info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الأولى، العدد الأول، حزيران 1995

صوت داهش

السنة الأولى، العدد الأول، حزيران 1995

صَوتُ داهِش

 

يُعرَف الإنسان من صوته؛ لكن إن يحمل الصوت بعضاً من روح الإنسان، يُصبحُ امتداداً لروحه. هكذا أصبح "الصوت الصارخ في البرية " رمزاً ليوحنا المعمدان، ذلك الذي أعدَّ طريق سيِّد المجد.

ومِن الأصوات ما يتلاشی بتلاشي صاحبه؛ ومنها ما يغلبُ ناموسَ الموت، فيبقى لأنَّه يحمل بذور التجدُّد والاستمرار. هكذا بقي صوتُ سُقراط وصوتُ أفلاطون وصوتُ كونفوشيوس وصوتُ لاوتسو وصوتُ بوذا وصوتُ غاندي وأصوات أمثالهم مِن الحُكماء والهُداة الروحيِّين.

 

ومن الأصوات ما لا تذكره إلا مقروناً بما يوقظ الجمال في النفس، ويسمو بالعواطف، ويحلِّق بأجنحة الخيال، كصوتِ هوميروس وصوت شكسبير وصوت طاغور وصوت جبران وأصوات أمثالهم من عباقرة الأدب والفنّ . ومِن الأصواتِ ما لا تذكره إلآ مشفوعاً بما يبعث الرَّعدة والخشوع في النفوس، كصوت الناصري المجدول بسوطه، إذ شهره في وجوه الصيارفة والتجَّار في ساحةِ الهيكل الكبير، أو كصوته يشقُّ حجاب الظُّلمة الدهريَّة لينفذ إلى عرشِ النورِ الأعظم: "اغفِرْ لهم، یا ابتاه، لأنَّهم لا يدرون ماذا يفعلون."

 

و صوت داهش فيه نغمة من كل صوتٍ من أصواتِ أولئك الخالدين؛ وفيه عدا كلّ ذلك، ما يذكّرك تارةً بلعلعةِ الرعود وجلجلةِ البراكين ودويِّ الزلازل... وطوراً بهَینمات النسائم وتغاريد الكناري ومُناغاة الأم الحنون لوحيدها وهي تهدهده بين ذراعيها.

 

صوتُ داهِش هو ما يحتاجُ الشرق إليه ليستيقظ من رقاده الطويل نافضاً عنه قيود جهله وخَدَره وأوهامه؛ وهو ما يحتاج الغرب إليه لينفخ الحياة في جسدِ الفضيلة الكسيحة فتعود إليها العافية.

صوتُ داهش هو صوتُ الحريَّة النقيّ، الحريَّة الحكيمة المتَّشحة بثوبِ الحقّ والخير والجمال؛ وهو صوتُ المحبَّة الأخويَّة الجامعة بين الشعوب؛ وهو صوتُ التسامح والوحدة بين الأديان؛ وهو صوتُ الإيمان ُمقترِناً بصوتِ العقل الذي هو قبس من الله.

فإلى الذين لا ترتعِش أيديهم وهي تحطِّم القيود والأصنام،

والذين لا تُبهَر عيونهم وهي تحدِّق إلى وهجِ الحقيقة،

والذين فيهم تَوقٌ إلى تخطِّي إنسان اليوم إلى إنسان الغد الأفضل، كانت هذه المجلَّة. *

 

د. غازي براکس