info@daheshism.com
" شهادة الأديب سليم قمبرجي " الجزء الأول

" شهادة الأديب سليم قمبرجي " الجزء الأول

 

رحلةُ العمر في رِفقة الدكتور داهش

خواطرٌ مُستَوحاة من مُعاَيشتي لمؤسِّس الداهشيَّة

 

تكاد تكون حياتي كلُّها سلسلةً من الرحلات , جُبْتُ فيها شتَّى أَرجاء العالَم. إلاَّ أَنَّ أجملَها على الإِطلاق و أَبعدَها أَثراً في نفسي رحلةٌ بدأَتْ منذ أَكثر من خمسةٍ و ثلاثين عاماً , و لم تنتهِ بعد ! رحلةٌ ليست كسائر الرحلات ! رحلةٌ في عوالم الذات و الفكر و الروح ! عَنيتُ بها رحلةَ عُمري في رفقة الدكتور داهش ! و مَن يدري ! لعلَّها تعودُ القهقرى الى أَبعدَ من صيف 1963, عامَ تعرُّفي به و بَدْءِ مسيرتي في ظلال عقيدته الروحيَّة !

لم أَكنْ أَتوخَّى إعتناقَ الرسالة الداهشيَّة حين أَتاحتْ لي الظروفُ الاجتماعَ بمؤسِّسها أَوَّلَ مرَّة. و لم أَكنْ أتوقَّعُ أَن يُحدث هذا اللقاءُ تحوُّلاً جذريّاً في مجرى حياتي , في مختلف وجوهها . شدَّني الى الدكتور داهش , أَوَّلَ الأَمر , الرغبةُ في معاينة ظاهراته الروحيَّة الخارقة ينقلُها إليَّ عددٌ كبيرٌ من الناس , في مقدَّمهم شقيقي المرحوم عليّ, صاحبُ الفضل الأَكبر في تعرُّفي بالدكتور داهش ؛ فهو الذي حَثَّني على مرافقته الى زيارته , فكان أَن أُعجِبتُ به , في أَثنائها , إنساناً فريداً في نوعه , رقيقَ الإحساس و الشعور, الأَمر الذي شجَّعَني على الطلبِ إليه أَن يسمحَ لي بزيارته كلَّما سَنَحت الظروف.

لم تكن الغايةُ من الظاهرات الخارقة التي عاينتُها أَو التعاليم الداهشيَّة التي اطَّلعتُ عليها واضحة المعالم في تصوُّري أَوَّلَ الأَمر . ثمَّ إنَّني لم أَكنْ في وضعٍ نفسيّ يسمحُ لي بأَن أَتقبَّل , بلا تحفُّظ , بعضَ المفاهيم الداهشيَّة التي كنتُ أَتسقَّطُها من هنا أَو هناك . فقد كان فيها ما يصعبُ عليَّ التصديق به , لخروجِه عن المأْلوف أَوَّلاً , و لاقتضائه قَدْراً وافياً من الإستعداد النفسيِّ و الروحيِّ ثانياً , و هذا لم يكنْ موفوراً عندي آنذاك .

إلاّ أَنَّه بفعلِ مرور الوقت و تكرارِ زيارتي لمؤسِّس العقيدة الداهشيَّة التي كادت تصير , بعد ذلك , يوميَّة, و بفعل إطِّلاعي أَكثر فأَكثر على تعاليمه الروحيَّة سواءٌ من خلال ما أَسمعه من أحاديثه أَو من مطالعة مؤلَّفاته المتعدِّدة المتنوِّعة أَو من معاينة ظاهراته الخارقة , أَخذَتْ هُوِّيَّتُه الروحيَّة تسطع و تتَّضح في نفسي , و ما عاد يُساورُني أَدنى ريب , كلَّما اجتمعتُ اليه , في أَنَّني بإزاء إنسانٍ خارق ليس  كسائر الناس , إنسانٍ مؤيَّدٍ من السماء بقوَّةٍ  روحيَّة لغايةٍ عُظمى ستتجلَّى للبشر ذاتَ يوم .

تلك كانت , في اختصار , الظروفَ و الملابسات التي أَدَّتْ الى تعرُّفي بالدكتور داهش و إيماني بالعقيدة الداهشيَّة (4) . ثمَّ ما لبثت الأُمور أن تطوَّرَتْ حتَّى تسنَّى لي أَن أَحظى بنعمة مرافقتِه في كثيرٍ من رحلاته حول العالَم , و أَن أَعرفَ من مَعين محبَّته و آرائه ما أَنا مَدينٌ له طولَ عمري , و ما يسرُّني إيجازه في هذه الصفحات القليلة.

بدأَتْ مرافقتي للدكتور داهش في رحلاته العالَميَّة في صيف عام 1970 ؛ فقد قرَّر عامذاك أَن يقوم بزيارة دُوَل الخليج العربيِّ التي كنتُ أَتردَّد اليها باستمرار لشؤونٍ تتعلَّق بأعمال شركةٍ أَميركيَّة كنتُ أُمثِّلها . كان ذلك في إبَّان موسم الحَرِّ القاتل الذي تبلغُ فيه الحرارة في تلك الدُّوَل درجات خانقة . و أَصدُقُ القارئَ القولَ اِنَّه لم يراودْني قطُّ أَن تكون تلك الرحلةُ مُستَهَلَّ رحلاتٍ كثيرةٍ رافقتُه فيها , و شمَلَتْ ثلاثةً و عشرين بلداً و أَكثرَ من ثلاثين مدينة منتشرة في دُوَل الشرق الأَوسط و أُوروبا , شرقيِّها و غربيِّها , و إفريقيا و روسيا ( الإتِّحاد السوفياتيّ سابقاً ) .

و لقد استغرَقَتْ تلك الرحلاتُ ما يُنيفُ عن السنتَين سَفَراً موصولاً يتخلَّلُه إيابٌ الى بيروت طلباً للراحة و استعداداً لرحلةٍ  مُقْبِلة . و الجديرُ ذكرُه أَنَّ جميعَ رحلاتي مع الدكتور داهش كان يخالطُها ما عليَّ من تَبِعات تجاهَ الشركة الأَميركيَّة , ما خلا رحلتَنا الى الإتِّحاد السوفياتيِّ ؛ فقد كانت سياحيَّةً فقط .

و إنَّه لَمِن دواعي اعتزازي و غبطتي أَنَّني رافقتُ الدكتور داهش في تلك الرحلات , و عاينتُ كثيراً من روائع أَعماله و ظاهراته الروحيَّة الباهرة , و منها كتاباتُه المُلهَمَة يدوِّنها بسرعةٍ فائقة لا يصدِّقها إلا مَن يشاهدُها . و إن أَنْسىَ لا أَنْسَ  مباراتَه بعضَ الأُدباء من أَصدقائه في موضوعٍ معيَّن , فإذا هو أَسرَعُهم تأْليفاً و أَجوَدُهم أَدَباً . و لا ريبَ في أَنَّ الكلامَ عليه و على ما علَّمَنيه و ما خلَّفه في نفسي من أّثَر يقتضي صفحات طويلة . على أَنَّ المقامَ ههنا لا يضيقُ بالإشارة الى بعضِ ذلك . غايتي الوحيدة قولُ الحقيقة كما شاهدتُها و عرفتُها منذ اعتناقي العقيدة الداهشيَّة .

                        *     *      *

عرفتُ الدكتور داهش رجلَ الله الفاضل بكلِّ ما تحويه هذه العبارة من معانٍ . و قد شهدتُه بأُمِّ عيني يطبِّق الخير و الطهر و الإحسان قولاً و فعلاً . عرفتُ فيه طيبةَ القلب و دماثةَ الخُلق و احترامَ الناس بصرف النظر عن أَوضاعهم الإجتماعيَّة . لمستُ فيه عطفَه على البؤساء و المساكين , و تأَلُّمَه لمنظر الفقراء و المحرومين , و زَهده في أَمجاد الدنيا الباطلة ؛ فلا المال, و لا الجاه , و لا السلطة , و لا العادات أَو التقاليد الزائفة كانتْ تَعني له شيئاً . عرفتُ فيه الكاتبَ البارع و الأديبَ المُلهَم يتدفّق الحقُّ  والوحي من مُقلتَيه و شفتَيه و يراعته .  و مَن يتسنَّ له مطالعةُ كتبِه المتعدِّدة و المتنوِّعة , يَجِدْها جميعاً سامية المعاني, روحيَّة المقاصد . السَّعي الى الحقِّ و الدعوة الى الفضيلة في رأْس أَغراضها , سواءٌ في ذلك مؤلَّفاتُه القِصصيَّة و الوجدانيَّة و المذكِّرات و الإبتهالات و الرحلات و الحِكَم ... ذلك أَنَّ الأَدَبَ في رأْيه لا يقتصر على المتعة الفنِّيَّة فحسب, بل يتعدَّاها الى المرامي الإصلاحيَّة الخُلقيَّة . بيدَ أَنَّ الغرضَ الإصلاحيَّ الروحيَّ اقترن في كتاباته بجمالٍ أَدبيٍّ مميَّز تجلَّى في براعة الصياغة و متانة الحَبْك و تنُّوع الاَساليب و دَّقة الوصف و غريب الخيال.

هذه النزعة الى الخير و الحقِّ في أَدبه عفويَّة لا أَثَر فيها للتصنُّع؛ فهي تسري في  دمائه , و تُسيِّر قلمَه . ناهيك بأَنَّه مؤسِّس رسالة روحيَّة عظيمة لها تعاليمُها السامية ؛ رسالةِ قِيَمٍ و أَخلاق , ناصعةِ الأَهداف , لا تصمدُ أَمامها الشكوك و التساؤلات . و هي التي رَفَدتْ أَدَبه و طبعَتْه الروحيِّ على تنوُّع موضوعاته و أَساليبه .

عرفتُ في الدكتور داهش الحكمةَ الوافرة, و الذكاءَ المتوقِّد , و تنوُّعَ أَبواب المعرفة  , و حبَّ الإطِّلاع , و عشقَه للفنِّ الجميل في شتَّى صُوَره و أَشكاله , يدأَبُ على البحث عنه في كلِّ مكانٍ بلا كلالٍ و لا مَلال يسعى الى اقتناء كثير من صنائعه ؛ و اعتقادي أَنَّ لهذا الوَلَهِ الفَنِّيِّ أَسبابَه الروحيَّة البعيدة .

عرفتُ فيه أَيضاً نَهَمَه الى قراءة الكتب و الجرائد و المجلات المختلفة , و حِرصَه على جَمْعِها و الإحتفاظ بها . زدْ على ذلك وَلَعَه بالسفر , و كرهَه لاجتماعات الصَّخَب و الأَضواء, و إيثارَه أَلواناً من الطعام على أَلوان و أَنواعاً من الأَلبسة على أَنواع – و ذلك لأسبابٍ روحيَّة خافيةٍ علينا , إذ انَّ الأُمور و الأَشياء , بالنسبة إليه , ليستْ بمظاهرها , بل بخصائصها الروحيَّة ؛ و هو أَمرٌ لا يتَّضح إلاَّ بالوقوف على فلسفته الروحيَّة .

ولقد سمعتُ من الدكتور داهش صوتَ الهداية و الحكمة و الروح , فأَدركتُ أَنَّنا نعيش في عالَمٍ حقيرٍ تافه إذا ما قُورِنَ بعوالم السعادة و النور, و أَنَّ أَرضنا دارُ الشقاء و الشرور, و أَنَّنا ما أَتَيناها إلاً لذنوبٍ اقترفناها و استحقاقاتٍ نؤدِّيها . و ممَّا قَبَسْتُه عنه أّنْ ليس هناك ما يُدعى فناءً أَو عدماً على الإطلاق , و إِنمَّا ثمَّة انتقالٌ من حالةٍ الى حالة بحسب الإستحقاق الروحيِّ , و أَنَّ سُنَّة التبدُّل و التغيُّر هي قانون الطبيعة و الحياة الدائم الذي يسري على الكائنات كافَّةً , و أَنَّها ( أَي تلك السُّنَّة ) عدالةٌ و رحمة إلهيَّتان . و ما بؤسُنا و شقاؤنا إلاَّ صنيعة أَيدينا ؛ فما يزرعُه الإنسان إيّاه يحصد .

و لقد تأَكَّد لي , على يدَي مؤسِّس الداهشيَّة , أَنَّ كلَّ شيءٍ زائل و باطل و قبضُ الريح , و أَنَّ الحقيقة الأزليَّة  هي الحقيقةُ الروحيَّة التي تمكِّنُ من اتَّبَاعها و عمل بوصاياها من ولوج عوالم السعادة و النور . و ممَّا ثَبَتَ لي أيضاً أَنَّ العنايةّ الإلهيَّة أَتاحتْ لنا نعمة التقمُّص على الأَرض أَو في عوالم أُخرى مرَّاتٍ متعدِّدة لنتطهَّرَ من أَوشابنا , و أَنَّ ماضينا السحيق و مستقبلنا البعيد يلتقيان في أوضاع حاضرنا و اعمالنا فيه و ان السعيد مَن عرف حدَّه و خشيَ ربَّه و عمل بوصاياه ؛ فهو وحدَه تعالى الأَمَلُ و الرجاء و الغاية.

لقد خصَّ الدكتور داهش رحلاته حول العالَم بسلسلةِ كتبٍ تُربي على عشرين جزءاً أَطلَقَ عليها اسم " الرحلات الداهشيَّة حول الكُرة الأرضيَّة " , و دوَّن فيها ما مرَّ به من مشاهدَ و وقائع و ما سنحَ له من خواطر و تأَمُّلات . و قد كان في عادته , منذ يَفاعِه , أَن يدوِّن يوميَّاتِه بلا انقطاع.

و يقيني الراسخ أَنَّ سلسلة " الرحلات الداهشيَّة " شاهدٌ للتاريخ و إدانةٌ صريحة  لِما  آلتْ إليه أَحوالُ البشر مِن تَرَدٍّ روحيٍّ و انحلالٍ خُلقيٍّ. فكأَنِّي بالدكتور داهش يريد أَن يقول للتاريخ , عندما يحلُّ على الأَرض قضاءُ الله العادل : " لقد  كنتُ عليهم شاهداً و نذيراً ".

كان يرى ما لا يراه الناس , و يشعر بما لا يشعرون به . ينظر الى الاَشياء بعين الخبير المجرِّب, و يُقوِّم الأُمور بما هي عليه في الحقيقة , لا بما تبدو في ظاهرها , فلا تَخفى عليه  شاردةٌ أو واردة . كان يكتب عن المعاصي و النقائص و الشرور التي كان يشاهدُها في مشارق الاَرض و مغاربها من غير أَن يُموِّه الحقائق أَو يلطِّف من قبحِ ما يعاينُه . على أّنَّه لم يغفلْ عن الأعمال القليلة النبيلة التي كانت تمرُّ به أّو يشاهدُها , فكتبَ عنها بثناءٍ و تقديرٍ و إعجاب.

و الدكتور داهش صارمٌ في حكمه على الناس , لكنَّ حكمَه عادل , ظاهرُه التحذير و التنديد , و باطنُه الرحمة و الشفقة بالعباد , و غايتُه إصلاحُ شأَنهم –هذا إذا كان ممكناً . و قد أَكَّدَتْ له أسفارُه المتعدِّدة الى شتَّى البلدان و تعاملُه مع مختلف المِلَل و النِّحَل أَنَّ الناس , في سوادهم الأَعظم , هم هم . يتكالبونَ على المادَّة , و يتهافتون على الملذّات . يحتقرون الفقير , و يستغلُّون البائس و المسكين , و لا يتوانَون عن اللجوء الى الكذب و الخديعة و العنف و السرقة و شتَّى ضروب الشرِّ , و ذلك من أَجل الحصول على المال, أَو إشباعِ لذاذاتهم المحرَّمة . هذه الاَمراض الخُلقيَّة و الروحيَّة المُستشرية  في جميع الأَصقاع تطالُ طبقاتِ المجتمع و فئاته , سواءٌ في ذلك باعة الكازوز أَو سائقو سيَّارات الأُجرة أَو رجال المال و الأعمال أَو أَصحابُ بيوت الفنِّ في حواضر العالم...

هذا الإنحطاطُ الخُلقيُّ المستشري الذي كان يشاهدُه الدكتور داهش في كلِّ مكانٍ جعلَه حزينَ النفس , مُثقَلَ القلب بالآلام ؛ و قد عبَّر عن ذلك في كتاباته بأَلَمٍ و حسرةٍ و تنديد و تحذير . و لعلَّه يئس في آخر المطاف من إصلاح البشر , و فقدَ الأَمل في تهذيب نفوسهم , فاعتزل أَكثر الناس , لا يأْنس إلاَّ لأَتباعه الداهشيِّين الذي تفهَّموا تعاليمه الروحيَّة .

غير أَنَّ أوقات الدكتور داهش لم تكنْ لتخلوَ من فتراتٍ يسعدُ فيها و ينشرحُ لها صدرُه , و لا سيَّما عندما يؤمُّ المتاحف و بيوت الفنِّ و المكتبات و المعارض و الاَسواق ليتفقَّد ما فيها من معروضاتٍ و سِلَعٍ و مصنوعات فنِّيَّة , و يبتاعَ  منها ما يتيسَّر له. و اعتقادي أَنَّ بحثَه الدائب عن قِطَع الفنِّ في كلِّ مكانٍ لشراء أَكبرِ عددٍ ممكنٍ منه في أَواخر سني حياته يعود الى شعوره العميق بأَنَّه في صراعٍ مع الزمن , و أَنَّ عليه تعزيزَ " المتحف الداهشيِّ " بمختلف أَنواع الفنون قبل أَن يوافيه الأَجل.

ما شاهدتُه و عرفتُه عن الدكتور داهش , فضلاً عمَّا عرفه عنه سواي من الاخوة و الاَخوات الداهشيّين , يجعلُني أَقول عن يقين ثابت و إيمان وطيد انَّه كان من جِبْلَةٍ غيرِ جِبْلَة البشر في أَعماله و أَقواله  أَو في أَحاسيسه و مشاعره أَو في اهتماماته و اَولويَّاته . إنَّه رسولُ السماء هبطَ منها لغايةٍ إلهيَّةٍ رحيمة ليُنقِذَ مَن يستحقُّ الخلاص. الله وحدَه , جلَّ جلاله, كان في قلبه و عقله دائماً كما كان نصيرَه و اَملَه  ورجاءَه في كلِّ شيءٍ يقوم به و يعمل من أَجله . و كانت الرسالة الداهشيَّة التي جاء من أَجلها لإنقاذ الناس , كلِّ الناس إذا أَمكن , هدفَه الذي لا يَحيدُ عنه .

تلك الحقائق عن الدكتور داهش أقولُها بفخرٍ واعتزاز . أمَّا الذين يَحسبونني مغالياً فيما أَذهبُ إليه لغايةٍ في نفس يعقوب , فما عليهم إلاَّ أَنْ يتقَصَّوا الحقائق بقلبٍ طاهر و نفسٍ صافية , و يُطالعوا مؤلَّفاتِ مؤسِّس الداهشيَّة الكثيرة المتنوِّعة و ما خطَّه الوحيُ على يديه , ويقرأُوا  ما كُتِبَ عنه و عن خوارقه المذهِلة التي شاهدها الأُلوف من الناس و تحدَّثَتْ عنها الكُتُبُ و الجرائدُ و المجلاَّت , سواءٌ في مصر في بداية الثلاثينيَّات من القرن العشرين أَو في لبنان منذ استقلاله حتَّى اليوم . أَقول لهم : حاولوا ان تتفهَّموا الغايةَ من معجزاته و الهدفَ الروحيَّ من كتاباته . هل كان يحدِّثُ الناس إلا بما أَمر به الله و نهى عن اقترانه !

*                                *                        *               

تلك هي العِبَرُ و الدروسُ التي استخلصتُها من معايشتي للدكتور داهش و اعتناقي لعقيدته المقدَّسة و مرافقتي في رحلاتٍ كثيرة حول العالَم . و عندما أَستعيدُ ذكرياتِ أَيَّامي معه , لا يسعُني إلاَّ أن أَخفض رأْسي امتناناً و خشوعاً و شكراناً لله ربِّ العالمين الذي مَنَّ عليَّ بهذه الحظوة و الشرف العظيم , شرفِ مرافقة الهادي الحبيب.

و بعد , فإنَّ ما ذكرتُه ههنا عن الدكتور داهش ليس وافياً بحقِّه . ذلك أَنَّ إيفاءَه حقَّه يقتضي فصولاً طوالاً , فلا ينهضُ به مدخلٌ قصير . و عندي من اليقين أَنَّ أَيَّ شرحٍ أَو عرضٍ لتعاليمه الروحيَّة لا يقومُ مقامَ  مؤلَّفاته هو . و إذا كان لي من رجاءٍ في هذا الكتاب , فأَن يُسهِمَ في توضيح عقيدته , و أَن يساعدَ القارئَ على فَهمٍ أَفضلَ لها في مَظانِّها.