info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة السادسة، العدد الرابع، ربيع 2001

 

صوت داهش

السنة السادسة، العدد الرابع، ربيع 2001

أهمية تنمية العقل الناقد والخلاق في الأحداث

 

من الشائع أن تُركِّز التربية البيتيَّة أو المدرسيَّة على التهذيب وتنمية العواطف والنزعات الحسنة في الإنسان، كما على تحصيل المعارف المُستهدفة النجاح السريع في الحياة؛ لكنّ المهمَّ أيضاً، وربَّما الأَولى، أن تشدَّد التربية على تنمية العقل الناقد والخلاَّق لدى الأحداث. وهذا الجانب الخطير من التربية هو ما تُلحُّ الداهشيَّة عليه. والعقلانيَّة تشمل تنمية الحسِّ النقديّ وفقاً لمعايير المنطق السليم في التفكير السديد استنتاجاً واستدلالاً، كما في التمييز بين الخير والشرّ، والحقّ والباطل، والحقائق العلميّة والعلوم الكاذبة وسائر الأضاليل العقليَّة. إنَّ العقلانيَّة تستمدُّ أهمِّيتها من أنَّ نزعاتَ الإنسان، وإن سَمَت، ليست سبباً كافياً لمده بالرؤية الصائبة للحقائق، فإنَّه قد يتيه عنها إذا لم يسعفه المنطق السليم؛ خصوصاً أنَّ العالم يشهد حالياً تعاظماً للاَّعقلانية التي توسِعُ دائرة انتشارها وسائلُ الإعلام الاستغلاليَّة والثقافات الشعبية النامية بأكثرها في تربة الجهل (أنظر ص 5 ).

 

وقد تعودُ أزمة العقل العربي الحديث، في جانبٍ منها، إلى عدم تمريس العقل تمريساً كافياً بالنقد الموضوعي، سواءٌ للذات أم لِما يُحيط بها، وإلى التردُّد في التجديد والإبداع واقتحام المجاهيل العلميَّة والحضاريَّة المُختلفة خوفاً من الانحراف عن العقائد والتقاليد التي دأب عليها السَّلف. ولعلَّ إيثارَ الاتباعِ على الإبداعِ في مجالاتِ العلم والفنّ والفلسفة قعدَ بالعرب المعاصرين عن منافسة الأُمم الراقية (أنظر مقال الأستاذ علاء الأعرجي، ص 43 ).

 

إن الشَّلل الذي كاد يكتسح العالم العربي في العقل والهمَّة انعكست مظاهرُه في شعرِ خليل حاوي الذي كان مرآة مُفجعة لما رآه قد حلَّ في الشرق العربي ولِما اعتلج في نفسه من انفعالاتٍ وعواطف مُتناقضة (أنظر دراسة الدكتور جورج الحاجّ، ص 61 ).

 

من جهة أخرى، ما يزال الغرب يشهد، منذُ عصر النهضة ) إنجازاتٍ للعقلِ عظيمة، كان من مظاهرها تسليط الدراسة النقابية على كل شيء، حتى الكتاب المقدَّس، بما فيه الأناجيل، التي أُخضِعت لدراسةٍ تاريخيَّةٍ تحليليَّة مُقارنة تقودُ المؤمنين المُستنيرين إلى التمسُّك بروح النصوص الدينيَّة لا بحرفيتها، كما إلى فهمٍ أعمق وأصفى للدين قائمٍ على مُرتكزاتٍ عقليَّة (أنظر دراسة جوزف خوجه، ص ۳۰ )

 

ومثلما دفع نشاط العقل الناقدِ والمجدِّد العلماء، قبل عدَّة قرون إلى تحطيم نظريَّة مركزيَّة الأرض التي قال بها بطليموس، الأمر الذي أغضب الكنيسة الكاثوليكية، دفعهم، في القرن العشرين، إلى إطلاق السفن الفضائيَّة بحثاً عن الحياة وأصلها خارج الأرض (أنظر مقال الدكتور سمعان سالم في القسم الإنكليزيّ، ص ٤). وما قد يصل العالم إلى اكتشافه قد يسبقه الإلهام الروحيّ بإعلانه، فالدكتور داهش قد أعلن منذ أكثر من نصف قرن أنَّ الحياة ليست محصورة في الأرض، بل منتشرة في بلايين الكواكب التي يسودها نظامٌ دقيق وضعه الله لها، وأخضع له كل كائن حيثما وُجِد؛ ومن يتقيَّد بالأوامر والنواهي الروحيَّة الخاصّة بعالمه يرتقِ إلى عالمٍ أفضل وينعمْ بالسعادة، وإلا عرَّض نفسه للسقوط إلى کوکبٍ غارقٍ بالشقاء؛ علماً بأنَّ الداهشيَّة لا ترى تناقضاً بين الوحيِ والحقائق العلميّةِ النهائيَّة (أنظر قصة للدكتور داهش، ص 54 ).

ومثلما قاد نشاطُ العقل الباحث الناقد العلماء إلى البحثِ عن أصل الإنسان، فإنّ نشاط العقل الخلاَّق قاد الشعراءَ العباقرة إلى منجزاتٍ رائعة. فالشاعر الفرنسي الكبير، لا مرتين، رأی بحدسِه العقليّ ورُؤياه الخياليَّة ما اتَّفق مع ما أدركه مُؤسِّس الداهشيَّة بالوَحي الروحيّ: الإنسانُ ملاكٌ ساقطٌ (أنظر مقال عادل يونس، ص ۲۰ ).*

 

رئيس التحرير