info@daheshism.com
مُقدِّمة إلى " أسفار داهشية "

 

أسفار داهشية

كتاب ضجعة الموت "للدكتور داهش

رحلةُ حُبّ في العالمَ الآخر

 

تمهيد

 

لؤلؤةٌ عربيةٌ فريدة، لو عَرَفَها الغريبون لأقاموا لصيادها التماثيل، ووضعوها في أروَعِ متاحفهم، وتباهوا بها على العالمين.

إنها "ضجعةُ الموت"، التحفةُ الأدبية والفنية النادرة. كتبها الدكتور داهش نثرًا ونظمها مُطلق عبد الخالق شعرًا، ولما يكملا عقدهما الثالث. وطبعت بنسختيها النثرية والشعرية على ورقٍ صقيلٍ طباعةً أنيقة جذابة بخط الخطاطين محمد حُسني ونجيب هواويني، مزينة برسوم فنية رائعة رُسمت خصيصًا للكتاب؛ سبعةٌ وخمسونَ رسمًا منها ابتدع موضوعاتها الدكتور داهش، ورسمها الرسامُ الإيطالي المشهور موريللي.

كل هذا الإتقان والفن والأناقة في الشكل كان عام 1936، أي قبل أكثر من نصف قرن.

والكتابُ قصيدةٌ نثريةٌ قصصيةٌ انتظمت في مجموعة أناشيدَ عذبة، بثَّ فيها الدكتور داهش كلَّ عواطفه وبعضًا من تعاليم عقيدته الفلسفية الروحية؛ وقد اتصفت بالرقة والعذوبة والعُمق وفيض العطفةن وكثافة الرموز وغرابتها وقوة ايحاءاتها، إلى سلامة الرأي، وصفاء الرؤيا، والحنين الدائم إلى عالم الروح. كل هذا شال به خيالٌ قلما توفر لبشر.
          في ردهات هذا الكتاب أنت عُرضةٌ لمختلف المفاجآت. ففي صدره يُفاجئك المؤلف بإهداء الكتاب "إلى القوة القادرة القاهرة الصاهرة، إلى الحقيقة المجهولة منذُ الأزل وإلى الأبد...

إلى (حبيبي الموت)". يُفاجئكَ بالمقدمة فيضعك تحت شلالات الحُزن في ممرات ضيقةٍ بلا سقوف. يُفاجئكَ بحبه للموت، على غير ما تعودت سماعهُ مِنَ الناس؛ إذ كلُّهم يتشبثونَ بالحياة، ويعشيونَ كأنهم فيها مُخلَّدون.

وفي أثناء القراءة تنتقِلُ مِنْ مُفاجأةٍ إلى مُفاجأة، فيضربُ بكَ النبضُ، وتتقطعُ الانفاسُ.

إنَّ دَافعَ الدكتور داهش في الإخراجِ الجميل هو، كما عَبَّرَ عنهُ في غَير مكانٍ منَ الكتاب، تلبيةٌ لرغبةٍ فنيةٍ في نفسه. ودافِعُهُ في وضع الكتاب هو "الحقيقة"، كما قال في مقدمته: "ليسَ مَنْ يكتبُ للهو كمن يكتبُ للحقيقة" مِنْ أجلِ ذلك جاءَ أدبُهُ واضِحًا كالنهار، صريحًا وجارحًا. فهو لا يكتبُ للكسب ولا لإرضاءِ القارئ أو السلطان، بل ليصفعَ ويُهذِّب ويقتلعَ ويزلزلَ ويُوقظ. فقد أعطى الكتابة دورها الإقلانبي المتمثل في التمرد والخروج على العادي والمألوف، في عملية غسل الصدإ المزمن من ذاكرة الأرض، ومسح غبار النفاق المتراكم فوق ستائر التاريخ، عبر مختلف الأزمنة والعصور. فكانت كلماته وأقواله، كأعماله ومُمارساته، وشمًا جميلاً على ذراع الحقيقة الجميل.

إن كلامه على الحقيقة ليس في إطار البحث النظري والتنقيب والدوران والوصول، في نهاية المطاف، إلى الطريق المسدود، كما هي الحال عند كثيرين، ولكنه في مجال القول والعمل والتطبيق. يشفعُ بما يقول أكثر من نصف قرنٍ مِنَ الزمنِ قضاها المؤلفُ في الجهاد والعمل المتواصل من أجل الحق والحقيقة والبلاغ المبين. فهو لا يُفتش عن الحقيقة، بل يُعلِنُها ويُبلِّغها.
إن سر عظمة الكتاب يكمن في عظمة دوافع كتابته، وغرابته هي في غرابة ظروف ولادته. صحيح أن أصابع الدكتور داهش هي التي تكتب ولكن القوة المحركة للأصابع هي إرادة علوية غير منظورة قد تبدو هذه الصورة غريبة للقارئ، لكن هذه الغرابة لا تلبث أن تزول إذا عرفنا من هو الرجل المعجز، كاتب الكتاب، واطلعنا على بعض خوارقه وأعماله. لنسمعهُ يتجدث بنفسه عن ظروف الكتابة:

لقد كتبها وأنا تحت سلطان قوة قادرة قاهرة

غير منظورة، إذ كانت تُوحي إلي ما أسطرُه...

فجاءت بعد ذلك مسكوبة في قالب طبيعي...

ولكنني شعرت بنداء خفي يدعوني لخوض

هذا العباب، فأصخت لذلك الهمس الخفي،

وشعرتُ بدافع قهري غريب غير منظور يحرك

يدي للكتابة، فاندفعت الأفكارُ إلى مخيلتي،

مؤلفةً كلمات مرتبة سطرتها يد الإلهام، فجاءت

متتابعة متناسقة متكاملة ذات معانٍ سامية ترمز

إليها، وتخيلات واسعة تسبح الأرواح فيها فتسر(1).

 

والدكتور داهش نفسه يستغرب ويعجب من تلك الحالة التي تملكته في أثناء الكتابة فيقول: "إن لمسات تلك الأنامل السحرية التي شعرت بها عندما كتبت هذه السطور، لا تزال تؤثر في نفسي، وتثير استغرابي، فتخفق روحي في داخلي مضطربة مهتاجة(2)".

_______________________________________________

  1. الدكتور داهش، "ضجعة الموت أو بين أحضان الأبدية"، (مطبعة دار الأيتام السورية، القدس، 1936)، المقدمة ص 11.
  2. المصدر السابق.

______________________________________________________

إن الدخول إلى عالم "ضجعة الموت" هو كالدخول إلى عالم الأسرار ذات الغموض الجميل أو كالإبحار وسط المحيط في زورق صغير، فيه كثير من رهبة المغامرة وصدمة المفاجأة ولذة المعرفة. ولن أستطيع بزورقي الخشبي هذا أن أطيل الإبحار أو أسبر الأغوار لأعرفَ ما يُخبئُ في قلبه ويجيشُ في نفسه. فسأكتفي بالمسير بمحاذاة الشاطئ، وينقل ما انطبع في نفسي خلال رحلتي القصيرة، من حديث الموج وزُرقِة الماء والسمَاء، ورقصِ النوارس وهيمنة النسيم وزمجرة العاصفة، وما طغى من مشاعرِ الحُزن والرقة والجمال.

 

الحزنُ والألمُ في كتاب "ضجعة الموت"

"فبآلام نفسي أكتُبُ الآن هذه السطور. وبتأثري البالغ أخُطُّ ما أخُطُّه... وبحُزني الشديد المُتزايد... وبدموع عيني الفياضتين أغمُسُ ريشتي هذهن وبخفقات قلبي الهائم... وليس مَنْ يكتبُ للحقيقة كمن يكتبُ للهو". هكذا يصف رجلُ الروح كتابَهُ.

          إن الحُزنَ والألم يلازمان الأنفُسَ الشاعرة، ويكاد لا يخلو منهما أي عملٍ فني أو أدبي كبير، بل إن كل عملس جميل يكادُ يكون حِبرُه الحزن والألم؛ فالحزن مصل الجمال، والألم غذاء الحاثرين التائهين في أسرار هذا الكون ومتاهاته. ولكني لم أجد حزنًا أعمق من حزن هذا الكتاب، ولا كاتبًا أكثر توجعًا وتفجعًا من صاحبه الذي استطاع أن يخلق مثل هذه الأجواء المحزنة والمحرقة، وينقلك إليها وينقلها إليك، وبقي غارقًا في الحالة، حتى بعد إغلاقك الكتاب.

إن أول ما يواجهك في كتاب "ضجعة الموت" ذلك النهر المتدفق الغضوب من الحزن حيث أنت ملزمٌ بالمسير على ضفافه بحذر، محاطًا بشجر الدموع وظلال الكآبة؛ وكيف التفت فضباب ودمعٌ وألمٌ وتفجع. "إنها نفثاتُ شاب حزين". "دمعتان تألقتا في محجريه". "قد ذهب المسكين مثقلاً بآلامه القاتلة". "لقد قدر لي منذ الأزل أن أتذوق كأس المرارة"...

          والمؤلف لم ينجح ف خلق هذا المناخ لو لم تكن ينابيع الحزن عميقة الغور، عذبة التفجر فين فسه العلوية الرقيقة. فلو كان حزنه كحزن سواه، على امرأةٍ فقدها، أو على فُرصَةٍ ثمينةٍ أضاعها، لهان الأمرُ وأمكن التعويض، ولكن حزنه – كما يظهرُ من وراءِ الكلمات – هو على أمرٍلا يُمكِنُ تعويضُهُ ولا ينتسِبُ إلى التُراب. حزينٌ على نفسه أولاً. وكيف تعيشُ نفسٌ مرهفةٌ على هذه الأرض ولا تحزن وحزينٌ على الناس الذين يُحبُّهم ويحترقُ عليهم زفرات. يمدُّ إليها حبال النجاة، وهم غارقون في لجج شرورهم ولا يأبهون.

          إن عالم الحزن في هذا الكتاب من الغرابة بمكان، إذ إنه مرتبط بنفسية المؤلف وتركيبها وعظمتها ودورها وأهدافها. ونحن في رحاب هذا العالم لا نملكُ من أدوات التحليل ووسائل الإضاءة إلا القليل، فنبقى أمام غرابته، رغم المحاولة الصعبة والمتكررة، في غربة وتحرقٍ وضياع.

          لا يكتفي الدكتور داهش باختيار كلمات الحزن الموحية والموحشة، بل يعمد إلى اختيار الصورة الحزينة والحالة الحزينة، ويضعنا ببراعة الفنان والمصور المبدع في أغرب الحالات وأرهب الصور. فنجد أنفسنا وجهًا لوجه أمام الموت: الشابُّ في تابوته في حالة النزاع الأخير، بعيدًا عن وطنه وحبيبته وطفلته، يلقن "الرجل الغريب" رسالة منه إلى الحبيبة.

          إن أوجع ما يكون الحب إذا امتزج بالموت، وأقتل ما يكون التأثر إذا كان من أجل طفل، وإن حالة النزاع في الموت لأصعبُ من الموت نفسه. وبهذا نرى – منذ البداية – كيف وضعنا المؤلف بهذه السطور القليلة، أمام مشهد من أغرب المشاهد وأكثرها تأثيرًا وإثارة، مؤمنًا أن لا وسط في الفن، فإما أن يكون العمل فنًا ناجحًا أو لا يكون.

          والمؤلف يوظف هنا كل العوامل في خدمة الحالة. فالتابوتُ الخشبي حالكٌ ومُرعب، والشاب المحتضر نحيل وشاحب، والمكان ناءٍ  ومهجور، و"الرجلُ الرسولُ" غريب، حتى إن وجودَ الطفلة الجميلة لم يكن إلا لتعميق الجُرح وتعظيم المأساة.

ويعودُ الحُزنُ ليتخذ شكل الحنان، ويشفَّ عن مؤاخاةٍ دهريةٍ لهُ في نَفسِ المؤلِّف، إذ يتلمسَّهُ مِنَ الموتِ المُتمثلِ بالتابوت، ويأنسُ لحنوِّ أخشابه عليه، وهنا المفارقة العجيبة: "ليت أحدًا، كائنًا مَنْ كان، حنا عليَّ، كما حنا صندوقي على جثماني فاحتواني".

ويبلغ الحمن أوجَ الروعة إذ تزين به النفسُ الكيرة، فتحملُ الحب كله والحزن كله ولا تحمله أحدًا: "قلْ لِمَنْ كانتِ السببَ في وُجودي على أرضِ الشقاءِ أن لا تَحْزن. قُلْ لها إنهُ كانَ غريبًا عن هذا العالم... أخبرها أنْ لا تُعولَ عندَما تَرَى رِفَاقي... وهُم بِدُوني سَائِرون...".(3).

إنَّ الحُزن، كَما يُصوِّرُهُ الدكتور داهش، في شَكلِه المُروِّعِ ليسَ هَدفًا بحد ذاته، ولا هو الحُزنُ مِنْ أجلِ الحُزن. وإنَّما هُو وسيلةٌ لغايةٍ مُهمة ينشدها الكاتب بكل وعي منه.

          لم يكن هدفُ المؤلف قذف الهموم في قلب القارئ ومُحاولة التأثيرِ في أحاسيسه وإغراقه بالآلام مثلما يتبادَرُ إلى الأذهان

______________________________________________________

3. المصدر السابق" "ضجعة الموت"، ص 28و32.

______________________________________________________

 مِنَ الوهلة الأولى، بل أرادَ، مِنْ خلال بثِّ الحُزِن وإظهار التوجع والألم، أن يُسلط الضوء على الواقع المرير وحقيقة الحياة. أراد للإنسان أن لا يدفن رأسه في التراب حتى لا يرى مأساة التراب. أراد له أن يظل على صلةٍ بحقيقته المرة التي يحاولُ جاهدًا أن يفر منها أو يتغافل عنها. أراد، فقط، أن يشدنا إلى أمر لا يلتفتُ إليه كثيرون، أن يُضيء ما عتمهُ الآخرون. أراد أن يُصارحَ القارئ بأن لا علاج لأحزانه وعذاباته ما دام يعيشُ على "أرض الشقاء"، لأن الحزنَ مِنْ طبيعة هذه الأرض، وهو إن عالج داءً برزت لهُ أدواء.

فإن أراد الخلاص فما عليه إلا أن يسمو، بأ‘ماله الخيرة، إلى عالمٍ أفضل لا حُزنَ فيه ولا شقاء.
          فالألمُ في نظرِ الدكتور داهش مُطهرٌ للنفس، إذ يُصغرُ بي عينيها شأن مُغريات الحياة، ويُضعفُ الخيوط التي تشدُّها بالدنيا من جهة، ويحفِزُها للسمو والانطلاق نحو عالمٍ أرقى وأنقى... إنهانعكاسُ الوجه الآخر الشقي لقمرِ السعادة الذي يسطع في سماء العالم الآخر. ومِنْ هُنا كانت الصلةُ الوثيقةُ بين الحُزنِ والموتِ في كتابِ "ضجعة الموت".

 

الموت

 يُفاجئنا الكِتابُ برأيٍ عن الموت يختلفُ عن المألوف، ولكنَّهُ ينسجم مع تفكير الكاتب وآرائه التي بثها في غير كتاب. فالناس جميعًا يعيشون الحياة، وإن تظاهروا أحيانًا بالزُهدِ فيها، كما يقولُ أبو العلاء المعريِّ، ويخافون حتى من ذِكرِ الموتِ وهُم لا يقتنعون بأنهُ مدركهم ذات يوم. وإذا خطف الموتُ أحدهُم، أقنعوا أنفسهم بأن ما حصل هو أمرٌ عابرٌ لا يتكرر. ولكن للموتِ شأنٌ آخر في كتابات الدكتور داهش، ولا سيما في هذا الكتاب، حيثُ يُشكلُ فيه المِحورَ والأساس. فالدكتور داهش دائمُ التذكير بتفاهة الحياة وحقارة الدنيا ودائم الزهدِ والتزهيد بها، وكثيرُ الالتفات إلى الموت بل شديد الوله به ولكم قرأنا لهُ بكل إعجاب واستغراب بعض أقواله فيه:

أنا في الحياة ميتٌ، وفي الموتِ حيٌّ.

ليتَ البشر يخلعون نير هذه الحياة عن أعناقهم،

ويحررون نفوسهم.

ما أبهج تلك الساعة التي استيقظُ، فيها فإذا بي

طيفٌ روحي.

الحياةُ حلمٌ، والموتُ يقظة.

للموت جمالٌ خاص.

الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويٍّ يعطفُ على البشر

المتألمين(4)

______________________________________________________

(4) الدكتور داهش: كلمات"، (دار النار والنور، بيروت 1983)، ص 116 و117 و118 و120 و121 و131.

_____________________________________________________

وفي كتاب "ضجعة الموت" بلغ أقصى درجات هيامه بالموت فأهدى إليهالكتاب. فما هو سر هذا الحب؟ هل هو حب حقيقي أم فيه شيء من المجاملة، أو إنه محاولةٌ للخروج عن العادي والمألوف فقط؟ إن المطلع على أدب الدكتور داهش، والمكننه لبعض أسرار شخصيته الفذة لا يمكنُهُ إلا أن يقتنع بصواب نظرته للموت والحياة، وبصدق إحساسه وحُبه للموت. والمعادلةُ في منتهى البساطة؛ فمن أراد لنفسه السعادة فما عليه إلا أن ينبذ الدنيا ويتعلق بالآخرة، ولا سبيل إلى الحياة الأخرى إلا بالموت. فمن الطبيعي والمنطقي، بنظره، أن نحب الموت الذي يحررنا من شقاء التراب، ويبعثنا خلقًا طيفيًّا جديدًا. وفي هذا المجال طالما أبدى الدكتور داهش استغرابه لمن يؤثر شقاء الحياة على سعادة الموت. يقول في كتابه "كلمات":
                   لا شيء يثير دهشتي أكثر من رؤيتي ذلك

                   الشخص يرتجفُ رعبًا وفرقًا أمام شبح الموت

                   الذي سيزيلُ عنهُ آلامَهُ ويُلاشي أوصابَهُ ويُدنيه

                   من أمانيه(5)

على أن حُبَّ الموتِ مشروطٌ بصفاء النفس وطُهرِ الروحِ الذي

______________________________________________________

5 – المصدرُ السابق، ص 117.

_____________________________________________________

يوصلها إلى عوالم سعيدة؛ فمن غير المعقول أ، يحب الإنسان الذي ثقلت موازينُهُ ما سيقذفُ به إلى الجحيم، ويجعلهُ وقودًا لنارها المتقدة.
الموتُ يقظةٌ فتانة ينشدها كل من صفت نفسهُ

وطُهرت روحُه، ويخافُها كل مَنْ ثقلت أفكارُه

وزادت أوزاره(6).

إنَّ إيمان الدكتور داهش الراسخ بالعدالة الإلهية والحياة الأخرى جعل حبَّهُ للموت حبًّا حقيقيًا لا زيف فيه ولا تكلف رغم ما في الموت من ألم ورهبة. إنه، في يقينه، ممر العذاب إلى عذوبةِ العالم الآخر. وفي العالم الآخر يكشف سر الموت وتتحقق السعادةُ بلقاء "الأمنية"؛ وأمنيةُ الشاب المحتضر في كتاب "ضجعة الموت" هي معبودته "ديانا".

الآن عرفنا سر الحياة والموت، إذ عرفنا ما يسعى

إليه البشر... إنهم ينشدون أمنيتهم التي تتطلع

إليها أرواحهم عندما يكونون مقيدين بأجسادهم المادية... إذ عند التقائهم بها يشعرون بالسعادة

تتمكن منهم فلا يطلبون المزيد(8).

________________________________________________

6- المصدر السابق، ص 116.

7 – الدكتور داهش، "ضعة الموت"، ص 102