info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى  "ناثر وشـاعر " الجزء الأوّل

الدكتور داهش

 

                          ناثر وشـاعر

                          الجزء الأوّل

 

       

                               شاعر الأسرار

 

سأحمل عنك القيثار يا حبيبتي لأعزف عليه ألحان أشجاني الدفينة

وسأوقّع على أوتاره الفضيّة آمالي وأحلامي السّعيدة

وسأردّد رغبات قلبي وأسراره الخفيّة البعيدة

وسيحمل الهواء هذه النغمات حيثُ الطبقات العُلويّة

وستصغي الملائكة لهذه الأماني من كوى الأبديّة

وسيتأكّد لكِ عند ذاك ... كم هي نفسي بائسة حزينة !

 

                                                   داهش

                                           من كتاب بروق ورعود

 

 

ليت شعري ، ألم تسأم الطبيعة حتّى الآن ؟

أوَلم يُحق بها النصب بعد هذه القرون والأحقاب الطّوال ؟

أوَلم يحلّ النّصب بالشّمس وهي ما فتئت تُشرق وتغيب ؟

أوَلم يتعب البشر من تمثيل دورهم :

ولادة وحبّ وزواج وشيخوخة وموت الخ ؟!...

ألم تتعب الفصول من تكرار مجيئها منذ ابتداء العالم ؟

أوَليس في كتاب الدّهر غير هذا ؟

أما حان للنهاية أن تأتي ؟!

                                                  داهش

 

 

                                    مقدّمة

                                                      بقلم حليم دمّوس

 

أخي القارئ !

هل مررت يوماً على حديقة غنّاء ، فاخترت باقةً من أعجب أزهارها ؟

وهل دخلت مع صحبك كرمةً خضراء ، فقطفت سلّة من أطيب أثمارها ؟

وهل تغلغلت في قلب غابة غبياء ، فالتقطت بلبلاً من أطرب أطيارها ؟

بل هل وقفت أمام بحيرة صافية الماء ، فنهلت قليلاً من أعذب أنهارها ؟

                                  ***

هذا ما تمتّعت به منذُ سنوات خلت إذ فزتُ بأشهى أُمنيّة :

فلقد مررتُ مع إخوتي وأخواتي بحديقة الدكتور داهش الأدبيّة ،

ودخلت خاشعاً إلى كرمته الروحيّة الشهيّة ،

وأصغيت إلى نغمات الأطيار الشجيّة في غابته الغبياء الغنيّة ،

وترشّفت بكأس شفّافة بعض ما ينسكب من خمرة آياته الكوثريّة !

                                  ***

أجل !

لقد تغذّيت مع إخوتي وشربتُ ،

وقرأت من أسفاره وطربتُ ،

وكشفتُ عن أسراره وعجبتُ !...

وها أنا أزفّ :

إلى عشّاق الأدب الجديد الناصع ،

وأمراء البيان العربيّ المفيد الرائع ،

مجموعة "ناثر وشاعر"،

ليتغذّوا مثلي ويشربوا ،

ويتعزّوا كإخوتي ويطربوا ،

ويُراجعوا هذه القطع الأدبيّة ويُرجّعوا ،

وهم :

كلّما راجعوها استطابوها ،

وكلذما رجّعوها استعذبوها ،

وعرفوا :

كيف تُقطف أطيب المجاني ،

وكيف تُرشف أعذب المعاني ،

وكيف تُعزف أطرب الأغاني !...

وأدركوا عندئذٍ :

كيف يُرصّع البيان ... بالجُمان !

وكيف تسيل الأقلام ... بالإلهام !

وكيف يقذفُ البحر ... درّاً

ويقطر اليراع ... فكراً

ويجري البيان ... سحراً !...

                                    ***

وأُقسمُ – وما أقسمتُ إلاّ صادقاً –

أنّهم لو عرفوا ما عرفتُ ،

وفهموا سرّ ما وصفتُ ،

وأدركوا مساقط تلك الكلمات العلويّة ،

وحقيقة مهابط تلك المشاعر القلبيّة ،

لخشعت نفوسهم لديها ،

وحنّت قلوبهم أبداً إليها ،

وأطلّت أرواحهم عليها ،

وزفّت جوانحهم حواليها !...

                                   ***

فما "ناثر وشاعر"

سوى خلاصة ما دوّنه الدكتور داهش في الخلوات .

وما "ناثر وشاعر"

سوى زبدة ما حمله في صدره الجيّاش منذ سنوات .

وما "ناثر وشاعر"

سوى عبرات في عبارات ،

وبسمات في نسمات .

وما "ناثر وشاعر"

سوى عُصارة ما استقطره قلمه المُلهم

من إنبيق إلهيّ غير منظور !..

وما "ناثر وشاعر"

سوى دموع تنسكبُ ، ودماء تسيل ،

وعواطف تذوب ، وعواصف تثور ،

وقلوب تنزو ، وصدور تتأجّج وتتوهّج !

                                      ***

وما تلك الدموع المنسكبة ، والدماء السائلة ،

والعواطف الذائبة ، والعواصفُ الثائرة ،

والقلوب النازيّة ، والصدور المتأجّجة المتوهّجة ،

سوى سيّالات روحيّة سامية هامية ،

سكبتها يدُ العناية ،

لأنبل رسالة وأشرف غاية .

ولقد أنزلتها القدرة القهّارة

على يد شخصيّة جبّارة ،

وعبقريّة روحيّة مختارة ،

مثّلت ، وتُمثّل ، وستمثّل على مسرح هذا الوجود

أدهش رواية ، لها بداءة ، وليس لها نهاية !...

                               ***

ولقد أحببتُ ، في كلّ ما نقلت ونظمت ،

أن أحافظ ، جُهد الطاقة ، على أصل الكلمات ،

وعلى نصّ العبارات الواردة في قطع الدكتور داهش .

وما ذلك إلاّ لأسهّل على القارئ اللبيب

أن يُراجع الأصل والفرع مراجعة المُدقّق الدقيق ،

الواثق بصدق الرواية ، وصحّة النقل ، وأمانة النظم ،

واتّجاه الروح إلى أسمى الدرجات الفكريّة ،

والنزوات القلبيّة ، والنزعات الروحيّة .

                                    ***

ستقرأ الأجيال الآتية "ناثر وشاعر"

وما سبقها ولحقها من سلسلة المؤلّفات الذهبيّة

للصديق الحميم والروحانيّ الصّميم العظيم مؤسّس الداهشيّة .

وستُدرك الإنسانيّة رويداً رُويداً

لمحاتٍ من مراميها العاليات ،

ولمعات من مغازيها الغاليات ،

فتهتدي إلى أنوارها الزاهية ،

وتستكشف أسرارها العجيبة اللامتناهية ،

وذلك كلّما اقتربت من قدس أقداسها ،

وقبست من أضواء نبراسها ،

وتمكّنت بنعمة الروح من إزاحة الستار

عن أسرار آلهة تجلّت لمختار ، من إله واحد جبّار ،

وظهرت في (كلمته) الأزليّة الأبديّة ،

وهي المخلّص (الفادي)، والمعزّي (الهادي)،

بل هي الأرض والسماء ، والهناء والسناء ،

والحبّ والبهاء ، والألف والياء !

 

                                                         حليم دمّوس

                                                       بيروت ، 1949