info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى " نبالٌ ونِصال "

 

نبالٌ ونِصال

توطئة

 

هي إضمامةٌ من خَلَجات نفس،

وذَوْبِ روح،

كتبتُها في مناسبات عديدة

تحملُ في طيّاتها آمالاً وآلاماً.

فالحياةُ تزخرُ بالمنغِّصات الهائلة،

إذْ ما يكادُ المرءُ يفتحُ عينيه،

حتى تفاجئه المصائبُ آخذة بعضها برقاب بعض!

وتحتاط الرزايا بكلُّ من ولَجَ هذه الكُرَةَ الآرضيّة،

فإذا به تائهٌ في مفاوزها المترامية،

هائمٌ في سباسبها اللانهائيّة!

وتتراءَى له الغابات الغنّاء والأنهار الجارية

تَتَلأْلأُ تحت أشعة الشمس الذهبيّة،

فيهرعُ إليها، وإذا بها سرابٌ في سراب،

وما شاهده إلاّ خَدْع نَظَر وأكذوبة بَصَر!

فيتهالكُ على الرمال المُحْرِقة وهو يجود بالروح.

فيا لشقاءِ كلِّ ابن حوّاءَ من ذكَرٍ وأنثى!

ربّاه! أما حان للنهاية أن تأتي؟!

أما أزفّت الساعةُ لتقويض هذه الكُرَة الرهيبة،

وتفكيك ذرّاتِها وبعثرةِ أشلائها،

وإفناءِ كلِّ من يدبُّ عليها؟!

إذْ تعاظَمَتْ شرورُ بني الإنسان،

وتلطَّخَتْ هذه الأرضُ بجرائم أبناءِ هذه المرذولة!

ربّاه! قوّضْ معالمَ دنيانا،

واعصُفْ بها أيُّها الخالقُ الجبّار.

فقد طغت الرذيلة،

وطافت جيوشُها في ربوع أرضنا الشقيّة

تعيثُ فيها فساداً شائناً!

إنَّ أبناءَ الأرض أصبحوا يعمهون في شرورهم المخيفة،

ويغوصون في آثامهم المرعبة!

فدَمِّرْ أيُّها القديرُ عالمَ المَكْرِ والرياء،

فبفنائه يفنى الشرُّ وتنتهي أسطورةُ آدمَ وحوّاءَ

وما جَرَّتهْ ثمرتهما من رزايا على مخلوقات الأرض طُرّاً.

 

داهش

بيروت، صباح 8 حزيران 1971.

 

 

كلمتي إلى عام 1944

 

يا عام !

أشرفتَ على عالمنا المهدَّد بالدمار والفناءِ،

فاستقبلناك بوجوهٍ حزينة يعلوها اكتئابٌ ووجوم راسخان،

ولم ترحِّب بك موسيقانا.

وما هَزجْنا لك أهازيجنا التي كنّا نستقبل بها أَسلافك.

ولم نطربْ لقدومك، أيُّها العام المسكين!

فدخلتَ إلى عاصمة مُلْككَ الشاسع الأطراف...

تتقدَّمكَ بروقُك ورعودك، وتحفُّ بك ثلوجك وأمطارك،

وتعلو من فوق رأسك زمجرةُ الرياح ودمدمتها الكدراءُ،

فترجِّعُ الطبيعةُ صدى أنينها الثاكِل!..

حتى طيور الشتاء التي اعتادت أن تزورنا لم نشاهدْ لها ظلاًّ!

فتلك الأيام التي طواها الزمان في لُجَجِه لن تعود،

والبهجةُ، ثانيةً، لن تسود!..

وها أنتَ ترى أنَّ المسوح تُجَلِّل الكون والكائنات،

من إنسان وحيوان وجمادات.

وإنْ أستغربْ فإنَّ إستغرابي هو لقبولك المُلْك

في دنيا حالكة السواد، رهيبة الجلباب.

وأنت أنت اليافع في مطلع عهدك، وابتداءِ أيّام خَلْقك!

ستشهد، أيُّها العام، في أيّامك المقبلة، الحوادث الجسام من الطبيعة... ومن هؤلاء البشر اللئام!

هؤلاء الذين تدعوهم أَبناءَك،

وهم الذين سيردِّمون ركامك ويُصدِّعون بناءَك!

أيُّها العام المسكين!

كان اللّه في عونك، وأخذ بيدك، وسدَّدَ خطاك.

فإنَّك مقبل على عهد ( عجيب غريب )!

إذْ كلُّ منْ هم حولك ذئاب خاطفة وأعداءُ أَلِدَّاءُ.

لا يجدي معهم ترياق ولا ينجع فيهم دواءٌ!

أمّا أنا، يا عام، فأنت خبير بنفسيّتي وبها عليم.

لقد قطعتُ من مراحل حياتي مرحلة اقتَسَرها منّي شقيقُك الذاهب

وها أنت أتيتَ لتنتزع منِّي مرحلة أُخرى.

فهل أُلام إذا حاربتُك وناضلتُ في سبيل بقائي؟

ولكنْ، مهلاً مهلاً، أَيُّها العام الجديد! بل عفواً عفواً!

لتمضِ أّيّامك، ولتتصرَّمْ حبالُ حياتك،

فبفناءِ حياتك فناءٌ لحياتي!

علِّي عندما تدنو ساعةُ مماتي،

أجتازُ نطاق هذه الدنيا القاسية الظالمة،

وأرتقي بروحي بروج السماء الحصينة،

حتى أبلغ الفراديسَ العجيبة الخالدة!

ومن تلك الأعالي السامية تتراءَى لي الأرض

وما قاسَيْتُه عليها من آلام موجعة،

كحلم رهيب مخيف تبدَّد واضمحلَّ،

حتى أَبدِ الآبدين!

آه ما أَجملَ ذلك العالم وما أبهاه!

وما أَتعس عالمنا وأقساه!

 

جونيه، أول كانون الثاني،1944