info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الخامسة العدد الأول، صيف 1999

 

صوت داهش

السنة الخامسة العدد الأول، صيف 1999

 

مطلع حزيران

 

مع إطلالة شهر حزيران من هذا العام يكون قد مضى تسعون سنة على ولادة الدكتور داهش، وأربع سنوات على ولادة صوت داهش وأسرة التحرير، إذ نستقبل العيدين بغبطةٍ وفرحٍ عارمين، تجدِّد شكرها لكلِّ من وضع يده على المحراث، ورافقها في مسيرتها الشاقة. كما تجدِّد شكرها للقراء الأعزاء الذين لولا إقبالهم على طلب المجلَّة وتشجيعهم الصادق لها، لما ثابرت على إصدارها بالرغم من المتاعب والمصاعب التي ليس أخطرها وعورة الطريق والبعد عن الينابيع. وهي تعاهدهم على تكثيف الجهود المُخلصة، وتَعهدهم، كما عودتهم دائما بالمزيد من الأبحاث الموضوعية والمقالات الرصينة، وذلك وفق نهج أرادته ثقافيَّاً إنسائيَّاً روحيًا.

إن مطلع حزيران، بالنسبة إلينا، رمزٌ شديد الإيحاء. إنه انبعاث حياة وتقويم مسار. فيوم ولد الدكتور داهش )في أول حزيران عام ۱۹۰۹( كانت القيم والفضائل على شفا جُرُف... كانت الحضارة الإنسانية وما تزال تشكو خللاً وخيمَ العواقب کامناً فيها: ثمة مدٌّ آليٌ طاغٍ أتاحه العلم السريع التطوُّر لم يواكبه مدٌّ خلقيٌّ روحيّ، الأمر الذي أدى إلى هيمنة المطامع البشرية على المنتجات العلميَّة، فكانت الأسلحة المُبيدة، وكانت الحروب المتوالية، وكانت القنبلة الذرية التي تهدِّد البشريَّة جمعاء.

 

لقد أدرك الدكتور داهش ذلك، فأراد أن يتدارك السقوط، ويعيد إلى الحضارة نسغها الروحيّ الذي تفتقر إليه. ولكنه أدرك أيضا أن المشكلة ليست ناشئة عن فساد في الأنظمة السياسية أو الاقتصادية فحسب، بل إن جذورها ضاربة، أولا، في أعماق النفس البشريَة، نفس كل فرد منا. ولذلك حرص جداً، سواء في أعماله أو في مؤلفاته التي ناهزت المئة والخمسين، على تقويم النفس الأمَّارة بالسوء. على أنه لا سبيل إلى تحقيق ذلك، في رأيه، إلا بتوافر شرطين ضروريين: الإرادة الإنسانية، والبُعد الروحيّ في الحياة الإنسائية. فلا جدوى، أولاً، من التقويم الأخلاقي ما لم يستحلْ عند كلُ منَّا إلى جهدٍ إراديٍّ مسؤول يحاول فيه تغيير مساره نحو الأفضل ريثما يحلّ "على الأرض السلام وفي الناس المسرَّة» يُراجع مقال "دور الإرادة في الرقي الروحيّ).

 

أما الشرط الثاني (أي البُعد الروحيّ، ونعني به أن الإنسان وثیق الصلة بالعالم الروحيّ فهو من مقوِّمات الإنسان الجوهرية؛ فإذا بُتِر، خلت الحياة من معناها، واستهين بكثير من القيم الخُلقيَّة. هذا البُعد الروحيّ الكيانيّ هو ما ألح عليه الدكتور داهش في مؤلفاته، يشرحه ويوضّحه ويُميط بعض أسراره؛ وهو ما نرى لزاماً علينا، نحن الذين عرفوا مؤسّس الداهشيَّة وتبنوا آرائه، أن ندعو الناس إلى الإفادة منه. واجبنا، نحن الذين عايشناه، أن نشهد للحقّ، وأن نبذل وسعنا في سبيل أن تطرق كلماته الآذان كافة فعسى أن يطَّلع الجميع على هذا التراث الفكريّ الروحيّ البالغ الأهمية؛ فإن فيه نفعا عميماً.

* * *

أما أنت، أيها الغائب الحاضر، فإننا نقدّم إليك، في ذكرى ميلادك، إضمامة من زهر المحبَّة التي غرستها في تراب نفوسنا، ونهدي قطعا منك إليك، وقطعا منا إليك؛ منها شهادة حقٍّ فيك تُبرز بعض خصالك ومكارم أخلاقك، ودراسة عن كتابك المُلهم بروق ورعود الذي تطوف فيه في قلب الإعصار الذي يحطّم ويُبيدُ تمهيدا للبناء الجديد الراسخ على أسس العدالة الحقَّة والإخاء والمحبَّة والمساواة. وما أروع ما ذكرت حين اختصرت حكاية الكتابة بقولك: "ليس من يكتب للهو كَمَن يكتب للحقيقة.“

 

نقدم إليك، في يوم عيدك، كلمات كل حرف فيها يشهد بفضلك وينطق بجميلك. بفرحٍ كبير نُهدي إليك هذا العدد، ونُعاهدك على الثبات والمسير في ضوء أدبك وفكرك وهَدْيِ خُطاك. فإن أخطأنا فمِن أنفسنا، وإن أصبنا فمن الله وبفضلك. *

 

هيئة التحرير