info@daheshism.com
" شهادة الدكتور توفيق حقَّاق "

" شهادة الدكتور توفيق حقَّاق "

 

 

في عصرنا هذا، حيث بات الناس فريقين: فريقا فمه مع الله وقلبه بعيد عنه ، إيمانه يتوجه الى عادات وتقاليد موروثة ليست إلا قشوراً بعيدة كل البعد عن جوهر الأديان، والى طقوس شكلية تفرق ولا توحد، تبعد عن الفضيلة والمحبة و الحق و الخير، عن الله ، وفريقا تاه في ظلمة الماديات فأنكر وجود الروح وجحد القيم الانسانية المثالية ، في هذا العصر الذي كاد الناس جميعا يضلون فيه طريق الحق ليتناحروا على امتلاك أرض لن يملكوا منها إلا يبابا وسرابا، أنهلت على الناس رحمة وظهر بينهم نور ، لكن النور لا يراه إلا من كان له عين ترى ، عين لم تطمس بصيرتها الماديات والشهوات وسيء العادات. والحقيقة كالشمس لا يلغي وجودها إنكار الأعمى لهـا.

ومعجرات الدكتور داهش و أعماله ونداءاته الروحية حقيقة كالشمس ساطعة منذ أكثر من ربع قرن،لا ينكر وجودها إلا من كان في قلبه زيغ وعلى عينيه غشاوة، حقيقة هي مل، العين والسمع تفرض نفسها ولو كره الكارهون وأغرض المغرضون .

 

ورب سائل يسال: ما الذي لمستموه في داهشيتكم هذه ؟ هل أطعمتكم بعد جوع وكستكم بعد عري وأغنتكم بعد فقر " وهل وعدتكم بتوريثكم الأرض ومن عليها، أم انكم ستقومون بانقلابات تهز المسكونة من مشرقها الى مغربها ، لتورثوها لقمة سائغة لمن يأتون من بعدكم ؟ ان هذا ما يقوله الكثيرون منذ سنين وسنين ، وليس لهم من غاية في الحياة إلا ما ينفع الجسد المالي ويحقق الغرض المادي السخيف . فاتهموا الداهشية بألف تهمة وتهمة، ونعتوا مؤسسها بأسفه الألفاظ وأحط النعوت ، ولكن الداهشيين قاطبة لم يأبهوا لكل هذا ، بل لاقوا أعداءهم بصبر وشجاعـة نادرين ، وفتحوا صدورهم للطعنات والابتسامة تعلو شفاههم ، فهم قوم مؤمنون بالحق و الحق يورث صاحبه مناعة ضد أعتى الهجمات، وهو صخرة عند أقدامهـا تتحطم أمواج الافتراءات والاتهامات.

 

وكانت حجج المؤمنين الراسخين في الأيمان أن يا قوم تعالوا لتروا بأعينكم ما نحن فاعلون ، فأن آمنتم بما رأيتم فأصبحوا مثلنا، فنحن لا نأبه بالشنق و بالصلب وبكل صروف العذاب ، إذ ان هذا كله ليقربنا خطوات من الكمال الذي ننشده في جميع تصرفاتنا ... وان احسستم بما نراه ونسمعه ونحس به، فما عليكم إلاَّ أن تفتحوا قلوبكم لما ترونه، والا تجعلوا التقاليد الموروثة الباليه، والعادات السخيفة، تمسك بخنافكم وتجعلكم من القوم الكافرين ، ألاَّ ومن روحي بيده ، إن من الناس من اصطفاهم الله يؤمنون بالسمع، وبالسمع فقط ، ولكن الآخرين لا يؤمنون ، حتى ولو رأوا الجن يسجد لهم ويؤتيهم مال قارون . والأيمان هبة روحية لا تعطى الا لمن

كان قليه نقياً صافياً ، ومن كان منزَّهاً عن الهوى يملأه حب كبير لجميع أخوانه في الانسانية ، لا يفرق بين جنس ولون ودين ! .. ان محمداً عليه السلام م يورث صحابته الا رسالته الخالدة ولم يعطهم الا وعده بحنات أبدية وبسعادة سرمدية تنسيـهم مـا لاقوه في حياتهـم من شظف في العيش ، ففتح لهم آنذاك آفاقا روحية واسعة ، جعلتهم يضحون في سبيل الوصول اليها بكل غال و رخيص ، و الداهشيون المؤمنون بما قاله الرسل ، منذ فجر التاريخ يرون انفسهم امام حقيقة جديدة ، وان كان الحق لا يتجزأ منذ الأزل ، يرون أمامهم الحق متجسداً في شخص الحبيب الأكبر ، الذي لا يطلب منهم الا أن يؤمنوا بالله وبرسله وملائكته وباليوم الأخير ، و أن يكرسوا انفسهم لعمل الخير حتى آخر رمق من حياتهم ، حتى ولو لاقوا في سبيل ذلك اضطهاد الملأ كله.

وان كانوا بوذيين أو زردشتين أو يهودا او مسلمين أو مسحيين ، فما عليهم الا ان يفعلوا الخير

 

كل الخير، وأن يكونوا قدوة للآخرين، فالداهشيون لا يطلبون من أحد أن يغير معتقداتة، بل بالعكس. فانهم يطلبون من الناس أن يرسخوها ويقووها، وأن يبتعدوا كلية عن هذه المادية المتفشية كل التفشي في هذا المجتمع المتفسخ المريض.

وان سألنا السائلون عن عجائب حبيبنا الأكبر، لأجبناهم أنها أمامكم، فتعالوا شاهدوها بقلوب صافية وقد خلعتم نعال الوهم ، وتعريتم من كل قيل وقال ، فنحن قوم لا نصدق الا ما نراه رؤية العين المجردة وما ينقله لنا القوم الصادقون . فلقد لاقينا الكثير في سبيل معتقداتنا، واتهمنا وسجنا وشردنا ، وكلما زاد الاضطهاد زدنا رسوخاً في إيماننا . ولو أعطينا الشمس في يميننا والقمر في شمالنا لما انثنينا ولما انكرنا الحق الذي نؤمن به .

أتريدون أن نقول لكم اننا نعيش في اجواء روحية لم تر عين الأبداع مثيلا لهـا منذ الأزل ؟ انقول لكم يا قوم ان الأرواح العلوية تعيش معنـا وتكشف لنا من اسرار الكون ما لم تكشفه اعظم الصواريخ والاقمار الاصطناعية ؟ انقول لكم ان العلم الذي اوتيتموه أعجز من ان يصل سبر أغوار عالم الروح الذي نعرفه حق المعرفة ؟ أنقول لكم ان المادة الفانية لكانت طوع أيديكم لو آمنتم بخالق الروح السرمدي وتعريتم من خرافاتكم وأباطيلكم ؟ أنقول لكم ان حب المــال أعماكم ووضع غشاوة كثيفة على اعينكم حجبت عن أبصاركم نور الحقيقة الناصعة؟ فهنا يا قوم انهضوا من سباتكم إذ ان المنادي موجود فيما بينكم يلح عليكم بالتسبيح للحق تبارك وتعالى بكرة وأصيلا، لتطأ اقدامكم عتبة أرض المحبة والأخوّة قبل أن يفوت الآوان.

 

معجزات الحبيب الأكبر

 

واليوم، وقد مضى أكثر من خمسة وعشرين عاماً على لقائي الأول مــع الدكتور الحبيب ، ترجع بي الذكرى الى ايام كنت شابا يافعا وقد تشبعت روحي بحبّ البحث عن الحقيقة حيثما كانت ، فإذا بي ألاقي الدكتور في منزله الكائن وراء غرفتي في أحد احياء بيروت، وأجد نفسي فجأة محاطا بصفوة من رجال الفكر والأدب والطب ، فقد كان هنالك الشاعر حليم دموس رحمه الله ، والمغفور له الأستاذ يوسف الحاج ، والعلامة الشيخ عبدالله العلايلي و الدكتور بشر فارس الأستاذ الجامعي الحصري والدكتور جورج خبصا الطبيب المشهور ، و المسـتشرق الانكليزي الكبير المرحوم دانيال اوليفر، والمرحوم الفيكونت فيليب دي طرازي مؤسس مكتبة بيروت الأهلية، وآخرون من رجال لهم مكانتهم على الصعيدين العربي واللبناني ... وكنت آنئذ جريئا أناقش و أمحص ، ولا أتقبل بسهولة مـا أراه ، الا بعد الرجوع الى مرجعين اثنين ، هما والدي ، رحمه الله ، وعقلي . فلم أتقبل أيـة ظاهرة روحية على عواهنها ، بل كنت أفحصها وأدرسها ، وسرعان ما تبين في ان معجزات الدكتور داهش بعيدة عن العاب الخفّة بعد الثريا عن الثرى ، فهي لا تمت اليها ولا الى أي علم خفي بأية صلة، بل هي عجائب حقيقية تعجز العقول والقوى البشريـة عن محاكاتها مها بلغت من القدرة. والهدف منها إثبات وجود الروح وتنبيه الانسان لمراقبة أعماله وضبط سلوكه ودفعه في طريق الفضيلة والخير . وهكذا كنت كالسائر في الصحراء الذي ظنَّ بادىء الأمر ، ما يراه سراباً، لكنه ما لبث أن اكتشف أنه حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها . والدي زاد ذهولي وسلب لبي تصرفات الدكتور الحبيب الذي كان في غاية التواضع ، مما أكبره في عين جميع مريديه.

 

وأول ظاهرة رأيتها كانت تحمل في طياتها معنى الحب الكبير الذي يكنه قلب هذا الانسان العظيم، وسأمتنع عن ذكر اسم من كان له صلة بهذا الأمر تفاديـا للإحراج ، فذات مسـاء ، وأنا جالس في منزل الدكتور في بيروت ، وقلبي جريح لبعدي عن انسـان حبـيب باعد الناس بيني وبينه ، اذا بالدكتور يبادرني قائلا : وقد ارتعش بالروح « يا توفیق انت مشغول البال على حبيبتك، فهي بعيدة عنك وأهلها معارضون زواجك بها ، فما الذي يمكنني أن أفعله لأسعادك ؟... أتريد مني احضارها لك الآن في هذه الغرفة ؟ » .. وقبل أن افتح فمي لاجيبه ؟ » راجيا اياه أن يحقق لي امنيتي ، اذا بالاستاذ دموس ينتصب على قدميه وكأن تياراً كهربائيا أخـذه ، فيقول: « لا يا توفيق ! ارفض هذا العرض حالاً فانه ستخلق لك مشاكل لا نهاية لها.. ارجوك اطلب شيئا آخر ، اذ ان هذا يعارض نواميس الطبيعة » قلت في الحال « اريد صورتها على الاقل » . فابتسم الدكتور قائلا » : وهو كذلك يا صديقي يا .. هات علبة سجائرك » .، عندئذ قصصت ظهر العلبة الأبيض وثنيته واضعا قطعة منه فوق أخرى، وكتبت نداء الروح ، وإن هي وإن هي الا لمحة حتى ظهرت عليه صورة الحبيبة البعيدة الغالية ، وكانت تقف أمـام منزلها ... فبهر جميع الحاضرين ، واخذ الاستاذ دموس يسجل هـذه الظاهرة الفريدة في كتاب

الوقائع الداهشية .

وفي المساء كالعادة انتابتني الهواجس والشكوك، وقد زاد من لهيبها والدي المرحوم الذي عجز عن تصديق هذه المعجزة فأخذ يتهمني بصلحة مستترة تربطني بالدكتور. وعندما زرت الهادي الحبيب في اليوم التالي، بادرني قائلاً ، وقد ارتعش بالروح :

« هات الصورة » . ومنعه ذوقه الرفيع أن يقول لي : « أنت تشك في ما رأيت ! »، ولكني قرأت ذلك في نظراته . فأخذ الصورة ومسحها بأنامله، فتحولت إلى ورقة بيضاء ومسحها ثانية، فاذ بي أرى الحبيبة في وضعٍ مختلف تظهر فيه وهي تحمل قطة بين يديها. وقد احتفظت بتلك الصورة الغالية ما يربو على العشرين عاماً، الى ان قامت زوجتي ( سامحها الله ) بتمزيقها من بعد ، غيرة من الحبيبة.

 

وان أنس لن أنسى ظاهرة روحية باهرة رآها كل من ذكرت أسماءهم آنفا . ومفادها ان الدكتور أوليفر، كان يشرف على ملجأ لليتامى في الجبل، وقد انقطعت عنه موارده المالية من جراء الحرب – إذ كنا في عام 1942 – فأصبح اليتامى بأمس الحاجة إلى المساعدة ، وليس من معين . فاضطرب وقلق وتحير في كيفية العمل للإتيان بالمال اللازم لميتمه ...

وإذ كنا مجتمعين في جلسة روحية. ارتعش الدكتور داهش بالروح ، وما هي الاَّ لحظة حتى

انتفخت جيوب الدكتور أوليفر بأوراق النقد . فلم يصدق الرجل ما رآه ، بل أخذ يتحسس المبلغ الضخم الذي بلغ ٢٣ ألف ليرة ، متعجبا ذاهـلاً ، ونحن ننظر اليه مشدوهين . والاعجب في هذا الامر ان المعاملة المالية لتحويل هـذا المبلغ ، من توقيعات وقيود وتحويلات ، تمَّت بطريقة روحية ، كما تتم أيّة معاملة مالية في بنك سوريا ولبنان آنذاك ، وقد تأكد من ذلك الدكتور أوليفر وصحبه . وهــذه الظاهرة حدثت أمام ثلاثة وعشرين شخصا كان من بينهم الدكتور توفيق رزق صاحب المستشفى المعروف في بيروت ، والمحامي والوزير السابق ادوار نون.

ومن بين المعجزات التي شهدتها ، ظاهرة حضرها الجميع أيضا، وكان بطلها المرحوم الفيكونت فيليب دي طرازي، الذي كان يعلن انه لا يؤمن بالظاهرات الروحية ولا بأي شيء على الاطلاق له صلة بالروح ، فقال له الدكتور داهش وكان يجلس بالقرب منه : « قل لي . ما الذي تريده ؟ ، ففكر صاحبنا عدة ثوان ، انتفض بعدها قائلا : « هناك مخطوط عربي قديم ، غالي الثمن ونادر الوجود ، احتفظ به في منزلي، فهاته لي اؤمن بعدها ان الروح موجودة».. فمال الدكتور عليه وقد ارتعش بالروح ، وامسك يده قائلا:« خذ ! ها هوذا» و اذا بنا نرى المخطوط الاسود الغلاف كائنا بين يديهما .. فبهرنا ، وأخذ الرجل المسكين يرتجف ويتحسس جيوبه ليخرج لسلة مفاتيحه القديمة . ومن بينها مفتاح الخزانة الحديدية التي كان يحتفظ في داخلها بأغلى كتبه ومخطوطاته الفنية » .. ومرة كنا نجلس على مائدة الطعام ، والدكتور الحسب يتصدرها ، وأمامه طعام يتألف من طبق خضار فقط بينما كنا نحن نأكل اطايب الطعام . وفجأة سألنا، وقد اضطرب بالروح فما اذا كنا نود تناول شراب روحي لذيذ ، فلما لم نجب، ابتسم ونظر الى قارورة الماء فنظرنا اليها نحن ايضا . واذا بنا نراها وقد تحول ما فيها من ماء قراح الى رحيق قرمزي اللون حلو المذاق . شرينا كلنا منه ولكن الشكّ ساورني فطننت اني تحت تأثير ايحاء ، فقمت إلى الحمام لأغسل وجهي عدة مرات ، وعندما رجعت بعد نحو خمس دقائق وجدت ان الماء لا زال شرابا ، ولا زال طعمـه لذيذا ونكهته غريبة ... وجدير بالذكر ، هنا ان الداهشيين لا يشربون الخمر ، فهو عغير مستحب لديهم ومعظمهم يتبع نظاماً نباتياً في اكله ، يتألف من الخضار الطازجة أو المسلوقة ومعها الفاكهة . وأكثرهم لا يدخن *

 

وقد حدثث معجزة اخرى ابان ظاهرة الشراب وكان لها أعمق الصدى في أوساطنا. فلما كنا نتناول الطعام على مائدة الدكتور كما ذكرت ، اتى الأخ يوسف الحاج وفي يده قفص يحتوي على بلبلين قـال انه احضرهما لتوه من القرية ، وانــه يعتز بها كل الاعتراز لكونهما يسليانه في وحدته ، فطلب منه الدكتور ان يضعهما في المطبخ . وبعد دقائق وجه الدكتور كلامه الى الأخ يوسف متسائلا عن سبب سكوت العصافير ، فذهب هذا الأخير الى المطبح ورجع ثانية، وكانت تقاطيع وجهه تعبر عما يعتمل في فؤاده من حزن شديد، وقال باقتضاب : « العصافير ميتة » ، فنهضنا كلنا دفعة واحدة ما عدا الدكتور الذي لزم كرسه . وركضنا الى المطبخ ، وشاهدنا العصفورين مستلقيين على ظهريهما ، بلا حراك في قاع القفص . ثم عدنا ، وتابعنا الاكل ، ولكن في صمت ، احتراما لشعور الاخ يوسف، الذي طأطأ رأسه حزن ، وأخذ يزدرد الطعام بغصة ولوعة . ولكن قلب الحبيب الكبير واساه في الحال قائلا:«لا تحزن .ا أخي . أذهب لتراها ثانية ، فهي الآن تزقزق » . وهكذا كان.

 

وواجب الامانة يقضي بأن اذكر معجزة اخيرة حدثت في احدى الجلسات الروحيــة . فبينما كنا مجتمعين في غرفة مغلقة ، اذا بصخرة كبيرة تهبط بطريقة روحية داخل الغرفة، امام عدد من الاخوان. و الذي هو غاية العجب ان الباب وجميـع الشبـابيك كانت موصدة وبها القضبان الحديدية التي لا تسمح مرور مثل تلك الصخرة.

وغير هذا ، رأيت الكثير ، منذ رجوعـي الى الحظيرة الداهشيَّة ، مند ايام قلائل ، بعد زيارتي للبنان البلد الكريم ، المضياف ولو أتيح لي ان استرسل لاسترسلت. ويما اننا لا نؤت الا القشور من العلم ومن الروحانيات ، وبما أن الروح من أمر ربّي ، فاني اترك تفسير هذه الظواهر الروحيَّة الى اولي الألباب، لعلهم يدركون كنهها و ماهيتها في عالمنا المادي هذا الذي يكاد ان يقود نفسه إلى التهلكة. وعليهم ان يقرروا فيما اذا كانت هذه المعجزات بمثابة نذير للماديين من الناس او بمثابه بشری للروحانيين منهم.