info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "قيثارة الحبّ"

قيثارة الحب

 

 

الوردة الجورية

                                       

أيتها الوردةُ العجيبةّ إن وجهك الضاحك هو الجمال المُتجسِّد،

وعبيرك الناعم المُنعش هو روحك الشفافة،

ولغتك يا وردتي الجورية هي الشعر المُنمّق.

إن يد الله هي التي كوَّنت رداءك السماوي!

والنسيم الشفاف يطربُهُ قربك،

لهذا ترينه أبدًا يترنح أمام معبد جمالك المُذهل للعُقول.

والشمسُ تبتهجُ عندما تراك أبدًا تبسمين لها،

فتحييكِ بدورها إذ تغمرك بأنوارها الإلهية المُحيية.

وعندما تتفتح براعُمِ الدقيقة، يغمركِ فرحٌ عجيب

للمشاهد التي كونتها يدُ المبدع المُهيمن.

فيا مليكة الأزهار.

أنتِ فينوسُ المُروج،

وحبيبة الشموس،

بل عشيقةُ الأقمار.

أنتِ تشمخين على غصنكِ الأملُود بجمالٍ فائق

وافتخار مَن ظفر بالانتصار.

لقد خلقتٍ ورجةً بهية، ولكن واأسفاه!

سريعًا ما يطالكِ الموتُ يا مليكة الرياحين.

وإذ ذاك تحزنُ المروج لفراقِك،

وتنوحُ الحدائق لبُعدك المُرجى،

وتندُبُ شقائقُ النعمان غيابك المُحزن

وتغردُ الأطيار أغاريدا الحزن لفراقك المُشجي،

وأوراقكِ الخضراء الغضَّة تتطايرُ مُتناثرة،

مُوغلةً بعيدًا بعيدًا مع الرياح الغضوب،

وأريجك العجيبُ، وعبيرك الغريبُ يتضوّعُ في الأرجاء الفسيحة.

وهكذا تتجسَّدين في عالم آخر وردةً سماوية

تغرسُها فينوسُ على شعرها الإلهيّ العجيب

كرمزٍ لها يمثِّل الجمال الخالد.

فيا وردتي ذات الفتنة الفردوسية!

اسكبي على عبيرك لاتنسَّم منه رائحة جنَّاتِ الخلد

المُترعة باللذاذات اللانهائية.

حديثيني عن عالمك الموشى بالأزهار العجيبة

حدثيني عن الحب الإلهي،

حدثيني عن الكواكب والسُدم والمجرات،

حدثيني عن الجمال والفتنة والروعة،

حدثيني عن عالمك السحري الذي لا يبلغُ إليه

إلا كل من صفت نفسه وسمت روحه،

وعرف معنى الجمال الخلاب والفتنة التي تضل فيها العقول

حدثيني، حدثيني يا وردتي العجيبة

حدثيني يا ربة شعري حدثييني!

                                                        الدكتور داهش

 

 

مَات عامٌ ووُلدِ عَام

استقبالُ عام 1975

 

مات عام 1974،

ودُكَّتْ أُسسهُ،

وتلاشت أيَّامُه،

وانصرمت أسابيعُه،

وفنيتْ شهورُه،

وكأنه ما كان.

فما أشبه الأعوام بحياة الأنام.

يُولدون، فيشبُّون عن الطوق،

ثم يبلغون مبلغ الشباب فالشيخوخة،

وأخيرًا يأتيهم داعي الموت،

فينطلقون من رحاب دنيانا الفانية.

ينطلقون، وحبهم لاكتناز المال لم يخفّ،

وشهوتهم المُتأججة للمباذل لا تستطيع أن تُطفئها

محيطات وأنهارُ هذا العالم الغارق في المعاصي.

لم أرَ أيًّا منهم جديرًا بالاحترام والتبجيل،

لأنهم جميعهم في ارتكاب الموبقات سواء.

أما من هو جدير بالتقديس،

فما هو إلا رجلٌ فردٌ لا يُضاهيه مخلوقٌ آخر.
وهذا الرجل المعجزة، لو أراد،

لدَانتْ له الدنيا بما فيها من أطايبَ زائفة،

وبما تحويه من قصورٍ باذخة،

وكواعب حُورٍ عين،

وطعامٍ شهيّ،

ومالٍ كمالِ قارون إنْ لم يزِدْ.

ولكنه ازدرى كلَّ ما ذكرت.

إزدراه، واحتقره، ونبذه نبذ النواة،

وأعلن بصوته الجهوري قائلاً:

  • إن ديدني هو الحقيقة لا سواها،

وهي ما أسعى إليه وما أحيا لأجله.

فلا النُّصار يستعبدني،

ولا المرأة تُغويني.

مَنْ  هو هذا الرجل العظيم؟

بل مَنْ هو هذا القديسُ المتبتِّل؟

بل مَنْ هو هذا النبيُّ المرسَل؟

إنَّه غاندي!!

غاندي رجُلُ الصلاح،

رجل الحقيقة الساطعة سطوعُ الشمس في رابعة النهار،

رجُلُ السموِّ العظيم،

قاطنُ الفردوس الإلهي،

الراتع في جناتِ النعيم حيثُ يُقيم.

فإليه،

إلى روحه النقية،

إلى فنائه بحب الحق...

بحبِّ العدالة...

بحب الإنسانية المُعذبة...

اليه أرفع كلمتي في مطلع هذا العام، عام 1975،

راجيًا أن يُقوِّي الله يقيني،

ويُسدِّد خطواتي،

وينصرني نصرًا مُبينًا.

فمن ترك الله تركه الله،

ومن تشبث بأهدابه عن إيمانٍ ويقين،

نال ما استحق من رب العالمين.

وداعًا أيها العام الراحل،

وأهلاً بك أيها العام الجديد!!

                                                        بيروت، الساعة الثانية عشرة ظهرًا

                                                                تاريخ 1/1/1975

 

 

 

ربّاهُ أنتَ هوَ مُنقذي

 

هَلِعتُ وطارتْ نفسي شعَاعًا.

والأَلم المُميت سري مع الدَّم في عروقي.

والهول المُدمَّى حوَّم حولي وكأنه هُولةٌ شيطانية.

والرُّعبُ الطاغي أبى إلا الولوج إلى أعمق أعماقي.

والقلقُ المُدمِّر أطار صوابي وأطال عذابي.

والهواجسُ المُقلقة طردت الطمأنينة من داخلي.

وجهنَّم النار المُتأججة بلظاها المُبيد،

أطلقتْ حِمَمها الجبَّارة عليَّ فردمتني ترديمًا تامًا.

وبومُ الخرائب نعب في أطلالي، يا للهول الأكبر!

لقد زلزلتني نائباتُ الدنيا، فإذا أنا مُحطمٌ مُردَّم.

لقد استحال فجري إلى ظلمةٍ دجوجيةٍ قاتلة.
كلُّ ما أراه أمامي لا يبعثُ في نفسي أية بارقةِ أمل.

فلم يبقَ لي من ملجأ أستجير به فيُجيرني،

إلا الله جلَّتْ قدرتُه الإلهية الأزلية؛

فهو ملاذي الذي أتشبثُ به بلهفٍ عظيم.

وأملي عظيمٌ أن ينتشلني الله تعالى

من الهوة المرعبة التي تريدُ ابتلاعي بأعماقها الرهيبة.

فيا رباه! أنتَ هو مُنقذي ومُزيلُ رعبي الطاغي

 

                                                بيروت، الساعة العاشرة والنصف ليلاً

                                                        في 2 كانون الثاني 1975

 

 

المدينة المُقدسة

 

حلمْتُ أنني أجوسُ جنَّةً قطوفُها دانية،

وطيورها الجميلةُ الألوان تشدو بأعذب الألحان،

ومروجُها عامرةٌ برياحين عجيبةٍ وورود مُذهلة،

وحدائقُها الغناء فيها أشجارٌ ذات أثمارٍ شهية،

فجستُ ربوعَها وتذوقتُ ثمارها العجيبة،

ثم تخلَّلتُ شوارعها، فإذا هي آيةٌ في الرّوعة.

ولعجبي العظيم شاهدتُ الذئبَ يُداعب الحمل،

والنمرَ يلاعبُ الظبي الأهيف ويلاطفه،

والأسدَ يمرحُ بسرور مع بقر الغاب المسمَّن،

والثعلبَ يتناولُ طعامَهُ مع الدجاج المطمئن

ففي هذه المدينة السحرية لا توجدُ قوانينُ ودساتير.

فالسجونُ، لا يعرفها أهلُ هذه المدينة المُباركة،

إذ العدالةُ سائدةٌ بين جميع قاطنيها السعداء.

وفي هذه البقعة الهنيئة لا تجدُّ قويًّا وضعيفًا،

ولا ظالمًا ومظلومًا، ولا غنيًا أو فقيرًا،

فالجميعُ سواسية، وهم يحبون بعضهم بعضًا،

والحقدُ لا يجرؤ أن يجوس ربوع هذه المدينة السماوية.

وبينما أنا مُنذهل مما أُشاهدُه من مُدهشاتٍ رائعة،

إذ بي أشاهدُ كاعبًا هيفاء رائعة التكوين،

إذ كان حسنُها يكسف البدر في عليائه فيتوارى خجلاً.

اقتربت من مكاني، وحيتني وهي تبتسمُ لي ابتسامةً سماوية

جعلت الدماءَ تصعدُ إلى رأسي مُتدفقةً بجبروت،

وسألتني:

  • من أي كوكبٍ أتيتَ أيُّها الغريب؟!

فانعقد لساني، وتعثر بياني أمام حُسنها الروحانيّ،

  • وسارتْ أمامي وأنا أتبعُها حتى وصلنا إلى منزلٍ عجيب

بُني من الورود والرياحين،

أما سورُهُ الخارجي فقد صنُع من الياسمين.

فدخلناهُ، واذا بمقاعدِهِ من أزهار البنفسج والنيلوفر والأضاليا الفاتنة.

وجلستُ معها على مقعدٍ صُنع من أزهار الفلِّ والمنتور.

وإذا بها تقول لي:

  • إني سأنتظرُكَ في هذه المدينة المُقدسة،

عندما تنتهي مدَّةُ وجودك على الأرض.

وثقْ بأنّي أكون مُتلهفةً إذ ذاك لاستقبالك.

وعندئذٍ سأحيا معكَ أبدَ الدَّهر!

واستيقظتُ، فإذا بي وحيدٌ فريد.

لهذا أتمنَّى أن تدنو ساعتي الأخيرة،

لأعودَ فأجتمعَ مع فتاة أحلامي الفاتنة

في المدينة المُقدسة.

                                                    بيروت، الساعة العاشرة صباحًا

                                                            تاريخ 5/1/1975