info@daheshism.com
مقدِّمة إلى " معجزات الدكتور داهش ووحدة الأديان"

 معجزات الدكتور داهش ووحدة الأديان

 

غازي براكس

دكتوراه في الآداب

 

صورة وجه الغلاف تمثل الدكتور داهش و هو شاب

و الكلمات التي تحتها هي من نظمه

 

وجهت "رابطة الأخاء الروحي"إلى الجمهور المثقف

الواعي، بمناسبة هذه المحاضرة،النداء التالي:

 

الذين آلمتهم مأساة العصر، و هالهم ان يسبر الإنسان الفضاء بضقة فائقة و يعجز عن سبر ذاته ليبث فيها السعادة و السلام.

الذين عانوا من تمزق الإنسان، و ترجمة المضني بين الكفر و الإيمان و سعيه اليأس وراء حقيقة تهرب منه.

الذين يؤمنون بأن كل بناء اجتماعي صالح لا يقوم إلا بحجارة سليمة صالحة.

الذين يتوقون إلى بناء مجتمع أفضل، و يحلمون بإنسان الغد المنقذ.

الذين لا ترتجف أيديهم حينما تقبض على الحقيقة، و لا ترتعش أجفانهم حينما تتأمل وهجها

الذين سئموا من باعة الكلام و تجار الحرام و من التفسّخ و الانقسام.

 

هؤلاء جميعاً تدعوهم

رابطة الإخاء الروحي

رابطة الجامعيين المستنيرين للاستماع إلى

 

الدكتور غازي براكس

 

في محاضرة عن

 

معجزات الدكتور داهش ووحدة الأديان

 

و فيها إيضاح و تعليل لخوارق الرجل الذي بات لغز القرن العشرين ودعوة نيرة إلى الوحدة و الاخوة.

 

 

 

تقديم*

 

                                                                                       بقلم الشاعر موسى المعلوف

 

 

الرسالات في الوجــود ربيـــع

                                                                      بوحــــه للحيــــــاة لا للقبـــــور

دفقة الحب في عروق  دواليــه

                                                                      اشتهاء الانهار ضـــم البحــــور

ما رؤى الروح غير انها  دنيـا

                                                                      جبلتهــا الأحــــــلام بالاكسيــــر

لك جفنـان فيهمـا  ألـف  عيـــن

                                                                      تتملــى عوالمـــــاً مـــن نــــــور

إقـ،رأ الغيب فالكواكـب  سفـــر

                                                                      عسجدي الحروف حالي السطور

هو أفق يغزوه من عانق الشمس

                                                                      بقلـــــب مسافـــــر فـــي العبيـــر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • هذا التقديم القاه مدير :"رابطة الاخاء الروحي" المسؤول تعريفاً بالمحاضر.

 

أيها الحفل الكريم،

محاضرنا هذه الامسية غاز غاضب. لقد غزا الحقائق الروحية بمنطق العلم الهادي، و غصب ملكوت ذاته بنور الحق المحيي. تباركت المعرفة الالهية التي اضطهدت و صلبت من دورة إلى دورة لينمو روح الحياة في جسد الموت.

 

من ديوانه البكر " انا و الله و العالم"، إلى البشير النذير، إلى اطروحته السيكولوجية عن نابغة لبنان " جبران خليل جبران" المطبوعة في اوائل 1974 مقرونة بملحق عن الداهشية، يتسامى هذا الصوت الصارخ الأستاذ غازي براكس شاعراً تأملياً و مربياً روحانياً نفسانياً.

 

أراد، إغناء لرسالته الإنسانية، أن يتجرّع خمرة الحكمة الروحية مسكوبة في معجزات الدكتور داهش. و سيكون للأستاذ المحاضر بعد لحظات حظ لإضاءة بها و للجمهور الواعي بهجة الحوار في انعاكاساتها.

 

أماحان الزمن الذي فيه نخرج لعازر هذا الجيل الترابي من قبر إلحاده لنقيم له باسم العقل و الوحي عرس قانا جديداً؟ ألا فض أيها الاخ الغازي، في هيكل المعارف الجامعية، كنزاً من أسرار شخصية الدكتور داهش، وازرع في فلك عصرنا الفضائي ما تنكرت له أيدي العميان و الصم تجار الضمائر السوداء و الأنفس الضالة.

 

وغداً عندما يحين الحصاد سوف تذكر تلك العيون و الآذان و تعي أنك الصوت الصارخ الذي حمل إليها على جراحاته  و آهاته مواسم الضياء الالهي و القيثارة النبوية:

 

بينمـا الآن مـن جنتــه دهـــور

                                                       و سيجنى مدى اشتياق الدهور

كم تعلمنــا من خطـاه وصايـــا

                                                       الحب و الصلب و افداء الكبير

أطفئ الرؤيا... جسد الحق فينـا

                                                       "داهش" عاد بالسراج الأخيـر

 

 

شكراً لمحاضرنا الأديب على اقتحامه خطورة موضوعه حول معجزات الدكتور داهش ووحدة الاديان و على تلبية دعوة رابطتنا إسهاماً منه في إنعاش حركتها الفكرية، و خالص الامتنان نرفعه إلى مجلس الطلبة الموقر في الجامعة الأميركية على إفساحه لنا فرحة الالتقاء معاً، و عميق التقدير للذين شرفونا بحضورهم إنماء لانطلاقتنا الروحية و الغنسانية.

 

عاشت أخوتنا الوطنية،

و عاش لبنان.

 

هذا الكتاب لن يكون موضوع لهو وتسلية . حسبنا ما تستنزف ألهيات الحياة من جراح الناس . شئته مشحوناً برعد الروح , مصهوراً بلهب الإيمان , مطروقاً بمطرقة العقل والحجّة الحاسمة .

جئتكم بطعام لم يذقه البشر منذ ألفين من السنين : طعام سيكون منأً وسلوى لبعض , وسمّاً زعافاً لبعض ؛ به سيقوى ويستيقظ كثيرون , وبه سيسقط ويخزى عديدون ؛ لكنّ الحياة المتصاعدة لا تبالي إلاّ بالأقوياء الأنقياء من أبنائها , فلهم وحدهم تسلم قيادها .

 

عندما دعتني " رابطة الآخاء الروحيّ " – رابطة الجامعيين المستنيرين – الى إلقاء هذه المحاضرة عن " معجزات الدكتور داهش ووحدة الأديان " , هزّتني خطورة الموضوع : فمن جانب رجل تتعالى قامته فوق هذه الأرض منذ نحو خمسين سنة , وتتكاتف الهالات حوله , وتزدحم الألغاز والأسئلة , وينقسم الناس , ويعلو اللغط , وتشتدّ الحملات , ثمّ يسود الصمت , حتى كأنّ الرجل قلعة لا بأيدي البشر رفعت مدامكها , عن أسوارها تتزحلق الآفات والإتّهامات , وعن تشامخها المتزايد رفعةً يرتدّ الطرف متجرّىء المستكبر كسيراً . ومن جانب آخر إهتمام بالغ بوحدة الأديان, بل بمصير الروح والإنسان يلف العالم من الفاتيكان الى أميركا الى أثينا الى لبنان , حتى ليخيّل الى المتأمّل أ، ضرورة الوحدة الدينيّة باتت ملحّة , وأنّها إندرجت حاجة جوهريّة في الإتجاه الوحدويّ الثقافي الإجتماعي الحضاريّ في العالم .

 

لكنّ خطورة الموضوع دفعني الى إقتحامها أمران : الأول أنّ المحاضرة تلقى في إحدى قاعات الجامعة الأميريكيّة قسم الفكر الحرّ الجريء في لبنان : والثاني أنّ المحاضرة وتاريخ إلقائها من خوارق الدكتور داهش نفسه ؛ فبعد أن أبلغتني " رابطة الآخاء الروحيّ " أنّ المشرفين في الجامعة  بالإتّفاق مع مجلس الطلبة عيّنوا يوم الثاني عشر من أيّآر موعداً لإلقائها , عدّت الى الوثائق الداهشيّة التي بين يديّ , فارتعشت إذ رأيت في بعض الصحف العائدة الى سنة 1942 أنّ المحاضرة الأولى في موضوع الداهشيّة ألقيت في نفس هذا التاريخ , والثاني عشر من أيّآر , منذ ثمانية وعشرين عاماً . وقد ألقاها , يومئذ , في نادي المهاجرين , أول مؤمن بالداهشيّة , الأديب المرحوم يوسف الحاج والد الدكتور كمال الحاج . وما أن إتّصلت بالدكتور داهش أعلمه بهذا الإتّفاق العجيب الذي لم أعتبره محض صدفة , بل ترتيب روحي غريب , حتى أطلعني على أمر أغرب وهو نبوءة من نبوءاته كتبها الشاعر الزحلي المرحوم حليم دمّوس بخطّ يده , منذ ثمانية وعشرين عاماً , في سياق الوقائع الداهشيّة المتسلسلة التي كان يدوّنها يوميّاً , ومفادها أني سألقي محاضرة حول معجزات الدكتور داهش في تاريخ اليوم في الجامعة الأميريكيّة . يوم كتب حليم دمّوس النبوءة بخطّ يده كنت في السادسة من عمري , وما كانت الداهشيّة لتطرق مسمعي إلاّ بعد نحو عشرين سنة .

 

******

 

كلّ مثقّف ثقافة علميّة صحيحة يعرف , كما أعرف , أنّ العالم محكوم بقوانين طبيعيّة ثابتة . فقانون الحركة وقانون الجاذبيّة , وقانون النسبيّة , وقانون حفظ الطاقة , وغيرها الكثير كلّها كائنة في الوجود , مذ الوجود كان . وكلّ ما يستطيعه العقل الإنساني هو أن يرفع الحجب تدريجيّاً عن القوانين التي ما تزال مستورة . لكنّ الإرادة البشريّة أية كانت لا تستطيع خرق القوانين الطبيعيّة . وهذه حقيقة يؤكّدها العالم الفيزيائي  الكبير ماكس بلانك الحائز جائزة نوبل و المكتشف نظرية الكوانتا، كما يؤكدها سائر العلماء. فنواميس الطبيعة لا تخضع لارادتنا، إذ إنها كانت موجودة قبل ظهور الحياة على الأرض، و ستبقى بعد زوالها.

لكني، على اقتناعي العلمي الراسخ بخضوع الارادة البشرية للقوانين الطبيعية، واستحالة وجود إيّ انسان يستطيع خرقها، كما العلم يثبت ذلك، فقد أتيح لي، في أثناء ملازمتي للدكتور داهش مدة سبع سنوات، أن أشهد، عشرات المرات، قوانين الطبيعة تخرق على يديه خرقاً ساطعاً. ذلك ما دفعني إلى تحرّ كبير، و تحقيق دقيق، و تثبت طويل، لم أترك في خلاله أي كتاب معتبر يبحث في الامور الخارقة إلا  جلبته و إن كان في موسكو أو واشنطن أو لندن أو باريس، ثم قرأته ونقدته. و قد شاهدت بعيني و لمست بيدي عشرات الخوارق، يصنعها الرجل العجيب أمامي و تبقى آثارها، بل يشاهد آثارها آخرون ممن لم يعرفوه و لم يجتمعوا به. لم أكتف بذلك، بل اجتمعت مع عدد كبير جداً ممن شهدوا خوارقه مثلي، و سمعت منهم مباشرة وقائع ما عاينوه، و نقدت ما رووه، و قابلته بما نقله غيرهم. ثم وضعت ما جمعت على محك العلوم الطبيعية و النفسية و الاجتماعية، و على محك الدين و المنطق، و من كل ذلك خلصت إلى النتائج التالية:

 

  1. إن ما يتم من ظاهرات غريبة على يدي الدكتور داهش هو خوارق و معجزات حقيقية، لا يمكن أن تصنف بين ألعاب الخفة و الإيهام او السحر أو الفقر الهندي او مناجاة الارواح أو التنويم المغناطيسي. و ليس الدكتور داهش هو الذي يصنع تلك الخوارق، بمشيئته،لأن إرادته كإرادة أي إنسان خاضعة لقوانين الأرض التي فيها ولد. إنما يصنع تلك المعجزات قوة روحية غير أرضية،لا تخضع لقوانين عالمنا لأنها خارجة عنه، متفوقة عليه، و هذه القوة اتخذته وسيطاً روحياً و إناء مختار.
  2. إن الذي استدعى تجلي الروح و ظهور الخوارق في هذا القرن هو وضع العالم اليائس المأساوي و حاجته إلى منقذ.فالغاية إصلاحية روحية صرف، و هي إثبات وجود الروح و خلودها، و إثبات وجود الخالق و الثواب و العقاب، ببراهين حسية مادية يحتاجها عصرنا الحسي المادي.
  3. إن وحدة الاديان بمعناها الصافي العميق، و العودة إلى الإيمان النظيف الصحيح، والعيش حياة عادلة فاضلة هي النتيجة اللازمة لمعجزات الروح الراهنة، ةالحاجة الجوهرية لإنسان العصر.

هذه النقاط الثلاث سأفصلها تباعاً، داعماً إياها بالحجج الحاسمة.

 

أولاً – معجزات الدكتور داهش

 

قبل الخوض في ذلك , لا بدّ من إبداء ثلاث ملاحظات توضيحيّة :

 

المعجزات التي ظهرت على يدي الدكتور داهش ليست صنفاً واحداً أو حتى عشرة أصناف , بل هي مئات الأنواع ، تشمل الإنسان و الحيوان و النبات و الجماد , و كلها مادي محسوس ثابت : ثابت في بقائه , ثابت في امتحانه , ثابت في الصورة الفوتوغرافية . و من يستطع أن ينظر إليها جميعاً دفعة واحدة, بألوفها و شمولها وعظمتها الخارقة , لا يسعه إلا أن يخشع و يمجد القوة الروحية الجبارة التي تصنعها . و هي لو فصلت كلها لاقتضت عدداً كبيراً من المجلّدات الضخمة لاستيعابها.

فمن أصناف المعجزات التي تمت على يدي الدكتور داهش بقدرة الروح العليّ :

- شفاء الامراض المستعصية شفاء فورياً؛

- الإنقاذ من الموت , أو من أضرار الحوادث الجسيمة ؛

- تصوير وقائع الحياة , و تسجيل أحاديث الناس الحرفية , مهما كانت خفيّة و أينما كانوا , بصورة عجائبية ؛

- التنبؤ بتفاصيل الأحداث المقبلة , مهما تعقدت و تعددت وتنوعت ؛

- معرفة الفكر و الحلم وما يكتمه الإنسان ؛

- التكلم بأي لغة كانت ؛

- إحياء الجماد و ميت الحيوان ؛

- تجسيم الصور؛

- تكوين الأشياء قبل وجودها المحسوس, و إعادتها الى الجمود بعد فنائها ؛

- إنماء النبات , و إنضاج  فج الثمار , بلمح البصر ؛

- تغيير طبائع الأشياء و وظائفها , و تكبيرها و تصغيرها وإطالتها و تقصيرها و تغيير أشكالها و ألوانها ؛

- تحويل المعادن العادية الى معادن كريمة , و الأوراق العاديّة الى عملة فعليّة ؛

- تحويل أوراق اليانصيب الخاسرة الى رابحة لشتى القيم ؛

- معرفة الضائع و استحضاره بلمح العين ؛

- نقل الأشياء المادية من مكان الى آخر بطرفة جفن , و إن وزنت الأطنان, و بعدت ألوف الكيلومترات ؛

- و إن أعظم معجزاته , برأيي ، هو تعدد شخصياته و قدرتها الروحيّة الخارقة.

 

هذا بعض من أصناف العجائب التي تجري على يدي رجل الروح الخارق , معجزة القرن العشرين . و سأكتفي , لضيق المجال , بذكر ستة نماذج منها , دونما تفصيل , مرجئاً الحديث عن تعدد شخصياته الى القسم الثالث من هذا الكتاب . و لن أقتصر على ما شاهدته أنا , بل سأذكر أيضاً , بعض ما عاينه غيري , و تعدّد شهوده الثّقات , و تأكّد لدي تأكّد اليقين .

 

 

       نماذج من معجزات الدكتور داهش

 

  1. شفاء الأمراض:

 

      لئن احرز الطب إنتصارات في هذا العصر, فثمة حدود يقف عندها و قيود يتقيد بها . فمن جانب , ما زالت أمراض و عاهات خارج سلطانه , و من جانب آخر ,إذا كان الطب قادراً على شفاء أمراض كثيرة , فإنه لا يستطيع شفاءها بلمح البصر, أو دونما عقاقير. و شفاء المعجزة يتميز بأنه شفاء فوري و ثابت لداء مستعص. و للبيان , أكتفي بذكر معجزة شفائية  واحدة:

 

       طفل يشفى من الشلل و الجنون

 

 ابتلي الطفل أيلي معلوف , سنة 1964 - و هو في عامه السادس – بالشلل و الجنون , إثر إصابته بالتهابات و اختلال في سحايا الدماغ . و قد نقله ذووه عبثاً من طبيب الى طبيب , , ومن مستشفى الى آخر, حتى استقر به الأمر في مستشفى " أوتيل ديو " حيث أمضى أسبوعين ، من غير أن يطرأ تحسن على وضعه الصحي الجسمي و العقلي .

 

و بعد ان انفق ذووه اموالاً  طائلة , يئسوا من شفائه , وأحسوا تفاقم الخطر عليه , قصدوا المشعوذين ممن يزعمون كذباً , مخاطبة الجنّ  و الاستعانة بوسائل السحر التدجيليّة , و لم يدعوا منهم واحداً مشهوراً إلاً إلتجأوا إليه . و بعد أن استنفد الدجّالون و صفاتهم الغريبة , و كادوا يستنفدون أموال قاصديهم , احتيالاً و ابتزازاً ، تيقن جد الطفل الياس ربيز  وامه السيدة نوال أنّ  شفاءه مستحيل. و ألهم الجدّ  أن يتوجّه بحفيده الى الدكتور داهش ؛ فقصده بصحبة ابنته والدة الطفل . و أمام المفجوعين و طفلهما , صعّد الدكتور داهش دعاءً . و حدث الشفاء العجائبي , فكان تكذيباً مخزياً للمشعوذين , و استصغاراً لقدرة العلم حيال قدرة الروح الإلهيّ .

 

و قد تمت عشرات المعجزات الشفائية  الأخرى غير هذه . و قد حظي بنعمة الشفاء العجائبي , من أمراض أو عاهات مختلفة , الآنسات زينا حداد , ماجدا حداد , و كرايس غبريال , وآخرون كثيرون .

 

 

  1. الأجوبة الكتابية العجائبية :

            72 جواباً ترتسم بلمح البصر تحت 72 سؤالاً

 

إن الوزير السابق الأستاذ إدوار نون , بعد أن شاهد كثيراً من معجزات الدكتور داهش المحسوس الدامغة , أراد الاستزادة  من المعرفة الروحية , فكتب في منزله اثنين و سبعين سؤالاً تتعلّق بمستقبل البشريّة و الأنظمة السياسيّة , وأمور غامضة عن الإنسان و الأديان مما لم يتوصل العلم , بعد , الى تقرير حقائقه النهائيّة . و قد وزّعها على نحو ثلاثين صفحة من الورق الكبير المستعمل في الطباعة على الآلة الكاتبة , و ترك فراغاً بين السؤال و الآخر , مفسحاً المجال لكتابة الأجوبة . ثم قصد منزل الدكتور داهش . و كان الحاضرون كثيرين؛ منهم: آل حداد , و حليم دمّوس , و الدكاترة أبو سليمان و خبصا و عشيّ . و قد اطلعوا جميعاً على أسئلة الأستاذ نون المعقدة . ثم وضعت الأوراق في ظرف ؛ و سرعان ما عقدت الجلسة الروحية . و فجأة لمس الدكتور داهش الظرف المحتوي على الأوراق , قائلاً : " أتتك الأجوبة ". و كانت دهشة الجميع عظيمة حينما فتحوا الظرف , و رأوا اثنين  و سبعين جواباً قد خطّت بوضوح , وبلمح البصر , تحت الإثنين وسبعين سؤالاً الموزّعة على نحو ثلاثين صفحة . هذه الوثائق العجائبيّة ما يزال المحامي الكبير يحتفظ بها حتى الآن , وهي تحتاج الى أكثر من يومين لمجرّد نقلها (22) .

 

وعشرات هم الّذين أعرفهم ممن تمّت لهم معجزة الأجوبة الكتابيّة , فضلاً عن نفسي .

 

3 – تغيير طبائع الأشياء :

مئات بل ألوف هي المعجزات التي غيّرت طبائع الأشياء :

 

صحن البورسلان يأتي به زائر من منزله , وعليه علامات تميّزه , فيتحوّل في الجلسة الروحيّة الى صحن خشبي أ, زجاجي أ, ذهبي , وتبقى العلامات المميّزة نفسها عليه .. ويتحوّل الماء خمراً , والورق حجراً , والحجر معدناً كريماً .

 

عدّة مرّات قصصت أوراق بيضاء من طلحيّات كبيرة , ودوّنت عليها إسمي وكتابات شتى , وإذا بها تتحوّل في حضرة الدكتور داهش الى عملة لبنانيّة من فئات مختلفة , وعليها باق إسمي , وما دوّنته بخط يدي .

 

مثل هذا التحويل العجائبي حدث أمام المئات , من بينهم مندوب مجلّة " الأسبوع العربي " (23) والسيّد حافظ خيراللّه مندوب جريدة " النهار " (24) .

 

وقد صوّرت الصحيفتان مراحل المعجزة في لحظات حدوثها نفسها ؛ فثبتت حقيقتها في الصور الفوتوغرافيّة , كما ثبتت أمام أعين الناس .

 

ومن تغيير طبائع الأشياء , تحويل أوراق اليانصيب الوطني الخاسرة الى رابحة . وقد تمّت أمامي هذه المعجزة , إذ تحوّلت ورقة خاسرة الى ورقة تربح عشرة آلآف ليرة لبنانيّة . كما تمّت أمام الأستاذ محسن سليم , نائب بيروت السابق (25) , وأمام كثيرين آخرين .

وما يزال كثيرون يذكرون الضجّة الكبرى التي حدثت , بعد أن تحوّلت ورقة يانصيب خاسرة الى ورقة تربح عشرة آلآف ليرة لبنانيّة , أمام القاضيين محمود البقاعي ومحمود النعمان , والمحامي شفيق السردوك , رئيس بلديّة بيروت , والدكتور فريد أبي سليمان , بحيث إضطرّت مديريّة اليانصيب الوطني الى تكذيب الخبر , خوفاً من تقاعس الناس عن شراء أوراقها . ولكن المديريّة أضطرّت , أيضاً , الى دفع العشرة آلآف ليرة للدكتور أبي سليمان , حينما قدّم إليها الورقة العجائبيّة , وذلك بعد أن فحصتها وتثبّتت من صحّتها مدّة أيّام ( 26) .

 

 

4 – معجزات الإحياء :

 

إحياء الجماد ؟ ! إحياء الموتى ؟! ولما لا , ما دام الروح الإلهيّ قادر على كلّ شيء يصنع ذلك .

 

بكلمة تموت العصافير , وبكلمة تعود الى الحياة

 

في عشرين كانون الثاني 1944 , أمام الشيخ منير تقي الدين والصحافي إسكندر ريّاشي , ويوسف الحاج , وحليم دمّوس , وقبيل حملة الإضطهاد التي شنّت على الدكتور داهش , وقف الرجل العجيب أمام  قفص العصافير , وبحركة من يده , إنقلبت العصافير ميّتة . والتفت الدكتور داهش , إذ ذاك , الى زائريه قائلاً : " هكذا نفعل أيضاً بالرجال الظالمين " (27) .

وبعد ظهر اليوم نفسه , وبحضور الأستاذ إدوار نون , عقدت جلسة روحيّة , طلب الحاضرون فيها أن تعاد الحياة الى الطيور الميّتة . فاستحضرت جثثها من الحديقة , ووضعت في القفص ؛ وإذا المعجزة تتم , فتعود العصافير الى غنائها .

 

ويشير الدكتور داهش , مرّة , الى لوحة فنّية رسمتها السيّدة ماري حدّاد , وفيها عصفور على شجرة . فتتحرّك الألوان من اللوحة , وتتخذ لحماً ودماً وريشاً , وتتحوّل الى عصفور يوضع في القفص سنتين . أمّا مكانه في أللوحة فبقي أبيض فارغاً ( 28) .

 

فسبحان المميت المحيي , القادر على كلّ شيء ؛ وما أغبى الإنسان وأتفهه ساعة تسكره بعض الإختراعات العلميّة , فيعمى , ويستكبر , ويتألّه , ويجحد ربّه . فأين عقل الإنسان القزم من جبروت الروح ؟ !

 

 

5 – معجزات التكوين :

 

تكوين شيء غير موجود ! تكوين شيء قبل وجوده ! تكوين شيء بعد فنائه ! الأمور الثلاثة سواء في نظر الروح العليّ . وذلك بأن القادر على خلق المجرّات , والمهيمن على الموت والحياة قادر على فعل كل شيء .

 

مستندات ووثائق , وسندات ماليّة وصور , أحرقت أمام كثيرين , وأعيد تكوينها بلمح البصر !

 

أوراق ملأى بالكتابات تحرق ثم يعاد تكوينها

 

عدّة مرّات حدث لي أن ملأت ورقة بالكتابات المختلفة , ثمّ أحرقتها بيدي ّ , واحتفظت برمادها . وإذا الدكتور داهش يكوّن مجدّداً تلك الورقة التي أحرقتها , وعليها كتاباتي كلّها نفسها . وذلك كان يحدث لي , وأنا في حضرته , أو وأنا في منزلي , بعيداً عنه . فالمعجزة تتمّ أينما كان .

 

ومن أغرب خوارق التكوين وأبعثها على الخشوع على قدرة الروح الإلهيّ , إثنتان : الأولى حدثت للسيّد فيليب حدشيتي . . فقد دخل منزل الدكتور داهش, وفي يده جريدة " له جور " الفرنسيّة اللبنانيّة اليوميّة , وأخذ يتصفّح الجريدة , ويكتب على حواشيها أسئلة مختلفة ليطرحها في أثناء الجلسة الروحيّة التي وعد بها .

 

وعقدت الجلسة الروحيّة أمام كثيرين . فسأله الدكتور داهش :

 

  • هل تؤمن بألله  تعالى ؟
  •  

فأجاب فيليب الحدشيتي : أصدقك القول يا دكتور , أنني لا أؤمن بوجوده , وهذا كنت أقوله في باريس .

 

  • وماذا تريد كي تؤمن ويظهر خطأك الفادح ؟
  •  
  • أريد معجزة .
  •  
  • فأجابه : أنظر الى الجريدة التي معك .
  •  

وعندما نظر الحدشيتي في جريدته مليّاً, صرخ من عظم دهشته . فالعدد الذي أحضره معه كان يحمل تاريخ 28 تشرين الثاني, فإذا به يجد العدد قد أصبح بتاريخ الجمعة في 3 كانون الأول أي قبل صدور العدد بأربعة أيّام والأسئلة التي دوّنها على حواشي الجريدة كانت ما تزال هي نفسها . وبعد أن صدر عدد 3 كانون الأول , قابله بالعدد الذي تكوّن بصورة عجائبيّة , قبل أربعة أيّام, فإذا هو نفسه بكلّ ما كان منشوراً فيه من حوادث وأنباء محلّية أو عالميّة . لقد كانت معجزة تكوينيّة تحمل في ذاتها ألوف النبوءات .

 

دخل فيليب الحدشيتي منزل الدكتور داهش كافراً وخرج منه مؤمناً بقوّة اللّه القادر على كلّ شيء .

 

أمّا المعجزة الثانيّة فقد حدثت سنة 1943 , أمام الأستاذ إدوار نون , والدكتور خبصا , والسيّد جورج حدّاد , والأديبة ماري حدّاد , وغيرهم ؛ وهي في غاية الغرابة .

 

- ندى تتجسّد -

 

فبينما كانوا مجتمعين بالدكتور داهش في جلسة روحيّة , إذا بصبيّة حسناء تتجسّد , فجأة أمامهم , تحت النور الساطع . فيبهت الجميع , ويظنّون أنّهم يتوهّمون . فتفاجئهم الفتاة بقولها : " لا تظنّون أنّكم واهمون , فما ترون هو حقيقة أكيدة . إسمي ندى , وقد أتيت من عالم ماديّ آخر إليكم " .  فلم يصدّق الحضور أعينهم , حتى سارعوا الى تحسّسها بأيديهم ؛ فإذا هي لحم ودم كالبشر . لكنّها كانت تلبس فستاناً , وتحمل حقيبة لم يكونا من الزيّ الدارج في الناس , سنة 1943 .

 

وبعد تسعة عشر عاماً , تزور الدكتور داهش الصبيّة نفسها , وقد أصبحت في عداد سكّان الأرض . وكانت بالعمر نفسه الذي تجسّدت فيه قبل تسعة عشر عاماً , وتلبس الثوب عينه , وتحمل الحقيبة عينها .

 

وقد أوضح الدكتور داهش للمجتمعين , إذ ذاك , وفيهم من شاهدها قبل تسعة عشر عاماً , أنّ هذه المعجزة الإلهيّة تؤكّد تأكيداً حاسماً إستمرار الحياة وتقمّص النفوس , وانتقالها بعد الوفاة من دور حياتيّ الى دور حياتيّ آخر في الأرض , أو من كوكب الى كوكب آخر , حسب درجة إستحقاقها .

 

6 – معجزات النقل :

 

هذه معجزات كانت سبباً لإيمان كثيرين .

 

فالدكتور خبصا فقد مفكّرته في باريس , قبل تعرّفه الى الدكتور داهش بإثنتي عشرة سنة , وفي الجلسة الروحيّة ولدت المفكّرة بين يديّه .

 

والدكتور فريد أبو سليمان فقد قفّاز يده اليمنى , وبحث كثيراً عنه فما وجده . وحينما تعرّف الى الدكتور داهش , بعد ثلاث سنوات , عقدت له جلسة روحيّة , فخطر في باله أن يمتحن حقيقة وجود الروح وقدرتها , فسأل الدكتور داهش أن يعرف موضع القفّاز الضائع , إذا كان حقّاً قادراً . فأجابه فوراً : " إنّه في يدك " .

 

وحمل الطبيب قفّازه الى بيته , وهو لا يصدّق عينيه , حتى قارنه برفيقه , وكان الإثنان مستعملين ؛ فإذا هو القفّاز الضائع نفسه. وقد أراه المئات من السائلين .

 

والأستاذ إدوار نون , كانت قرينته السيّدة إيزابيل قد أضاعت بين الثلوج , وهي أثناء التزلّج  باللقلوق (30) , قلم حبر ذهبيّاً , وذلك قبل تعرّفهما الى الدكتور داهش بعدّة سنوات . وكانت ترافقهما , يوم إذ , في رياضة التزلّج , السيّدة رينه , قرينة الشيخ فؤاد الخوري , شقيق الرئيس اللبناني الأسبق .

وفي جلسة روحيّة حضرها كثيرون , وبناءً على طلب الأستاذ نون , إستحضر رجل الروح القلم بطرفة عين . فكان ذلك كافياً , ليخبر الأستاذ إدوار نون الرئيس اللبناني بأنّ ما يصنعه الدكتور داهش ليس أوهاماً وخداعاً لآل حدّاد وغيرهم , إنما هو حقيقة ثابتة لا تقبل الشكّ , والبرهان على ذلك إستحضار القلم التي أضاعته زوجته , قبل سنوات , وقد كانت ترافقها قرينة شقيقه الشيخ فؤاد .

 

والأنسة أوديت كارّا فقدت ساعتها في ليبيا , قبل تعرّفها الى الدكتور داهش , بثلاث سنوات ؛ وإذا الساعة تعاد إليها في جلسة روحيّة .

 

والسيّدة فاطمة البلطجي , قرينة السيّد محمود البلطجي , أضاعت خاتماً من الماس ثميناً جدّاً , وطرقت أبواب المنجّمين ومن لفّ لفّهم , طوال عام كامل , دونما جدوى , حتى تعرّفت , أخيراً الى الدكتور داهش ؛ فعقدت لها جلسة روحيّة , كان من جملة حاضريها زوجها , وابنها عليّ , والسادة وفيق زنتوت , وصلاح وحسن البلطجي , والدكتور أبو سليمان . في أثناء الجلسة إلتفت الدكتور داهش الى زوجها قائلاً : " إفتح  كفّك " ؛ ففعل . ثمّ قال له : " أطبق كفّك " ؛ ففعل . فضرب له يده المطبقة قائلاً : " إفتحها الآن " . وشده الجميع ’ لأن الخاتم الضائع ولد في كفّ السيّد محمود البلطجي (31) .

 

والمستشرق الإنكليزي دانيال أوليفر , Daniel Oliver , رئيس مدرسة  " الفرندز " Friends  في رأس المتن , حضر جلسة روحيّة في عشرة كانون الثاني 1944 , وقد ضمّت عشرات الشهود ؛ منهم : الشيخ منير عسيران , والأطبّاء توفيق رزق , إنطوان جدعون , جورج خبصا , فريد أبو سليمان , نجيب العشّي , شاهين صليبي , والسيّدة روز صليبي , والسادة فرنسيس , أمين نمر , شريف البيضاوي " مفوّض البوليس " , جورج نجّار , طانيوس مجدلاني , وسواهم من سيّدات وسادة.

 

وفي الجلسة الروحيّة قال الدكتور داهش : " من يريد شيئاً فليطلبه " . فقال دانيال أوليفر : " بما أنّ الحرب العالميّة , قائمة , فإنّ الإعانات الماليّة , التي كانت ترسل إليّ من أميريكا  , لأجل الميتم , لم تصلني منذ أكثر من عامين , بسبب عدم وجود مواصلات مضمونة . لهذا أطلب أن تساعدني الروح , وتستحضر لي مبلغاً من المال الموجود في الجمعيّة بأميريكا , كي أستطيع الإستمرار في إيواء الأيتام في مدرستي " .

 

وما كاد أوليفر ينهي كلماته , حتى قال له الدكتور داهش : " مد يدك الى أيّ جيب من جيوبك , فتجد مطلوبك " .

 

وأخرجت من جيوب أوليفر الأربعة 28 ألف ليرة سوريّة .

 

دخل المستشرق الإنكليزي منكراً وجود الروح , وخرج مؤمناً بأللّه والروح وقدرتها , وبالرسالة الداهشيّة .

 

وقصد , مرّة , الدكتور داهش , بصحبة الدكتور خبصا , ويوسف الحاج , وحليم دمّوس , غابة الشبّانية التي تبعد عن بيروت حوالي 30 كيلو متراً , حيث كان يملك يوسف الحاج أيضاً أرضاً . وجلس الجميع على صخرة يتجاذبون الحديث . وكتب دمّوس على الصخرة بيتين من الشعر هما :

 

جلسنا على صخر وفي ظـلّ غابــة            شربنا على ذكر " المؤدّب " ماءنا

أقول لصحبي " والحبيب " بجانبي          على صخرة الإيمـان نبني  رجاءنــا

 

وبعد أن عادوا الى منزل الدكتور داهش , قال الرفاق الثلاثة له : " حبّذا لو كرّرنا الجلوس معك على تلك الصخرة " . فقال : "  وما يمنع أن نجلس عليها الآن , ما دامت هذه رغبتكم ؟ " .

 

فقالوا: " وكيف يتمّ هذا الأمر والغابة في الشبّانيّة ونحن في بيروت ؟ " فأجاب : " أنظروا الى فضاء الغرفة " . وإذا بهم يرون كتلة ضخمة تتهادى في هبوطها الّلطيف , حتى كأنّها قطعة قماش في الهواء . وما أن حطّت على أرض الغرفة , حتى أمسكوا بها ؛ فإذا هي صلبة لا تزحزح . وبعد أن تفحّصوها , ووجدوا عليها بيتي الشعر تأكّد لهم أنّها الصخرة نفسها التي جلسوا عليها . فخشعوا وجّدوا أللّه , وفهموا قول السيّد المسيح : " لو كان لكم إيمان مثل حبّة الخردل , لكنتم تقولون لهذا الجبل : إنتقل من ههنا الى هناك فينتقل , ولا يعثر عليكم شيء " ( متّى 17 : 19 ) .

 

و بقيت الصخرة في المنزل الدكتور داهش , مدة طويلة , معروضة يشاهدها مئات الزائرين , حتى فتتها العمال , فيما بعد , وأخرجوها .

 

و في إبان حملة الاضطهاد ضد الدكتور داهش , قرّر رئيس المجلس النيابي , صبري بك حماده , أن يزور الدكتور داهش , ليتثبت بنفسه من حقيقة خوارقه ؛ فعقدت له جلسة روحية , و كان الشهود يربون على الثلاثين ؛ بينهم  النواب , يومئذ , السادة : أديب فرزلي , وديع شقير, و محمد بك العبود , و السيد بهيج  بك الخطيب رئيس دولة سوريا السابق , و السادة فيليب أندراوس , و خليل بك معتوق , و جورج نجار , و الشيخ حسن المكي من علماء الأزهر , والسيدة غوين زوجة قنصل أميركا القديم , و غيرهم من سيدات وسادة .

 

التفت الدكتور داهش الى رئيس المجلس النيابي , و سأله ماذا يريد ؟ فطلب صبري بك استحضار شيء يفكر فيه و لا يقوله . فأجابه الدكتور داهش :" عرفت بما تفكر تماماً , فهل تريد إحضار الشيء الذي تفكر فيه بأكمله ؟ فإذا قلت : نعم , يحضر فوراً ". فأجاب رئيس المجلس : " كلا, لا أريده بأكمله , بل أريد منه شيئاً كبرهان ملموس"؛ فقيل له :" إفتح كفك " , ففتحها . ثم قيل له : " أغلق كفك " ؛ ففعل . و إذ فتحها , ثانية , وجد فيها خمسة دنانير ذهبية عثمانية قديمة التاريخ . و في غمرة الدهشة , سأله الحضور بماذا  فكر ؟ فأجابه :" فكرت في صفائح خبئت في أراضينا , أثناء الحرب العالمية الأولى , و هي, كما فهمت , ملأى بالدنانير الذهبية ؛ لكنهم يجهلون مكانها تماماً ". و عندما سأله أحد الحضور :

 

" لماذا لم تطلب استحضار الذهب بأكمله ؟" أجاب صبري بك : " خوفاً من أن يوزع على الجميع , فيكون لي فيه شركاء".  و احتفظ رئيس المجلس بالليرات الذهبية

 

 

ثانياً – دواعي ظهور الدعوة الداهشيّة

 

 

لم يشهد التاريخ البشريّ , منذ فجره الجليّ , قلقاً متفاقماً , ويأساً متعاظماً , وحياةً مأساويّة يقاسيها معظم الناس , كما يشهد في هذه الحقبة من القرن العشرين .

 

فالفرد يقلقه إضطراب العيش , وغموض الغد , وفقدان النظام النفسي الصحيح , وتضعضع الفكر في غمرة المذاهب والفلسفات المضطربة المتناقضة , وفراغ الحياة من معنىً يبعث فيها الأمل والعزاء والقوّة .

 

والمجتمع يقلقه تنافر مصالح أفراده , وتمزّق وحدة أبنائه , وتلمّس شيعه وأحزابه سبلاً متضاربة للخلاص , وطرقاً يائسة لإقامة دولة آمنة عادلة فاضلة .

 

والعالم يقلقه تنافس دوله في التبشير بالسلام , وتسابقها في إيقاد الحروب وزرع الخصام , وتخوّف الشعوب الضعيفة من مطامع القويّة , وضياع الثقة ما بينها , وتباري الأمم في تطوير أسلحة الفناء وامتلاكها , وإقتراب شبح حرب ذرّية عالميّة تقضي على الحياة والحضارات . وفي كل ذلك أمسى العلم مطيّة مسخّرة لأهواء النفس ونزوات الشرّ , وتقلّص دور العقل ليخلي مكانه للجنون .

 

هذا القلق المأساويّ , بل هذا التمزّق النفسي , ما كان ليفترس عالم القرن العشرين , لو لم يهن الإنسان لديه , ويجعل نفسه شلواً بين شدقيه . فالبشر زاغوا عن المثل العليا الصحيحة التي بوسعها أن تنفخ فيهم روحاً يدفعهم في طريق الإتّزان الشخصي , والسلام النفسي , والتكامل الحضاري , وبالتالي الرقيّ الحقيقيّ ؛ وانجذبوا الى مثل عليا زائفة , إستمدّوها من قيم عارضة إعتباطيّة , وقوىً بشريّة وهميّة ظنّوها الحقيقة المعزّية الكبرى , فاذا هي سراب علقت به عيون مخدوعة , وعقول أوهنتها أهواء النفس , فعجزت عن الرؤية الجليّة الصائبة . وقد ظهرت آثار هذا الإنحراف بتفاقم يأس الأمم , يوماً بعد يوم , وبدء إنهيار آمالهم القديمة , في بناء عالم يسوده السلام والعدل والمحبّة والفضيلة والسعادة .

 

المصير الفاجع الذي صار الإنسان إليه , ما كان إستحقّه لو لم يختاره راضياً . فقد آثر أن ينهج المسلك الماديّ الخارجي , لأنّه يشبع غرائزه البهيميّة , وميوله الفرديّة الأنانيّة , ونزعاته الإجتماعيّة العدائيّة , بما يقدم له من لذّة حسّية آنية سهلة , ومجد دنيويّ سريع , وعصبيّة إقليميّة طمّاعة ؛ وتنكّب عن المسلك الروحيّ الداخلي الذي في إنتهاجه التصاعدي وحده , يكون تكامل الإنسان , وتساميه االحقيقي , وصحة مخطّطاته , وسلامة مؤسّساته , بما يتيح له من هيمنة النزعات الإنسانيّة الخيّرة على الميول السفليّة الشرّيرة , في الفرد والمجتمع . لقد فضّل الإنسان , لإنحلاله النفسي , وتقاعس الإرادة السامية فيه , مدنيّة مادّية صخابة سطحيّة تمتع حواسه , وترهق نفسه , على حضارة روحيّة هادئة عميقة , تجذب السفلي فيه الى العلوي , والخارجي العرضي الى الداخلي الجوهري , وتغمره بسلام وسعادة دائمين .

 

وقد أغرى البشر في سلوك ذاك الطريق المنحرف تخلّيهم عن الإيمان اليقيني الثابت بوجود الروح وخلودها ؛ وفهم اليوم , بأكثريّتهم الساحقة , إمّا كافرون أو مؤمنون مشكّكون . هذا الوضع النفسي القلق , الجاحد أو المشكّك , المتأثّر بنزعة مادّية خارجيّة في الرؤية والحكم والتصرّف وبضغط الجوّ العلمي , الواقعي , التجريبي , دفع الجميع الى مطالبة واعية أو غير واعية بإثبات واقعي غير نظريّ , لوجود الروح : إثبات علمي يطمئّن قلق الإنسان , ويبلسم جراحه النازفة , ويضيء الأمل بالخلاص في نفسه , ويزيل الشكوك التي أثارتها الإكتشافات والإختراعات التي بهرت عينيه , إثبات يكون بحجم العصر ومستواه .

وما كان للمذاهب الفلسفيّة أن تقدم ذاك الإثبات الواقعي , وهي عمارات عقليّة نظريّة متباينة , كلّ منها بني على قاعدة تقرّها فئة وتنكرها أخرى . وما كان للمذاهب الدينيّة الراهنة أن تأتي أيضاً به , ما دامت براهينها كلّها نظريّة .

 

وما كان للعلوم العقليّة المعروفة نفسها , أن تقدّم ذاك الإثبات الواقعي أيضاً , ما دام الروح لا يحدّ بمقياس , ولا يسخّر لمشيئة الإنسان , وما دامت وسائل العلم تجريبيّة محدودة . وإزاء هذا العجز البشري الشامل , وضرورة الإيمان الملحّة لإنقاذ الكثيرين , لم يبق إلاّ للروح نفسه , وهو الأعلم والأقوى , أن يعلن ذاته ووجوده للناس,  بإذنه تعالى ورحمته .

 

وإذا الروح يتنزّل من لدنه تعالى على رجل من لبنان , هو الدكتور داهش , ليملأ بحقيقة وجوده العظمى فراغ نفوس الكثيرين , وليبهر أبصار المنكرين , ويذلّ عتو المستكبرين ... ويعزّي قلوب المتواضعين .

 

وما كان الإنسان يمكنه التحقّق من وجود الريح , وهو لا يراها , لولا تحريكها الأغصان والأشياء , ولفحها وجهه ؛ فآثارها تنبىء عن وجودها .

 

وما كان الإنسان ليستطيع التثبّت من وجود العقل لولا ثماره وآثاره . فليس بوسع المرء أن يعاينه أو يتلمّسه أو يتحسّسه ؛ ومع ذلك لا يخامره أن يجحده , لأنّه يتّخذ من أفعال  العقل ومنتجاته شهوداً حاسمة على وجوده . كذلك الروح , ما كان للإنسان أن يتيقّن من وجوده لولا آثاره وثماره الخارقة , فهي الشاهد الأصّدق عليه .(1)

 

والعلوم , ثمرة العقل الفضلى , لا تعدو أن تكون في سيرها التصاعدي , سعياً الى مزيد من الكشف عن القوانين الطبيعيّة التي هي ملمح من ملامح الحقيقة الإلهيّة الأزليّة اللامتناهية ؛ ومع ذلك فهي برهان كاف على قدرة العقل ومدعاة لإجلاله . أفلا تكون معجزات الروح – تلك التي تتحدّى العقل البشري في حشوده وطاقاته وإمكاناته وإختباراته , فيقف دونها قزماً عاجزاً مدهوشاً – حجّة أقوى على عظمة الروح وسلطانه , وقدرته الخارقة الفائقة !  وهيهات ما بين قوّة تحدّها أبعاد المادّة وتخضعها قوانينها , وقوّة تتفلت من نواميس المادّة وأبعاد الزمان –المكان ! هيهات ما بين سراج باهت هو العقل وشمس وضّاءة هي الروح !

 

العقل البشريّ الذي عجز فاستعلى فأنكر , هو الذي سيقف موقف الحرج , هذه المرّة , أمام إستطاعة الروح وسطوع وجوده . فإمّا أن يأتي بما يأتيه الروح من ظاهرات ومنجزات معجزات , وإمّا أن يخضع لرسول الرحمن مسلّماً تسليماً .

 

ولدى تأكّد وجود الروح المفارق لعوالم  " المادّة " , المتخطّي لأبعادها , القاهر لقواها , المعجز لبني البشر , ماذا يتأتّى لنا من فائدة ومغزى ؟ فيما إذ تتبدّل نظرة الإنسان الى كل شيء وكل قضيّة , وتتغير مواقفه وتعليلاته وتقويماته ومعانيها . فبدل أن يكون تفسيره للكون  " مادّياً " يصبح " روحيّاً " , وبدل أن تكون قيمه ومثله مستمدّة من قولى مادّية إعتباطيّة عارضة , قوىً خارجيّة وهميّة زائفة , تستمدّ من قوى روحيّة جوهريّة حقيقيّة خالدة . إذ ذاك يتيسّر له فهم أن وراء المنظور لا منظوراً , ووراء المحسوس لا محسوساً , وأن ذلك اللامنظور , أللامحسوس , سرمديّ , قوي , عادل , يعطي كل نصيبه من الحقّ ثواباً وعقاباً ورحمة ؛ وعندئذ يتشوّف  الإنسان الى ما بعد القبر , وقد ثبت لدي تواصل بقاءه النفسي , وارتباط مصيره اآتي  بواقعه الحالي , وبناء حياته اللاحقة على حياته السابقة, وتجلّى له الخالق سبحانه مصدراً أعظم للقوى الروحيّة , وغاية نهائيّة لتطوّر الكائنات , وتكامل الحياة , فتدفعه يقظته الروحيّة الى توجيه سلوكه وتفكيره توجيهاً يضمن له رقيّاً حقيقيّاً , وخلاصاً حقيقيّاً , وسلاماً نفسيّاً فرديّاً وجماعيّاً حقيقيّاً .

 

 

روح الإله الواحد هو الذي أوحى الشريعة الى موسى النبيّ , وجعل المسيح مصدّقاً ومتمّماً لما قبله : " لا تظنّوا أنّي أتيت لأنقض الشريعة والأنبياء , لكن لأتمّم " ( متى 5 : 17 ) , قال السيّد . وهو الذي جعل القرآن مصدّقاً لما قبله : " نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لما بين يديّه , وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى ً للناس " (سورة آل عمران : آية 3 ) .

 

وكما ألزم المسيح الإيمان بموسى طريقاً للإيمان به , بقوله :" فلو كنتم تؤمنون بموسى لكنتم تؤمنون بي , لأنّه كتب عنّي . فان كنتم لا تؤمنون بكتبه فكيف تؤمنون بأقوالي ؟ " ( يوحنا 5 : 46 – 47 ) , ألزم القرآن المؤمنين الإيمان بالأنبياء جميعاً , دونما تفريق : " إنّ الذين يكفرون بأللّه  ورسله , ويريدون أن يفرّقوا بين اللّه ورسله , ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض , ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلاً . أولئك هم الكافرون حقّاً , وأعتدّنا للكافرين عذاباً مهيناً .

 

والذين آمنوا باللّه ورسله ولم يفرّقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم , وكان أللّه غفوراً رحيماً " ( سورة النساء : آية 150 – 152 ) .

 

هذه الوحدة الروحيّة الدينيّة نسيها البشر , أو تناسوها , ولا سيّما في هذه البلاد , بلاد الأنبياء . بأيديهم نسجوا غشاوة على عيونهم , خيوطها من المطامع الأرضيّة والمصالح الشخصيّة والطائفيّة . فإذا الإله الواحد  يتنازعونه آلهةً , ودين الروح الواحد يمزّقونه طوائف متنابذة متناحرة , مما دفع فئات من العاملين في القضايا الوطنيّة الإجتماعيّة , بعد أن يئسوا من العودة الى الوحدة الروحيّة , والعمل بجوهر الدين القائم على المحبّة والفضيلة , الى الدعوة لطرح الولاء الدينيّ جانباً , وإحلال الولاء الوطنيّ محلّه , أو للتخلّي نهائيّاً عن العقيدة الدينيّة وإتّخاذ الإلحاد مذهباً وسبيلاً .

 

لا, أيّها السيّدات والسادة, , ليس طرح الدين جانباً يحلّ معضلتنا ومعضلة الإنسان , ولا الإلحاد . أمّا أن لا نعبد إلهاً فذلك مستحيل , لأنّ الدين نماذج للنفس , لاصق بجبلّتها , إن حذفته من يقظتك , أطلّ عليك في نومك . إنّه حاجة نفسيّة جوهريّة , إذا لم يشبعها الإنسان بعث فيه خللاً وإضطراباً , من غير أن يدري  مصدرهما  .إنّها حقيقة يؤكّدها كبار علماء النفس , من أمثال كارل يونغ  c. G. Jung السويسري, وولفرد دايم الألماني w. daim, و شتوكار الفرنسي a. stocker.  فالذين يدّعون أنّهم يعيشون دونما آلهة متوهّمون يخادعون أنفسهم , لأنّهم لم يحذفوا من نفوسهم حقيقة الألوهة , بل قنّعوها وشوّهها . فبدل الإله الكامل , إله المحبّة والعدالة والحقّ , الإله الأزليّ الأبديّ , موجد الكون ومنظّمه مصدر الخلق وغايته , توهّموا خارجهم أو في ذواتهم آلهة ناقصة مزيّفة , يعبدونها من دون أللّه , وهم لا يدرون : نصّبوا من الدولة أو الوطن أو الحزب إلهاً , أقاموا من الأرض أو الطبيعة أو الحياة إلهاً , شرّعوا مطامعهم ونزواتهم وشهواتهم أصناماً يقدّمون لها العبادة . هؤلاء جميعاً يعيشون في وهم الحقيقة , لآنّهم إستبدلوا النسبيّ بالمطلق , والجزئي بالكلّي , والعرضيّ بالجوهري , والزائف بالحقّ , والزائل بالدائم السّرمديّ . ولذا فرؤيتهم للحقائق تكون مختلّة , ومقاييسهم للقيم تكون منحرفة , لأنّها تتأثّر بطبيعة المثل الأعلى  الذي يحرّكها ويهيمن عليها , وهو غير صحيح .

 

أمّا جعل الدين في هامش الحياة , أو أللامبالاة به , أو منحه أهمّية ثانويّة , فذلك يؤدّي تدريجيّاً الى الإلحاد , وقد يكون شرّاً من الإلحاد ؛ لأنّه سيفضي الى النتيجة نفسها بعد أن يجمّد الذات ويبلّدها, ويفرغها من حرارتها , ويعيّشها في فتور الإيمان , الذي قال المسيح عن صاحبه – وما أكثر أصحابه اليوم - : " إنّي عالم بأعمالك , أنّك لست بارداً ولا حارّاً , وليتك كنت بارداً أو حارّاً . ولكن , بما أنّك فاتر , لا حارّ ولا بارد , فقد أوشكت أن أتقيّائك من فمي " ( رؤيا يوحنا 3 : 15 – 16 ) .

 

ما الحلّ , إذن , يقول المتحمّسون للقضايا الوطنيّة الإجتماعيّة , أنبقي على العصبيّات الطائفيّة تقسّم الوطن أشلاء , ويدّعي كلّ منها ملكيّة اللّه والسماء , حتى نفقد الدين والدنيا معاً ؟

 

الحلّ أوحاه اللّه عزّ وجلّ , لكان على الأذكياء الأنقياء أن يأتوا به : إنّه العودة الى جذور الإيمان الصحيح بوحدة الأديان وجوهر تعاليمها , عبر رسالة روحيّة جديدة مؤيّدة بالمعجزات , أرادها الباري هداية لهذا العالم التائه في ضلالاته , وللبنان قبل غيره .

 

فالروح الإلهيّ الذي يجري المعجزات على يدي الدكتور داهش , إنمّا يهبط من عليائه , ويصنع الخوارق بإسم اللّه والمسيح , وبإسم اللّه ومحمّد , وبإسم اللّه وموسى . فالأنبياء جميعاً أصابع الرحمة الإلهيّة منبسطة في هذه الأرض الشقيّة .

 

في حضرة الروح الإلهيّ , وفي حضرة المعجزات , يشعر الإنسان أنّه أخو الإنسان , وأنّه لا فرق بين أبيض وأسود وبين غنيّ وفقير , وعظيم وحقير , ومسلم ومسيحيّ وموسويّ وبوذيّ ...

 

المسيحيّ يزداد تمسّكاً بتعاليم الروح عبر الإنجيل , والمسلم يزداد تمسّكاً بتعاليم الروح عبر القرآن , والموسويّ يزداد تمسّكاً بتعاليم الروح عبر التوراة , والبوذيّ يزداد إيماناً بتعاليم بوذا , ويتيقّن الجميع أنّ الروح الذي أوحى الى أنبيائهم وهداتهم إنّما هو روح إله واحد . عندئذ , يدركون أن الذي يفرّقهم ليس الخير , لكن الشرّ . وتكون عودتهم الى اللّه , على جسر من الإيمان النظيف , لا يقال عنه هو " أفيون الشعوب " ؛ إيمان يكون تجسيداً لحياة روحانيّة عمليّة لا نظريّة , تتحقّق فيها الفضيلة عملاً وقولاً وفكراً , ويتجلّى فيها التعاون والتحاب والتآخي والعدالة الإجتماعيّة بأجلى مظهر . فإذا امتنعوا عن الشرور , لا يكون إمتناعهم رهبة من القوانين البشريّة والروادع الزجريّة , لكن بدافع ذاتي منبثق من إرتقاء نفوسهم وقد سطعت فيها الحقيقة الدينيّة الواحدة , مجرّدة من الطقوس والقشور والطائفيّات التي زادها البشر عليها , وزادوا بها الحواجز والخصومات بينهم .

 

وقد يحتجّ بعضهم قائلاً : لئن آمنّا بوحدة الأديان , فكيف نوفّق بين المتناقضات في العقائد ؟

 

وجوابي أنّ الرسالة الداهشيّة قدّمت حلاّ لكل معضلة , حلاّ لم تخترعه إختراعاً , بل أوحته الروح حقيقةً منزلة . ولضيق المجال , أكتفي بعرض قضيّة خلاف واحدة بين المسيحيّين والمسلمين هي قضيّة صلب المسيح . ففي الأناجيل أنّه صلب , وفي القرآن : " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم " ( سورة النساء : آية 157 ) . فأيّ الكتابين على صواب ؟ الحقّ أنّهما كليهما على صواب ؛ لكنّ الحقيقة لا يمكن أن توضّح إلاّ من ضمن الداهشيّة , وتوضيحها يتمّ ببرهان مادّي محسوس .

 

فقد تبيّن لي , و لعشرات غيري أن للدكتور داهش ست شخصيات أخرى غير شخصه البشري؛ و هذه الشخصيات كناية عن سيالات , أي قوى روحية هي امتدادات له كائنة في عوالم علويّة متباينة, و بإذن الله يسمح لها , أحياناً , أن تتجسد لإتمام أمور أو غايات روحيّة خطيرة , فتتخذ شكله البشري تماماً بحيث تصبح (شبهه) . و إذ ذاك , يمكن من كان حاضراً أن يجالسها و يحادثها , ويتحسسها , و يؤاكلها ؛ لكنه قد لا يستطيع أن يميزها عن داهش البشري , إلاّ إذا كانت ترتدي ثياباً مختلفة, و كان الناظر يعلم , سابقاً, ما يرتديه الدكتور داهش. و كثيرة هي المرات التي تظهر فيها فجأة , و تتوارى فجأة , بينما تكون أمامنا , و نحن ننظر إليها أو نسلم عليها .و قد يجتمع منها شخصيتان أو أكثر حتى الست , في مكان واحد , وقد تتجسد في اللحظة نفسها في أماكن مختلفة متباعدة . و قد تأكد لي و لكثيرين غيري , ممن شاهدوها أنها لا تخضع إطلاقاً لنواميس الأرض: فهي تخترق الحواجز و الجدران, وتنتقل لمح البرق من مكان الى آخر , و إن يكن من أقصى المشارق الى أقصى المغارب , وتسيطر على الجاذبيّة , فترتفع في الهواء و تمشي على الماء , وتثقل وزنها أو تخففه حتى تلاشيه ؛ و هي قادرة , بإذن الله , على صنع ما تصنعه الروح من معجزات. و من عجائبها الباهرة أنه في 28 حزيران سنة 1947 , ألقي القبض على إحدى الشخصيات في أذربيجان من أعمال إيران , فقتلت رمياً بالرصاص , و دفنت في البلد عينه , في أول تموز من العام نفسه ؛ و ذلك لأن فتنة دامية كانت قائمة في أذربيجان و لم يستطع الدكتور داهش إثبات هويته , إذ إن السلطات اللبنانية جردته من الأوراق الرسمية , بعد حكمها عليه بالنفي ظلماً .

و قد نشرت الصحف في لبنان و جميع البلاد العربية نبأ مقتل الدكتور داهش و صور مصرعه.

 و أنشئت فيه مئات المراثي (43) . و مع ذلك , كان مؤسس الداهشية ما يزال بين أتباعه يعلم طرق الحق. أما شخصيته التي أعدمت في أذربيجان , فسرعان ما بعثت من الموت , لأن الموت غير قادر عليها ؛ فهي لا تخضع لنواميس الأرض , لأنها ليست من الأرض .

 

و لو يرحب المجال , لكنت أذكر من الأحداث المفصلة عن ظهورها وإختفائها ما يملأ مجلداً . حسبي أن أذكر , من بين العشرات الذين شاهدوا تجسّداتها كما شاهدتها : الأستاذ إدوار نون و السيدة قرينته , و الدكاترة شاهين صليبي , و جورج خبصا و فريد أبو سليمان و نجيب العشي , و السادة جورج حداد , و بولس فرنسيس , و نقولا  ضاهر , و إميل قساطلي , و أمين نمر , و حسن بلطجي , و السيدات ماري حداد , و زينة حداد , و ناديا غبريال, و هيلدا مراد, وأوديت كارّا , و ليلى مراد , و غيرهم و غيرهن كثير ...

 

فالأناجيل إذ تؤكد صلب المسيح , إنها تؤكد صلب شخصيّة من شخصياته ؛ لكن الإنجيليين , لسبب روحي لم يوضّحوا ذلك , إنما اكتفوا بالإشارة , بعد الصلب , الى  أن المسيح المصلوب بعث من الموت , و كان يظهر و يختفي أمام تلاميذه عدة مرات ؛ و القرآن الكريم , إذ يقرّر عدم صلب المسيح , إنما يعني  عدم صلب عيسى بن مريم الشخص البشري المولود , موضحاً أن الذي صلب إنما هو شبهه ؛ و ما شبهه إلاّ إحدى شخصياته .

 

و هكذا نرى أن الداهشية , لا بالنظريات , و الآراء المتضاربة , بل بالبراهين الحسّية تظهر وحدة الإسلام و المسيحيّة و وحدة ما أنزل من قبل  ومن بعد .

 

لقد ثبت بالبرهان الماديّ, وبألوف الشهود, أنّ الدكتور داهش , طوال نصف قرن , وهو يبهر العقول , ويحيّر العلماء والفقهاء بمعجزاته في جميع المجالات, ورغم عواصف الشكوك التي أثارها حوله المغرضون , ورغم الحملات العنيفة المشهّرة التي قامت بها صحف رخيصة مأجورة, ورغم محاولات يائسة, مدّة عشرات السنين , لإظهار معجزاته بمظهر الخداع , باء جميع المتجنّين والمفترين الظالمين بالفشل, على, كثرتهم ونفوذهم , وبقيت حقيقة الدكتور داهش ساطعة تصفع المستكبرين, وتنادي الجميع , ولا سيّما المخلصين لقضية الروح إخلاصاً حقّاً, والصادقين في نشر الإيمان باللّه بين البشر بدل الإلحاد .

 

لذلك , فالبحث في تعاليمه ومعجزاته, أعتبره في رأس الأبحاث الملحّة الضروريّة , لأنّ لا شيء يمكن أن يصحّح المفاهيم المنحرفة, ويعيد الإنسان الى القواعد الصحيحة مثله, ولا قوّة يمكنها أن تزرع الأمل في صحراء الحياة كالقوّة التي تتجلّى على يديه , إذا إستطاعت العقول أن تتجه اليها جريئة لإنقاذها , وإذا تمكّنت النفوس من أن تتخطّى التقاليد والمصالح المذهبيّة لإستلهامها .

 

فعلى المخلصين الواعين أن يفسحوا الطريق أمامه , فإن كان ما يأتي به بطلاناً وزوراً , فإنّ نصف قرن من الزمن لكاف لفضحه . وإن كان ما يأتي به حقيقةً , فالويل ثمّ الويل لمن يعرقل سيره , ويشوّه نصاعته , لإنّ العبء الذي ستحمله الأجيال الآتية عنقه سيكون أثقل من حجر الرحى .

 

ولم يشهد التاريخ أنّ الحقّ , كان ولو مرّة , يصدر عن الكثرة وركام العدد . فالحقائق العلميّة أعلنها أفراد قلائل لجمهور من الناس كانوا شكاكين بها , رافضين لها . أذكروا سقراط وغاليليو . والحقائق الروحيّة أعلنها أفراد قلائل لبشريّة ضالّة قاومتهم وإضطهدتهم . أذكروا الأنبياء والمرسلين جميعاً . والهداة القليلون , بين الكثرة الساحقة الضالّة , يبدون للكثرة كالمجانين . لكن هؤلاء المجانين هم الذين يبنون الحضارات الراقية , ويدفعون الإنسان في معارج التقدّم , وهم الذين يخلدون .

 

 

 

صلاة داهش

 

يا أبي و أبا البرايا ارحم ضعفنا الموروث

شدد قلوبنا كي نؤمن بقدرتك و نحدث بعجائبك

اغرس في أعماقنا بذور الحب و الشفقة و الرحمة و الحنان

أبعد عنا التجارب التي تريد غوايتنا و إسقاطنا في دياجير الخطايا

سدد خطواتنا في طريق الحق و النور و اليقين

أبعد عنا الأفكار الدنيئة و لا تدعها تقرب منا

أنت خالق البرايا و ما فيها ، فرحمتك و حنانك

يسعان كل الكائنات معلومها و مجهولها.

أشفق علينا يا الله، و لا تحاسبنا مثلما نستحق فنهلك.

لا تدع الطمع يستولي علينا فيجرفنا بتياره الرهيب.

دع القناعة تحتل ارواحنا فلا نطلب سوى القوت فنمجدك

أبعد عنا الأشرار و الهازئين بكلام الله ، أنر بصائرهم

طهر أرواح الخطأة، و ارسل لهم قبساً من انوارك الإلهية

فيخشعوا لعظمتك

أقلنا من العثرات الرهيبة،

 و اشمل الجميع بعين عنايتك الساهرة.

أيها الأب العطوف!

كل من ألقى اتكاله عليك ، و عمل بوصاياك ،

و ضحى من أجل اسمك ، و احتقر رغباته الأرضية،

و نَبَذ الدنيويات ، و عطف على البؤساء و بشّر بعجائبك،

و آمنَ بنبيك الحبيب الهادي

فله السعادة و السماء و النور و السناء،

هنالك حيث الضياء و البهاء، إذا يخلد مع الخالدين

 و يتنعم بانوارك الوضاءة حتى أبد الآبدين.

آمين.

13 آب 1942