info@daheshism.com
مقدِّمة الى " عشتروت وأدونيس "

عشتروت وأدونيس

 

1943

 

إستهوتني بعض عبارات مصقولة صاغها الكاتب المبدع(دريني خشبة)عندما ترجم الأساطير اليونانية والإغريقية الرائعة الخيال.والتي نشرها بعد ترجمتها في مجلة(الرسالة)الغراء.

فأغرتني تلك التشبيهات العذبة والألفاظ المنسجمة لأن أستعير بعضها.وقد حكمت وضعها عندما وصفت بها(عشتروت)الصناع ربة الجبال،وإلاهة الكمال.وباعثة الحب والجلال ومذكية الخيال.

فجاءت على الصورة المنودة لتي كنت أتمناها.

                                                                                       المؤلف

 

 

 

تمهيد

 

وهذه تحفة جديدة فريدة سيتناقلها الأبناء والأحفاد

بعد ضجعة الموت والكلمات.والإلهات الست ونشيد الانشاد

نعم،هي أسطورة عشتروت إبنة الإله وأدونيس أجمل شاب في أرض لبنان!

وليت شعري!..كم من كاتب المعي أنشأ هذه القصة الطريفة نثراً

وكم من شاعر عبقريّ استمد منها وحياً وصاغها شعراً

وكم من أقلام سطرت من إلهامها الخصب أروع الأناشيد

وكم من أعلام عزفت قيثاراتهم من حوادثها أبدع الأغاريد

بل.كم من أديب شرقي أو غربي عصفت برأسه الرؤى الشاسعة

وهام بخياله الجواب في أودية الأحلام الواسعة

ورتعت روحه الظمأى تحت ظلال أشجارها

لتستمع بشدو أطيارها وهدير زلال أنهارها وبعد.فلا يبان شكسبير إكتشفها

ولا خيال بيرون عرفها

ولا يراع شيللي وصفها

ولا سواهم من الغابرين زحزحوا بدائع أستارها

ولا غيرهم من المعاصرين كشفوا روائع أسرارها

إنها طلسم في خاتم الزمان

وآية من آيات الوحي والبيان

وأخيراً.أطلع صديقي الحميم الدكتور داهش بك على جميع ما نظم الشعراء وما دبجه الكتاب من فرنجة و عرب حول هذه الأسطورة الخصبة.

ثم قرأها منذ أعوام في مجلة الرسالة المصرية للأستاذ دريني خشبة وسواه من الأدباء.

فأذا كلّ ما طالعه كان مختصراً وغير ما يصبو إليه ويرجوه.ولما كانت حوادث هذه الأسطورة قد وقعت تحت سماء لبنان الجميلة مثلما تقول(الميتيلوجيا)

-ولبنان حبيب الدكتور داهش ووطنه الفتان-فقد أحبّ هذا الصيف أن يزور بنفسه مغارة أفقا والغابة المقدسة المجاورة لمزرعة المنيطرة.وهناك على نغمات المياه،وهدير الشلالات.وأشعة الشمس.وحفيف الشّربين.ونفحات الرياحين.وضجعة الجنادل.ويقظة البلابل.ورهبة الجبال العالية.وصمت الأطلال البالية...كتب الدكتور داهش مقدمته(في موطن عشتروت وأدونيس)مستمداً الهامه العالي من مناظر تلك الربوع الفتانة الساحرة.ولم يكتف بالزيارة الأولى التي سحرته بذكرياتها وفتنته بآياتها.بل زارها ثانية.

حيث شرب من ذلك الماء النمير الذي سبق لأدونيس وسقى براحته الرخصة حبيبته عشتروت وقال لها بلسان الشاعر:

يا أطيب الناس ريقاً غير مختبر

                                      لولا شهادة أطراف المساويك

قد زرتنا مرة في(القصر)واحدة

                                      ثني ولا تجعليها بيضة الديك

وهكذا زار الدكتور داهش أرض إبنة الإله عشتروت وإبن لبنان الفتان أدونيس!

وهناك إستلهم النهر والصخر والجسر والقصر والطير والزهر...وفاضت قريحته الجوادة بقطعة نثرية ستخلدها الأجيال والآجال.ولقد رافقته في المرتين.وشاركته في الزيارتين...مع بعض الأخوة المؤمنين بعبقريته الإلهامية وظاهراته الروحانية.وقد بهرتني تلك المناظر الطبيعية الخلابة فجاد قلمي القاصر بأبيات هي عفو الخاطر بعد رؤية تلك المناظر. وما هي من ينبوع الكون الساحر إلا قطرة من ذلك البحر الزاخر.أما الأبيات فهي

 أنا الآن في أفقا على ضفة النهر

                                      أراقب مجرى الماء من جانب الجسر

وتنظر عيني من بعيد مغارة

                                      لها فوهة البركان في شاهق الصّخر

وتسكب شمس الأفق فوق مياهها

                                       أشعة ألوان يحاربها فكري

هنالك شلالات ماء تدفقت

                                      وغابات شربين بأثوابها الخضر

أراها صفوفاً كالجنود تنظمت

                                      لتحرس ذاك النهر من حادث الدهر

هنا عشتروت الحسن والسّحر والهوى

                                      سباها أدونيس الجميل فتى السّحر

هنا تحت ذاك الصّخر كم جلسا معاً

                                      أمام رياض الزّهر في شرفة القصر

فمات شهيد الحب في قلب غابة

                                      وماتت بنصل الحزن غلغل في الصدر

هنيئاً لمعشوقين ذاقا مع الصبى

                                      كؤوساً من اللذات خالدة الذّكر

 

 

بيروت في 7 أيلول 1943                           حليم دموس

 

 

 

في موطن عشتروت وأدونيس!

 

أنا الآن في موطن(عشتروت وأدونيس)أمتع الطرف في هذا المحيط من الجمال الحالم وأجوس في هذه الربوع التاريخية الفائقة في فتنتها وروعتها.

وأنا مأخوذ بكثرة المشاهد الساحرة التي تمرّأمامي.

فمن شلالات عذبة المياه تتدفق بسخاء وهي تضجّ بموسيقاها الأزلية.

إلى غابات كثيفة من أشجار الشربين الدائم الإخضرار.وقد قام شاهداً منذ مئات من الاعوام البائدة في هذه البقعة الحالمة.كي يذكرنا بمغامرات(عشتروت)مع حبيبها الجميل(أدونيس)!

فمن هذا النبع الفوّار بزبدة الثّلجيّ هرع(أدونيس)وملأ كفيه الرخصتين بمائه العذب كي يروي غليل معشوقته إبنة الآلهة.

نعم إبنة الإلهة(عشتروت)التي غادرت مقرها الإلهي السعيد كي تنعم بقرب فتاها الفتان.وتتذوّق جمال محياه الرّيان.وتحت تلك الصّخرة الجبارة الرّصاصيّة اللون جلس الحبيبان الفتيان.يتناجيان.ويتطارحان أحاديث الحب والهوى.والحنان والجرى.وتحت أغصان هذه الجوزة الغضّة رقد المدّ لهان وقد احتضن بعضهما البعض بعطف عجيب.وحنوّ غريب.

وفي هذه المغارة الجبارة الفوهة.الغريبة الشقوق.دلف المحبان كي يستمتعا بالمشاهد الأخّاذة التي حفرتها يد الطبيعة والزمان.في تلك الجدران.

وفي الأحراش الكثيفة الممتدّة وراء الأطواد من الجبال الجبارة الصاعدة في بروج الفضاء استظلّ المد نفان هرباً من حرارة شمس تموز المحرقة!

وهذا العصفور الغرّيد بمرح فريد قد سبق وغرّدت أجداده للعاشقين العجيبيين.

وهذه الأطلال الدراسة,والاكداس من ركام هذه الحجارة الضخمة هي بقايا ذلك القصر الفخم الجميل الذي شيدته(عشتروت)لمن اصطفاه فؤادها الفتيّ

وقد شهد هذا القصر في ذلك العصر أجمل ليالي الحبّ والغرام:

حب(ابنة الآلهة) لأجمل شاب في أرض لبنان.

أما الآن فقد داسه الزمان بأقدامه الجبارة فهوى و تردّم!

ولم يبق منه سوى الأطلال المبعثرة والذكريات الآفلة!.........

لقد غبطت(أدونيس) على ميّتته في هذه البقعة من الأرض

لأنها أرض الأحلام الخيالية

أرض الفتنة والجمال

أرض البهجة الخلاّبة

أرض الينابيع العذبة المتفجّرة

أرض الشلالات الموسيقية التوقيع

أرض الجبال العاتية الجبارة!

أرض غابات الشربين الدائم الإخضرار

أرض الطيور الصادحة والعصافير الشادية

أرض التلة المثلثة والغابة التاريخية الغبياء التي سقط فيها (أدونيس) صريعاً

أرض السّحر والجمال والروعة والجلال

الأرض التي اختارتها(عشتروت) لتكون عشاً جميلاً لغرامها.

الأرض التي قضت فيها(ابنة الآلهة)فترة من الزمان تنعم بأشهى ما تبتغيه تلك الغادة المتجسدة في أرضنا الشقيّة.

ثم الأرض التي ضمّت بقاياها الجميلة وحنت على جسدها الأملود بعد أن غرست في صدرها نصلها الحادّ حزناً على معبودها(أدونيس)الذي قتله خنزير بريّ في رحلة صيد من رحلاته في هذه الرّبوع!...

ثم عودتها ثانية إلى الحياة بعد أن عاد حبيبها(أدونيس)من دار الموتى الباردة الرّهيبة.

ألا حياك الله يا أرض(عشتروت)الجميلة (وأدونيس) الفتان!

وليجمع الله(روحيكما)في عالم السعادة الخالد!...

 

أفقا لبنان-الأحد صباحاً

29 آب 1943

الدكتور داهش