info@daheshism.com
تلامذة وتلميذات الحبيب وسيالاته:

 

من قديم الزمان

-1-

بين الآجام والغياض بحثتُ عنكِ

وبين الصخور والكهوف ونخاريبها،

وأخيرًا أمسكتكِ بين أشجار الغابة،

وأنتِ تحاولين الهرب والاختبار!

وبرفقٍ حنوتُ عليك، وضممتكِ إلى فؤادي،

وأطلتُ النظر إلى وجهكِ المعبود،

وأنا غيرُ مصدقٍ بذلك!...

واحتفظتُ بكِ يا جوهرتي المكنونة،

ضدَّ أبي، وأمِّي، وأخوتي، وأخواتي،

وكي لا تراكِ عينُ مخلوق

مهما قرُبَ إلى قلبي،

فكنت لي،

كما أنا لكِ،

مِنْ قديمِ الزمان!...

 

                                -2-

كُنتِ فتاةً غضَّة بارعةَ الجمال.

في عهد مُلكِ أبيكِ الطاغية،

وكنتُ أنا فتًى مدلَّهًا بعينيك!

وكان مسكني بجوار معبد الآلهة

الفخم البنيان!...

فأرسل والدكِ يطلبني،

ليُنزلَ بي جام غضبهِ،

ولكنكِ لم تخذليني،

وجاهدتِ كي تتبعيني!

وقاومنا معًا تلك الأيدي الجبارة،

كيلا نفترق!...

فما استطاع، بعد ذلك،

أن يذيقنا عذاب البعاد!...

لأنكِ لي،

كما أنا لك،

من قديم الزمان!...

 

                        -3-

وجدتُكِ في داخل الغابات والأحراج،

وحولكِ الآلهة يتوددون!...

ولكنِ أعرضتِ عنهم وتبعتني،

كما تبعتُكِ من وراءِ البحار!...

فتألَّبتْ علي فلولُ الرجالِ المستميتين بحبكِ،

ولكنني فتكتُ بهم فتكًا ذريعًا كالليث الجسور،

وإذا بهم ما بين غمضة عين وانتباهتها قد سكنوا القبور!...

وهكذا دحرتهم وفزتُ بكِ،

في ساحة الحبِّ والوغى!...

لأن الحب نصرني عليهم أجمعين!...

لأنك لي،

كما أنا لكِ،

من قديم الزمان!...

-4-

قدمني رُسُل والدكِ الطغاة إلى محكمة العسف والجور،

فحكموا عليَّ بنيران بُعادكِ المحرقِ المذيب!

ولكنِ لم تصيخي لأوامرهم،

وهزأت بما أتوا به في قرارتهم،

وفضلت أن تلازميني،

حتى إلى ما وراء الموت!...

فزاد بعد ذلك الحبُّ ما بين قلبينا،

وبِسِحرْهِ الأزلي ألَّف ما بين روحينا،

وما أبهنا لتلك المحاولات الفاشلة،

وما أعرنا أهميَّة للكون وما يحويه،

بل قنعنا بما نحنُ فيه!...

لأنكِ لي،

كما أنا لَكِ،

مِن قديم الزمان!...

-5-

وُجدت روحي مع روحكِ منذ الأزَل،

وقَبْلَ أن خُلقت الأيامُ والأعوام!...

وبحبنا قضتْ أرادةُ الآلهة العليمة!

مهما اعترضتنا العقبات والصعاب...

تخترق نظراتك طبقات الأزمان الآتية!

وبريقُها يتزايد بي حبًّا وهيامًا!...

لأنك معبودتي الوحيدة،

ولا حبيب لكِ سواي!...

لأنكِ لي،

كما أنا لكِ،

مِن قديم الزمان!...

                                -6-

اليومَ لنا، كعهدنا السابق من الأيام!

ووراءنا الدهور والآجال، والقرون والأجيال!

ونُصْبَ أعيننا أزمانٌ آتية، عميقة، مجهولة...

تحملُ في طياتها الآمال والأفراح، والأهوال والأتراح!

ولكن لن يؤثر فينا، يا معبودتي،

ما تأتينا به من مضحكاتٍ ومبكيات،

ولا ما يتمّ،

ولا ما سوف يشملُ ويعمّ...

لأنّ السعادة مخيمةٌ بجناحيها فوق رأسينا،

وكيوييد يسدد سهام حبّه على فؤادينا...

لأنكِ أنتِ الآن لي،

كما أنا لكِ،

من قديم الزمان!....

                                                القدس، في 30 حزيران 1933