info@daheshism.com
قصص حبّ جميلة,   جمال الحبّ الطاهر وطهارة علاقاته:

 

روح حزينة

 

إحتوني يا عالمَ النسيان، احتوني!

أوّاه! إن أملي قد ضاع!

أُذنُ مني، أيها (الحبيب)، فقد صرتُ أشعرُ بدنِّو أجلي!

أُحجبوا عنّي هذه المشاهد، رحماكم!

وأبعدوها، فقد ملَّها بصري.

إنطلقوا بي إلى (الغابات)، بعيدًا، بعيدًا،

عن أماكنكم المفعمة بالإثم!

أوغلوا بي في المسير، ولا تلتفوا إلى الوراء،

فكفى ما خلفتموه وراءكم من رغباتٍ دنيئة!

أُصمُتوا، كُفّوا   عن أحايثكم الحافلة بالختل والهوان،

فلقد وقر أذني سماعُها!

حدقوا في تلك (النقطة) القصية السوداء، حيثُ الأفقُ،

ثم سيروا بي إليها مُسرعين،

وبعد ن تبلغوا بي ذلك المكان(المهجور)، أترُكوني فيه،

وعودوا بصمتٍ وسكينة إلى حيثُ بدأتم بي المسير.

حتى صديقي، أخي!

(من كنتُ أخالُه خِلاًّ وفيًّا حتى الموت، ثم ظهر على حقيقته!)

أبعدوه عني، ولا تدعوه يدنو مني.

أما أنا – أنا المُعنى المحطم، البائس المسكين، المعذب الحزين –

فدعوني في (وحدتي) أسكبُ دموعي الحرّى،

وأندبُ الثقةَ والإخلاصَ، والامتزاجَ الروحيَّ التامّ،

وآسَفُ على ما مر بنا من أيامٍ رقيقةٍ، حالمةٍ،

حافلةٍ بشتى ما كان يتمناه الإنسان.

أنا لم أكن يومًا أؤمن بأيّ كائنٍ بشري!،

ولكنَّ صِلَتَه الطويلةَ بي، وصلتي الطويلة به

تركتني أُحسُّ بأنه سَما بعواطفه (الترابية)

التي خلتُها قد استحالت إلى (سماويّة)!

فما كان أخيبَ حَدْسي! وما كان أخطأ حسي!

لقد وثقتُ به، وفضلتُه على نفسي!

والله شهيدٌ على ما أقول.

مسكينٌ أنت، أيها الفتى، على ثقتكَ البريئة به!

مسكينٌ على قلبكَ الطاهر وولائكَ المحض!

مسكينٌ على تمنياتكَ التي صوحتْ، وأهدافِكَ التي تحطمتْ!

ومسكينٌ على ما كنتَ ترنو إليه كحقيقة!

فقد تحول، في طرفةِ عين، إلى خيال!

والآن، اصمُتْ أيها الفتى (المسكين)!

فحسبُكَ ما علمته من تطوراتِ البشر،

وما يطرأ عليهم من تحويرٍ وتبديل!

إنهم أجسادٌ (تُرابية)، يا أخي!

فهل نسيتَ هذه الحقيقة؟! وكيف؟!

إذنْ لِمَ تُنحي باللوم، وأنتَ عالِمٌ بهذه الحقيقة؟!

يُمكنُكَ أن لا تؤمن، بعد اليوم، بأي مخلوقٍ تُظلّلُهُ السماء،

وتطلعُ عليه الشمس،

ويمكنُكح الابتعادُ عن عالمِ البشر الصغير الحقير.

واعتزلْهم إلى ماكنٍ قصيٍّ ناءٍ معزول،

لا تجرُؤ الأحياءُ على الذهاب إليه.

أما أن تلومَ من جبلته (العناية)،

وأوجدَتْ فيه جميعَ العناصر التي من طبعها التبدُّلُ والتحول؛

أما أن تطلب إلى إنسانٍ أن يكون أسمى من الطينة

التي جُبِلَ منها، وتم (تكوينُه) بها،

فهذا أمرٌ لا أقِرّثكَ عليه،

ولا أرغبُ لكَ أن تقعَ، ثانية فيه.

وأما إذا ظللتَ مُصِرًّاً على رأيكَ المُخطئ،

فاعلَمْ – يا رعاكَ الله – أنَّك إنما تسير:

على خطإ جسيم، ونهجٍ غير قويم.

                                                       القدس، 20 تشرين الثاني 1935