info@daheshism.com
بين المقابر:

 

على الجَدَثِ المُنفَرد

 

يا زائرًا جَدَثي المُنفرد، قِف أمامي صَامِتا

لكَ الله!... خفِّف السير، فإنَّ فيهِ ما فيَّ مِنَ الأماني

واخشعْ أمام لحدٍ يجمعُ بينَ حُبِّي وحَناني

وقِفْ مُتأملاً في فتًى كان مِلءَ بُردَيهِ الشباب

لكنَّه توارى كالسَّحاب وتلاشى كالضباب

بعدَ أنْ قسا عليهِ كلُّ بَشَريٍّ وكان بهِ شامِتا!

 

 

عدّوَّةُ الأحياء

 

يا ظُلمةَ القبرِ ووحشتَهُ المُخيفةَ الرهيبة!

أيتُها البُقعة المُدلهمة، ما أغلظ مُهجتكِ الصليبة!

يا أقتمَ مِنَ الليل وأحلكَ مِنَ الفضاءِ في الدَّياجيرِ المهيبة!

أيتُها البشعةُ الشوهاء والجنيةُ السوداء!

يا عَدُوَّةَ البقاءِ وعُنوان التلاشي والعَفاء!

نحنُ نهابُكِ ونلعَنُكِ، لأنكِ رَمزُ المَوتِ والفناء!

 

 

نهايةُ الأحياء

 

حَملني الفِكرُ وسِرتُ في سكون الليل وظُلمةِ الحَلك

غادرتُ غرفتي الصغيرة وهمتُ بين الحقول والغابات

ولَبثْتُ سائرًا وحدي حتى بلغتُ مدينةَ الأموات

وهناكَ وقفتُ أتأملُ الأنصابَ القائمة

وشتَّى الأفكارِ تتنازعُني، وتملأُ شِعابَ نفسي الهائمة

فقلتُ لنفسي: هُنا العدالة، وهنا المِسكينُ والمِلك

 

 

نُصْح وإرشاد

 

يا أبناءَ الحياةِ، إنَّ آمالكُم أوهام، وأشباحَكم ظلال

فاستيقظوا، يا أبناءَ الحياة، وثُوبُوا إلى رشدكِمُ بعد الضلال

لقد علا غطيُطكُم، يا قَومُ، ونَومُكُم قد طال

هنيئًا لكُم جميعًا إن كنتُم تؤمنون بالكتاب

وكُونُوا مُستعدين دائمًا ليَوم الحِساب

واحذرُوا الوقتَ الذي فيه تُقرَعُ عليكم الأبواب

 

 

سابقُونَ ولاحِقُون

 

إنَّ أشدَّ ما يفعلُ في نفسي الكئيبةِ وقلبي المَتْبُول

رؤيَةُ تِلكَ القُبورُ الصَّامِتَةِ الرهيبة

ذاتِ الأنصابِ الباهتةِ الكئيبة

القائمةِ في جنباتِ تلك الضواحي

الطاويةِ اشخاصًا عاشُوا في قلبِ تلكَ النواحي

إنهُم عشراتُ الألوفِ والأُلوفِ ممَّن سَبَقونا إلى عالَمِ المجهُول!

 

 

تأَمُّلات

 

وعندما خيَّمَ الظلامُ على هذا الكونِ الهَزليّ

حثَثْتُ الخُطى حيثُ قامَتْ مدينةُ الأموات

فدَخلتُها عندما كانتِ النُجوُمُ تُنيرُ أعالي السَّماوات

وجلَسْتُ على أَحَدِ القُبُور الصَّامِتةِ البيْضاء

أَتأَملُ في مَنْ عَساهُ يكونُ فيه رَاقِدًا من بني الغَبْراء

وقُلتُ في نفسي: غدًا يزُورُ رمْسي رجُلٌ مُتأَمَلٌ مِثلي