info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الثامنة، العدد الرابع، ربيع 2003

 

صوت داهش

السنة الثامنة، العدد الرابع، ربيع 2003

من العَولَمة إلى العالَم الواحد

 

إن العولمة، بعد تصحيح مسيرتها وتلقيحها بالقيم الإنسانيّة والروحيّة، لا بدَّ من أن تؤدي إلى العالم الواحد الذي نادى به مؤسّس الداهشيَّة منذ 57 عاما: عالم يؤمن بوحدة تُراثه الثقافي الذي أبدعته أرقي النفوس في مختلف الشعوب، ويعتمد الارتقاء المتكامل في مدارکه ونزعاته وجميع وجوه حضارته؛ عالم يعتقد وحدة الأديان الجوهريّة مُزيلاً السدود المُصطنعة التي أقامها الغُلاة، ويتبنّى الحوار المنفتح القائم على التفاهم والاحترام المُتبادل بين ثقافات الأمم المُختلفة معتبراً أن التنوع الثقافي يجب أن يكسب الحضارة العالميّة ثراءً - عالَمٌ جديد يُبنى على نظام جديد يقوم على العدالة والحرية والمساواة ومبادئ المحبّة والرحمة والإخاء الإنسانيّ (انظر مختارات للدكتور داهش، ص ۵۷ ، و مقالاً لرئيس التحرير ، ص 5 ).

ولا شكَّ بأنَّ العولمة العادلة يمكنها أن تُقَدَمَ علاجاً لكثير من الأزمات والأخطار العالمية؛ لكن الدكتور سامي عون بتسليطه الضوء على مراحلها ومفاهيمها الحديثة يبدي مخاوفه من تحقيقها القسري من غير احترام تعدُّد الثقافات واختلاف وجهات النظر، ومن دون توزيع فوائدها الشاملة توزيعاً عادلاً على العالم كلّه (انظر ص ۱۹ ).

وفي رؤية تركّز على أهمية الحضارة المبنية على التجديد والإبداع والعقلانيَّة، يذهب الأستاذ علاء الأعرجي إلى أنَّ جماعاتٍ عربية كثيرة آلت على نفسها إلا التشبث بالسَّلفيَّة وتمجيدها جاعلة التراث أكثر حضوراً من الحضور نفسه، عازلة نفسها عن المسيرة الحضاريَّة ومُتخلِّفة عنها (أنظر ص43 ). 

وفي لفتة إلى الماضي السحيق استنباشاً لجذور الحضارة العالمية يعود الدكتور عیسی خليل إلى ما قبل ألفي سنة ليزيل الغموض عن جوانب من حياة بولس الرسول الذي تخلَّى عن العصبيَّة اليهوديَّة التي دفعته إلى سماحه بالعنف التنموي ضد مخالفيه بالإيمان ليتحوّل إلى رسول الأمم‘‘ مجاهداً لنشر الدين الجديد المبنيّ على المحبَّة والرحمة والتسامح بين أبناء أسرة بشرية واحدة (ص ۲۱ ).

 

ويُعرِّف الدكتور فكتور الكك بالدعوة الزرادشتية راقياً إلى منابعها مُبرزاً مرماها العالمي، وكاشفاً أبعادها الروحيّة والإنسانيّة التي كانت تتمحور على شان الحقيقة و خدمة الإنسانيّة والتزام الصلاح في الفكر و القول والعمل، (ص ۳۱ ) .

 

من جهةٍ أخرى، يكشف ثلاثة من الباحثين الأكاديمين عن وجوه من الحضارات القديمة ذات أبعادٍ عالميَّة. فالدكتور سمعان سالم يُظهر اهتمام شعوب ما بين النهرين القديمة بالرياضيات و كيفية معالجتها، مبرزاً دور السومريين في ابتكار الصفر، وتأثير ابتكارهم في الثقافة الهندية واليونانيَّة، وبالتالي في الثقافة العالميَّة (ص ۱۹ ). ويُظهِر الدكتور أحمد عتمان اهتمام الأدب اليوناني القديم بالقضايا الإنسانية الدائمة التي تُخاطب كل إنسان في أيِّ زمانٍ ومكان، وبذلك يكتسب الخلود والعالمية (ص 4 ). ويعيدنا الدكتور سامح عرب إلى مكتبة الإسكندرية القديمة إذ استمرَّت زهاء سبعمئة سنة مجمعاً للكنوز الثقافيَّة الكلاسيكيَّة، ومقصداً للعلماء والفلاسفة، ورمزاً للعولمة الثقافيّة إلى أن قتلَ التعصُّب المسيحيّ الأعمى رئيستها، هيباتيا، أول عالمة وفيلسوفة في التاريخ، سنة 415 ب م (ص ۷ ).

يُضاف إلى كل ذلك أربع مقالات: الأولى هي القسم الثاني من مناقشة تعليم اللغة العربية أكاديمياً للدكتور جورج الحاج، حيث يبرز أهمية المهارات الخمس: الإصغاء الجيّد، والتحدّث، والقراءة، والكتابة ، والثقافة، موضحاً العناصر الضرورية لكلٍّ منها، ومؤكِّدا أنَّ تعلم اللغات الأجنبية دعامة من دعامات التقريب بين الشعوب وحضاراتها تمهيداً لقيام عالم واحد (ص ۲۰ )؛ والثانية مقالة للسيد نجم عن طفل القرن الحادي والعشرين بين التفكير الناقد والتفكير الابتكاري، (ص ۷۶ )، والثالثة مقالة عن معرضين للفنون العربية أقيما في كندا بقلم الشاعر الخطَّاط ياسر بدر الدين (ص ۶۹ )؛ والرابعة عرض تاريخي للسيّدة مي علوش عن المواصلات في بيروت منذ مطلع القرن العشرين حتى قبيل الحرب الأهلية (ص 64 ) فضلاً عن عدَّه قصائدٍ مميَّزة للدكتور جوزف صايع والدكتور سعدون السويح وغالية خوجة ومحمد عطوي. *

 

رئيس التحرير