info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الخامسة، العدد الثالث، شتاء 2000

 

 

صوت داهش

السنة الخامسة، العدد الثالث، شتاء 2000

رجل القرن العشرين!

 

فيما نوشِكُ أن ندخل القرن الحادي والعشرين، تطرح مجلَّة تایم Time البارزة على نخبة من القرَّاء السؤال التالي: من هو الذي كان له التأثير الأبلغ في القرن العشرين فيستحق أن يسمى رجل هذا القرن؟

 

الاقتراحات كانت كثيرة في مختلف المجالات؛ وليس عسيرا أن تجد لكلّ اسم حجّة تبدو مقنعة لفئة كبيرة من الناس. فهتلر ولينين و روزفلت و تشرشل ومن جاراهم خلَّفوا تأثيرا بالغاً سيئاً أو حسناً، في أحداث هذا القرن على الصعيد السياسي؛ و آینشتاین وغودارد (عالم الصواريخ وتورينغ وفون نیومن (مخترعا الكمبيوتر) وواتسن و کریك (عالما البيولوجيا) وغيرهم أحدثوا تأثيراً عميقاً في العلم والتكنولوجيا؛ وت . س . إليوت وجايمس جويس وستر افنسكي والت دزني وكثيرون آخرون مهروا بخواتمهم الأدب والفن والملاهي...

 

لكن من يرَ التاريخ مجرى متَّصلا مُستمرَّاً محكوماً بالسبَّبية الروحيَّة، لا أزمنة متقطعة، لا تُعمِه الأحداث المحليَّة، مهما كان ضجيجها، عن أن يرى بعين بصيرته الأحداث الجُلَّى والأعظم تأثيراً في مسار التاريخ المستمرّ. فالنظام الشيوعي انهار بعد أن امتدَّت سطوته أكثر من سبعين سنة؛ والنازية تلاشت بعد أن أظهرت من الجبروت العسكري ما لم تظهره آية حركة سياسيَّة أخرى. ومن ينظر إلى التأثير الأبقى يره في الأدب والفن والعلم. يقول الفيلسوف الإنكليزي فرنسيس بایکون Francis Bacon (۱۶۲۱-۱۰۶۱( في كتابه تقدُّم المعرفة: "إذا شتان ما بين إنجازات القوَّة والسواعد وإنجازات الألمعيّة والمعرفة. أفلم تستمر أشعارُ هوميروس خمسة وعشرين قرناً ولم ينقص منها مقطع أو حرف، وفي الحقبة نفسها خرت و تقوَّضت قصور ومعابد وقلاع ومدن لا تُعدَّ؟" ويوافق الفيلسوف الفرنسي فولتير Voltaire ( ۱۷۷۸-۱۹۹۶ )، في رسائل حول الإنكليز"، الذين يعتبرون نیوتن الأعظم في الناس، ذلك لأننا نُدين باجلالنا إلى من يسيطر على عقولنا بقوَّة الحقيقة، لا إلى من يستعبدونها بالعنف »

 

فالحضارة ما كان ليشمخ صرحها لو لم تبين مداميكها روائع الأدب و بدائع الفن، ومُنجزات العلم في اكتشافاته و اختراعاتها فالعباقرة المُبدعون هم مُنشئو الحضارات ومطوِّروها (أنظر بحث " بين ابن خلدون و تويني": نشوء الحضارات وسقوطها، ص 57 ). لكن إذا أردنا التأثير الخير الباقي على الزمن مع العظمة الحقيقية، فعلينا أن نلتفت شطر من يُحدثون تأثيراً خيراً بليغاً في حياة الملايين من البشر (أنظر بحث طريق الارتقاء الروحي، ص 5 ). فهؤلاء هم نبع القوة الروحيَّة والقواعد الخلقيَّة علی مدى التاريخ، لأنهم يؤمنون صادقين بالمبادئ التي يَصدعون بها، ويطبِّقونها في حياتهم، فلا يكون عندهم ظاهر وباطن؛ ولأنهم يتألَّمون كثيراً من أجل تمسّكهم بتلك المبادئ الشريفة، فيُنبذون ويُضطهدون، لكنهم يصمدون بعزيمة قعساء، ويقاومون قوى الباطل والعنف و أملهم بالانتصار لا ينطفئ، لأنَّه مُستمدٌّ من نور الله، وعظمتهم لا تتأثر بالظروف الطارئة، لأنها عظمة باطنية مصدرها الروح الأزليَّة. إنهم الأنبياء والرُّسل والهُداة الروحيُّون الذين توحَّدوا في القاعدة المُثلى القائلة: افعلوا للناس ما تريدون أن يفعله الناس لكم والضجيج الذي يحدثونه في عصورهم لا يصل إلى مسامع كثيرين أحياناً؛ فالسيّد المسيح لم يهتم به أحد من مؤرِّخي عصره، لكن تأثيره في الحضارة ما زال يتعاظم منذ ألفي سنة. فمن هذا المنظور نرى في رأس من تفرَّدوا في القرن العشرين المهاتما غاندي والدکتور داهش. *

 

رئيس التحرير