هذه هي ماري حدّاد
صاحبة " الكتب السوداء "
ضد رئيس الجمهورية الراحل بشارة الخوري!
تحت هذا العنوان ، نشرت مجلّة " اللواء " في عددها رقم 89 ،
الصادر بتاريخ 11 أيلول 1964 ، المقابلة التالية مع السيّدة ماري حدّاد :
ماري حدّاد بين الأمس واليوم .. عذَّبوها .. سجنوها .. أذاقوها ظلم ذوي القربى.. ومع ذلك لم تتخلَّ عن إيمانها بالدكتور داهش ..
هي الآن في الخامسة والسبعين . عجوز عاقلة لم تترك حتّى الآن صناعة القلم . ولكنّها قلّما تقابل الزوّار ، بل تقبع في غرفتها داخل المنزل الهادىء المطل على حيّ الوطواط ، وتسبح في صفحات كتاب جديد قادم من باريس ، وتحاول أن تتحرّر من ...الذكريات .
لمع اسم ماري شيحا حدّاد بين عام 1933 وعام 1940 . ففي عام 1933 ، كتبت عنها جريدة " الدايلي ميل" اللندنيّة الناطقة باسم حزب المحافظين :" كأنّ لوحات هذه الفنّانة خميلة تكاد تنطق لو أعطيت قدرة النطق ، أو انعكاسات ضوء ، أو نماذج حيّة لبشر ، وهي نماذج حاول فنّانونا دراستها طويلا . انّ اللوحات تعكس سوريا بسمائها الغارقة في لون الشفق ، وجبالها ، وغابات صنوبرها العملاقة ، وأشجار برتقالها ،وغابات أرزها المترامية الأطراف التي غنّاها " لامارتين ". وقد نقلت مدام حدّاد كلّ ذلك بأمانة . انّ فنّ مدام حدّاد فنّ قويّ ، متمكّن من نفسه !
" امّا جريدة الباريسيّ الصغير " الفرنسيّة ، فقد كتبت في 21 تشرين الأوّل من العام نفسه :" انّ مدام حدّاد تفرض شخصيّتها بفنّها الذي هو نسيج وحده ، وتودع احدى لوحاتها عواطف الحبّ للقرية ولبلدة " عشقوت " ( قضاء كسروان )..
هكذا كانت ماري حدّاد ، ولا تزال واحدة من فنّانات لبنان اللواتي امتدّ صيتهنّ عبر المتوسّط الى " المانش " ، الى " الأطلنطي ". وقد اشترت الحكومة الفرنسيّة منها لوحتين تمثّلان اثنين من أبناء القرى ، وأودعتهما متحف " اللوكسمبورغ " حيث لا تزالان تعرضان الى الآن . وهي أوّل من ترأس جمعيّة الفنّانين اللبنانيّين للرسم والنحت . وقد خلفها في هذا المنصب ، بعد ذلك ، الشيخ قيصر الجميّل الذي توفّاه الله منذ سنوات . كما أنّها لا تزال ، حتّى الآن ، واحدة من فارسات الأدب الفرنسيّ . وقد أحدث كتابها " الساعات اللبنانيّة " ضجّة في أكثر المحافل الأدبيّة .
شجرة المشمش
انّ ماري حدّاد لم تكن اذن انسانا عاديّا حتّى يغفر لها أقاربها الايمان بالدكتور داهش ...
وقد اقتحمنا عليها عزلتها هذا الأسبوع ، وسألناها :
- هل نعيش مع ذكرياتك ؟
- دعونا من الذكريات ...انّها أليمة على نفسي !
- حتّى ذكريات الدكتور داهش ؟
قالت ، وابتسامة على محيّاها:
- بالعكس ... هذه الذكريات حبيبة الى نفسي !
ومضت ماري حدّاد تروي حكاية لقائها بالدكتور داهش .
كانت واحدة من ست بنات وصبيّين خلّفهم المرحوم أنطوان شيحا . وهم : لور ( زوجة بشاره الخوري ) ، أليس ( زوجة الماركيز دو فريج ) ، أديل ( أمّ المليونير سامي شقير ) ماتيلدا ( امّ بيار حدّاد وجدّة زوجة خليل الخوري ). والصبيّان هما المرحومان ميشال شيحا ، مؤسّس جريدة " لو جور " ، وجوزف شيحا . وقد انتقلوا جميعا الى رحمة الله ، ولم يبق بينهم سوى ماري حدّاد نفسها . وقد ذكرنا في الأسبوع الماضي أنّ الطفل الذي وضعته أندريه حدّاد ، ابنة ماري حدّاد ، في مستشفى رزق في محطّة النويري ، هو الذي كان وسيلة التعارف بين آل الحدّاد وبين الدكتور داهش الذي كان يقيم مقابل المستشفى !.
واسمعوا ماري حدّاد تروي أوّل ظاهرة روحيّة حدثت لها مع الدكتور داهش ...
قالت :
- خرجنا ذات مرّة الى حديقة منزل الدكتور داهش في محطّة النويري ...وهناك أمسك الدكتور داهش بعجوة حبّة مشمش ، ووضعها على الأرض ، وقال :" بحقّ الله أن تتحوّل هذه النواة الى شجرة مشمش مزهرة ." ولم يكمل الدكتور داهش كلامه حتّى تحوّل الزهر الى ثمر . وعند ذلك أكلنا من أطيب ما ذقنا . وما تزال الشجرة قائمة في الحديقة حتّى هذا التاريخ !
قلنا بدهشة :
- هذا شيء عجيب !
قالت :
- لا تعجبوا للحقيقة ...الشجرة موجودة أمامكم !
ثمّ روت ماري حدّاد ظاهرة ثانية ، فقالت :
- ذات صباح ، اخبرني الدكتور داهش بأنّني رايت فيما يرى النائم حلما مزعجا ، وأنّني تضايقت منه كلّ الضيق . فقلت له :" هذا صحيح "، فأخبرني أنّني نتيجة لهذا الحلم ستزل بي القدم ، ويصطدم رأسي بالجدار ، ولكن بمساعدة روحيّة سوف تكتب لي النجاة ...ثمّ طلب إلي أن أكتب الرمز المقدّس حتّى يرفع عنّي الأذى ، ففعلت . وان هي الاّ ساعات معدودة حتّى زلّت بي القدم ، واصطدم رأسي بالجدار . ولكن خرجت من الحادث سليمة معافاة !...
المعطف ....الضائع !
ولم تكن آخر ظاهرة رأتها ماري حدّاد ، فهي تروي كذلك أنّها رسمت ، ذات يوم ، لوحة لمنظر طبيعي تظهر فيه شجرة وعليها عصفور مغرّد . ولمّا كانت قد سمعت بأنّ الدكتور داهش قد أنطق اللوحات الزيتيّة غير مرّة ، فقد سألته أن يحضر لها العصفور الغرّيد من اللوحة . وان هي الاّ لحظات حتّى دبّت الحياة في العصفور الغرّيد . فأخذته ماري حدّاد ، وارتاح بين يديها . وقد بادرت ، بعد ذلك ، الى وضعه في قفص خاصّ عاش فيه سنتين ....
ثمّ كانت الظاهرة الأكثر عجبا ...
الحادث يتّصل بزوجها التاجر جورج حدّاد الذي ذهب الى فلسطين عام 1941 ، ومن هناك اشترى معطفا من الجوخ . ولكن لسبب من الأسباب ، فقد منه المعطف ، أو سرق . فجاء بيروت وهو كاسف البال لضياع المعطف . فلمّا جمعوه بالدكتور داهش ، وأخبروه أنّ الرجل يستطيع في احدى الجلسات الروحيّة ان يعيد الأشياء الضائعة الى اصحابها ، اغتنم فرصة انعقاد احدى الجلسات الروحيّة ، وطلب الى الدكتور داهش أن يُعيد اليه المعطف . وأخبره الدكتور داهش أنّه من غير الحكمة تحديد موعد استعادة المعطف ، ولكنّه لا بدّ أن يعود الى صاحبه في يوم من الأيّام !
وتمضي أيّام قليلة ....
ويكون الرجل ( السيّد جورج حدّاد ) مارّا بباب ادريس ، حينما يفاجـأ بثقل على ذراعه الأيمن ، واذا به يبصر المعطف الضائع قد استقرّ على ...الذراع !
وهنا كان لا بدّ من أن نطرح على ماري حدّاد سؤالا مهمّا هو :
- أنت المثقّفة المتعلّمة ...تؤمنين بهذه الأشياء ؟؟
قالت وهي تشدّ على كل عبارة تقولها :
- ماذا في وسع المرء أن يفعل أمام رؤية هذه الحقائق ... غير الايمان بصاحبها ؟؟
أنا هنا أؤمن بما أبصرته عيناي ، لا بما التقطته أذناي ...وكيف في وسعي أن أكذّب عينيّ ...وقدرتي على تمييز الأشياء ؟؟
انّ داهش رجل معجزة ...معجزة القرن العشرين !