info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الثانية، العدد الثالث  كانون الأول 1996

 

صوت داهش

السنة الثانية، العدد الثالث  كانون الأول 1996

 

الإنسان بين الحجر النَّيزكيِّ والِقردة

 

في شهر آب (أوغسطس) المنصرم وقع حادثان سلَّطت وسائل الإعلام الأمريكية الضوء عليهما، عدّة آيام، وذلك على تفاوتهما الكبير في الأهمية.

الأول - إعلان العلماء في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا أنهم اكتشفوا براهين حاسمة على وجود شكلٍ بدائي للحياة في حجرٍ نیزکيٍّ سقط في القطب الجنوبي من حوالي ۱۳٫۰۰۰ سنة، بعد أن انفصل عن كوكب المريخ منذ حوالى 15 مليون سنة ) انظر الخبر مفصلاً في اكتشافات وأخبار علميّة“، ص ٨٩  ).

 

والثاني - سقوط طفل في الثالثة من عمره من ۱۸ قدماً داخل بقعة مسورة مخصَّصة لسبعة قرود، في حديقة الحيوان برو كفيلد في ولاية إلينوي، ومبادرة غوريلا اسمها (بنتي جوا )

 (إلى رفعه مغشيا عليه، وحمله بين ذراعيها، ثم وضعه عند الباب المؤدي إلى الحرّاس ليلتقطوه. وكانت الغوريلا تدفعُ عنه كل من يقترب إليه من سائر القرود لئلا يمسَّه أيُّ أذى.

 

لا علاقة للحادثين أحدهما بالآخر، ولا مجال للمقارنة بينهما۔ لكن عند التأمل في مغزاهما، نكتشف أمراً مثيراً: کلاهما يخاطبان الإنسان في غـروره وَصلفه. فاكتشاف حياة حتى في مظهر بدائي خارج الأرض من شأنه أن يُحدث زلزالاً في الأوساط العلميَّة والدينيَّة في مختلف أرجاء العالم .

, Paul Davies  بُول دايفس، حائز جائزة تمبلتن Templeton المرموقة ، يقول عن مثل هذا الإكتشاف، إذا حدث، إنَّه يمكن أن يُعدَّ أعظم اكتشاف في التاريخ ... ( راجع عرضاً ونقداً لكتابه " هل نحن وحيدون؟" في صوت داهش، عدد حزيران 1996). وناثان ميرفولد Nathan Myrrhvold يُعلّق على هذا الإكتشاف في مجلَّة "تايم" (26/8/96) بأنّه أكبر إهانة للنوع البشريّ في حوالي خمسمئة عام . ذلك بأن الإهانة الأولى التي صدمت كبرياء الإنسان وغروره أطلقها كوبر نیکس ( ۱۶۷۳- ۱۵۶۳ ) حينما أنزل الأرض عن مكانتها المميزة المزعومة كمركز للكون، حوله، وبالتالي حول الإنسان الممجَّد“ تدور أجرام السماء كلها .

لكن بعد أن أخذت تتضح صورة الكون وترحبُ إلى ما لا نهاية، وفيها تتضاءل صورة الكوكب الأرضيّ وأهميته الفلكيَّة حتى التفاهة، كان لا بدَّ من ردّة فعل يقوم بها الذين جرحت كبرياؤهم، فإذا معظم رجال الدين وأفواج من الباحثين يتشبثون بفكرة أن الحياة في الأرض ظاهرة فريدة، وأن الإنسان، وإن يكن في کوکب صغير، ما يزال سيّد الحياة والكائنات الحيَّة، كأنَّما يأبون أن يشاركهم في أهميتهم أي كائن آخر. ولذا انتشرت في كثير من الأوساط مقاومة كل فكرة تقول بوجود حضارة بل مجرد حياة خارج الأرض. وإذا بالاكتشاف الأخير يجبر الإنسان ثانية على تنكيس هامتِه لحكمة الله اللانهائية. وكان مؤسّس الداهشيّة قد أكَّد وجود الحياة خارج الأرض منذ أكثر من نصف قرن. (راجع من تراث داهش، عدد آذار ۱۹۹۹ من صوت داهش).

أمَّا حادثة الطفل والغوريلا فإنَّها تؤكّد وجود الإدراك الواعي عند القردة، كما إنها نداء للإنسان المنتفخ غرورا و افتخارا بمزاياه النوعية الفريدة لكي يتواضع ويتبصر في معنى الارتقاء الحقيقي فأيّ رقيٍّ يمكن أن يتبجَّح به مجرم أو ظالم أو مغتصب أو قاتل لأولاده خنقاً أو إغراقاً أو رمياً في القمامة، بينما نرى حيواناً مزدری من قِبل البشر يتصرَّف تصرفاً إنسانيًا راقياً لم يقم به ذلك المدعي بانتِسابه إلى النوع الإنساني؟ (انظر من تراث داهش ص  48 ).

 

رئيس التحرير

غازي براکس