؛ والثالثة للدكتور جميل ضاهر يعالج فيها بدراسة منهجيّة دقيقة موضوع الكتابة العربية في الرسائل الشخصيَّة (ص ۱۳ ). كما يضمُّ هذا العدد أربع مقالات ُمفيدة في القسم العربي: الأولى دراسة نقديَّة للأديب السوري صباح محي الدين بقلم الدكتور نضال الصالح (ص ۸۳ )؛ والثانية دراسة عن أدب فرجينيا وولف فاطمة ناعوت (ص ٤7)؛ والثالثة عن الدكتور حسين هيكل واللقاء الأول بين الأدب والسينما في مصر بقلم وليم غازاریان (ص ۷۶ )؛ والرابعة عن السرقات الأدبيَّة والفنيَّة للسيّد نجم. كل ذلك مع قصائد جميلة للشاعرة إباء إسماعيل والشاعر سعدون السويح.

 

رئيس التحرير