info@daheshism.com
إفتتاحيَّة صوت داهش السنة الأولى العدد الثالث كانون الأول 1995

 

صوت داهش

السنة الأولى العدد الثالث كانون الأول 1995

 

جبران خليل جبران

ذفي الذكرى المئوية لهجرته إلى بلاد الحرية

 

منذ مئة عام، وطئ أرض أمريكا فتى في الثانية عشرة من عمره. كان واحد من آلاف المهاجرين إليها، لا يميّزه عن سواه إلا بذور عبقرية أدبية كانت تنتظر أن تحضنها تربة صالحة.

هذا الحدث، وإن بدا في حينه غير ذي شأن، لم يكن عارضاً في حياة جبران خليل جبران. ذلك أن أمريكا كانت تلك التربة الصالحة؛ فقد أتاحت له من الحريَّة الفكريَّة والمناهل الثقافيَّة المتنوعة ما لم يكن عهدَذاك موفورة في وطنه. زد إلى ذلك أن من أبنائها من أدرك ملامح عبقريته، فرعاها؛ وفي رأسهم ماري هاسكل.

فلو لم يُكتب لجبران أن يهاجر إلى أمريكا لأخذت حياته، ولا ريب، منحىً آخر، ولما كان لنا النبي و "يسوع ابن الإنسان، ولما نشأت "الرابطة القلمية، فَعُدِم الأدبُ العربي حركة مباركة مدته بنسغ الحياة. فمن الأحداث ما لا يستطيع واحدنا أن يدرك أبعاده الحقيقية إلا عندما يكتمل نسيج حياته، أو يكاد. ذلك أن ثمة نظاماً روحياً خفياً يربط الأسباب بالنتائج، ويضع خطة لمسيرة حياته وفقا لاستحقاقاته.

 

وإنه ليسرُّ أسرة التحرير في صوت داهش أن تُحيي الذكرى المئوية لهجرة جبران إلى أمريكا، لما لها في حياته من أثر بعيد، أولا، ولما بينه وبين الدكتور داهش من وشائج كثيرة، ثانيا. من تلك الوشائج أن كلا الرجلين هجر وطنه: الأول هجره فعلاً، والثاني هجره وهو مُقيم فيه! وإذا كان جبران قد أطلق صيحته اليائسة: لكم لبنانكم، ولي لبناني، فقد نعى الدكتور داهش لبنان قبل هبوب العاصفة المدمِّرة عليه. لكن كلا الرجلين كان إنساني النزوع تضيق به حدود الأوطان، بل كان يعاني غربة روحيَّة في هذا العالم.

فضلا عن ذلك، فإن نظرتهما إلى الحياة تكاد تكون واحدة. كلاهما آمن بأن وراء كل منظور قوّة حكيمة لا يُخفى عليها شيء، وأن الكائنات جميعاً تنتظّمها وحدة روحيَّة. وما النفس الإنسانيَّة، في اعتقادهما، غير جزءٍ منفصلٍ من روح علوي، وقد كتب عليها أن تتقمَّص على الأرض مراراً ريثما تتطهَّر من أوشابها، وتندمج بمصدرها. ولن يتسنَّى للإنسان ذلك إلا إذا استطاع أن يحقِّق أولاً حرِّيته النفسيَّة، أي انعتاقه من عبوديَّة الأهواء والميول الوضيعة... وهو أساس الحرِّيات كافة.

ويلتقي الرجلان أيضا في ثورتهما على التقاليد البالية والقيم الزائفة، وفي إيمانهما بأن الأديان جميعاً واحدة في الجوهر، وأنها ليست طقوساً فارغة تُمارس في أوقاتٍ محدَّدة، بل توقٌ إلى السُّمو نُحقِّقه في كل لحظة من لحظات حياتنا.

 

إلا أنَّ ما عبَّر عنه جبران تعبيراً رمزيَّاً أو اكتفى بالإشارة إليه، قد أوضحه الدكتور داهش في كتاباته وفصّله. وحسبنا بعد مئة عام من وصول جبران إلى أمريكا أن نعمل من خلال صوت داهش لنستأنف مسيرته الروحيَّة والأدبيَّة .

 

هيئة التحرير