info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة السابعة، العدد الثاني، خريف 2001

 

صوت داهش

السنة السابعة، العدد الثاني، خريف 2001

بين عقلانيَّة الغربِ وروحانيَّة الشرق

 

قُلِ الشرق، فتتبادر إلى الأذهان ينابيع الأديان وجنَّةُ الروحانيَّة. وقُلِ الغرب، فتحضرَ العقلانيَّةُ بكلِّ ما فيها من فكرٍ وعلمٍ وتكنولوجيا. في الشرق ظهر الأنبياء و الرُّسل وسائر الهُداة الروحيين. فبعد إبراهيم وموسی ظهر السيّد المسيح مُنادياً بالفضيلة والمحبَّة والرحمة؛ وترعرع دينه على يَدِ بولس الرسول في "عربية " الأنباط، قبل أن يغزو روما ويمازج العقل الغربي (أنظر مقال د. عیسی خلیل، ص ۱۹ ). وبعدَ المسيح بحوالى ستَّة قرون ظهر الإسلام منادياً بالوحدانية والعدالة والصلاح. وقبل المسيح بحوالى ستَّة قرون ظهر زرادشت في بلاد فارس مركزاً على صراع قوَّتي الخير والشرّ و مُهیباً بالناس إلى الاستقامة (أنظر مقال نجوى براکس، ص ٦٩). ولا شكَّ بأنّه كان - وما زال لروحانيَّة الأديان، ممِّا ذكرنا أو لم نذكر، تأثير إيجابيّ بالغ في سلوك كثيرين من الناس شرقاً وغربًا، وبينهم زُهَّادٌ ومُتصوفون وأعلامٌ غير قليلين من الأدباء والمُفكرين العالميين، منهم جبران خليل جبران الذي ظهرت آثار الروحانيّة الصافية لا في أدبه وفكره فحسب، بل في سلوكه وعلاقة الحبّ النقي التي أقامها مع مي زياده (أنظر مقال د. سهيل بشروئي، ص ۹۳ ).

لكن كثيرين أيضاً، لا سيَّما في العالم العربي، مهبط مُعظم الهُداة الروحيين، فهموا الروحانيَّة على غير وجهها الصحيح، فكادوا يقصرونها على الطقوس والشعائر ؛ ومع ذلك هم يحصرون حقيقتها في معتقداتهم، ويلجأون إلى الماضي مُقيمين فيه، عازلين أنفسهم عن الشعوب الراقية، بل عن مُنجزاتها العلميَّة والتكنولوجية المُذهلة؛ فشَلُّوا فيهم فعاليَّة العقل الخلاّق، وعجزوا عن ابتكار أيِّ جديد. وهكذا بدل أن يتقدَّموا في تطوير الحضارة تقهقروا (أنظر مقال الأستاذ علاء الأعرجي، ص ۲۷ )؛ وكان من جرَّاء هذا الانحسار الحضاريّ وعدم الاهتمام بمُجاراة الركب المتقدّم أن تضاءل الإنتاج الفكريّ، وخصوصاً المُبدع، في العالم العربي تضاؤل يُنذر بالخطر (أنظر مقال د. تيسير الناشف، ص 40 ).

 

إنَّ الافتخار بالماضي المَجيد والسَّلف الصالح لا يُقدِّم الإنسان ولا فيه شيئاً، بل يلبسه ثوب المهانة، إذا لم يكن بمستوى أسلافه الأماجد. فمنذ القرن الخامس عشر استيقظ الغرب على أهمية المولِّدات الفكريَّة النفيسة، فجعل يطبع لا مخطوطاته فحسب، بل مخطوطات الشرق أيضاً وبينها غير قليل من المخطوطات العربية (أنظر مقال د. علي حويلي، ص 44 ). لكن الغرب انطلق، في الوقت نفسه، في طريق التجديد والخَلق فلسفة وأدباً وفنَّاً وعلماً؛ في حين ظلّ الشرق، وخصوصاً الشرق العربي نبع الأديان السماويَة، قابعًا في كهوف الظُّلمة التي عمَّت أوروبَّا طوال عشرة قرون قبل نهضتها. وهو ما زال رازاً تحت أصفاد ماضيه الثقيلة مُستسلماً للأقدار، خاضعاً للقيود التي كبَّلته بها التقاليد والأوهام والخرافات التي تناقلتها الأجيال.

 

نحن الذين نُصغي لصوت داهش، تعلَّمنا منه أن الاعتماد على النفس وقوّة الإرادة ضروري لكلّ تحرُّرٍ وارتقاء، وأن على الإنسان الطامح إلى تحسين وضعه ووضع أمَّته أن يُجهد نفسه، لا في تهذيب ميولها وتزويدها بالقيم الروحيّة فحسب، بل في تنمية عقله أيضاً بكلِّ ما يوسّع آفاقه ويسدِّدُ المنطق، بدءًا من التربية البيتية والمدرسيّة وامتداداً على العمر كلِّه (أنظر مقال جونسن، ص ۱۳ من القسم الإنكليزي، وسلسلة مقالات رئيس التحرير " التربية القويمة في المفهوم الداهشي " في الأعداد الثلاثة السابقة من صوت داهش). فالخمولُ والجهلُ والغباءُ

 

يُبعِدُ الإنسان عن الرقيّ الروحيّ الحقيقي بقدرِ ما يُبعِده الشرُّ والرذيلة.

وتكريماً للدكتور داهش، مَن محضَ قومه حُبَّه، فأهاب بذوي العقول الهاجعة أن يستيقظوا، فنبذوه ، وناشدهم أن يتحرَّروا من قيودهم الفكريَّة، فاضطهدوه، أورَدنا مقالاً فيه للدكتور مرسي سعد الدين يُظهر فذوذية الرجل الذي جمع فيه مجدَ الأدب والفنّ ومجدَ الروح ( ص 5 )، وكذلك شهادةً فيه، من خلال الشاعر حليم دمُّوس، للأديب ظافر كالوس (ص ۱۳ )، وقصيدة للشاعر ياسر بدر الدين، (ص 60 ) فضلاً عن أقصوصةٍ رائعةٍ بقلمِه المُلهَم (ص 4۸ ).*

 

رئيس التحرير