info@daheshism.com
" شهادة الوزير إدوار نون "

" شهادة الوزير إدوار نون "

 

 

من مجلَّة " بروق ورعود"، العدد الأول عام 1968

 

الرسالة التأديبيَّة

لكل حيّ رسالة يؤدّيها حسب امكاناته ومقتضى وحي ضميره.

وعليه ان يؤدي حسابا عن وزناتـه عندما يأتي يوم الحساب.

عرفت الدكتور داهش في صيف سنة 1943 في بيروت وقـد زارني برفقة المرحوم حليم دمّوس، ثم عرفته مضطهداً رغم الخوارق التي كان يأتها.

وعرفته بوصفي محامياً عنه في اثناء توقيف وتحقيق ظهر فيهما ضحية بريئة لغايات غير مشروعة.

أتى بحضوري في سنة ١٩٤٤، و احيانا امام جمهور من المعارف و الاصدقاء ، بمعجزات دلت على مواهب خاصة اتفق القول على انها روحية أتحفته بها السماء منذ الولادة ، ، وقد عززها بالعلم الخاص الذي اكسبه مرتبة " الدكتوراه "، ،وان صفتها الاستثنائية تتأثر بالمُخاطب والعناصر الخارجية والمحيط الذي تقوم فيه ممارستها ، مما يفسر الفوارق في احداثها وظهورها وقوتها.

وقد رأيت بنوع خاص تعـدد الشخصيات ، و الاختفاء بغتة عن الأنظار ، واستحضار الأشياء المادية أي نقلهـا من محل الى آخر ،حتى استحضر مرة شخصاً ظّنه الحاضرون خيـالأ ،ولكني لمسته وكلمته أمام كثرة من الحضور ولم يسمح لغيري بذلك.

رأيت هذه المعجزات ولكني لم أظهر تأثراً ولا استغراباً حتى انه حيث كان منتظراً ان يضطرب المشاهد ولو بعض الشيء كنت أظل هادئا واثقا.

فكيف ولماذا ؟ - وقد طرح الدكتور داهش عليّ السؤال في هذا الموضوع.

 

فاجبت انه لما كانت العبرة للمبادىء التي تقوم عليها الرسالات والأديان ، وليس للمعجزات ، فالوثوق بالله يجعـل المؤمن في حالة نفسية مطمئنّة تردّ عنه فقدان الأتزان عندما يرى العجائب ، فيتقبل كل شيء كظاهرة طبيعية ، والله على كل شيء قدير.

 

ثم ان حسن النية والثقة بالله هما خير دفاع عن النفس في جميـع الأحوال و هما يغنيـان

المؤمن عن محاولة فهم الخوارق وتفسيرها لأنها ليست جوهراً في ايمانه.

 

واذا لاحظنا ان المادية والخزعبلات هي سلاح ابليس لاجل السيطرة على العالم ، تيقنـا من ان الروحانية الحقّة هي الوسيلة الوحيدة لخلاص البشر . وقد حملها رسل الله لنشرها في الكائنات، فمنهم من اكتفى بالتبشير فأتى أعنالاً كانت قدوة في المبادىء والنهج الإجتماعي القويم، ومنهم دعم رسالته وتباشيره بالمعجزات.

 

وعندما جاءت الرسالة المسيحية في العهد الروماني كانت المادية وعبادة الأوثان طاغية على البشر ، وكان المجتمع منقسماً الى فئات متباينة تقوم العلاقات بينها على فعل القوة وليس على الإخاء الإنساني ولا العـدالة . فلم تلق في حينه تجاوباً كافيا في مجتمع موبوء يمارس الأنانية وإشباع الشهوات ولم يفهم إلا القليل مبادئها السامية الإلهية.

ثم أتت الرسالة الإسلاميـة مؤيدة للمسيحية في ضرورة الإيمان بالله الأوحد وممارسة فعل الخير. ومضت الأجيال في نضال مستمر ، إلى أن عاد العـالم - ما خـلا قلّة من الصالحين – إلى ما كان عليـه في " أيام الرومانيين " عبداً للقوة تحت ستار العدل.

 

وللمادية تحت ستار العلم وللذة الدنيوية تحت ستار العدالة الاجتماعية. فبَعدَ كل البُعد عن الروحانية وروح الرسالات السامية التي توصي بالإيمان وأعمال البر والسلام وتقود الى الله في الآخرة.

فجاء من يدعي بفشل الرسالات الروحية وأخصّها المسيحية التي تقول " أحبّوا بعضكم بعضا كم أحببتـكم . اذا أحببتم من يحبّـكم فما فضلكم ؟ أحبّوا أعداءكم ، باركوا لاعنيكم، أحسنوا لمن أساء إليكم " و المقصود هبـذه العظة السامية المعروفة بعظة الجبل العودة الى وصيته تعالى الأولى بأن الانسان خلق على مثال الله من حيث الروح التي تحييه.

وان هذه النفس يجب أن تعود إلى حالتها بأفضل السبل وأسهلها وهي انباء الوصايا الإلهية بالفعل لا بالقول فقط ، وانها اذا لم تفعل ، تلاقي عــذابا يستمر الى ان تطهر فتستحق، فتعود بفعل هــذا الاستحقاق الى اصلها الخالق.

ان جميع الأديان تقود الى الله اذا كان تطبيقها صحيحاً وخالياً من الغرض الشخصي والإستثمار الذاتي . ومسؤولية رجال الدين ورجال الحكم وقادة الفكر عظيمة في هذا الباب.

 

فقد حصلت انحرافات واستثمارات وأفعال مستقاة من غايات، سفلية قادت العالم الى الانحطاط الخلقي والديني فأصبح على شفير الهاوية.

 

فما العمل بعد أن حصل ما حصل ؟

من الناس من قادهم الأمر الى التنكر الله و الإلحاد ، ومنهم من استسلم الى التلذذ الجسدي فأسماه خيراً دون النظر الى ما بعد الحيـاة الدنيا . ومنهم من ثار على نفسه و على العالم باليأس حتى الانتحار.

 

أما الفئة التي ظلت مؤمنة فمنهــا الكثيرون مؤمنون بالشفاه ، والقلوب فيه محجرة . والقليل موالون بالفعل وهم الأولياء الذين نصَّت عنهم الكتب.

 

فحاء الدكتور داهش يقول ان هذه الحالة تستوجب معالجة سريعة قبل فوات الأوان . فالعالم مهدّد بالزوال والدلائل واضحة بقرب آخر الأزمان . فطالما ان رسالة المحبّة أوشكت على الفشل وهي متّهمة بالافلاس ، فالدواء الوحيد هو التأديب.

 

وكما ان العدالة تقضي بقصاص المذنب هكذا يحب ان يعامل الانسان الذي يخالف وصية ربّه ، تفادياً لقصاص أعظم وتدارکا لانهيارٍ مُحتّم.

 

فالى " الرسالة التأديبية "، يلزم أن نلجأ ، و على الأولياء الروحانيين من رجال الدين والدنيا مجتمعين يجب أن نعتمد، لتنظيم رسالة تقوم على التضحية مع الشدّة وعلى العدالة مع القسوة. وقد قال الحكيم : اذا أحببت ابنك حبا حيّا . جرد له القضبان حزما حزما.

 

وبهذه الوسيلة فقط: الروحانية مع العدالة والتأديب - وهي تعزيز المحبة لا محاربتها – نصل الى السلام العالمي الذي ينشده الفكر وتتوق إليه القلوب.