info@daheshism.com
الدكتور داهش والداهشيَّة في الصَّحافة

 

الديار

19/7/2011

مع زينا حداد في عالمها الأدبي الحافل بالرؤى الفردوسية

Tuesday, July 19, 2011 - 12:40 AM

 

 

زينا حداد كاتبة لبنانية وضعت مؤلفاتها الادبية باللغةالفرنسية. ولدت في بيروت، بتاريخ 22 شباط 1922 لوالدين هما التاجر جورج حداد،والاديبة والفنانة المبدعة ماري حداد التي يضم متحف داهش للفن في نيويورك معظماعمالها الفنية. وزينا هي الاصغر بين اخوات ثلاث حصلت دروسها الابتدائية في مدرسةراهبات الناصرة في بيروت، ثم انتسبت الى المدرسة الاميركية في المدينة نفسها من اجلتعلم اللغة الانكليزية.
في 29 اب 1942 تعرفت مع عائلتها الى الاديب والمفكرالكبير، الدكتور داهش فاتيح لهم ان يشهدوا المعجزات المذهلة التي كانت تحدث علىيديه ويتحققوا من صحتها وسمو اهدافها، وان يطلعوا على دأبه الرفيع وتعاليمهالسامية، الامر الذي دفعهم الى اعتناق دعوته الروحية التي عرفت بالداهشية، والتياعلنت في بيروت بتاريخ 23 اذار1942، ونادت بضرورة العودة الى الايمان الصحيح بالله،وبانبيائه جميعا، وبوحدة رسالاتهم الالهية، ووحدة الاسرة البشرية وقدمت للانسانيةحقائق روحية بالغة الشأن. وقد تبدلت حياة زينا وعائلتها بفعل هذا الحدث الجلل، اذرأوا في الدكتور داهش منبعا للمعرفة العلوية الثرة منها للثقافات المختلفة، وادركواانه يحمل في يمينه حقيقة تريد ان تبعث نورا جديدا في الحياة فاقتفوا سبيله، واقتدوابسيرته المثالية.
تشهد السيدة زينا للدكتور داهش بفضله في تشجيعها على ارتيادعالم الكتابة، وفي اغنائها بمعارفه التي تجوز حدود ما يعرف البشر بالرغم من ان ماكان يعلمه لم يكن ليعدو الدروس الاولى، على حد قولها، من مؤلفاتها: قصص زينا ورحلاتنحو المجهول، «مرآة الفراديس» «فسيفساء» «اوراق ذابلة وبراعم»، و«قصة تقمّص.»... وقد اتسمت كتاباتها بنفحات روحية تنير دياميس الحياة ترفدها مخيلة مجنحة ترود رحباتعالمنا لتحلق من بعد، بسرعة الفكر، نحو النجوم البعيدة، وتحط الرحال في فراديسهاالالهية العجيبة، ولا تعود منها الا وقد زينت الطروس بفيض من مشاهد جمالاتهاالخالدة. هذا البعد الكوني في ادبها، يسعفه اسلوبها الشيق المطبوع ببساطة التعبيروصدق الكلمات وغرابة الوصف، قد جعل من ذلك الادب ادبا مميزا يشق سبيله بسهولة الىالعقول والقلوب في آن.
الذين عرفوا زينا حداد، والذين عايشوها يشهدون بانهامثال للزهرة الحيية الارجة التي تحجب وجهها الجميل خشية ان تراها العيون، لكن عبقطيبها يبوح بسرها، ويجذب السابلة اليها لم تكن زينا، في نظرهم جميعا، الا صورةمجسدة عن البراءة والطهر والحب والخلق الكريم والادب الجم والتواضع، وسواها منالشيم الرفيعة التي قلما اجتمعت كلها في شخص فرد، رجلا كان ام امرأة، شيم توجهاايمان عظيم بالله ورسالاته، وخضوع مطلق لمشيئته، هكذا كانت مذ اينعت، وما زالتكذلك، لم تتبدل قط، ما خلا انها ازدادت سموا على سمو ورفعة على رفعة، بمرور الاياموحققت لنفسها مزيدا من الدرجات صعدا نحو هدفها الاسمى في الحياة ومن البديهي انتتجلى صورتها المحببة تلك في ادبها. وهل الادب الا انعكاس لنفسية الاديب، وتسجيل حيلمشاعره وخلجاته، ولوحة تبرز ميوله ونزعاته وتطلعاته فنقرأ فيه دخيلته بكل ما يعتملفيها من خير وشر، ونستجلي من خلاله افاق فكرة وما يصبو اليه من اهداف؟!
مع انزينا ناهزت التسعين من العمر، فانها ما زالت حتى اليوم وفية لعهدها مع القلم، ومازال، هو ايضا، وفيا لعهده معها. اصابعها المعتلة بداء المفاصل ابت ان تسلوه او انتتخلى عنه،وان كابت الالام في حمله، فكأنها لم تعد تقوى على فراقه. ومن يدري، فلعلذلك القلم يود ان يبقى ملازما ملهمته في رحلتهاالابدية نحو شواطئ اللانهاياتفالموت، في عقيدتها، ليس نهاية الحياة وانما نقطة عبور من حياة الى حياة اخرىجديدة. وفي منظورها انها وجدت منذ الازل، وما زالت وستبقى ماخرة عباب اوقيانوساتالعوالم من دهر الى دهر، على حد تعبيرها في كتابها قصة تقمص، هذه القناعة رافقتهامنذ فتوتها، وقد باحت بها يوم كانت بعد في عمر الزهور، وبالتحديد قبل اثنتين وستينعاما خلت، اذ قالت: عجوز دهرية انا، ولا بدء لي. عجوز انا، نفخ الله في الحياة منذبدء الازمنة وبرء الاكوان. ومنذ ذلك الحين وانا اشيخ في الترحال، اكدس الاعوامواجوب العوالم. وتنقضي الحياة سواء في هذه الدنيا او في عالم اخر فيربو عدد ولاداتياو عدد اعوامي. عجوز انا، وغضوني تكبر وتعمق. وما عام على الارض في عيني سوى جزء منثانية في عالم اخر. ومع ذلك، فانا احسه طويلا، وثقله يتعاظم على كاهلي. عجوز انا اوهنتني الاعوام!..
بيد ان هذه العجوز الدهرية، على خلاف سائر العجائز قد بقيتالعمركله محتفظة بوجه وقلب طفولتين. كما انها احتفظت ببصيرة حادة قادرة على النفاذالى جوهر الاشياء والامور، مهما صغرت ودقت او كبرت وتعاظمت، دون التوقف عندمظاهرها. حتى باتت ترى كل ما من حولها يضج بالحياة، ويؤدي دوره في سمفونية الكونالخالدة، في قصتها حبة الرمل التي ضمها كتابها قصص زينا او رحلات نحو المجهول،تتخيل ان تلك الحبة الصغيرة قد تكون له شمس مضطرمة تنيره... ثم تتساءل قائلة: اوليست الارض نفسها، في نظر الله، حبة رمل من بين حبات مثيلات لها لا حصر لهن فيملكوته؟ ترى، اي سر في ذلك؟! انني اعفر جبيني امام هذه القوة الالهية... ان ذلك الاسر من اسرار السرمدي.
حتى البرغوت، ذلك الكائن المزدري به من كافة البشر، تراهزينا من منظور مختلف عن منظورهم، فهو حسبما جاء في كتابها قصة تقمص كائن معاقب علىاثام اتاها بارادته في ادوار سابقة ويخضع لنظام الارتقاء والسقوط الروحي كسائرالكائنات، ومن عجيب ما ذكرته عنه في قصتها انه قد رفع صلاة حارة الى خالقه، غبموته، وقبل مثوله امام سدة القضاء العلوي، معترفا امامه باثامه، مستغفرا اياهقائلا: من انا، يا رب؟ اكاد لا ارى، لقد عاقبتني ايها السرمدي اللامتناهي الذي تسبحالسماوات كافة بمجده الابدي... عفوك، اللهم، عفوك لقد اتيت اثما جبت جميع درجاتالناسوت. عرفت الشدائد العظيمة في مراحل كثيرة من حياتي... اليك ارجع الان، رباه،برغوثا... والحق ان هذه الصلاة الخشوعية هي مصداق لقول الله تعالى في قرآنه الكريم: «الم تر ان الله يسجد له من في السموات والارض والشمس والقمر والنجوم والجبالوالشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب» (الحج: 18).
في قناعاتزينا الفكرية ان كل ما في الطبيعة يتناجى ويعي ويفرح ويحزن ويصلي ويعاني التجاربويأتي الخير او الشر ويرتقي او يسقط، كل بنسبة النظام الالهي الخاص بنوعه. ولذلككانت زينا تحاول ان تتسقط همسات تلك الطبيعة، بطيورها وفراشها واحجارها وانهارهاوسائر مكوناتها، ناقلة احاسيسها ازاءها الى الطروس، بكل صدق وبساطة. كما كانت تنظربعين روحها الى الكواكب والنجوم وعوالمها السعيدة، تستلهم منها الرؤى الفردوسية عمافيها من جمالات فائقة الوصف، وبهجات لا تفنى، فتبادر على الفور الى تدوينها لتجمعلاحقا في كتابها مرآة الفراديس. وقد اخترت من فيض خيالها وقلمها قبسات من رؤياهاالجميلة عن ادم وحواء في الفردوس المفقود، والتي ضمها كتابها قصة تقمص واصفة فيهاجمال آدم وحواء اللامثيل له، وموضحة حقيقة السقوط والفداء. فذلك الفردوس كما جاء فيرؤياها، كانت تنيره مجرة متألقة متعددة الالوان. وتحت رعاية العلي تتجاوز الكواكبوتتبادل البسمات وتتنزه حواء في ذلك الفردوس الساحر وهي تشع جمالا. وجهها ذو شقرةعلى استدارة. عيناها بلورتان متبدلتا الالوان تعكسان، على التوالي الوان جميعالنجوم. جبهتها عريضة، ومحياها سماوي. شعرها الاشقر الطويل هالة حول رأسها. وجسمهاالاهيف. كجسم ظبية، مرمر شفاف، وهوذا آدم جالس يستريح في ظل شجرة، وقد اسند ظهرهالى جذعها. جميل كادونيس. رب هذا الفردوس هو رأسه مكلل باللوتس. شعره ابنوسي متموج. حاجباه رائعا الزج. مثل قوسين عيناه سوداوان كشعره، اهدافه كثيفة طويلة اما جبهتهوانفه وفمه وذقنه فقد صورت تصويرا دقيقا...
ويطرد ملاك ادم وحواء من جنة عدن،ادم المسؤول عن الخطيئة الاصلية يورثها الاجيال الجديدة... ومنذ ذلك الحين وادمالذي يحمل وزر سقوط البشرية يسعى الى افتداء العالم...
لا اظنني قد وفيت زيناحداد وادبها حقهما من التعريف والاضاءة في هذه العجالة فما قدمته من كتاب حياتها لايعدو كونه صفحة منه، وما قدمته من ادبها ليس الا باقة صغيرة من ازاهيره، فانا مازلت عند مدخل عالمها الادبي، ولم اخص بعد في رحباته العابقة بعطر الهداية ونفحاتالروح العلوي الخالد.
 

ماجد مهدي

 

 الدكتور داهش والداهشيَّة في الصَّحافة  BACK TO