info@daheshism.com
الدكتور داهش والداهشيَّة في الصَّحافة

 

الردّ على مجلّة "الصياد"

بتاريخ 2 نيسان 1953 رددنا على كلمة " الصيّاد" بهذا المقال
الذي نشرته المجلّة مختصرا . وها هو
 

حضرة رئيس تحرير الصيّاد الغرّاء المحترم

تحية وسلام – وبعد فأمامي عددكم المؤرّخ في 26 آذار 1953 .

وقد طالعت الكلمة التي نشرتموها بقلمكم الظريف في افتتاحيتكم تحت عنوان ( عودة الدكتور داهش ) ،

وبما أنني من عشّاق أسلوبكم البارع ، وأطالع جميع ما تنشرونه باستمرار ،

وبما أنّني ( داهشيّة ) بكلّ ما تعنيه ( الداهشيّة ) مثلما يعرف الجميع ، رأيت أن أبعث اليكم بردّي لكي تنشروه بحذافيره ، لأنّه اذا حذفتم بعض العبارات تفقد الجمل بعض ما أرمي اليه ، وأودّ أن يعرفه قرّاء مجلّتكم المحبوبة . لهذا آمل ان ينشر على علاّته . ولا أشكّ بأنّ رحابة صدركم كفيلة بتحقيق رغبتي العادلة . والآ، ابدأ فأقول :

أوّلا – لقد أنصفت عندما قلت في مطلع كلمتك ما يأتي : " لن تدهشنا عودة الدكتور داهش الى لبنان . فقد كنا نتوقّع ، منذ زوال العهد الماضي ، أن يعود الرجل الى البلد الذي يحمل جنسيّته ويحقّ له أن ينعم فيه بنفس الحريّة والحقوق التي ينعم بها سائر المواطنين ".

الجواب – اذن ، أنت تعترف صراحة بأنّ ( داهش ) كان مظلوما ومعتدى عليه من زوج شقيقتي ( بشارة الخوري ) الطاغية الذي اسْتَلب جنسيّة مؤسّس الداهشيّة ، متجاوزا بعمله هذا سلطاته الدستوريّة ، دائسا على قوانين البلاد ، مهشّما بنود الدستور الذي ائتمنه الشعب عليه . فضلا عن اليمين التي أقسمها تحت قبّة البرلمان بأنه سيحترم الدستور ، ويطبّق بنوده المقدّسة على الجميع بميزان العدالة ، فيوزّعها بالحقّ والقسطاس . ولكنّه حنث بيمينه وضرب بها عرض الحائط ، اذ سرعان ما اعتدى على ( داهش ) .  وهذا الاعتداء الرهيب يعتبر اعتداء على كلّ لبناني ، لأنّ ( الدستور ) هو سياج الحريّات المهدّدة ، وحاميها من عدوان الحاكم المسيطر ، ورغما عن هذا الاعتداء البربريّ الصارخ فانه لم يجرأ صحافيّ واحد ( والصحافة رسالة سامية ) على أن يحرّك قلمه ليهزّ به عدوان الباغية ، بل بالعكس قامت قيامتهم على داهش البريء لينالوا عطف من بيده مقاليد السلطات العليا ...متناسين أنّ أفضل جهاد عند الله كلمة حقّ تقال بوجه حاكم ظالم .

هذه حقيقة راهنة تعرفها أنت ، وأعرفها أنا ، مثلما يعرفها كلّ لبناني ، بعدما وقفت انا واخواني الداهشيّون بوجه هذا المعتدي ، وفضحنا ارتكاباته بعشرات ( الكتب السوداء ) التي طبعناها ووزّعناها في جميع أنحاء الشرق والغرب ، متحمّلين في هذا السبيل أرهب ما يمكن لمجاهد مخلص أن يتحمّله من الضغط والارهاب والبطش والتنكيل والسجن المتواصل ...حتى أزفت الساعة ، ساعة ثورة الشعب على من طغى وبغى ، وتكبّر وتجبّر ، وتطاول أنفه واشمخرّ حتى بلغ السّماك . واذا بالطاغية يستحيل الى قزم قميء لا قوّة له ولا سلطان بعد ان تحطّم ما كان يظنّه سلطانا وصولجانا .... وهكذا انتصر الحقّ وزهق الباطل ، انّ الباطل كان زهوقا .

ثانيا – قلت : " ولكنّ الذي أدهشنا هو أن تسبق عودته ( أي عودة مؤسّس الداهشيّة ) تلك المجموعة من المناشير التي بعث بها أنصاره الى الصحف ، وفيها ما فيها من الشتائم والسّباب بحقّ الذين ساهموا في ابعاد الدكتور داهش عن لبنان ".

الجواب – انّ المناشير التي أشرت اليها في كلمتك سبق لنا أن وزّعناها بالبريد الى كافّة أقطار الدنيا . وذلك في اثناء سيطرة ( بشارة الخوري ) المخلوع بارادة الشعب . فضلا عن أننا وزّعناها ، يومئذ ، بعشرات الألوف في جميع أنحاء لبنان ، وفي قلب العاصمة بيروت أثناء تحكّم (بشارة ) برقاب العباد .

وعندما وزّعنا هذه ( الكتب السوداء ) كنّا نعتبر أنّنا نقوم بواجب مقدّس ملقى على كواهلنا وعواتقنا ، وذلك لكي ننير الاذهان ، ونلقي نورا على جريمة أرادوها ظلاما كثيفا .

ولم نقم بعملنا هذا – أي لم نطبع ونوزّع هذه الكثرة من الكتب والنشرات السوداء – الاّ بعدما يئسنا اليأس التامّ من وجود أيّ ( صحفيّ لبنانيّ ) يتبنّى قضيّة الدفاع عن ( مظلوم بريء ) لينتزع  حقّه السليب بقلمه .

نعم ، لم يوجد حتى ( ظلّ هذا الصحفي ) في عهد ( بشارة الخوري ) ، مثلما وجد في فرنسا ( اميل زولا ) ذلك الرجل النبيل الذي خلّد التاريخ اسمه الى الابد .

اميل زولا الذي دافع عن ( دريفوس ) لأنّه كان يعتقد أنّه بريء . وقد وضع نفسه في فوهة البركان عندما تحدّى ارادة الحاكمين ، ورغبة القضاء ، وثورة الشعب ضدّه ، وقبل أخيرا أن يغادر وطنه ، وينفي نفسه ، دون أن تلين له قناة ، أو تهن له عزيمة . كلّ ذلك دفاعا عن رجل يعتقد ببراءته .

نعم ، يا سيدي ، نعم ، لم يوجد في لبنان ( صحفيّ واحد ) تجرّأ وكتب ( كلمة حقّ ) حول هذا الاعتداء على ( جنسيّة ) رجل ، وحريّة رجل يكفلهما له الدستور ككلّ مواطن . فاضطررنا اضطراراً ، وأرغمنا لأن ننزل الى ميدان الكفاح ، ونقتحم معاقل المعتدين ، ونحن على أتمّ الاستعداد لتقبّل أية تضحية مهما عظمت في هذا السبيل النبيل .

وأظنّ ، بعدما عرف الآن الكاتب البارع – سعيد فريحة – السبب ، زال منه العجب . أليس كذلك ؟

ثم هب أنّ هذا الاعتداء ، أوقعه الطاغية على شخصك ، فهل كنت سترشقه ( بالورود والياسمين ) ، وتسكب على قدميه ( عطر الناردين ؟...) ، أم كنت تفكّ عقال قلمك الجبّار ، وتطلقه في اثره أينما سار ، ليقوّض من بنائه ما يقوّض ، حتى تدمّره على رأسه تدميرا مزلزلا – مثلما فعلت يوم استدعاك ( ناصر رعد ) تنفيذا لرغبة أحد السلاطين (أي شقيق بشارة السلطان سليم ) .

ترى ، كيف جاز لسعيد فريحه أن يطلق ، يومذاك ، صواريخه على الحكّام الظالمين ...ويأتي نفس ( سعيد فريحة ) اليوم بافتتاحيّته ليقول للداهشيّين :" لا يجوز لكم أن تنكّلوا بمن ساهموا بجريمة ابعاد مؤسّس الداهشيّة عن وطنه لبنان " ؟ انّني انتظر منك جوابا في العدد القادم .ولكلّ سؤال ، يا سعيد ، جواب ... 

ثالثا – قلت :" ولو كان الدكتور داهش رئيس حزب سياسي ، أو مدير شركة كهرباء مثلا – لقلنا من حقّ أنصاره أن يستعملوا لغة السباب والشتائم في الدفاع عنه وعن حريّته المسلوبة ".

الجواب – وكبار الادباء ، والكتّاب المسيحيّون الذين هاجموا بأقلامهم السليطة الشعب اليهوديّ ، وملأوا مئات المجلّدات بأقذع ما يمكن أن تسمعه اذن بشريّة لأنّ اليهود سبّبوا صلب سيّد عقيدتهم ( يسوع المسيح ) كانوا متأكّدين أنّ ( المسيح ) مؤسّس عقيدتهم لم يكن ( رئيس حزب سياسي ) ولا (مدير شركة كهرباء مثلا ) ، ومع هذا خاضوا بأقلامهم واقتحموا معاقل اليهود فزلزلوا أسسها وردّموا آثارها ، ودكّوها دكّا عاصفا لم يبق ولم يذر . فالأديب العالميّ الاميركيّ المعروف ( هوبكنس ) صاحب كتاب " جريمة اليهود الوحشيّة " قال الشيء الكثير . وها اني أنقل لك جملة عاديّة من مؤلّفه الثمين . قال :

" واليهود – هؤلاء الوحوش الضارية – هؤلاء المجرمون الأفكة – هؤلاء الأثمة المنغمسون في النقائص من قمم رؤوسهم حتى أخامص أقدامهم – البائعون أعراض نسائهم – المقدّمون فتياتهم لكل طارق – العابثون بالفضيلة – الهازئون بالشرف – الضاحكون عندما تذكر أمامهم كلمة الضمير – هؤلاء هم الذين تقع عليهم تبعة صلب السيّد المسيح "!

ثمّ يستطرد هذا الكاتب فيذكر عبارات دمويّة مقوّضة ترزح تحت معانيها أطواد الجبال المشمخرّة .

وكذلك فعل الكاتب الانكليزي السير ( جون مايلز ) ، والدوق ( هدلتون ) ، والمستر (براندي ) ، والكاتب النروجي ( أدامس ) ، والاديبان الروسيّان ( ستربتوفسكي ) و( تورغنيف ) ، وسواهم وسواهم اذ ملأوا كتبهم بما يطلق عليه الناس اسم ( شتائم ) سكبت في قالب أدبيّ عنيف جدّا ، فعلوا هذا ، واطلقوا مقنبلاتهم على رؤوس اليهود واليهوديّة ، محمّلينهم تبعة صلب السيّد ( المسيح ) مع أنهم متأكّدين انه لم يكن ( رئيس حزب سياسي )....

فاذا ترسّمت أنا وبعض الداهشيّين خطوات كبار أدباء الغرب فانّما نكون قد تشبّهنا بالكرام من الأدباء المرموقين . والمثل العربي يقول ": انّ التشبّه بالكرام فلاح ..."

رابعا – قلت :" ولكنّ الدكتور داهش في نظر الداهشيّين مؤسّس ديانة جديدة ، وتأسيس الديانات يجب أن ينزّه عن الكلام البذيء ".

الجواب – عندما يعتنق أيّ امرىء مذهبا ما ( بقطع النظر عمّا اذا كان مذهبا اجتماعيّا او سياسيّا او دينيّا ) فانّه يخوض المعارك القلميّة ، حتى والحرب الفعليّة ( كالحرب الصليبيّة مثلا ) دفاعا عن عقيدته التي آمن بها وهو يستعمل جميع أنواع الأسلحة التي يعتقد أنّها ستوصله الى غايته ... 

ونحن عقيدتنا التي آمنّا بها ، والتي ندافع عنها دفاع المستميت تقول :  " من لطمك على خدّك الأيمن حطّم له خدّه الأيمن ثمّ ردّم له الخدّ الأيسر ترديما تامّا ". وعندما شاهدنا أعداءنا قد اعتدوا علينا بدون سبب ، وشفعوا جريمة انتزاع الجنسيّة بمحاولتهم تأليبهم علينا قطيعا من ذئاب المرتزقة من ( الكويتبيّين ) الذين غمسوا أقلامهم الصفراء في مستنقعات آسنة , وقصدهم من كلّ ذلك تشويه سمعتنا تجاه الرأي العامّ ليصرفوا الأذهان عن جريمتهم النكراء ، ونيّاتهم السوداء ...اذ ذاك تأكّد لنا أنّه " لا يفلّ الحديد الاّ الحديد " فشمّرنا عن سواعد الجدّ ، ونزلنا الى الميدان الذي أرادوه ، ونقدناهم من بضاعتهم ....ولكن بطريقة مروّعة مزلزلة قصمت من هؤلاء الذئاب المفترسة الظهور ، اذ حطّمنا بعصانا الفولاذيّة ضراوتهم ، وقضينا على شراستهم ...ثمّ هل نسيت المثل القائل :

" العبــد يقــرع بالعصــا                               والحــرّ تكفيــه الاشــارة "!

ولمّا كانت القطعان المأجورة لأسيادها تهاجمنا لمنفعة ذاتيّة – لا لمنفعة عموميّة – رأينا أن نخاطبها باللغة التي تفهمها وتهضمها بسهولة تامّة ...

وهكذا كنّا لهم من المنصفين . فمن ارتكب شرّا تقع عليه تبعته . فما كان أغناهم وأغنانا عمّا تمّ ووقع ، ولكن ...لهم أعين ولا ينظرون ؛ أو قل " انّما تعمى البصائر لا الأبصار ". رفع الله عن أعينهم غشاوة الجهل ، وأعادهم الى صوابهم . انّه أرحم الراحمين .

خامسا – قلت :" وكم كنّا نودّ لو أنّ هؤلاء الانصار – ولنا بينهم أكثر من صديق – لو تذكّروا أنّ الديانة المسيحيّة وهي أوسع الديانات انتشارا في العالم لم تؤسّس على الشتم والاهانة ، وارسال الكتب المغفلة ، وانما أسّست على الحبّ والتسامح والخير ".

الجواب – انني أذّكر السيّد ( سعيد فريحة ) المسيحيّ بأنّ مؤسّس عقيدته المسيحيّة قال :" بالكيل الذي تكيلون به يكال لكم ويزاد !".

ثمّ قال :" ما جئت لألقي سلاما بل سيفا . جئت لأفرّق الابن عن أبيه ، والابنة عن أمّها ، والأخّ عن أخيه ..." الى آخر الاية .

وعندما جاءته تلك ( المرأة ) طالبة شفاء ابنتها قال :" ليس حسنا ان يطرح خبز البنين للكلاب ".

واذ ذاك عرفت المرأة أنّه يعنيها بكلامه ، فتواضعت وقالت له : "والكلاب يا سيّدي تأكل الفتات المتساقط تحت المائدة " ، أي قبلت بسبب ايمانها ان تنعت بالكلب الذي وصفها به السيّد المسيح .

ثمّ ...ألم يقل السيّد المسيح لتلاميذه " اذهبوا وقولوا لذلك الثعلب هيرودس ..."

انّني أعتقد تمام الاعتقاد أنّ السيّد المسيح كان ثائراً كبركان فيزوف . نعم , كان ثائراً على جميع الأوضاع والقوانين ، ثائرا حتى على نفسه . وقد قادته هذه الثورة أخيرا الى خشبة الصليب فعلّق عليها دون أن يتراجع عن ثورته حتى آخر لحظة من حياته .

هذا هو السيّد المسيح . هذا هو الناصريّ الذي أعرفه كما هو على حقيقته الواقعيّة ووجهه السافر . امّا قولك :" انّ المسيحيّة أسّست على الحبّ ، والتسامح ...والخير ..." فزمجرة مدافع المسيحيّين، وتدفّق نيران الأسلحة الجهنميّة التي تطلقها (الدول المسيحية ) بعضها على البعض ، وافناؤهم للملايين لأجل مصالح ماديّة دنيويّة ، وليس لغايات دينية سامية – تبرهن أنك تنظر الى هؤلاء الذين يدّعون انهم ( مسيحيّون ) بمنظار (أبيض ) سوّد الله وجوههم !...

فأيّ ( تسامح ) هذا الذي يرتكبونه ؟ وأيّ ( حبّ اوخير ) يبغونه ؟

أبتشريدهم عرب ( فلسطين ) ، وطردهم من وطن آبائهم وجدودهم ؟ أم باعتدائهم على الدول الضعيفة وأكلها كلقمة سائغة ؟ أم باستئسادهم على حفنة من زنوج ( الماوماو ) في مجاهل القارّة الأفريقيّة ؟

كفانا يا سيّدي كفانا !...انّ (المسيحيّة ) اليوم أصبحت كورقة المئة ليرة اللبنانية ( المزيّفة ) . والعياذ بالله !

سادسا – قلت" انّ الديانة المسيحية ( وهذا الأهمّ ) أسّست على الظلم والاضطهاد وعلى الخشبة التي علّق عليها السيّد المسيح "

الجواب – ذاك عهد قد مضى وانقضى ( عهد الظلم والاضطهاد والتعليق على الخشبة ). فعهد محاكم التفتيش المرعب قد عفت آثاره ، وانطفأت أخباره ، بعدما هتكت أسراره التي لم تشرّف مرتكبيها . انها لطخة عار ، وليست اكليلا من الغار ...فنحن يا سيّدي نعيش اليوم في عصر المدنيّة والنور ، عصر الحريّة ، عصر الدستور الذي يتساوى أمامه الكبير والصغير ، الأمير والحقير ، وذلك بعد جهاد قرون ، واضطهاد أجيال مخيفة .

واذا كنت تعني أنّه كان من الواجب ان يضطهد ( داهش ) لأنّ صاحب كل رسالة يجب ان يضطهد ويحني هامته أمام مضطهديه ....اذا كان هذا ما تعنيه فانني أقول لك :

( ثق بأنني لو لم أكن متأكّدة – انا واخواني الداهشيين – بانّ مؤسّس عقيدتنا هو الثائر الأوّل على كلّ طاغية ، ومرتكب باغية ، لما تبعناه ، ولا ترسّم أي منّا خطاه . فثوراته الدائمة هي التي جعلتنا نكون أتبع له من ظلّه . وداهش نفسه خلق فينا روح التمرّد الأبديّ ، والكفاح السرمديّ ، والنضال الأزليّ ، ما بقيت روحنا في جسدنا الأرضيّ ...

وتمرّد داهش على العتاة ومحاربته ايّاهم بجبروت وعنفوان مزلزلين هما اللذان جعلانا نضحّي في سبيله بأموالنا وأرواحنا .

ويطيب لي بهذه المناسبة ان أسمعك بعضا من كلماته الثوريّة لتدرك أيّة عزيمة فولاذيّة تحتويها روحه القويّة ، قال :

" أنا القويّ الجبّار ، والعنيف البتّار ، فمهما حاولت الأحداث أن تتغلّب عليّ أو تخضعني لجبروتها فانها لن تعود الاّ بصفقة الخاسر المغبون ، ولن تتمكّن من اماتة ما يجيش في نفسي من نزعات تبغي الانطلاق من هذه القيود . كلاّ !...انا لن أتقاعس عن نيل أهدافي ، وبلوغ اتّجاهاتي التي أطمح اليها .

وسأحقّق أمانيّ عاجلا ام آجلا وسأسحق ما يقف في طريقي من عقبات كأداء وسأردّمها ترديما . وسأهزأ بالانسان ، وبالطبيعة ، وبالقدر !...وسأبلغ آمالي ، وأحقّق أحلامي ، وأنف الحياة في الرغام".

وقال :" نفيت لأني اتّهمت بكوني أثرت في نفوس أتباعي الثورة الجارفة ، ونفثت في أرواحهم حبّ تقويض أرائك الحكّام المستبدّين!"

وقال :" نحن قوم مسالمون ، نحترم صاحب السلطان ما دام يحترم حرّيتنا ، امّا اذا حدّ من حرّيتنا المقدّسة ( هديّة الخالق للخلائق )، اذ ذاك ننقلب الى أسود ثائرة نبطش بهذا الحاكم الجبان ، ونؤدّبه تأديبا مرعبا مرهبا . ونجعله عبرة لكل معتبر ".

وقال :" لو كانت ثورتي الجارفة ضدّ أعدائي غير محقّة لأصغيت لكلّ من يريد مناقشتي او مجادلتي .

ولكنّني صاحب حقّ صريح اعتدى عليه الحاكم الوصوليّ الظالم . لهذا لا أقبل أيّ مناقشة أو جدال . وسأمكث على مهاجمتي العنيفة المستمرّة حتى أنتزع حقّي المغصوب ، وأستعيد حرّيتي السليبة ".

وقال :" الجبان في شريعتي ليس أهلا للحياة مطلقا . فامّا أن نجبن فيستعبدنا القويّ الغاشم ، وامّا أن نظهر شجاعتنا ، ونطلق بطولتنا ، فننتزع بواسطتها حرّيتنا المقدّسة الخالدة ". 

وقال :" سأنهض ، وأحطّم قيودي ، وأجتاز جحيم هذه الحياة بقلب جريء وارادة جبّارة ، وأتمكّن من ناصية المجد والانتصار "!!

هذا غيض من فيض ممّا تفجّرت به روح ( داهش ) الثائرة على كلّ ما تقع عليه العين ، او يصل اليه الخيال . هذا هو مؤسّس عقيدتنا الداهشيّة ، وباعث فينا روح الثورة المندلعة بنيرانها الجهنميّة الأوار ، لتزدرد كلّ من يريد الاعتداء على حريّة معتقدنا التي كفلها الدستور سياج الحرّيات وحاميها الأمين . فنحن أحرار بما نعتقده ، ونهاجم كلّ من يقترب من عريننا الذي نحميه بمهجنا وأرواحنا .

كما انّنا لا نهاجم صاحب أيّ عقيدة ولو آمن بالشيطان . فله معتقده ولنا معتقدنا .

وأختم ردّي بقولي : ما كان أغنى بشارة الخوري عمّا أصابه من الداهشيّة طوال تسعة أعوام عارمة بكتبها السوداء ، لو ترك لنا حرّيتنا التي وهبها الله جلّ اسمه لنا ، فأراد هذا الطاغية سلبنا اياها . فكان ما كان ممّا يعرفه جميع سكّان لبنان . وسلام عليك من المخلصة .

ماري حدّاد الداهشيّة

لاحقة :

ذكرت في كلمتك كلمة " ارسال كتب مغفلة "
وجوابي عليها أنني ما تعوّدت مطلقا ان أرسل كتابا مغفلا لأيّ شخص كائنا من كان .

وكتبي السوداء التي كنت أشحنها بأرعب وأرهب ما يمكن ان يخطّه قلم بشريّ ...كانت تحمل توقيعي الواضح الصريح .

خذ مثلا ( كتابي الاسود ) الذي عنونته هكذا " سأغتال الشيخ بشارة الخوي المجرم"، ( ونشرتي السوداء ) التي عنوانها " سيقتل الشيخ بشارة الخسيس ، وستنتقل روحه الى ابليس " وهكذا ( كتابي الأسود ) الذي عنوانه " يجب محاكمة رئيس الجمهورية بشارة الخائن " الى آخر ما هنالك ...

وقد وزّعت هذه الكتب في أعوام 1945 و1946و1947و1948 أي عندما كانت كلمة ( بشارة الخوري ) دستورا نافذا لا مهرب منه .

يومذاك كان أكبر رأس يطأطىء أمام ( بشارة الخوري ) ويحرق امامه بخور الذلّ والمهانة ...

اذن ، غير معقول أن أرسل الى أيّ فرد من الناس ( تحريرا مغفلا ) ولا أدري كيف استنتجت مثل هذا الاستنتاج فبنيت عليه حكمك .

اذن يجوز لي ان أقول :" انّ بعض الظنّ اثم ".

واذ أختم مقالي ، آمل منك أن تنشر موضوعي الذي امتدّت فروعه ، وتشعّبت أصوله . وانّني مستعدّة لاعطائك أيّ ردّ ترغب في توجيهه إليّ من منبر مجلّتك . والسلام .

بيروت 26 آذار 1953  ماري حدّاد

 

الدكتور داهش والداهشيَّة في الصَّحافة  Back to