info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الخامسة، العدد الرابع، ربيع 2000

 

 

صوت داهش

السنة الخامسة، العدد الرابع، ربيع 2000

إرث القرن العشرين

 

في تشرين الأول (أكتوبر) ۱۹۹۹ بلغ سكان الأرض ستّة بلايين شخص؛ علماً بأنَّ ۹۸ ٪ من ازديادهم عالميا سيتم في البلدان الأفقر حيث تناقص موارد الغذاء والماء والطاقة هو الآن مشكلة قائمة. وبقدر ازدیاد سكان العالم تَتَّسع الهوَّة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء. فعلى حدِّ قول مجلَّة الصحافة العالميَّة: "خمس البشرية الأثرى يستهلك ۸۹ ٪ من موارد العالم في ۲۹ تموز (يوليو) الماضي عقدت جمعية المستقبل العالمي مؤتمرها العام في واشنطن مجتذبة إليه حوالی ۱۲۰۰ مشترك من مختلف أنحاء العالم. وقد صرَّح جيروم بنايه، مدير مكتب التحليل والتوقُّعات في الأونسكو، قائلاً: "إن رأس الأولويات هو بناء مجتمعٍ عادل يستأصل فيه العوز وتقلّص الفوارق الفاضحة التي تفضي إلى اليأس والحرمان.“ هذه الفوارق أوضحتها مجلَّة "فوربس " بقولها إن في الولايات المتَّحدة أكثر من ۲۰۰ بليونير و 11 مليون مليونير يزدادون شهريا ب ۳۰۰ مليونير جديد. وفي المقابل أكَّد البنك العالمي أن في العالم "حوالي بلیون و ۳۰۰ مليون شخص يعيش كل منهم بدولار واحد في اليوم. وفي المؤتمر المستقبلي نفسه قال كريستيان ده دوف، حائز جائزة نوبل في الطب: "أظن أن أخطر ما يهدّد الإنسانيَّة هو تنامي المعارف بسرعةٍ مفرطة. وفي الواقع إن شلاَّل المعلومات الذي نستقبله كل يوم هو أشبه بانهيالٍ هائلٍ جارف يُخضِعُ حكمنا بجبروته ويغشي بصيرتنا. فنحن نُبدع تكنولوجيات و نستخدمها قبل أن نتفهم عواقبها الوخيمة. فهلا اتَّعظنا، مثلاً، من الآثار السيئة التي أحدثتها مُنجزات رفاهيتنا القائمة على نفث الغازات المسبِّبة لتقلّص طبقة الأوزون في الفضاء، أو من اخطار مصانع الطاقة النوويَّة، أو الأسبستوس، أو الد.د.ت إل؟ ولعلَّ أهم اختراع في آخر عقد من القرن العشرين هو شبكة الإنترنت العالمية وما تنقله يوميا من طوفان المعلومات. فكيف يستطيع أولادنا أن يميِّزوا بين الصحيح والخطأ، والخير والشرّ، والوقائع والأكاذيب في ما تنشره؟ إنَّ المعارفَ وحدها لا تكفي؛ فالبشريّة بحاجة إلى الحكمة أيضاً لتحقّق غاياتها البعيدة المدى. هذه الحكمة عبَّرت عنها ليندا غروف، أستاذة العلوم السياسيَّة والدراسات المستقبليَّة في جامعة كاليفورنيا، بقولها في المؤتمر المذكور: بما أنَّ الثقافات الأكثر ماديَّة تتغلَّب، عادة على الثقافات الأقل ماديَّة ولكن الأكثر روحانيَّة غالباً، فإنَّ أكثر ما تحتاج إليه الثقافة المُهيمنة هو هذه القيم الروحيَّة نفسها، وذلك من أجل إقامة توازن فيها، خصوصاً عندما تصبح التكنولوجيا فيها متقدِّمة جدا وقادرة على تدمير كلّ حياة حتى نفسها.

 

وفي شهر أيار (مايو) الماضي احتشد في العاصمة الهولندية حوالى عشرة آلاف شخص ينتمون إلى مختلف الفعاليات في أكثر من مئة دولة وذلك لعقد أكبر مؤتمر للسلام في التاريخ. وكان بينهم كثيرون من العلماء والمُفكرين وخمسة من حائزي جوائز نوبل للسلام. وقد أصدروا بيانا يدين كلّ اعتداءٍ تقوم به دولة ضد أخرى أو ضدَّ مواطنيها، ونداء لتدمير الأسلحة النوويَّة وخفض الميزانيَّات العسكريَّة تدريجيَّا .

إن العالم يدعو اليوم إلى ما دعا إليه الدكتور داهش منذ أكثر من نصف قرن. فلقد أكَّد أنَّ السلام والازدهار العالمين إنَّما ينتشران من خلال التحابّ والتعاون والعدالة. فقد كتب في مُذكرات دينار على لسان يافع: ".... إنني لن أحمل يوما بندقية كي أصوبها إلى صدر من يقولون عنه إنه عدوي، وهو أخي في الإنسانيَّة. فالأرض التي كوَّنها الله، والخيرات التي ملأ بها أرجاءها، تستطيع أن تُغرق كل حيٍّ على ظهرها، وتكفيه مؤونة الاعتداءات ؛ هذا إذا سلمت النيَّات، وأخلصت القلوب، وإذا طردنا منَّا شياطين الأطماع التي تقطن في داخلنا، مثلما تقطن الأفاعي في الشقوق والنخاريب .

 

كذلك كتب على لسان جندي أسير: السلام العالميّ هو حلمي الذي أنشده.. فيوم يحلّق ملاك السلام في أجواء هذا الكون الشاسع المسافات، ويوم يبسط عدالة في ربوع هذا الكون الغارق في تعاسته الفائقة؛ ويوم يضع ساسة العالم ودوله المُتشعِّبة الرغبات أيديهم في أيدي بعضهم الآخر، ويطرحون أطماعهم المُخيفة وراء ظهورهم، ويوم يقسِمون على القناعة التي لن يسود السَّلام دون أن تكون هي السائدة؛ ويوم يتحقَّق هذا الحلم الذي يراودني في ساعاتي الأخيرة هذه..... إذ ذاك، تغتبط روحي.. وأتأكَّد أن حُلم البشريَّة الضَّالة في شعاب أطماعها قد تحقَّق، فتُسعد روحي، وتنتشي نفسي بغبطتها أفنجرؤ على الحلم بأرضٍ يعمُّها السَّلام في القرن الجديد؟ *

 

رئيس التحرير