info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "عاشق الغيد الصيد"

عاشق الغيد الصيد

 

تقديم

                                      بقلم ماجد مهدي

     فراديس الإلهات يرصعُها اللينوفار المُقدس" هي عشرة أجزاء طالعتُها مخطوطة فإذاها كنزٌ أدبي ثمين.

فالدكتور داهش مؤلف هذه المجموعة القيمة طرق فيها كافةَ المواضيع، فمنها الفلسفية، والوصفية، والعاطفية، والابتهالية، والهجائية، والقصصية، والحكمية، وسواها وسواها...

إنها سيلٌ مُتدفق!...

يرودُ المرء جنبات هذه الفراديس المُمتعة، ويتخلَّل غاباتها البكر، ويتذوَّق شهدَ معانيها، ويرشف حكمة مواضيعها فيسكر من لذة مطالعاته المُبدعة!

    إنها على غرار "حدائق الآلهة توشيها الورود الفردوسية" وهي عشرة أجزاء أيضًا، وقد طبعتها دار نشر "النسر المحلق" ببيروت، وهي على غرار "فراديس الإلهات" معنًى ومبنًى.

   وما يسترعي النظر الطبعُ الأنيق البالغ مُنتهى الفن السامي. "ففراديس الإلهات" زُين كل كتاب من كتبها العشرة بـ "24 رسمًا فنيًا مُلونًا تتمشى مع مواضيع الكتب المُبدعة بالفن. وكلمةُ حق تقال إن دور النشر في جميع البلدان العربية قاطبة لم تصدر، حتى الآن، أي كتاب يُضاهي هذه الكتب البالغة من الفن منتهاه.      فضلاً عن الورق الممتاز بجودته ونوعيته ووزنه.

ومن العجيب المُعجز أن الدكتور داهش قد أخرجت دورُ النشر له خمسين مؤلفًا بمختلف ضروب الحياة. وقد أعلمني إيليا وهادي حجار مؤسسًا "دار النسر المُحلق" بأنهما سيطبعا للدكتور داهش ستين مؤلفًا جديدًا، وجميعها مخطوطة وجاهزة للطباعة.

   إن المكتبة العربية لتعتزُّ بوجود هذه المؤلفات القيمة.

   والقارئ سيحكم، بعد اطلاعه على هذه المؤلفات، أنها كنزٌ أدبيٌّ ثمينٌ نادر حريٌّ بكلٌّ مثقف أن يحتفظ به.

وثمة حكمة معروفة تقول:

"قُلْ لي ما تطالعه أقُلْ لكَ من أنت".

وإنني أشكر السيدين إيليا وهادي حجار لإتحافنا بمؤلفات الدكتور داهش. ففي بعضها أفكارٌ لم يطرقها أي أديب أو مؤلف.

   وعند الامتحان يُكرَم المرء أو يُهان.

   بيروت، في 21/8/1980                

ماجد مهدي

 

 

 

أيتها الأيامُ اركضي

 

اركضي أيتها الأيام اركضي،

فبقدر ما تركضين تقترب مني النهاية.

اركضي أيتها الأيام، وابتعدي عن مشاهدة ما يرتكبُه الأنامُ

من جسام الآثام.

اركضي، وسابقي الغيوم الراكضة في أوقيانوسات الفضاء اللانهائي.

اركضي فقد ثَقُلَ سيري، وضعُفَ بصري، وثقل سمعي،

وانحنى ظهري لكثرة مرور الأعوام،

وباتَتِ الحفرةُ قابَ قوسين أو أدنى من هيكلي الضعيف الواهي.

اركضي أيتها الليالي، فقد تبددتْ آمالي، وانهارتْ أحلامي،

وقريبًا سأدخلُ رمسي في ظلمة احدى الليالي.

وإذ ذاك، سأغادرُ تُحفي ولوحاتي،

وأتركُ مالي، وكذلك مالي.

آه، أيتها الأيام الراكضة!

هل سألتقيكِ بعوالم الكواكب،

في تلك العوالم البعيدة؟

هل سأشاهدُك ثانيةً أيتها الأيام،

وأنتِ تسيرين سريعةً مواكب، إثرَ مواكب؟

أم أنكِ هنالكَ ستسيرين بطيئةً كما تسير العناكب؟

                                                   الولايات المتحدة الأمريكية

                                      الساعة الثامنة والثلث من ليل 6 آب 1976

 

 

وهمٌ من الأوهام العابرة

 

واستقليت الزورق الذي يسيرُ بقوة الكهرباء،

ورحتُ أجوبُ به البحار طولاً وعرضًا.

وكنت اصطادُ الأسماكَ بقصبة، هي آخر ما اخترعته العقول المبتكرة.

وعندما أنهيتُ رياضتي هذه،

دخلت إلى صالون القارب،

وإذا بالجاريات الست يحتطنني،

وهن يحاولن إغرائي.

فهذه تطعمني ثمرةً،

وتلك ترتبُ بيدها شعري وتنسقه

وأخرى تدلكُ لي قدمي بيدها البضَّة،

وأخرى تقصُّ عليَّ أسطورةً شعرية،

والأخيرة تقبلني بحرارة،

وأنا أجاريهن في لهوهن، ولا هم لي إلا اختراع أسباب اللهو،

بعد أن تضخمت الأموالُ في خزائني،

وكُثرت قصوري، ودرتْ عليّ أسهمي أموالاً طائلة.

وعندما كنتُ أغادرُ القارب،

كنتُ استقلُّ طائرتي الخاصة

فتحلقُ بي في الأجواء،

قاطعةً المسافات الشاسعة،

ذاهبةً بي حيثُ أحبّ.

فيومًا في كاليفورنيا،

ويومًا في فيلادلفيا،

ومن ثم إلى الفيليبين،

فطوكيو، فباريس، فلندن.

ثم إلى غيرها وغيرها من المدن الكبيرة والقرى الصغيرة.

وكنتُ أُبذرُ المال،

وأوزعه في الفنادق، والمطاعم، والمتاحف، ودور اللهو،

والمال لا ينقص بل يزيد، إذ أتخمتْ به خزائني وجيوبي.

وقد ابتعتُ من التحف أغلاها،

ومن الطرائف أنفسها،

ومن السلع أثمنها وأروعها،

وزينتُ قصوري العديدة بها.

وكنتُ الآمرَ الناهي،

فكلمتي تُنفذُ ولو فيها قطعُ الرقاب؛

فأنا الملك المطاع.

وكانت الرقابُ تعنو لي،

فأنا لا آبهُ بالرجال إذْ أراهم كأعوادِ الثقاب.

فالمالُ، لكثرته، بين يدي كالتراب،

ولهذا كنت أداوم على الطعام والشراب.

وبينما كنت في أحد الأيام أجالسُ الملوك والسلاطين والقواد،

وعددًا من أرباب الملايين،

وأقارن بين ما أملكه وما يملكون،

إذا بي الفائز، وإذا بهم أمامي ينحنون.

وفجأةً استيقظُ، فأرى أنني كنتُ حالمًا؛

وإذا بتلك القناطير المقنطرة من الأموال،

وتلال المجوهرات، والقصور العاليات،

والقوارب الكهربائية، والطائرات النفاثة المُحلِّقة في السموات اللانهائية،

ما هي إلا وهمٌ من الأوهام، وسرابٌ زائل من الأحلام.

                                                   الولايات المتحدة الأمريكية

                                                   الساعة 9 من ليل 6 آب 1976