info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الحادية عشرة، العدد الثاني، خريف 2005

 

صوت داهش

السنة الحادية عشرة، العدد الثاني، خريف 2005

 

ما الذي يبني مُجتمَعاً متقدِّماً؟

 

يُقاسُ تقدُّم المجتمع، بصورة دينيَّة عامَّة، بنسبة مدى تمسّكه مبادئ الفضيلة وقواعد الأديان القائمة فيه. لكن التاريخ برهن هذا السلوك الفاضل لا يضمن وحده الرقي الحضاريّ ما لم يرافقه تقدّم موازٍ في الفنون والعلوم والتكنولوجيا مع تطبيق حقوق الإنسان كالمساواة والحريّة والعدالة واحترام الرأي والعقيدة المُخالفَين، بين المواطنين كما بينهم وبين الآخرين؛ إذ إنَّ الارتقاءَ الروحيّ الحقّ لا ينفصل فيه ارتقاء الإدراك عن سمو الرغبات والأتجاهات. وتاريخ الهند شاهد على ذلك. فمع ظهور حكماء علَّموا القيم الروحيّة السامية طوال تاريخها، ظلّ معظم الشعب الهندي يعيش حياة أوهام وأحلام، رازحًا تحت نظام الطبقية الظالمة، مُستسلماً للخمول ولغير الأجنبي طوال آلاف السنين حتى جاءته الرحمة الإلهيَّة متجسِّدة بغاندي، فغيَّرت جهوده وتعاليمه كيفية تفكير الهنود وأدَّت إلى تطبيق المساواة ا بينهم، دافعة الهند في طريق الرقيّ الصحيح (ص 6 ).

وموضوع سلام العالم، المبنيّ على تغيير الناس لتفكيرهم وأتِّجاهاتهم تغييرا يوطِّد إيمانهم بوحدة البشر والنفوس ووحدة الأديان والوجود وهو ما قال به غاندي يتناوله د. سهيل بشروئي في أدب جبران. فيظهر أن رؤية جبران قامت على خُلقية نابعة من محبَّة غير مشروطة تشمل الكلّ، وتصل الكُلَّ بالله. ويظهر الباحث أن رؤية جبران للحياة لا تختلف عن الفلسفة الهندية القائلة بالتقمُّص وبأنَّ الأشياء والناس جميعا تترابط بذواتها الجوهريّة لا بأشكالها المستقلَّة، ويشير إلى أن العلم الحديث بدأ يؤكّد وحدة الوجود الجوهريّة (ص ۱۷ ).

ويرى د. كك برامج الأدب العربي في مرحلة التعليم الثانوي وليدة عصور بائدة، لا تصلح من أجل بناء مواطن صالح في مجتمع متقدِّم، ولا لمواجهة مدِّ العولمة الثقافيَّة؛ ويقترح قراءة جديدة للتراث تُبرز القيم لاجتماعيَّة والإنسائيّة. وتوضح د. مها العطّار أن النثر هواه الحضارة، التي ترافق الإنسان من المهد إلى اللحد (ص ۲۹ و ۷۳ ).

وفي خَطِّ عولمة التربية كتب الدكتور علي حويلي عن تكنولوجيا المعلومات والاتِّصالات التي أدَّت ثورتُها إلى إدخال برامج مهنية تؤهّل الخريجين لمواكبة العولمة الثقافيّة والاقتصاديّة وجعلهم عاملين نافعين بدل باحثين عن العمل (ص 40 ).

 

ويعرض الأستاذ علاء الأعرجي، في مقال منهجي، ردوده على المناقشات والانتقادات التي تناولت كتابه أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي في تدوين خاصتين به (ص 5۲).

أما في القسم الإنكليزي فتابع د. عاكف أبادير دراسته لنجيب محفوظ مفصلاً كيفية استخدامه النَّهج الطبيعي الواقعي في معظم مؤلَّفاته (ص 4 ). ويوضح د. سمعان سالم تأثير تدجين النبات والحيوان في إقامة مستوطنات وإحداث ثورة في الثقافة والصناعة وظروف العيش، مؤكدا أن هذه الثورة حدثت في الهلال الخصيب. ويصف د. جميل ضاهر أوضاع اللغة العربية مُظهرا أن كثيراً من اللغة المحكية يتضمَّن عناصر من اللغة الفصحى ومن العاميَّة، وأن نسبة كلّ منهما تختلف باختلاف الدرجة الرسمية للظرف، وكذلك لجنس المتكلّم وعمره ومستوى ثقافته (ص ۱۲ و ۲۰ ).

ويضمُّ هذا العدد أيضا قطعة رائعة من الشعر المنثور الأستاذ محمد الحركة، قنصل لبنان في نيويورك، وقصيدة لعماد فؤاد مع قصّة قصيرة مُدهشة للدكتور داهش تكشف أسرار الحياة مبرزة وجود النفس العاقلة في النبات والأشياء الجامدة، مؤكداً أن هذه الأشياء ليست خالية من الحياة، وهي مسؤولة عما تعمل، وخاضعة لأنظمة التقمُّص والسببيّة الروحيَّة والجزاء العادل. *

 

رئيس التحرير