info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الثانية، العدد الثاني  أيلول 1996

 

 

صوت داهش

السنة الثانية، العدد الثاني  أيلول 1996

 

ألإنسان بقوّة إرادتِه يُبدع مصيره

 

منذُ امتصَّت الأرض دماء هابيل والعالم يغصُّ بالشرور والمظالم. أما العدالة البشرية فلم تُطبق، غالباً، إلا على الضعفاء في مختلف الشعوب طوال آلاف السنين. ذلك هو المجرى العام للتاريخ. أما المساواة أمام القانون فلم يُطلَّ رأسها إلا في العصور الحديثة، وحصراً في البلاد التي تقدّس فيها نعمة الحريَّة وتصان كرامة الإنسان. ومع ذلك فالعدالة في الأرض ما تزال عرجاء حيثما كان. إذا كيف الاقتصاص من الأشرار والجائرين المزرين بقدسيَّة العدالة، والفارين من قبضتها، أولئك المُعتدين على الحرمات والحقوق والأبرياء؟ وهل للإنسان من عزاء، إذا فقد الأمل في کلِّ عدالة، فكان الشرّ والخير سواء، والحقُّ أبداً للقوة؟

جميع الأديان حتى المبنية على ميثولوجيات قديمة قالت بوجود عالم سفلي أعدته قوّة إلهيَّة ليلاقي فيه الأشرار والظالمون عقابهم العادل. حتى في حقل الفلسفة افترض كثيرون وجود مثل هذا المقرّ حيثُ يشقى الشرير بشرّه معنويا إن لم يكن ماديًا.

أما تعاليم داهش الذي تحمل صوته هذه المجلَّة - فهی لَم تختلف عمَّا شاع من عقائد الثواب والعقاب إلا من حيث أنها تومن بأن الله - عزّ وجلّ - رحمة أوسع، وللإنسان مجالاً أرحب لممارسة إرادته الحرّة من أجل تحسين أوضاعه وإبداع مصيره. وفي باب " من تراث داهش"، عرضنا في الأعداد الثلاثـة السابقة أن مؤسّس الداهشيَّة الذي اشتهر بجديد أفكاره كما بخوارق أعماله يرى أن الإنسان بإرادته الحرَّة صاغ وضعه الحالي على الأرض في حسناته وسيئاته، وأنه بإرادته الحرَّة بوسعه أن يغيّر مصيره ويحسّن وضعه و ارتقاءه اللانهائي في درجاتِ العوالم العلويَّة هو رهن عزيمته وجهده في ترقية نفسه أي ترقية إدراكه ونزعاته. ولنا من جهاد علي بن أبي طالب وغاندي وداهش ومن حياة أئمة الروحانية في التاريخ خير أمثلة على ذلك ( أنظر مقالاً عن علي بن أبي طالب، ص ۲۷ ، وآخر عن غاندي، ص 5 ).

وإذ كانت النفس أمارة بالسوء (سورة يوسف: 53 ) ، وإذ كان الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم ( سـورة الرعد: ۱۱ )، فلا يبقى للإنسان العاقل إلا السعي الإرادي الدائب والجهد الشاقُّ المستمرّ في مجاهدة ضعفه النفسي ومغالبة ميوله وعاداته السيئة، لكي تتحسّن حاله وتنتصر ذاته الروحيَّة إلى حدّ -  حتى على القدر البيولوجي الذي يحمله في مورِّثاته (أنظر مراجعة كتاب ما بوسعك تغييره وما ليس بوسعك للدكتور مارتن سیلغمان، ص ۷۳ ).

وفي التعاليم الداهشية أن رحمة الله لا حدود لها، وأن إرادة الإنسان الحرّة في تحسين وضعه لا قيد عليها حتى في دركات الجحيم السفلى؛ ولذلك فلا أبديَّة للعقاب والعذاب، إذ لكلّ وجود ماديّ نهاية، ولكلّ حالة ماديّة تحوّل، والقوَّة المُبدعة والمغيِّرة لكلّ الإرادة الحرّة ) أنظر من تراث داهش، ص ۳۸ ) .*

 

د. غازي براکس