info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "الدكتور داهش بأقلام نخبةٍ من مُعاصريه بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لمولِده "

الدكتور داهش

بأقلام نخبةٍ من مُعاصريه

بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لمولِده

 

التقديم:

        يوافق عام 2009 الذكرى المئوية الأولى لمولد الدكتور داهش (ولد في 1\6\1909)و يسر الدار الداهشية للنشر, في هذه المناسبة ,ان تصدر كتابًا تذكاريًا يلقي المزيد من الضوء على الرجل الذي حملت الدار اسمه و الذي  ما يزال وبعد مئة عام من مولده موضوعًا ثريًا  جديرًا بالدراسة برغم ما اهرق حوله من الحبر و لقد راينا ,من اجل ذلك ,ان ندع الدكتور يتحدث اليكم من خلال ادبه,ثم ندع الآخرين يتحدثون عنه.

        قسِم الكتاب الى خمسة اقسام ئيسية , قصرنا القسم الاول منها على تعريف بالدكتور داهش و ادبه , فافردنا فصلا اول للكلام على حياته في جدول زمني مقتصرين على الوقائع البارزة فيها .ثم عقبنا بفصل ثان ادرناه على الملامح العامة لادبه مع وقف سريعة عند مؤلفاته بحيث يخرج القارئ بفكرة شاملة و مختصرة في الآن نفسه عن انتاجه الادبي . ثم الحقنا به مقابلة صحفية مطولة يكشف فيها الدكتور داهش جوانب مهمة من حياته و فكره .

       و يشمل القسم الثاني مقتطفات من مؤلفات الدكتور داهش , وقد راعينا في اختيارها امرين :فكريا و فنيا . اما الفكري فمد القارئ بمقالات يستطيع من خلالها ان يتبين نظرة مؤسس الداهشية الفلسفية :تصوره لله تعالى وللنظام الروحي, نظرته الى العدالة الالهية, رايه في قيمة الانسان الحقيقية , نزوعه الى الاُخوة الانسانية  الشاملة , فهمه للادب و رسالته ...اما الفني ,فابرز التنوع في ادبه من خلال الابواب و الموضوعات و الاساليب . و لايفوتنا اطلاقا انَ اضمامةً مختارةً  من ورود الحديقة قد تنبئ عنها ,لكنها لا تستنفدها كلها .وما مطمحنامن هذا الاختيار سوى حث القارئ على ارتياد الحديقة نفسها؛ فنها و لا ريب , اغنى جدًا مما اقتطف منها.

       و يحتوي القسم الثالث على شهادات في الدكتور داهش و مقالات في الداهشية وضع اكثرها في الاربعينات من القرن العشرين ؛ وقد جاءت اشبه بالمصادر الاولى المباشرة للموضوع المدروس او المشهود له . و هي , في الحقيقة مختارات قليلة من مئات المقالات و الشاهدات و القصائد , رتبت هنا بحسب تاريخ نشرها . ولا بد من التنويه هنا  بكلمة مستثنات رثت فيها السيدة ماري حداد الداهشية السيدة شموني, والدة الدكتور داهش , و اثبتت في هذا القسم لما تحات به الام من فضائل كريمة كان لها اكبر الاثر في ابنها .

     و افرد القسم الرابع لمجموعة من صور الدكتور داهش الفوتوغرافية  تمثله في مراحل و مناسبات مختلفة.

     اما القسم الخامس ,فيضم ما كتب بمناسبة المئوية الئولى و لذلك فقد جاء اوسع الابواب جميعا . شاركت فيه اقلام من مختلف اقطار العالم العربي,منها من عرفوا الدكتور داهش شخصيا , و منهم من عرفوه من لال ادبه و فكره . و قد جاءت المقالات و الدراسات و الشهادات  الدرجة في هذا الباب اشبه بالمرايا تعكس صور الدكتور داهش : داهش الاديب , و الشاعر , و صاحب العقيدة ,و صانع الظاهرات الروحية, و مؤسس المتحف.... و في مقدمة ذلك كله داهش الانسان . و مع ان نتوقف على شخص الدكتور داهش , في كل ابعاده, امر ليس من اليسير تناوله فقد حاول الكتَاب ان يوفوه حقه, و يكشفوا الشيئ الكثير من حقيقته. و قد يستوقف القترئ تعدد وجهات المظلر اليه و بل الاختلاف بينها احيانا , الامر الذي حرصنا على احترامه ايمانا منا بان حرية الكاتب , في حدود الموضوعية و الصدق , قيمة عليا لا يجوز المساس بها اطلاقا . و لقد علَمنا الدكتور داهش نفسه ان " الحرية هي هبة الخالق للخلائق. " زد انه كام احد ابطالها في المشرق العربي . و هكذا فقد جاء هذا القسم من الكتاب اشبه بمنتدى فكري يعبر فيه الكتَاب عن آرائهم و يتحملون تبعتها , فيستطيع القارئ ان يخرج من هذا الحوار الصانت بما يروقه.

        اما ترتيبب المقلا في هذ القسم , فقد التزم فيه موضوع المقال او منحاه العام من دون اي اعتبار آخر. وضعة اولا المقالات ذات المقاربة العامة , ثم ادرجت بعدها مقالات غلب عليها طابع الذكرايات الشخصية او المقابلات الصحفية , ثم تلتها الدراسات التي تناولت ادب الدكتور داهش و فكره , ثم اختتم القسم بالقصائد الشعرية من المئوية الئولى .

      و الى ذلك فقد كان يلزم ام يضم قسمين آخرين : قسما انجليزيا و قسما فرنسيا . لكن وفرة اللغة العربية التي وردتنا و الخشية من ان يبلغ الكتاب حجما ضخما , حملتانا الى فصل هذين القسمين عن الكتاب لاصدارهما مستقلين في وقت لاحق .

      و لا يسعنا , اخيرا ,الا ان نشكر جميع الذين اسهموا في اثراء هذا الكتاب بمقالاتهم و قصائدهم و نعتذر من الذين لم يتسنَ لنا نشر كلماتهم فيه . ثم انه كان من المتوقع ان يصدر الكتاب في مطلع حزيران (يونيو)2009 لكن صدوره تاخر بسبب سيل المقالات و الدراسات التي توالى ورودها بعد الوقت المحدد لاستقبالها . على اننا نامل ان ننشر في كتاي مستقل مقبل جميع ما فاتنا نشره هنا .

      نتمنى ان نكون قد وفينا بهذا الكتاب التذكاري حق الدكتور داهش علينا . و لشدَ ما يغبطنا ان ينظر هو من عالمه الى هذا الاثر بعين الرضا.

      و نحن نامل ايضًا ان يجد القُرَاء في الدراسات و المقالات المدرجة فيه ما يحملهم على العودة الى الينبوع نعني الى مؤلفات الدكتور داهش نفسها . لا بدَ لكل مفكر رصين من ان يجد في الدارسين من يؤيده او يناقشه . المهم ان تكون الدراسات حافزا الى مراجعة كتبه  فانَ في الاصل من الغنى ما ليس في الدراسة , على قيمتها و جودتها . و اننا نهيب بالقارئ الى استنطاق مؤلفاته الدكتور داهش لاستخلاص رايه فيها  و اتخاذ موقفه منها . فما كتبه بنفسه هو المرجع الصادق الاول , فان فيه فكره كله . و كثيرا ما سئل فكان يجيب : " عقيدتي في كتبي . فمن اراد الاطلاع عليها , فليقرا مءلفاتي . "

                                                                                                                                أسرة التحرير
 

 

القسم الاول:

             نظرة عامة في ادب الدكتور داهش

         الدكتور داهش احد ممثلي الادب الانساني .ملأ صفحات مشرقا ت منه بعطائه الفكري الذي دأب عليه زهاء ثلاثة و خمسين عاما من حياته الزاخرة بالنشاط و الاحداث و الانجازات . و قد تميزت مؤلفاته بتنوع موضوعاتها , و تعدد الفنون الادبية التي اعتمدت فيها , و بنزعة مثالية . و قد لفت في كتابه "القلب المحطم" يوم كان في ربيع شبابه الى انه و ما يكتب وحدة لا تتجزء : "كلمتي قطعة من كبدي و فلذة من روحي و خلاصة من عناصري." و في مقدمة كتابه الاول "اسرار الالهة" اشار الى انه منذ الصغر كان يتمنى ان ياتي يوم يستطيع فيه ان يضع كتابا ما من بنات افكاره شارحا فيه ما تجيش به نفسه . و قد تحققت امنيته الى ابعد الحدود فوضع ما يناهز  مئة كتاب ادبي شكات خلال النصف الثاني من القرن العشين و مطلع هذا القرن ثروة فكرية اصلاحية تريد ان تبعث نورا جديدا في الحياة

          وليس الغرض من هذه المقالة سوى القاء بعض الاضواء على هذه الثروة الادبية. و لان المجال لا يتسع للكلام على كل مؤلف بمفرده فقد راينا تصنيف مؤلفاته الى ابواب بحسب انواعها الادبية و الاقتصار على بعض منها فقط للتمثيل و التوضيح . اما الابواب فهي : الادب الوجداني و الادب القصصي و الادب الديني و ادب الرحلة و ادب السيرة الذاتية و الادب الحكمي . و لا بد من الاشارة  من الاشارة الى ان هذا التصنيف ليس قاطعا و ذلك لتداخل الابواب احيانا.  زد ان من مؤلفات الدكتور داهش  ما يصعب تصنيفه . و لعل يستقيم في ذاته بابا ادبيا مستقلا . و مع ذلك فقد راينا وضعه في الباب الانسب لتسهيل الاحاطة بالمؤلفات جميعا .

 

              الادب القصصي عند الدكتور داهش 

         يتميز الادب القصصي عند الدكتور داهش بان الفن فيه ليس هدفا في ذاته لكنه وسيلة الى غرض ابعد هو : الحقيقة . ففي مقدمة روايته "مذكرات الدينار " ياخذ على ادباء عصره انهم يموهون حقائق الامور  بالتانق اللفظي . ولايتورع , في مقدمة كتابه "قصص غريبة و اساطير عجيبة , من القول بيقين الواثق من نفسه : "ان على الكتاب واجبا مفروضا هو قول الحقيقة دون سواها.

         و لو انعمنا النظر قليلا في ادبه لوجدنا ان الحقيقة عنده ليست هي ايضا هدفا في ذاتها لكنها الباب الى مرمى اخلاقي هو تهذيب النفس . فكان غرض الدكتور دتهش الاخير من ادبه ان يهيب بالانسان الى الارتقاء الروحي و هذا في رايه هو الغرض الاخير من وجود الانسان نفسه على الارض. 

          على ان الدكتور داهش و ان اتخذ الفن مطية الى الفضيلة فانه لم يستهن بمقوماته. فمن يقرأ قصصه يجد فيها من العناصر الفنية كدقة الوصف و حبك الوقائع و التشويق و جمال الاسلوب ما يناى بها عن جفاف الوعظ و الارشاد .

 

 "مذكرات دينار"

        رواية وضعها الدكتور داهش في مطلع عام 1946 , بطلها دينار ذهبي  بعيد مرمى النظر جول في الكرة الارضية و قابل اناي من مختلف الجنسيات و الطبقات و المشارب و قدم صورا واقعية عن المجتمع البشري في القرن العشرين اظهرت الجشع الرهيب  و التناحر على المادة و التردي الروحي و الاخلاقي و المآسي الاجتماعية و مضالم الاستعمار . لكنها لم تخل من صور مضيئة . و كانت للدينار آراؤه الخاصة في الحرب و السلم و كان الاسبق في دعوت الدول و الممالك الى بناء (عالم واحد) و اعتماد قانون عالمي شامل من اجل تحقيق السلام . و في نهاية  رحلته , يحذر الارض من خطر حقيقي داهم , و البشر من مصير مؤسف مؤس.

 

"قصص غريبة و اساطير عجيبة"(4 اجزاء)

       قصص و اساطير وضعها الدكتور داهش بين عامي 1944 و 1981 . و الكتاب من اكثر كتب الدكتور داهش استهدافا للنفس البشرية بهدف اصلاحها. موضوعات قصصه متعددة , و قد يتداخل بعضها في القصة الواحدة احيانا .فالوى جانب القصص التارخية و الخيالية  و الاسطورية و الفكاهية و قصص الرعب والحب و الاحداث المنسية ,نقرأ عدد من القصص تمثل فلسفة الدكتور داهش في الحياة  و بخاصة عقيدته  في التقمص و العدالة الالهية و مفهومه الجديد "للسيالات الروحية"المبثوثة في سائر الكائنات المادية . و قد كتبت كلها باسلوب شائق استوفى  شروط الابداع القصصي , و ساعد على استيعاب العبر و الافادة منها.

 "خيال مجنَح او حياة الاحياء في القمر"

        كتاب ضم قصتين حافلتين بالتخيلات العجيبة الغريبة الفهما الدكتور داهش في العام 1978 . القصة الثانية " شوارب مستطيلة و لحى وبيلة " و هي الاقصر  , تحكي علاقة الرجل و المرأة في مدينة تخيلية , و طريقة الزواج و مراسيمه في هذه المدينة . اما القصة الولى " خيال مجنح او حياة الاحياء في القمر  " , و هي الاطول  , فقد تناولت حياة الاحياء في القمر و كيفية حياتهم و موتهم و معتقداتهم و الاحداث التي تجري في كوكبهم .

       و لئن دلت هاتان القصتان على شيء , فعلى قدرة الدكتور داهش التخيلية الخلاقة و ابتكاره الصور و الوقائع البالغة الغرابة التي قلما جاراه فيها كاتب .

                         الادب الديني

الادب الديني هو الادب الذي يدور على موضوعات دينية من غير ان يكون هو بالضرورة نصا دينيا . و في هذا الباب يمكن ادراج كتاب الدكتور داهش " ابتهالات خشوعية  " الذي يجمل ان يكون كتاب لكل مؤمن و كتابه " مذكرات يسوع الناصريّ " الذي تناول جانيا مجهولا من حياة مؤسس المسيحية . و يندرج في هذا الباب ايضا كتاباه " نشيد الاناشيد " و " ناقوس الاحزان او ميراثي  ارميا " , و لا يخرج عنه كتابه " جحيم الدكتور داهش " الذي لا يقل شانا عن " الكوميديا الالهية " لدانتي , و " رسالة الغفران " لابي العلاء المعري .

" مذكرات يسوع الناصري "

      الفه الدكتور داهش عام 1943 . و هو يضم مذكرات خاصة بالسيد المسيح يروي فيها وقائع اعوام ثلاثة من حداثته المجهولة . و قد عبَّر فيه عن آرائه و مشاعره و تاملاته وكشف النقاب عن معجزاته الاولى و تعاليمه الروحية و الاحداث التي رافقت تبشيره بالرسالة و عن كيفية تعرفه بتلميذه بطرس , و تفاصيل حياته الاسروية و موقف عائلته منه و من مبادئه و عن بعض الاسرار الروحية بما فيها سر عودته الثانية الى الارض . و هو كتاب مميز , في موضوعه , و مضمونه , و غايته , واسلوبه .

" ابتهالات خشوعية "

       وضع هذا الكتاب بين عامي 1945 و 1980 . و هو مجموعة صلوات خشوعية كتبها الدكتور داهش املا برحمة الله و عنايته , و اناشيد روحية رفعها اليه تسبيحا بأُلوهيتي و قطع عبر فيها عن غربته الروحية في الارض و شوقه الى عالم الروح السعيد . و قد استهلها باحد عشر ابتهالا اقتبسها من مزامير داوود و صاغها  باسلوبه دون ان يمس بمعانيها .

         الكتاب , من الدفة الى الدفة , يسوده جوٌّ  روحي  سامٍ  نابع  من توجهاته  العلوية .