info@daheshism.com
الدكتور داهش والداهشيَّة في الصَّحافة

 

تحقيقات «الأفكار»
كتب صبحي منذر ياغي

الدكتور داهش على ”الفايسبوك“:


نام داخل صندوق حديدي في قعر
نهر «السين» ثم أفاق بعد سبعة أيام!

      ليل بيروت كان هادئاً وساكناً قبل أن تمزق سكونه أصوات صدحت من داخل منزل قديم في أحد الأحياء البيروتية، تُرَدد «اناشيد داهشية» خلال جلسة روحية.. إنها أصوات مجموعة من «الداهشيين» من مريدي «الدكتور داهش»، ومن المؤمنين بعقيدته، والذين يرددون «هناك في أقاصي السماء الزرقاء.. أَوجَدَ اللهُ مكاناً سِحرياً رائعَ الفتنة.. تحنُّ اليه ارواحُ التعساءِ والمحزونين، فإلى ذلك المكان السعيد سأعود..».

       ــ وإن كان هذا النشاط مشروعاً ــ في عدد من أحياء بيروت، وفي البقاع، ويتم عقد الجلسات الروحية في منازل خاصة لعدد كبير من مريدي ومعتنقي هذه العقيدة التي جرى الاحتفال بمئويتها منذ اربع سنوات تقريباً.

الداهشية..

       انتشرت العقيدة «الداهشية» في لبنان منذ الأربعينات، وتناقلت الألسن في حينه معجزات «الدكتور داهش» الذي أدهش فعلاً زواره بعجائبه، وأعماله الخارقة، فأحدث جدلاً في الأوساط السياسية، والاجتماعية. واليوم مازال للعقيدة «الداهشية» أتباعها في عدد من المناطق، في بيروت وصيدا وزحلة وطرابلس وصوفر وعاليه وعدد من مناطق الجبل، وفي منطقة غربي بعلبك، حتى ان المؤمنين بـ«الداهشية» يتزايدون بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ولبنان بفضل «التبشير» الذي يقوم به «الداهشيون» مستخدمين تطور وسائل الاتصال والمعلومات والتواصل الاجتماعي.

داهش وجيل اليوم

       يقول نجيب م.: «أنا متأكد جداً من أن جيل اليوم لم يسمع بالدكتور داهش ومنجزاته وأعماله العجائبية الخارقة، ولا يعرف ما هي تعاليم «الداهشية التي صار لها الآلاف من الأتباع في لبنان والعالم. و«الداهشيون» يعتبرون أن العقيدة «الداهشية» «واحدة من الرّسالات الإنسانيّة التي قامت على أسس إصلاحيّة واضحة، داعية الشّعوب للتجمع في وحدة إنسانيّة كاملة».
       ويؤكد علي ي. أن <الفايسبوك> يلعب اليوم دوراً هاماً في استقطاب الجيل الجديد للعقيدة «الداهشية»، فالسيدة بهية ص. قالت لـ «الأفكار»: <منذ أن  أخبرني أحد اصدقائي على «الفايسبوك» عن الدكتور داهش وعقيدته، وعجائبه، وأنا منكبة على قراءة كتبه، ومطالعتها بنهم، وأعترِف أنني تـأثرت كثيراً بفلسفته وأشعاره ومؤلفاته».
       وقال نجيب م. لـ«الافكار» وهو يقلب صفحات من كتاب «أناشيدي» للدكتور داهش: لمن لا يعرف فإن سليم موسى الياس العشي المعروف بـ الدكتور <داهش> ينتمي للطائفة السّريانيّة الارثوذكسية، ولد سنة 1906 في قرية «أسفس» المجاورة لقرية «أزخ» في طورعبدين، وهو وحيد والديه من الذكور، هرب جدّه لأبيه عام 1909 من مذبحة الرّجعيّة التّركيّة في الحرب العالميّة الأولى، التي طالت الأرمن والسّريان، ولجأ مع عائلته إلى فلسطين وسكن في القدس، وهناك كان يُعرف بـ <داهش بيك>. وبعد وفاة والده سافر الى لبنان. تعتبر بيروت المحطة الأهم في حياته، ففيها أعلن دعوته «الداهشية» في 23 آذار (مارس) 1942، وتعرّض نتيجة هذه الدعوة ــ كما يقول أتباعه ــ لاضطهاد من الرئيس بشارة الخوري، الذي جرد «داهش» من جنسيته اللبنانية، وتم نفيه من لبنان في أيلول (سبتمبر) 1944، وعرضت ماجدا حداد ( ابنة ماري حداد) واحدة من أتباع «الدكتور داهش» عليه فكرة أن تقوم هي شخصياً باغتيال الرئيس بشارة الخوري ( زوج خالتها)، لكنه رفض، فأقدمت على الانتحار، لذا يعتبرها الداهشيون «الشهيدة الداهشية الأولى».
       وروى داهش القصة للصحافي داود الصايغ في حزيران (يونيو) 1964 ونشرها في «الاسبوع العربي» كما يأتي: «تضايقت ماجدا كثيراً من محاولات الشيخ بشارة لمحاربتي. وعندما شاهدت أن والديها وصهرها قد أدخلوا السجن بسبب اعتناقهم «الداهشية»، قررت الانتقام من بشارة الخوري وفكرت في اغتياله. فأرسلت أقول لها، إنها إذا فعلت ذلك فلن تكون «داهشية». وإن الشيخ بشارة سيخرج من الحكم بصورة مذلة. غير أنّ توتر أعصابها ومنعي لها حملاها على الانتحار وبالمسدس نفسه الذي كانت ستقتل به الشيخ بشارة».
عام 1975 هاجر داهش الى الولايات المتحدة الأميركية، وأقام في نيويورك حتى وفاته عام 1984، ومازال جثمانه محنطاً في أحد مدافنها.

هم آمنوا بـ«الداهشية»

       وتؤكد المصادر أن أول المؤمنين بالرسالة الجديدة كان الاديب كمال الحاج فاكتسب بذلك لقب «المؤمن الاول»، ثم انضم تباعاً إلى الدعوة الجديدة عدد من أهل الفكر والادب ومن النخب الثقافية كالشاعر حليم دمّوس الملقب بـ «بلبل الشرق»، والباحث الدّكتور غازي براكس، والشّاعر طوني شعشع، والشّاعر إيليّا حجّار، ورعيل من المفكّرين والأساتذة والمثقّفين... وكان بينهم الشّاعر مُطلق عبد الخالق، صاحب ديوان «الرّحيل»، والوجيه توفيق العسراوي المتوفّى في 10 كانون الثاني (يناير) 1937، متنسِّكا في أحدِ كهوفِ البتراء، بعد أنْ وزَّع أمواله على الفقراء، ورئيسة نقابة الفنانين الاديبة ماري شيحا حداد شقيقة الفيلسوف ميشال شيحا وشقيقة زوجة رئيس الجمهورية بشارة الخوري، والبروفسور جورج خبصا، جورج حداد، جوزف حجار، الدكتور فريد ابو سليمان والدكتور بولس فرنسيس، وآخرون من نخب المجتمع المسيحي في لبنان، الامر الذي افزع رجال الدين (الاكليروس)، فعملوا بكل قوة على وقف تمدد هذه العقيدة «الداهشية». واستطاعوا ان يستميلوا رئيس الجمهورية يومئذ بشارة الخوري إلى جانبهم في هذه الحرب، لتبدأ حملة اضطهاد ضد داهش واتباعه، فأصدر امراً بإلقاء القبض عليه يوم 28 آب (أغسطس) 1944 وزجّ به في السجن من دون محاكمة، ويوم 9 ايلول (سبتمبر) اصدر مرسوماً جمهورياً جرّده فيه من جنسيته اللبنانية ونفاه بموجبه الى خارج الحدود، لتبدأ بعد ذلك خطوات ملاحقة اتباعه، فتم زج معظمهم في السجون وفي مقدمهم شقيقة زوجته (بشارة الخوري) ماري حداد.

ظواهره وعجائبه وصندوق نهر «السين»

       يروي عدد كبير من الشخصيات والكتّاب قصصاً أقرب الى الخيال عن المعجزات والظواهر الغريبة التي قام بها «الدكتور داهش» امامهم شخصياً، لإظهار قوته الروحية وحقيقة دعوته، كما فعل الأولياء من قبله... كالعلامة الدكتور عبد الله العلايلي الذي وضع كتاب «كيف عرفت داهش»، والكاتب ووزير الثقافة ورئيس مجلس الشيوخ المصري الدكتور محمد حسين هيكل، والصحافي المصري لطفي رضوان رئيس تحرير مجلة «المصور» ومؤلف «خوارق ومعجزات الدكتور داهش»، وغيرهم.. وتناهت أخبارُ ظواهر معجزاته إلى المحافل العلميّة في باريس، فأرسلت إليه جمعيّة المباحث النّفسيّة الفرنسيّة تستضيفه، وطلب المجتمعون أنْ يريهم ظاهرة مُعجزةً منْ ظواهر مُعجزاته، فأجابهم أنّه سيريهم آية «يونان النّبي» (يونس)، فطلب أنْ يوضع في صندوقٍ حديديّ، ويُحكمَ إغلاقه، ويُدفنَ سبعة أيّامٍ في قعرِ نهر «السّين» تحت الحراسة المُشدّدة. وبعد مُضيِّ سبعة أيّام وأمام 150 شاهداً منَ المهتمّين بالأمورِ النّفسيّة، رُفعَ الصّندوق وفُتِحَ، وإذا بالجثمان السّاجي يتحرّك، وبالوجه الواجم يبتسم. وبعد هذه المعجزة الظّاهرة المذهلة، مُنحَ داهش شهادة العلوم النّفسيّة منْ قِبَلِ «الجمعيّة النّفسيّةالدّوليّة» بتاريخ 6 أيار (مايو) 1930، ثمّ شهادة الدّكتوراه منْ قبل معهد «ساج» الإنكليزي في باريس في 22 أيّار (مايو) 1930، وهكذا إقترنَ إسمه العلميُّ بإسمه الرّوحيّ ليُعرفَ بين النّاس بإسم <الدّكتور داهش..>.
كما يذكر أحدهم رواية سمعها من أحد رجال الطائفة السريانية عن الدكتور داهش الذي كان ذات صيف يتمشى بالقرب من مقهى «زعترة» عندما كان عامل المقهى يرش الماء من وعاء بيديه، فأخذ داهش بيك الوعاء وبدأ برش الماء على الجالسين، فإذا بيد كل واحد منهم وردة بألوان مختلفة، ما ادهش الحاضرين.

منزله في بيروت

       ومنزل داهش الذي مازال قائماً في زقاق البلاط تسكنه الرسامة زينة حداد (94 سنة) ابنة ماري شيحا حداد شقيقة لور زوجة الرئيس بشارة الخوري، ويتردد أن المنزل مسكون بروح داهش التي ما زالت تطوف به، ولا أحد يجرؤ على الدخول اليه. وزينة حداد التي أقعدها المرض يزورها «الداهشيون» دوما للاطمئنان على صحتها، وهي تقول انها حظيت برؤية الدكتور داهش وشخصياته الاخرى، اذ كانت له ست شخصيات غير شخصيته الحقيقية.

ورد وعصفور

       وتروي حداد ظواهر روحية اخرى صُنعت على يد الدكتور داهش منها انه حوّل الورد المرسوم على الورق ورداً حقيقياً، وحوّل صورة معلقة على جدار منزل عائلتها صوراً عدة متشابهة، وان أمها ماري رسمت لوحة عبارة عن منظر طبيعي وفيه شجرة عليها عصفور جميل، فطلبت منه أن يحول الطير عصفوراً حقيقياً، فاستجاب لطلبها، وفي لحظات دبت الحياة في العصفور فأخذته ماري واحتفظت به في قفص لمدة سنتين.
كذلك تروي معجزة أخرى حصلت مع والدها جورج حداد، «فهو اشترى ذات مرة معطفاً غالي الثمن، لكنه سُرق منه، فطلب من الدكتور داهش أن يُعيده اليه، ومرت أيام معدودة وبينما جورج يمشي في احد شوارع بيروت، هبط شيء ثقيل على أحد ذراعيه، ولم يكن ذلك سوى المعطف نفسه الذي اضاعه>.

بحق الله تحوّلي شجرة

وتروي ماري حداد في مقابلة مع مجلة «اللواء» في حزيران (يونيو) 1964 انها <كانت مع أصدقاء في جلسة خاصة مع الدكتور «داهش» في عام 1943 في حديقة منزله عند منطقة النويري، عندما أومأ لـ «نواة مشمش» رماها قائلاً: «بحق الله تحوّلي شجرة مثمرة»، فاشرأب الجذع وارتفع بأغصانه في الحال شجرة أزهرت بثوان، وأثمرت أمامها وأمام آخرين، فأكلنا المشمش منها>، أما الشاعر الزحلي حليم دموس، الملقب بـ «مؤرخ الرسالة»، فقد ذكر في كتاب له عن «المعجزات والخوارق الداهشية المذهلة» انه عاين سبع غرائب، منها إحضار داهش لحجر ضخم من مصيف الشبانية الى بيروت بلمح البصر.

تعاليم الداهشية

       «الداهشيّـة» عقيدة فلسفيّة روحيّـة تدعو الانسان ليكون أخا الإنسان بعيـداً عن لونـه وفكـره وانتمائه أو مذهبـه. تدعو الإنسان لإصلاح الذات وعمـل الخير حباً بالخير، وذلك بالعودة الى جـذور الدين بعيـداً عن العصبيّـة القبليّـة والطائفيّـة، وتدعو للعـودة الى طريق الحق والنـور والخير والمحبّـة والتسامح ووحــدة الأديـان، وتدعو كل مؤمن بها الى التمسّك بتعاليم دينه، لأن الأديان كلّها ذات أهداف سامية واحدة، ولا يكفي المرء أن يطالع الكتب السماويّة ليخلص، بل عليه أن يعمل بوصاياها ويطبّق ما جاء فيها.
       الرسالة «الداهشية» ترتكز على خمس حقائق: وجود الروح وخلودها، وحدة الأديان، السيّالات الروحية وهي نسيج الكون وقوام كائناته، التقمص، السببية والجزاء العادل.

داهش الشاعر والأديب

       عرف داهش بكونه شاعراً وأديباً وضع مؤلفات وصلت لحوالى 150 مؤلفاً، ومازالت «الدار الداهشيَّة» تصدر مؤلفات داهش لليوم، خاصَّة في حقول الثقافة كالأَدب والفلسفة والتاريخ والفنّ، وهي مؤسَّسةُ نشرٍ أَميركيَّة تهتمُّ بإصدارِ المؤلَّفات الداهشية، وممَّا أَصدرتْه من مؤلَّفاته «مذكّرات دينار»، «مذكّرات يسوع الناصريّ»، «نشيد الإنشاد»، ومن نشاطات «الدار الداهشيَّة للنشر» إصدارُ مجلَّةٍ فصلية ثقافيَّة اسمُها «صوت داهش»، تصدر باللغتَين العربيَّة والإنكليزيَّة. وقد باشرَتْ إصدارَها في خلال عام 1995.
       ويذكر المؤلف الزميل اسكندر شاهين في مقدمة كتابه «الدكتور داهش ــ رجل الأسرار» الصادر عن «الدار الداهشية للنشر» في نيويورك «أن الرجل صاحب عقيدة إنسانية روحية قام بأعمال غير مألوفة لا يجوز الاستهانة بها أو الوقوف منها موقف اللامبالاة. وهو أيضاً أديب غزير الإنتاج ينحو في أدبه منحى مثالياً وإصلاحياً. وفضلاً عن ذلك كله، فقد كان شغوفاً بالفنون الجميلة دؤوباً على جمع آثارها، خلّف متحفاً فنياً يقوم الآن في قلب مدينة نيويورك». وكان داهش (وهو من آل العشي) يهدي كل من يؤمن به ورقة صفراء كتب عليها: «بحق الله والحبيب الهادي».
وكان «الداهشيون» أسسوا متحف داهش للفنون في نيويورك عام 1987 (Dahesh Museum of Arts)، وهو متحف متخصص بالرسم الأكاديمي الأوروبي الحديث من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ويجمع مجموعات الدكتور داهش. وتأسس المتحف، وانتقل إلى بناية في الجادة الخامسة في نيويورك عام 1995، والى مقرّه الحالي في «ماديسون أفينيو» عام 2007.

 

Back To الدكتور داهش والداهشيَّة في الصَّحافة