info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى "آمالنا أوهام"

آمالنا أوهام

 

 

نأتيهاأفواجًا ونغادرها أفواجا

أفواجًا أفواجًا نأتي إليها ثم نغادرها  أفواجا

كأننا أمواجُ بحرٍ متلاطم رطمت رياحه الأثباجا

نخوضُ مُستنقعاتها، مُتقلبين فيها خضمًّا غضوبًا عجاجا

نسير في دروبٍ حالكة السواد، وكلٌّ منا يضطرب مُهتاجا

وبعضنا تراه يسير شامخ الرأس، مُتزنَ الخُطى، وكأنه مِهراجا

مُلتحفًا بالسخافة، مُتمنطقًا بالغباء، مُضفيًا على نفسه لقبَ خواجا

مُعلنًا لأترابه، بأنه، مستقبلاً، سيضعُ على رأسه تاجا

ولو درى هذا الزعنف أنه يُماري شخصه، ولنفسه داجى

فحقيقة الأمر أنه لا يستحق أن يضع على رأسه الفارغ حتى صاجا

جميعنا يا أخا الأطماع نُفتنُ بالمال، ونعبدُ ذلك البراق الوهَّاجا

طريقنا غير مستقيم أصلاً، نسيرُ فيه انحرافًا واعوجاجا

نختلي بالغواني لنرتكب إثمًا فاضحًا، واضعين وراءَ الباب رتاجا

وحرصًا من كشف أمرنا وخوفًا من فضيحتنا، نُقفقفُ معًا وكأنَّنا دجاجه

وإذا وعظنا واعطٌ، وندَّد بسلوكنا المُنحرف، نظنُّه علينا قد اهتاجا

فنلبسُ المسوح دجلاً، ونُغِّذُّ السير للقدس حتى يقولوا لقد اصبح حاجا

ندَّعي بأننا لا نملك شروى نقير، وغرفنا مملوءة لوحاتٍ، وتماثيل وعاجا

نرفع عقيرتنا، مُدعين بأننا أدباء، ألفنا كتبًا ودواوينَ ولا نزال نتدفقُ إنتاجا

نتمنى لو نملك الدنيا بما تحويه، فنضعُ حولها سياجا

وإذانا نجدُ أنفسنا قد شخنا، وملاك الموت قد أغلق الدرب علينا، فنُفاجأ

ونرى القر قد فغَر فاه ثُمَّ افترسنا بشهوة الذئب عندما يفترسُ نِعاجا.

                                                     الولايات المتحدة الأميركية

                                            الساعة 2 وربع بعد ظهر 4/1/1977

 

 

صَامتٌ وأخرسٌ كالحَمار المُلجم

بعد مُرُور 40 عَامًا على طرده

 

أسِفْتُ، إذ أمضيتُ عمري سدىً؛

فما أشدَّ الهولْ!

ومضت أعوامي تباعًا،

دون أن أُحقِّقَ فيها الأمْل؛

قضيتُها محاربًا أعدائي،

من وغدٍ، لدنيءٍ، لسافلٍ، لمنحطٍ، لسفاحٍ مُبتذلْ...

شننتها حربًا ضروسًا عليهم،

فإذا كلٌّ منهم مثخنٌ، مخذولٌ ومُجندَلْ.

فعبد الرحيم الشريف الخليلي هو عبد للرجيم، ومُلطخٌ بالعار،

القمتُه حجرًا عوى منه كالكلب لشدة الألم؛

هو خائنٌ سافلٌ، ساقط الأخلاق،

شائنُ العرض، مهتوكه، فكلُّه ثِلَمْ.

بطشتُ به بطشًا ذريعًا،

إذ لقنته درسًا سيكون أسطورة تُروى للأمم!

تقرأ عنه في كتابي (مذكرات دينار)،

فترى هذا (العبد الخائن) يتلوى كثعبانٍ، راقصًا على النغمْ،

والحذاءُ القذر يصفعُ صفاقة وجهه، بطنًا فظهرًا

فيُنزلُ عليه أشدَّ النقمْ.

هو حقيرٌ تافهٌ، مرذولٌ ولصٌّ سارق،

ونذلٌ مُماذق، يغشاه الجُبن والسقمْ.

لو أُتيحتْ لي رؤيته الآن، لمزقتُ لحمانه،

ولألقيتُها لضباع الغاب، فإذاه منها مُلتهمْ.

بالزنى ولدته أمُّه، وبالخنى رضع منها حليب الدعارة،

فيا لها من أمّ قذرة، يعجز عن وصف سفاحها القلمْ!!

أرقصتُه، كما يرقصُ السعدان، فأضحكتُ الملأ على بهلوانياته،

فيا لَهُ من ثُعبانٍ سامٍّ متهم!

وعندما كنتُ أكتئبُ كان ينطنطُ مُتشقلبًا كالقردِ ليُضحكني،

ثكلته أمُّه، كم فسقتْ فولدته أرقْم!

كم من النعال قصفتُه بها، فكلَّلت هامهُ،

فإذاهُ يُسرع بتقبيلها، وكأنها عليه نِعَمْ!

ويُمنايَ، سَلوها كم صفعتُهُ، وكم لكمتُه بها،

فغذا بالم ينبثقُ من فمه النتن، وهو صامتٌ أخرسُ كالحمار وقد أُلْجِمْ(1)!

أعوامًا مكثها خادمًا يكنِّس البيت، ويُنظِّف المرحاض،

وكم كنتُ إذ ذاك له أرطمُ وألكُمْ!

اعتليتُ ظهره مراراً، وسُقتُهُ تكراراً كما يُساق الجحشُ،

وتالله كم كنتُ حينذاك أطربُ وأنعمْ!

-----------------------------------------------

(1) أي لم يكن يجرؤ على أن يتفوه بكلمة ما رغمًا عن الصفعات المتتالية على فكّه النتن وكأنه حمار وُضِعَ اللجامُ بفمه فأخرسه، لعنه الله.

------------------------------------------------

واليوم، وقد مضت أعوامٌ طويلة منذ طردته طردًا أبديًّا،

فأصبح سجينًا بالقُمقمْ!

تذكرتُ عندما كان ينطنطُ مُجيدًا رقصة (الهنّ)(1)،

مُدَّعيًا أنه يرقصها وهو مُلهَمْ.

لُعِنَ هذا المنغمس بالكذب، إذ إلهامه التدجيليّ جعله كركوزًا

يُضحكُ الثكلى لشقلباته، وكنت له أرفُسُ وأشقُم(2).

ذكرتكَ يا ربيب الأسخريوطي اللعين،

فإذا بذكراك تُلهمني هذا المقال الذي ساطك وثقبك كالسهمْ،

فإذا كنت حيًّا، فستعوي، لقراءته، باكيًا لشدَّة الألم،

وإذا كنتَ ميتًا، فيستقرُّ بروحكَ النجسة بجهنّم النار المُتقدة،

حيث تُشوى بالحممْ.

                                                    الولايات المتحدة الأمريكية

                                                    الساعة 12 ظهرًا،

                                                    تاريخ 7/1/1977

 

 

حذارِ ثم حذار

 

الساعة الآن التاسعة والثلث،

وأنا جالسٌ بجناحي في فندق بيفرلي هلز، بضاحية بيفرلي هلز، في أمريكا،

أُفكرُ بهذه المدينة التي وصلتُ إليها ليل أمس،

وأُفكِّر بما مُثِّل فيها من أفراح وأتراح،

أفراح السُخفاء من أبناء البشر الغارقين بالأضاليل والتوافه.

فعندما يغرقون أنفسهم بالملذَّات القذرة،

يظنون أن أفراحهم قد بلغت غايتها،

وحقيقةُ الأمر أنهم يكونون غارقين حتى أعناقهم بمباذل

سوف تكونُ عاقبتها وخيمةً عليهم.

إن هذه المدينة حافلةٌ بضروب الملاهي المتعدِّدة؛

ومَنَ لم يكن مثلاً بالدولارات، فلا نصيب له فيها.

فالدولار أصبح ربَّا ومعبودًا، فهو السيدُ المُطاع دون سواه،

وقد غرق الجميع، من قمة رؤوسهم حتى أخامصهم،

بالتهتُّك والموبقات الدنيئة،

فهم قد مزّقوا برقع الحياء عن وجوههم،

وخاضوا في لُجَجِ المباهج الزائلة والبهارج الفانية،

مُتناسين زلزال عام 1906، يوم 18 نيسان منه،

ذلك الزلزال الذي دمّر مدينة سان فرنسيكسو.

وما يدريهم أن الكرة ستُعادُ عليهم، إن لم يرعووا عن غيِّهم،

ويندموا على تهتكهم المُعيب،

واندفاعهم في ارتكاب ملذّات حقيرة

لن تكسبهم سوى الموت والعار.

فالحكيم الحكيم من اعتبر واتعظ،

فيعود ويتمسَّك بالفضيلة

لأن الفضيلة هي الخالدة،

والرذيلة لن يُكتب لها إلا الفشل التَّام.

إنَّ  الحرب النووية على وشك الاندلاع.

وإذ ذاك ستُدكّ الأرض دكًّا، وستدمر تدميرًا تامًّا،

فيفني ابناءُ آدم!

ومن كان مُتمسكًا منهم بالفضيلة، ولم تَغُرَّه الشهواتُ الساقطة،

فإنه يجدُ عالمًا سعيدًا، وفردوسًا مُذهلاً بفتنته، وأبديًّا بسعادته،

ينتظره ليخلد فيه مُتنعمًا بمباهجه الإلهية اللانهائية.

وبعكسه، من ارتكب المُوبقات الآثمة، وغرق في لجج الآفات المُدنسة

فإنه يلقى عذابًا رهيبًا وشقاءً سرمديًا،

فحذارِ، ثم حذارِ، ثُمَّ حذار.

                                                    ضاحية بيفرلي هلز،

                                                    الساعة التاسعة والثلث صباحًا

                                                            تاريخ 19/1/1977