info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى " الرحلات الداهشيَّة حول الكرة الأرضيَّة الرحلة السَّابعة "

 

مقدِّمة

 

هذه هي الرحلة السابعة في «سلسلة الرحلات الداهشية حول الكرة الأرضية»؛ وقد كانت روسيا هدفاً لها.

والارتحال، في حياة الدكتور داهش، ليس صفة عابرة، بل هو جذوة متوقِّدة في ذاته، مندمجة بكيانه، ليس تكفيها رحاب الكوكب الصغير، ولا يطفىء لهيبها حدوده الضيقة . فهي مُستعرة أبداً، وقودها تلك الغربة الروحية القابضة على قلبه وروحه، والسارية في دمائه، وتشوقه الأبدي للمعرفة واكتناه المجهول وسبر أغوار العوالم . فوطنه الأم موغل في البعد، خلف النجوم النيرة والسُّدم العجيبة. وهو ما بين عوالم النور ودركات الظلام، رحالة دائم الارتحال، مشعل الحقيقة في يده، والهداية غايته، ومعجزات السماء تشهد له . يرود هذا العالم أو ذاك، بسيَّاله الروحيّ الذي يرتقي عبر الأفلاك مؤيداً بقوة الروح الإلهيّ، فتطالعك مشاهد فردوسية عن رحلاته في كواكب الضياء، أو صور مُرعبة عن رحلاته في دركات الجحيم . فضلاً عن الأرض التي يراها «نقطة هزيلة تدور حول نفسها في فراغ الفضاء اللا متناهي ، وهي تضم في جوفها أبناء الأرض المساكين . . . . .

 

ففي هذه الأرض بذر بذوره الروحيَّة الحيَّة المستمدَّة من السماء ؛ وفي ليلها الأبدي الحُلكة رفعت يمينه شمساً جديدة للحياة . وفي عواصمها ومدنها وقراها، وفوق سهولها وجبالها وصحاريها، وبحارها وأنهارها، أمضى أياماً وليالي طوالاً، لا يكلُّ من السير فيها، ولا يملُّ من تملِّيها، ولا يثنيه التعب والإرهاق ، ولا الحوادث المُعقدة المُزعجة والظروف الصعبة عن تدوين مشاهداته ومشاعره. له في كل شيء حكم فيه حكمة المُتبصّر بشؤون الحياة، الخبير بأسرارها. وكل حكم منه شهادة حقّ، فإمَّا شهادة لخير، وإما شهادة ضد باطل . ولا غرابة إن تسمع ما بين السطور أناشيد حنينه وصبابته لعوالم السعادة والنور، وشكواه من أرض الشقاء والمظالم.

 

وهذه الرحلة السابعة من رحلاته غنية بالمشاهدات والشهادات على اختلافها، وباللمحات التاريخية والدروس والعبر التي تستخلص من أحداث التاريخ ، حافلة بالمقارنات الشيقة، يواكبها في كل ذلك دقَّة في الوصف، وأمانة في النقل، ويقاظة للأمور، ونفس شاعرة مرهفة، دقيقة الحساسية، تطلق مشاعرها بسرعة فوق الطروس .

فابتداءً بالعاصمة موسكو التي شكَّلت المحطة الأولى في رحلته، مروراً بقرية يسنايا پلانا ومدن لیننگراد وپوشکین وپافلوفسك ونوف گراد ورازلیف وأرخنكلسكايا، ثم انتهاء بموسكو، تتوالى المشاهد عن المدن والمتاحف والكنائس والسجون والمقـابـر والمكتبات والمسارح والحـدائق وسـرك الحيوانات، وأسـواق الخضر والفـواكه، والفنادق والمطاعم، والقطارات والمخازن .

 

وأكثر ما يلفت الانتباه عند الدكتور داهش شوقه العارم للفنون وسعيه الدائم لارتياد المتاحف وقصور الأمراء والقياصرة، وتعداده للوحاتها الفنية، ورأيه فيها؛ وكذلك عرضة للكنائس وكنوزها والأحداث التاريخية التي ارتبطت بها وجرائم رجالات دينها. حتى إنه ليجوز القول إن هذه الرحلة هي مزدوجة ة في عالم الفن الروسي إبان نهضته، وفي تاريخ الكنيسة الروسية سياحة

 

الحافل بالمظالم والجرائم . وقد اختلط الاثنان في كثير من الأحيان نظراً لما كانت تمتلكه الكنائس من كنوز فنية ضخمة في العهود القيصرية، وبسبب قرار سلطات الثورة الشيوعية تحويل هذه الكنائس إلى متاحف ومصادرة كنوزها التي لا تقدر بمال .

 

ولا بُدَّ، في هذا السياق، من ذكر أمرين مهمين: أولهما، أن الدكتور داهش مطبوع منذ حداثته بحبٍّ للفنون الجميلة قلَّ نظيره، وله فيها خبرة عظيمة ندر من يجاريه فيها، وشهادته فيها حاسمة لا تُرد. وهو يسعى إليها سعيه إلى فردوس النعيم المقيم الماثل أبداً في خياله، في صحوته وأحلامه. فكأن تلك الفنون العظيمة صور من تلك الفراديس ألهمتها عرائس الخيال وربَّات الفنون مُخيِّلات الفنانين العظام . وثاني الأمرين، أن للدكتور داهش مع رجال الدين تاريخاً حافلاً بالأحداث ، بدأت فصوله منذ سنه الثانية عشرة، وتلاحقت دون أن تكون لها نهاية. فهو لا يؤمن بأضاليلهم، ثائر عليهم. وخلال تراثه الفكريّ الضخم، أصلاهم سعيراً لا تخمد ناره. وقد لاحقوه واضطهدوه، فكان له الانتصار؛ ولن تكون لانتصاراته نهاية ... فالبقية تأتي....

 

أما عالم الفن، كما نقله الدكتور داهش، فقد ضمَّ المتاحف على اختلاف أنواعها. فثمة متاحف للفنّ الصرف، وأخرى حربية أو صناعية أو دينية أو سياسية . وهو كثيراً ما يشير إلى قيمتها المعنويَّة والماديَّة . فمتحف الإرميتاج ، مثلاً، استغرقت مشاهدته إياه خمس ساعات كاملة ، وقد حوى كنوزاً فنية عظيمة ولوحات رائعة وتماثيل مُذهلة. والمتحف الروسي للوحات الزيتية عظیم للغاية، برأيه . وهو يضم 130 قاعة و 260 ألف قطعة فنية. والقصر الأمبراطوري الصيفي يضم روائع من اللوحات الفنية والتماثيل الرخامية والكنوز التي لا تقدّر بثمن . ومتحف پوشکین ، لوحاته مرسومة بأيدي أعاظم الفنانين أما متحف ترتياكوف ، فمخصص للوحات الفنية الروسية ، وجميعها من النوع الريالست الذي يلقى إعجابه. وقد عدّها بنفسه، فإذاها ١١٢٨ لوحة في الطابق الأعلى، و 613 لوحة يضاف إليها ١٢٣ أيقونة في الطابق الأسفل.

 

واستراحة بطرس الأكبر رآها مزدانة باللوحات الزيتية الهولندية النفيسة التي تضفي على الغرف والممرَّات جمالاً رائعاً؛ وقد أكدت له أن هذا القيصر كان ذوَّاقة للفن . أما التماثيل الفنية المُذهلة، الموشاة بالذهب الخالص، فيرى آنها، المياه المنبثقة من أفواهها، تؤلف سمفونية بصرية لا مثيل لها. كذلك، في كنيسة قلعة بطرس الأكبر 18 لوحة زيتية تعد من اللوحات الأولى التي عرفتها روسيا القيصرية، ومواضيعها صبر المسيح وعذابه وآلامه .

 

أما قصر الأمير يوسوپوف في أرخنكلسكايا، فقد أفاض في وصف لوحاته الزيتية العالمية وتماثيله التي أبدعها أشهر المثالين العالميين والتي اشتراها الأمير بنفسه. وقد عدَّ قاعاته ولوحاته والتماثيل في حديقته، ووصف متحف البورسلين والمصنع الذي أسَّسه على مثال مصانع ليموج في فرنسا، فتأكد له ان الامير ذو ذوق فني رفيع للغاية.

 

وينتقل الدكتور داهش إلى المتاحف الأخرى، ويلقي الأضواء عليها. فالمتحف الحربي اختلطت فيه تماثيل المحاربين الفرسان وعرباتهم وأحصنتهم بالكنوز الكنسية التي صادرتها الثورة. فالكتب الكنسية المرصَّعة بالمجوهرات الثمينة، والأواني والطشوت الذهبية، وأثواب الأحبار المنسوجة بخيوط من الذهب الحقيقي، وتماثيل العاج التي تمثل مراحل حياة السيد المسيح والتي بلغت أثمانها درجة خيالية، قد أصبحت جميعها ملكاً للشعب الروسي. وفي «متحف شعوب الاتحاد السوفياتي» تماثيل ومنحوتات عن حياة وعادات تلك الشعوب الخمس عشرة. أما «متحف الفنون والصناعات» ففيه الأثواب النسائية المزخرفة والأواني والصحون والعلب المزينة بالرسوم الفاتنة. وقد زار المتحف الذي أقامته الحكومة الروسية في المكان الذي التجأ إليه لينين هرباً من ملاحقات السلطة القيصرية المشددة، والذي عرضت فيه ثيابه ومقتنياته الخاصة.

 

وهو لا ينسى الأنصاب التذكارية الجبَّارة في فنّها، فهي تضاف إلى تلك الثروات الفنيَّة الهائلة التي تمتلكها روسيا. ولتلك النهضة الفنية شهادة اعتراف بأنها صفحات مشرقة من تاريخ ذلك العهد.

 

بيدا أنَّ للدكتور داهش، کشاهد حق وحكم عدل، شهادة سوداء في صفحات سوداء ملطخة بدماء الشعب المرهق، سطّرها رجال الدين ورجال القياصرة في تلك العهود. فرجال الدين الذين يفترض فيهم التعالي عن الدنيويات والتسامح وحب الناس ومساعدتهم تمشياً مع تعاليم سيدهم المسيح ، قد استحالـوا طعمة تستبيح أموال المؤمنين بها وأعراضهم وممتلكاتهم لتزيد من كنوز أديرتها وكنائسها التي استحالت قصوراً تقترف فيها أفظع الارتكابات، ومحاكم للتفتيش المرعبة يعدم فيها المخالفون لإرادتهم . فكاتدرائية القديسة صوفيا، مثلاً، فيها خمس قبب موشاة بالذهب الخالص، وثريا وزنها طن ونصف. وقد أصبحت الآن متحفاً شيوعيا. وكنيسة القديس إسحق تزين جدرانها لوحات زيتية رائعة؛ وقد استغرق بناؤها أربعين عاماً كاملاً. وكذلك حال كنيسة البشارة وكنيسة السيدة وكنيسة إيفان الرهيب التي زارها. ومن على منصة الكنيسة في قلعة بطرس الأكبر، كفَّرت الكنيسة ثوار روسيا وأدباءها الذين ثاروا على سلطة رجال الدين . وثمة مبنى في مدينة زاكورسك فيه يشفى المرضى الذين يزورونه ، حسب مزاعمهم بل تدجيلاتهم وهو يذكر أيضاً أن في مدينة نوف گراد وحدها سبعة وأربعين كنيسة تغصّ بالكنوز الفنيَّة، ويثنى على موقف السلطات التي حولتها جميعاً الى متاحف يملكها الشعب .

 

لكن حادثة تاريخية اطلع عليها في دير مار جرجس، دفعت به إلى قمة غضبه وثورته وحزنه، فيستنزل غضب السماء على أرشمندريت الدير المجرم فوتي ، منادياً به «راسپوتين روسيا الحقيقي»، ومؤكداً أن الله ، جلَّ اسمُهُ، لن يرحمه بسبب جريمته الفظيعة. فقد دفن الأميرة أنا أورلوقا و وهي حية حقنها بإبر منومة، إذ إنّها آمنت بقداسته وتنازلت عن ثرواتها للدير، وخشي بعد ذلك أن تعود عن قرارها .

 

وكثيرة وفظيعة مثيلات هذه الجريمة، تبدو للعيان في «متحف الدين والإلحاد» الذي حفل بتماثيل وصور الرهبان والراهبات والباباوات ، مع حكم التاريخ عليهم؛ وهذا المتحف يفضح طهارتهم الكاذبة وعفتهم المدعاة. ففى ذلك المتحف قاعة المحاكمات الكهنوتية التي ضجت من فظائعها أبالسة سقر. فكيف لا يطلقها الدكتور داهش صرخة مزلزلة تعانق تلك الصرخة المجلجلة التي أطلقها في فلسطين ولبنان وتردَّد صداها في العالم العربي منذ نصف قرن؟ وكيف لا يطلقها، وهو في هذه القاعة، لا بدَّ أنه يستذكر آنذاك داهش الشاب، ابن الثامنة والعشرين ربيعاً، وقد مثل في قاعة مماثلة منذ خمسة وأربعين عاماً أمام قضاة مجرمين ليحاكموه، بالنيابة عن الإكليروس ورئيس لبنان الطاغية الباغية بشارة الخوري، وليحكموا عليه بالنفي والتجريد والتشريد. وهم، هنا أو هناك، إنما حكموا على انفسهم... هنا حكم عليهم التاريخ . . . وهناك حكمت عليهم السماء، وقريباً جدا يلفظ التاريخ حكمه .

ومن هذه القاعة نفسها، يسجل الدكتور داهش حكم السماء العادلة ويستمطر شابيب اللعنات على من دالت دولتهم في بلاد الروس، إذ قلموا لهم أظافرهم ، وانتزعوا أنيابهم السامة كي لا يعودوا يستطيعون أن ينفثوا سمومهم القتالة». ثم يعلن، وكأن في صوته صدى العدالة الإلهية، ودرساً من دروسها : إن سلطة الكنيسة في الاتحاد السوفياتي، لا أقول قد تقلصت، بل لقد زال أثرها، وعفا خبرها، وأصبحت في خبر كان. فمن طغى وتجبر، وظلم وتكبر، قد نسفته الريح، ولا يصح إلا الصحيح» .

ما سجله الدكتور داهش هنا يعتبر شهادة شرف للسّلطة الحاكمة التي أنقذت الشعب من براثن الذئاب المداجين باسم الدين. على أن بعض الحوادث التي جرت للدكتور داهش نفسه جعلته يسجّل على تلك السُلطة أحكاماً شبيهة بتلك التي دمغت بها عصور الظلام .

فهنا مؤمن أصيب بالهلع عندما صوره الدكتور داهش بالآلة السينمائية بينما كان يرسم إشارة الصليب في أحد المقابر، ورجاه أن لا يخبر السلطات بذلك. فيتساءل إن كنا قد عدنا إلى أيام روما ومظالم سلطاتهـا بحقِّ المسيحيين، ويذكر بأننا «اليوم، في القرن العشرين، فقد مضى ألفان من الأعوام مذ كانت الاضطهادات المرعبة تقضُّ مضاجع المؤمنين بالـدين المسيحي ! »

 

 

وهناك موظف جمارك عثر على مكبر صغير مع الدكتور داهش، ففگکه قطعة قطعة، وتابع تحرياته «عله يعثر على قنبلة ذرية تفني موسكو وما فيها من ذرية». ثم قرنها آخرون بتعقيدات أخرى جعلت الطائرة تطير مخلفة إياه في مطار موسكو بين براثن أناس لا إنسانية لديهم . «فالإنسانية قد فقدت معناها، وانعدمت جدواها . . . وكأننا نعيش في أظلم العصور البائدة» . هذه السياحة المزدوجة ما بين فراديس الفنون ودركات الكنيسة تخللتها سياحات أُخر. فالدكتور داهش قلما يدع شيئاً إلا يلمُّ به. فهو يعطي لمحات تاريخية عن المدن التي زارها، ويصف المظالم التي أنزلت بالأدباء والكتاب والثائرين خلف جدران السجون، ويزور مقابر القياصرة والقواد والكتاب ويرفق أوصافه أكثر الأحيان بتواريخ الولادة والوفاة . ولطالما يستثير بعض المُلحدين وجدانه، ويستقطرون الدمعة من عينيه، ويلهمون قلمه أجمل الرثاء. فقبر تولستوي المتواضع أثار أشجانه ، وملاك الحزن الذي يحنو على الصبية تتيانا ـ ابنة الأمير يوسوپوف ـ الراقدة في لحدها منذ ستة وثمانين عاماً، أجرى دمعة حارة من مدمع الرجل الكبير .

 

 

وهو لا ينسى أن يصف الأنهر ويذكر الأساطير التي ارتبطت بها ، ومتاجر الفواكه والمعلبات التي كان بعضها قصوراً فخمة للأمراء وما تزال التحف الفنية فيها ، والمطاعم والفنادق والقطارات وسيارات الأجرة.

كلُّ ذلك رافقته دقَّة في الوصف، وتنبُّه لكلِّ صغيرة وكبيرة ، وإسراعٌ في عقد المقارنات ، وهي بها كل ذلك رافقته دقة في الوصف، وتنبه لكل صغيرة وكبيرة، وإسراع في كلها صفات طبع بها الدكتور داهش مثلما طبعت رحلاته . فأنت ستفاجأ، أول تصفحك لهذا الكتاب، أن الدكتور داهش يعد درجات سلم الطائرة، ويذكر توقيت صعـوده إليها، وتوقيت جلوسه على المقعد ، وتوقيت إقلاع الطائرة . ثم يبادر إلى المقارنة بين طائرة الإليوشن التي يسافر بها وطائرات البوينغ ، والإشارة إلى أرخص طعام وأرخص تاكسي وأكبر فندق في العالم ، وأكبر جرس رأه في حياته ، وإلى عدد المكتبات وعدد الفنانين في موسكو . . . الخ.

 

وتنتهي الرحلة، ويعود داهش إلى منزله، فإذا السقام بادٍ عليه والحزن متمكن منه . وتطوى الصفحة الأخيرة على ما دونه من أحداث رحلته . . . فإذا قرأت الكتاب، ثم انقضت الأيام والأعوام، ونسيت التفاصيل . فإن بعضها سيبقى، ولا شك، عالقاً في مخيلتك، قابعاً في بعض حناياك . . . ويقيني أنك كلما ذكرت الكتاب ستندفع إلى ذاكرتك صورة الأرشمندريت المجرم والأميرة التاعسة التي دفنها حية تحت أطنان الرمال، فتستنزل عليه اللعنات المزلزلة . وستراودك كنوز الفن الروسي العظيم . ولن تنسى أبدأ تلك الدمعة التي ذرفها صاحب القلب الكبير فوق لحد تتيانا ، وذلك العذاب الذي كبدته إياه قيود صدئة ما زالت تكبل إحدى أكبر عواصم الكرة الأرضية في عصر يقال فيه إنه عصر النور والمعرفة والحريات .

 

ماجد مهدي

نيويورك، ١٠ - ۲ -۱۹۸۹

 

٢٥ آب ۱۹۷۲

التأهب للسفر إلى البلاد الروسية

 

نهضت ، في الساعة الخامسة وبضع دقائق صباحاً ، وباشرت فوراً ترتیب حقائبي ، تمهيدا لسفري ، مساء اليوم ، إلى موسكو . وما إن وافت الساعة الثامنة ، حتى قدمت الأخت فوت برفقة نجلها ، ثم وافتها كريمتاها.

 

ومضى النهار ، وأنا أرتب ما سأحمله معي ، في سفرتي هذه إلى البلاد الروسية . فملأت أربع حقائب بما رأيته ينفعني ، في رحلتي الأولى إلى الأقطار الشيوعية ، ومنها حقيبة تحتوي على آلة سينمائية ( ماركة كانون ) ، وهي ترافقني في جميع رحلاتي ، إذ أسجل بواسطتها لقطات تذكارية.

 

ومنذ الصباح ، بدأ الإخوة والأخوات يتواردون إلى منزلي ،فاكتظَّت الغرف بهم.

 

 

إلى مطار بيروت

في الساعة السادسة إلا عشر دقائق مساء ، ركبت سيارة الأخ نقولا ضاهر ، يرافقني فيها شقيقتاه إلين وسميرة ؛ وتبعنا رتل من سيارات الإخوة . فوصلنا إلى المطار ، في تمام الساعة السادسة.