info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الثالثة، العدد الثالث كانون الأول 1997

 

صوت داهش

السنة الثالثة، العدد الثالث كانون الأول 1997

هل من عدالة

في التعامل بين الناس؟

 

في سفرِ "أعمال الرُّسل " أنَّ المسيحيين الأوائل كانوا يعيشون حياةً مُشتركة، إذ كان المومنون يبيعون كل ما يملكون و يضعون الموارد في صندوقٍ واحد، ومنه كان "يُعطى كلٌّ منهم على قدر إحتاجه (أعمال الرُّسل 4: ۳۰۳۲). هذه العدالة في التعامل لم يفرضها عليهم نظامٌ سياسيٌّ إقتصاديٌّ مُعيَّن، بل بل المحبَّة التي وحَّدتهم. وهذه المحبَّة النابعة من وعيهم للقيم الروحيَّة وإيمانهم بها جعلتهم يعاملون الآخرين أيضاً بالأحترام والعدل حتى عَظُمَ إسم المسيحيين وجلَّ احترامهم حيثما حلّوا، فأخذ الناس تدريجيَّاً يقتدون بهم ويعتنقون الدين الجديد.  

والتاريخ الإسلامي يروي بإعجاب مسآثر عدالة عمر بن الخطَاب ( 634-644 ) وعدالة عمر بن عبد العزیز ( 720۰-717 )، وكيف أن النَّاس في عهديهما شعروا أنهم حقَّاً إخوة سواسية و ذلك لأن العدالة الاجتماعيَّة شملتهم جميعاً، والحاكم لم يكن يري نفسه أجدر بالراحة والرفاهية من رعاياه، حتى إن عمر بن عبد العزيز أعرض عن الأثاث الفاخر والثياب النفيسة، وباع كل ما كان يملك ووزَّع ريعه على الفقراء، وتقشَّف حتى في طعامه، وأعتق جواريه وعبيده، ولم يستبقِ لنفسه إلا واحداً يخدمه، فشكا العبد إليه قائلا: " الناس كلّهم في خيرٍ إلاَّ أنا وأنت!" فقال له عمر بن عبد العزيز : " اذهب فأنت حُرّ» ( انظر مقالاً عن عمر بن عبد العزيز في ص ۲۹ ) فأين نحن اليوم من تلك العهود المُبارکه؟

 

في لبنان والجزائر حدثت مجازرُ تقشعرّ لها الأبدان ويشيب من هولها الولدان، ليس بين شعب يدافع عن نفسه وعدو شرس مُقتحم، بل بين الجار وجاره؛ وليس بين مسلم ومسيحيّ فحسب، بل بين مُسلمٍ ومسلِم، و مسيحيٍّ ومسيحيّ أيضاً! أكثر من مئة وسبعين ألف قتيل في لبنان ، ومن ستين ألفا في الجزائر في خلال خمس سنوات لكن من أجل ماذا؟

 

لقد ماتت العدالة في التعامل لأنَّ المحبَّة ماتت في معظم القلوب. والدين الذي تغيب المحبَّة عنه كالشمس التي ينطفئ نورها لتبقى جرماً مُظلماً؛ إنه يبطل أن يكون ديناً سماويَّاً، ذلك لأنّ الله نور، ونوره محبَّة. وحيث يكون كنزك فهناك يكون قلبك. والكنز لدى الأكثرية الساحقة من البشر أصبح هو المال؛ والمال يتبع السُّلطة والقوّة والجاه أو هي تتبعه. إذا قلوب غالبية الناس مُنجذبة إلى ما يؤمن وينمّي مصالحهم الماديَّة وقيمهم الدنيويَّة. أما القيم الروحيَّة التي لحمتها الصدق و سداها الاستقامة في التعامل و نسيجها المحبَّة، فقد أصبحت في خبرِ كان.

 

ولكن هل الحياة التي يعيشها أكثر الناس اليوم هي التي أرادها الأنبياء والهُداه لهم، أم إنهم شذّوا عن الصراط المُستقيم بعد أن تكاثفت غشاوات الدنيويَّات على بصائرهم، فعادوا لا يميِّزون بين النور والظلام، بين الحقِّ والباطل؟

 

لقد تفشَّى فيهم الكذب والخداع والرياء والترف والظُّلم سواء عملوا في حقل الدين أم في حقل الدنيا، لأنهم استبدلوا بالإله الحيِّ الواحد آلهة كثيرة مزيَّفة، آلهة المطامع والطوائف والأحزاب السياسيَّة والقوميَّات... فهم يعبدونها ولا يدرون! (أنظر مقالا عن أبعاد العدالة لدى الدكتور داهش، ص ۳۷ )*

 

رئيس التحرير غازي براكس