info@daheshism.com
وداع وإستقبال الأعوام:

 

وداع عام 1942

 

يا عام 1942،

إنني أودعُكَ أيُّها العام المثقلُ بالأرزاء،

المُشبَّعُ بكل أنواع البلاء!

لقد توارتْ شهورُكَ، وتلاشتْ أيامُكَ،

وخفتتْ ضرباتُ ساعاتك،

واندثَرَتْ دقائقُكَ، وامَّحتْ ثوانيك، وغابتْ أمانيك،

بعد أن صمتت دقاتُ فؤادك.

نعم، أيُّها العام الفاحمُ الإهاب، الداجي الجلباب،

لقد صِلْتَ في هذا الكونِ المسكين ثم جلتَ

وعملتَ فيه ما راقَك من أفحش الأمور:

لقد يتمْت الملايين، وشردتَ البلايين،

دون أن ترقَّ لك عاطفةٌ أو تلين!

تاللهِ، ما أقساكَ يا صنوَ قايين اللعين!

لقد أطلقتَ في أيامِ حُكمكَ العِنانَ

لأرعب شياطينكَ الجبّارة،

فصالتْ في أربعة أطرافِ هذا الكون،

وراحتْ تبطشُ بطشها الذريعَ

بقاطني هذه الأرض التاعسة!

فحلَّ الخراب، وأصبحتِ الدنيا قفرًا يبابًا،

وأنتَ أنتَ تربعتَ على القمةِ الداجية

تنظرُ إلى الويلات المنصبةِ من عمّالكَ الأجلاف على أبناءِ الأرض،

وتُقهقِهُ من مكانكَ الرهيبِ ولا قهقهة السعالى!

يا عامَ الفواجع والمآسي!

إنَّ ما قمتَ به من فظيعِ الظلمِ القاسي

لَيُردَّمُ شوامخَ الجبالِ الرواسي!

لقد سبقَتْ مجيئكَ أعوامٌ سوداء،

ولكنّها إذا قيست بكَ

لَكانت أبيضَ من الثلجِ على قمّة صنين المشمخرّ!

لقد أظلمَتْ في أيامِ حكمكَ الزائل النجوم،

وتساقطت من السماءِ الرجوم!

وحلقتِ الويلاتُ فوق الرؤوس وجعلتْ تحوم،

وتدفقتْ أسبابُ الكُروبِ في كافةِ التُخوم!

فاعتدى الابنُ على أبيه، وهزأت الفتاةُ بأمها!

وقامت أمَّةٌ على أمة،

وانتهكَ الشرائعَ الإلهيّة كل مُعتمرٍ قلنسوةً وعِمَّة،

فاسودَّتِ القلوبُ، وأُصيبت بغمةٍ وأيّ غمّة!

وحلَّتْ في أيامِكَ الراحلةِ المجاعة!

لَلّهِ! ما أشد هذه الفظاعة!

واختلَّ في أيامِ حُكمِكَ حبلُ النظام،

فلا قَيْدَ ولا رابطَ يجمعُ هؤلاءِ الأنام.

وسادَ الطَمَعُ في كافةِ الربوع،

فإذا بالغني ينقضُّ على الينبوع،

والفقيرُ يقبعُ في عقر دارِه كالجربوع!

تالله! لقد أهرقت بسببكَ ملايين العيون

كلَّ ما تختزنه الدموع!

وكم من دولةٍ بسببكَ زالتْ!

وكم من مملكةٍ حالتْ!

وعقاربُ أطماعكَ تطلبُ المزيد، دون أن تشبعَ أو ترتوي!

ويا للفجيعة المُرعبة!

أترقصُ على جبال الجماجم،

 وتُقضقضُ بأنيابكَ الرهيبة عظام الموتى،

وترشفُ دماءَ المساكين دون أن ترحمَ أو تعطف؟!

وماذا أقولُ عن عواصفِكَ وبروقِك؟

لقد أمرتَها أن تعصفَ بهذا الكونِ وتُنفذّ لك ما يروقُك.

أيُّها اليومُ الأخير من هذا العام الغيرِ المُنير،

تُوارَ من أمامي، فما عدت، بعد اليوم، إمامي،

أشِحْ بوجهك عني، ولا تَدنُ، بعد اليوم، منّي!

فلأنتَ أقسى من نيرونَ السفّاك،

وأطغى من كلِّ باغيةٍ أفّاك!

إحتضر وأرِحِ الكون من فظاعتِكَ وفظاظتِكَ،

ودعهُم يتنسمون رائحة الأملِ بغدهم المجهول.

وأنتَ أيها العامُ الجديد، أهلاً ومرحبًا.

                                  بيروت، في صباح 31/12/1942