info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الرابعة، العدد الثاني، أيلول 1998

 

صوت داهش

السنة الرابعة، العدد الثاني، أيلول 1998

أين نحن

من احترام العقائد الدينية دونما استثناء؟

 

على عتبة الألف الثالث يحسنُ أن نتساءل: أين نحن من التسامح الدينيّ واحترام العقائد الدينيَّة دونما استثناء؟ أين نحن من احترام ما لا نؤمن به من آراء و معتقدات حتى الأساطير الميثولوجية البائدة؟

في الأشهر السابقة تناقلت وسائل الإعلام أن غُلاةَ المُسلمين المُسيطرين على أفغانستان أمروا بإقفال أكثر من مئة مدرسة خاصَّة لتعليم البنات تغذيها جهات دولية، وذلك بعد إقفالهم جميع مدارسهن الرسميَّة وأنهم لن يسمحوا بالتعليم إلا لمن هن في الثامنة من العمر أو دون ذلك،

وأن تعليمهن سيقتصر على القرآن.

وفي الأسابيع السابقة تناقلت وسائل الإعلام عودة الهند وباكستان إلى سباق التسلّح النوويّ؛ وسبب ذلك، عند أكثر المحلِّلين السياسيين، يعود لا إلى التنازع على كشمير فحسب، بل إلى التزمت الدين الذي فجَّر عداوة حضارية دينيَّة بين الشعبين عام 1947 ، وكان من عواقبها مصرع إمام السلام والروحانية، المهاتما غاندي الذي بذل جهده ونفسه لزرع التسامح الديني واحترام مختلف العقائد من أجل التعايش السلمي بين مختلف المؤمنين. وقد رحَّبّت إيران "بالقنبلة الإسلامية التي تطمئن العالم الإسلامي“ كذلك تناقلت وسائل الإعلام أن غلاة من البروتستانت أحرقوا، دفعة واحدة، عشر كنائس كاثوليكية في شمال إرلندا، رغم الجهود المبذولة لإقامة السلام هناك. ) أنظر الأخبار العالمية، ص ۹۰( إن معظم علماء الأنتروبولوجيا، وعلى رأسهم العالم الأمريكي الكبير جوزف کامبل )Campbell .(، يرون أن معظم أديان العالم، التوحيدية وغيرالتوحيديَّة، الحيَّة والبائدة، تشترك في موضوعاتها الئيسة التي تتناول الحياة بعد الموت، والثواب والعقاب، ووجود قوى إلهيَّة خالدة تُهيمن على مصاير الناس وقوى الطبيعة... وأن هذه العناصر الأولية المشتركة المستهدفة للخير والصلاح داخلها، مع مرور الأحقاب، تغييرٌ و تشويهٌ بما يناسب سيكولوجيَّة كل شعب. ويرى هؤلاء العلماء أنَّ كثيراً من المعتقدات التي ينطوي عليها كل دين تندرج في الأساطير الميثولوجية، أي الأحداث الإلهيَّة الخارقة السحيقة التي تستحيل البرهنة عليها علميَّا أو تاريخيَّا، وأن التصديق بها ينحصر بالمؤمنين بذلك الدين. (أنظر بحثين عن الأساطير، ص 5 وص ۲۱)

 

بناء على ذلك فإن التعايش السلمي بين الشعوب ذات الحضارات المُختلفة، كما بين المؤمنين بشتى العقائد في كل شعب، يقتضي التسامح الديني واحترام جميع المعتقدات؛ بل إن في صيانة حريَّة العقائد منفعةً للبشر أجمعين. يقول جون ستيوارت مل )j.s.mILL( في كتابه الفذّ (On Liberty   ).

 

لو أن الناس قاطبة أجمعوا على رأي واحد، وخالفهم في ذلك فردٌ فذّ، لَما كان لهم من الحقّ في إخراسه أكثر ممَّا له من الحقّ في إخراسهم لو استطاع إلى ذلك سبيلا، إذ لا يقدحُ في أهميَّة الرأي قلة المُنتصرين له، وكثرة الزَّارين عليه (...) إن المضرَّة الناشئة عن إخماد الرأي لا تقتصر على صاحبه، بل تتعداه إلى جميع الناس حاضرهم وقادمهم. وما هي، في الحقيقة، إلا سلب النوع البشري برمّته، وحرمان الإنسانية بأسرها من شيء فائدته لعائبيه ورافضيه أوفر منها لمؤيديه وقابليه. ذلك أن الرأي إن كان صواباً فقد حرم الناس فرصة نفيسة يستبدلون فيها الحقّ بالباطل، ويبيعون الضَّلالة بالهدى. وإن كان خطأ فقد حُرِموا كذلك فرصة لا تقلُّ عن السابقة نفاسة وفائدة، وهي فرصة الازدياد من التمكّن في الحقّ، والرسوخ في العلم، على أثر مُصادمة الحقّ بالباطل، ومقارنة الخطر بالصواب..

 

ترجمة طه باشا السباعي، ص 36 ) *

هيئة التحرير