info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "قصائد مجنحة"

قصائد مجنحة

 

وكاهنٌ ضحكتُه رطل

 

حياتُنا في الدنيا شقاء، يتلوه شقاء فشقاء.

لن يخلد أحد في عالمنا التعيس، فالكلُّ سيجتاحُهم عفاء.

أحدُنا عليلٌ سقيمٌ، عسيرُ التنفّس، إذْ يسري في داخله داء.

وآخر عشَّش السرطان في خلاياه فبات يرجو دواء.

ولو تمنّى الموت لكان أحسنَ طلبًا، فماذا يُفيده الشقاء؟

غير همٍّ وغمّ، وحُزن مقيم، ولوعةٍ عظمى، ففيم يفيده البقاء؟

وغيره فقد وحيده، فأظلمتْ دنياه، فانقلب بكاؤه عواء!

وثاكلٌ لطمتْ راسها ورطمت صدرها،

ولدمتْ وجهها، وناحت كنوح الخنساء!

ما أفادها حزنُها المُدمى، ففقدت عقلها بعدما حطّ عليها عقابُ البلاء.

وكاهنٌ ضحكته رطلٌ إذْ سجل مؤمنٌ أملاكه لهن مع قصر فخم متين البناء.

وفي يوم التسجيل أتاه ملاكُ الموت وبيده منجله المُخيف يتوهج بضياء،

قال له عزرائيل:

"دَنتْ ساعتُك، فلِمَ لم تُوزع ما اختزنته زورًا للفقراء؟

ولِمَ لم تُنفذ وصيّة تعاليم (سيد المجد) القاطن في أعالي السماء؟

إن سروركَ بأملاك الغني الغبي سيُدخلك إلى جهنم الحمراء".

وآخر قتّرَ على نفسه إذ كان عليها شحيحًا فانطلق وترك ثروته للبلهاء،

وصحب كحلاء العين، رشيقة القوام، ذات الرقة والبهاء،

مَنْ تاجرت بحسنها الرائع إذْ لوثته باعوجاجها. فيا لها من غادةٍ رقعاء!

كلُّ ما تحويه غبراؤنا لوثته أعمالُ قاطنيها فيا لهم من كذبة أشقياء!

كفرت بكل ابن أنثى، ولم يبقَ لي ثقة بمخلوق، وأمَلي هو بالسماء.

أنا لو خُيِّرتُ لكنتُ أحرقتها، لردمتها ودمرتها، ولأحلتها إلى فناء.

 

                                                       ميلانو، تاريخ 2/3/1974

                                                          الساعة 7 مساءً

 

على نفسها جنتْ براقش

 

دفقٌ من الأعالي احتل كياني! إنه وحيُ السماء!

فصرتُ أُشاهدُ الأحداث تترى من أسحق جبل ناءٍ.

أشعرُ بما ستحملُه الأعوامُ أكان خيرًا عميمًا أم شرًا أو شقاء.

وكاعب عرفتُها يافعةً ثم صبيةً تسحرُ بعينها النجلاء،

أحبَّتْ شابًا بعمرها، فتتيَّم بفتنتها. فيا لها من كاعب حوراء!

زارتني تزفُّ لي البشرى بعريسها: - سأصبح زوجته فيا لهنائي!

نصحتُها: - إياكِ والزواج يا (هند)، فنكبةٌ عظيمة تتحفز لطعنك بلاءْ.

إذْ سيُقتَل ابنك الشاب وستتضرج ابنتُكِ بالدماء.

هذا وحيٌ علويٌّ تلقيته، فبلغته لكِ إذ خيرٌ لكِ الانزواء.\

تجهمتْ وغارتني، وراحت تُذيعُ: "إنّه دجّال كذوب، إنه يُرائي،

لغاية يُريد ابتعادي عمن أُحبّ، فوالله حبُّه العظيم سمائي".

وتمَّ اقترانها به، وأنجبت منه صبيَّا ذكيًّا، وكاعبًا حسناء،

عشرون عامًا مضت على نجلها كان فيها أمل والديه بلا مراء.

وذاتَ يومٍ اختلف مع زميلٍ له، فطعنه بخنجر رهيف يحمل في حدّه البلاء،

فتضرَّج بدمائه وانطلقت روحهُ إما إلى الجحيم أو إلى العلاء،\

وأُغمي على والدته، ثم صحتْ فبكتْ،

ثم أعوَلتْ فولولتْ، فهرعت على ولولتها النساء.

مضى عامٌ وزُفّت ابنتُها إلى عريس أحبَّها وعشقَ عينها الكحلاء،

عشرون يومًا مت على زواجهما كانت سلسلة أعيادٍ وهناء.

  • سأذهب إلى باريس غدًا لإنجاز شُغل، يا ربة أحلامي، يا ذاتَ البهاء.

قالها لعروسه. فتشبثتْ به ترجوه اللقاء وتُكرّر عليه الرجاء.

  • هي أيام أربعة أعود بعدها حاملاً لكِ حليةً من الماس الوضَّاء.

ودَّعها وذهب إلى المطار،

وكانت الأمطار تهطل والرعود تقصف والبروق تومض بسناء.

خاف فعدَلَ عن السفر وعاد إلى منزله، وإذا به يُشاهد الهول والداء العياء.

عاريةً شاهدها، وصديقه مثلها، أمسكهما بحالةٍ شائنة حالة الزناء،

وأطلق النار عليهما قائلاً: لتذهبْ روحاكما المُدنّستان إلى جهنّم الحمراء.

وانقضَّت الصاعقة على (هند)، وزُلزلتْ الدنيا ومادت بانثناء.

وعوَت وحدَّت، ثم انتزعت شعرها من جذوره، ثم انكفأت وأعولت...

ناحت واستمر البكاء!...

وأخيرًا فقدت عقلها وهامت بين الحقول وفي السهول وفي الخلاء.

ما كان أغناكِ عن لذِّة دقيقة سقتكِ اليوم تعاسةً تزلزل الدأماء.

لا عجب! فكلُّ ابنة حواء لو عرفت أن هلاكها بزواجها

تُقدم عليه بنهمٍ رافضةً نصيحة الأنبياء!

                                             ميلانو، في 4/3/1974

                                             الساعة السابعة صباحًا

 

أين جمشيد ودَاريُوس

 

والشمسُ التي أشرقت على قصور الأكاسرة،

وذُكاءُ التي سطعت على عروش القياصرة،

إذا بها تتالَّق فتغمر بأشعتها قبورهم وقد توسدوها ورؤوسهم حاسرة.

أين جمشيد وداريوس وسواهما؟ - إنهم أصبحوا عظامًا نَخِرةً بالية!

أين أنطونيوس وكليوباترة التي كانت بكلمتها آخرةً ناهية!

أين هانيبال وقيصر وما كان يُحيطها من أُبَّهة وعظمة

لانتصار جيوشهما الظافرة!

اين بونابرت والاسكندر؟ لقد أصبحا أسطورةً يرويها راوية!

أين بلاطُ  سليمان الفخم الضخم؟

فقد اصبح مرتعًا لبوم الخرائب والذئاب الهائمة!

أين الأُلى حكموا وتكبروا، وظلموا وتجبروا

فسيقوا إلى جهنم المُرعبة بنيرانها الخالدة!

أين الملوك الطُّغاة، والأباطرة البُغاة بعد أن زلزل الموتُ عروشهم الآفلة!

فالموتُ أسكنهم اللحود بعد القصور المنيعة إذْ أنشبَ فيهم فولاذ أظافره!

تُرى، هل اعتبر مخلوقٌ ما فترك الرذيلة وتمسك بالفضيلة الناصحة الناهية؟

إنني واثق بأنَّ الجميع سيمكثون غائصين برذائلهم الساقطة السافلة،

وليت تردعهم كلماتي، فهي بشرعهم كخيوط العناكب الواهية.

                                                ميلانو، في 6/3/1974

                                         الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر

 

 

أرومُ دكَّ الأرض بمَن فيهَا

السيفُ أصدقُ إنباءً من الكتبِ      في حدة الحد بين الجد اللعب

وأنا المسكين العاني أصبحتُ مُرهقًا وبحياتي الشقية تعب.

وعيني لترنو نحو العلاء تبغي انطلاقاً، فروحي بها إليه سغب.

كلُّ ما فيها دنيّ زري. واهًا لها! فلماذا لا تنقصُّ عليها صواعق وشهب؟!

رجالُها، نساؤها، صبيتها، فتياتُها، شبانُها وغيدُها جميعهم أراهم لعب.

دنيانا تموج بالمكر والخديعة والختل والدعارة والسفه والسغب.

أرومُ دك الارض بمن فيها، فقد عظمت ذنوبُ ذا الشعب.

وتُردم الجبال فتخرُّ رعبًا، وترتعد الأرضُ هلعًا،

ويُزلزل البحر فتنوحُ السُحُب.

وتفنى الأرض، وتُباد الشعوب، وإذا بها تسبح في بحارٍ متأجِّجةٍ باللهب.

                                                ميلانو، في 7/3/1974

                                                الساعة السادسة صباحًا