info@daheshism.com
حوادث وأماكن تاريخية سياسية:

 

في موطن عشترُوت وأدونيس

 

أنا الآن في موطن عشترون وأدونيس!

أُمتع الطرف في هذا المحيط من الجمال الحالم،

وأجول في هذه الربوع التاريخية الفائقة في فتنتها وروعتها،

وأنا مأخوذ بكثرة المشاهد الساحرة التي تمر أمامي.

فمن شلالات عذبة تتدفق بسخاء

وهي تضج بموسيقاها الازلية.

إلى غابات كثيفة من أشجار الشربين الدائم الاخضرار،

وقد قام شاهدًا منذ مئات الأعوام البائدة في هذه البقعة الحالمة،

كي يذكرنا بمغامرات (عشتروت)

مع حبيبها الجميل (أدونيس).

فن هذا النبع الفوّار بزبده الثلجي،

هرع (أدونيس) وملأ كفيه الرخصتين بمائه العذب، كي يروي غليل معشوقته ابنة الآلهة.

نعم. ابنة الآلهة (عشتروت)

التي غادرَتْ مقرها الإلهي السعيد

كي تنعم بقرب فتاها الفتَّان!

وتتذوَّق جمال محيّاه الريان!

وتحت تلك الصخرة الجبارة الرصاصية اللون،

جلس الحبيبان الفتيّان،

يتناجيان ويتطارحان أحاديث الحبّ والهوى،

والحنان والجوى.

وتحت أغصان هذه الجوزة الغضَّة، رقد المدلهان،

وقد احتضن أحدهما الآخر بعطف عجيب وحنّوز غريب.

وإلى هذه المغارة الجبارة الفوهة، الغريبة الشقوق،

دَلَف المحبّان كي يستمتعا بالمشاهد الأخَّادة التي حفرتها

يد الطبيعة والزمان في تلك الجدران.

وفي الحِراج الكثيفة الممتدة وراءَ هذه الأطواد

من الجبال الجبارة الصاعدة في بروج الفضاء،

استظل المدنفان، هربًا من حرارة شمس (تموز) المحرقة!...

وهذا العصفور الغريد بمرح فريد،

سبق أن غرد أجداده للعاشقين العجيبين.

وهذه الأطلال الدارسة، وأكداس الركام...

هذه الحجارة الضخمة – هي بقايا ذلك القصر الفخم الجميل

الذي شيدته (عشتروت) لمن اصطفاه فؤادها الفتي!

وقد شهد هذا القصر في ذلك العصر

أجمل ليالي الحب والغرام:

وحب (ابنة الآلهة) لأجمل شاب في أرض (لبنان)!

أما الآن فقد داسه الزمان بأقدامه الجبارة...

فهوى وتردم،

ولم يبق منه سوى الأطلال المبعثرة والذكريات الآفلة!...

لقد غبطتُ (أدونيس) على ميتتة في هذه البقعة من الأرض،

لأنها أرض الأحلام الخيالية!

أرض الفتنة والجمال!

أرض البهجة الخلابة!

أرض الينابيع العذبة المتفجرة!

أرض الشلالات الموسيقية التوقيع!

أرض الجبال  العاتية الجبارة!

أرض الصخور العظيمة الأجرام!

أرض غابات الشربين الدائم الاخضرار!

أرض الطيور الصادحة والعصافير الشادية!

أرض التلة المثلثة والغابة التاريخية الغبياء التي سقط فيها (أدونيس) صريعًا!

أرض السحر والجمال والروعة والجلال!

أرض التذكارات السحيقة المنطوية!

الأرض التي اختارتها (عشتروت) لتكون عشًا جميلاً لغرامها.

الأرض التي قضت فيها (ابنة الآلهة) فترة من الزمان تنعم بأشهى ما تبتغيه

تلك الغادة المتجسدة في أرضنا الشقية.

ثم الأرض التي ضمَّت بقاياها الجميلة،

وحنتْ على جسدها الأُملود،

بعد أن غرست في صدرها نصلها الحادّ،

حزنًا على معبودها (أدونيس) الذي قتله خنزير برّيّ

في رحلة صيد من رحلاته في هذه الربوع الخلابة.

                           ***

ألا حياك الله، يا أرض عشتروت الجميلة وأدونيس الفتَّان،

وليجمع الله روحيكما في عالم السعادة الخالد!....

                                  أفقا، الأحد صباحًا، 29 آب، 1943