info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الثانية العدد الرابع آذار 1997

 

صوت داهش

السنة الثانية العدد الرابع آذار 1997

 

الحرية الفكرية العقائدية

ضرورة لاطراد التقدُّم

 

في ۲۳ آذار (مارس) ۱۹۶۲ ، أعلن تأسيس الرسالة الداهشيَّة في لبنان. وسرعان ما اجتذبت الدعوه الجديدة نخبة من المُثقفين البارزين. لكن الدولة اللبنانية في عهد الرئيس بشاره الخوري (۱٩٤٣-۱۹٥۲) الذي تقلَّد الرئاسة في العام التالي لم تكن بمستوى ممارسة الحريَّات والاضطلاع بمسؤوليتها، لا سيَّما أنَّ النظام السياسي اللبناني بُني على میثاقٍ طائفي يوزع المناصب والفوائد والمكاسب لا على الجدارات الشخصية والكفاءات الثقافية بل على الطوائف تبعاً لحصصها. فقد خافت الطائفة الكبرى في لبنان على تقلُّص نفوذها ومصالحها ومغانمها من جراء انتشار العقيدة الروحيَّة الجديدة في مختلف الطوائف وتوحيدها بينها وتغلغلها حتى في أسرة زوجة الرئيس نفسه (لور، عقيلة بشاره الخوري، شقيقة الأديبة الفنَّانة ماري حداد التي اعتنقت الداهشيَّة هي وزوجها وبناتها(. فأخذ الرئيس - اعتبر الممثل الأول للطائفة الكبرى - يدبّر المكايد واحدة تلو أخرى، بالتواطؤ مع ميشال شيحا، شقيق ماري حداد، وأعوانه في الحكم، من أجل فرط عقد الداهشيّة وإبعاد أسرة الحداد عنه. لكن، بعد أن رأى الرئيس أن مكايده التي نسجها مع حلفائه الدينيين والمدنيين قد تحطَّمت على صخرة الإيمان الجديد، شنَّ اضطهاداً باغياً على مؤسّس الداهشيّة وأتباعه، تجاوز فيه سلطاته وخرق الدستور اللبناني؛ وأدَّى انتشار مظالمه و مفاسده وتزويره للانتخابات النيابيّة إلى إسقاطه عن كرسي الحكم في أيلول (سبتمبر) ۱۹٥٢.

 

إنَّ قمع الحريَّة الفكريَّة العقائديَّة عريقٌ في التاريخ، واضطهاد الهداة الروحيين، بل العلماء والمُفكرين الحاملين أفكاراً جديدة حدث مراراً وتكرارا. فسقراط أُعدِم بتجريعه السمّ، بعد اتهامه بإفساد العقول والنفوس بآرائه، لكن أفكاره أصبحت حجر الزاوية في بناء صرح الفكر العالمي؛ وغاليله أُجبر على جُحودِ نظريته الفلكية وهو جاثٍ أمام محكمة التفتيش الكاثوليكية لمخالفة آرائه للمعتقدات السائدة، لكن المثقفين طراً يأخذون اليوم برأيه. وما من هادٍ روحي ظهر في الأرض إلا لاقى اضطهاداً .

 

إنَّ الأديان كلّها تؤمن بأن الخالق - أو القوَّة المُوجدة - أبدع الإنسان ومنحه الحريَّة ليحاسب ثوابا أو عقابا على أعماله التي أتاها حُرَّاً مُختاراً. ولذلك ففي كل إكراهٍ على إيمانٍ مُعين إلغاء للحرية الشخصيَّة وتمرّد على المشيئة الإلهية. ومن آمن خائفاً أو متملِّقاً، فإنه سيكون سوسةً تقرض شجرة الدين الذي انتمى إليه. أما السلطة الدينية التي تنهج نهج الإكراه، فإنها تكون تعمل - بدراية أو غير دراية - إلى إفساد الدين وقرض بُنية المجتمع، لأنه لا معنى ولا قيمة لدين خلا من القواعد الروحية التي وضعها الأنبياء والهُداة جميعاً، أعني المحبَّة والرحمة والتسامح والعدالة والإخاء الإنساني. والمجتمع الذي لا تحترم فيه الحرية الفكرية العقائدية، يستحيل عليه التقدم المطرد، لأن الحقائق علميَّة كانت أم روحيَّة لا يمكِن أن تنتشر إلا في مناخ الحريّة.

 

لقد أجمع المؤرخون على أن ضحايا الحروب والفتن الدينية، عبر التاريخ، أكثر من ضحايا الحروب المدنيَّة. ومغزي ذلك أنه ما لم يقم التسامح الديني واحترام حرية المعتقدات في مختلف الدول، فلا راحة ولا سلام في الأرض. لكن الأمل هو في أن أكثر الدول أخذت تلتزم احترام الحرية الفكرية العقائديّة؛ أما الشعوب أو الجماعات التي تصرّ على أن الحقيقة هي مُلكها وحدّها، فستنتهى إلى عزل نفسها عن المجتمع الدولي كما عن مسيرة التقدم. (انظر ص 5 و ۱۰ و 4۹ من هذا العدد). *

 

رئيس التحرير غازي براكس