info@daheshism.com
في الإضطهاد:

 

رهبة الموت

 

علام تعولون... وتندبون؟؟...

إنها نائمة!... وستستيقظُ بعد قليل!...

                            ***

واحبيبتاه!

لقد طال نومك!

وما اعتدت منك ذلك!

ولكم تشرقين بجمالك الزاهي الزاهر في رقدتك هذه!

أنتِ تفوقين الزنابق بنصوعك ذي النقاء!

وكقطعة ليلٍ داجية.. خصلةُ شعركِ الحريريّ المُتهدلة!

أنتِ تسمين عن البشر... وتفوقينهم طهرًا وقداسة!

وأنتِ كالحمامة في وداعتكِ، يا يمامتي  الأليفة!

ولكن... لِمَ استغرقت في نومك هذا؟!

ألا تستيقظين!

                                    ***

ها قد أتى فصل الصيف الشديد الحر،

والسماء صمتت، وما عادت لتبكيك،

إذ نضب منها الجمع وغاض، فحل بها الجفاف!...

وما عادت الرياح لتعصف وتنوح،

والرعود لتقصف وهي معولة، منادية إياك،

إذ قد بُح صوتها طوال الثلاثة الأشهر الماضية،

وهي تبكيك!

فلِمَ خلقتني؟

ولا أنيس لي سوى الهمّ!

ولا جليس... سوى الغمّ!

وقد عوَّدتني غير ذلك... يا حبيبتي الحنون!!...

                                    ***

لقد اقترب فصل الخريف!

وها هو يقرع الأبواب مُستأذنًا الولوج!...

وما عادت أيام الصيف لتستطيع منعه عما يريد،

فقد أثقل كاهلها ما تحملته...

إذا أحرقت نفسها بنفسها حزنًا عليك!

فشاخت قبل الأوان، وما استطاع ندبُها إياك

أن يُرجعك إلى الحياة!

فواأسَفًا... على شبابك الغصّ،

يُذويه الموت القاسي... المرير!...

وَأَنتَ يا (خريف)!

كفاكَ حزنًا... وكفاك تخريبًا!...

فلقد باتت المروج العامرة خربةً

تنفر العين من رؤيتها!

ورؤوسُ الأشجار

التي كانت تتباهى بما عليها من أوراقٍ خضراء!

اصفرَّت من تأثير حزنك الذي أذواها...

فسارعت في التساقط مسابقةً بعضها بعضًاّ!

ولم يبقَ منها سوى أفرُع ملتوية

لا تُطيق العينُ رؤيتها...

ولن يُجدي حزنك على ليلى نفعًا!...

ولن يستطيع بعد اليومِ إحياءها!...

فكفاك نواحًا!

إذ قد سبقك لهذا... الصيف!

ومِنْ ثمَّ... الشتاء!...

فشاخ كلٌّ منهما،

واحتاطت بهما شباكُ الهاوية!

فقضيا!...

وسوف تلحقُ بهما!!...

لِمَ رَجعت يا (شتاء)!؟

بعدما لحقك من دمارٍ وخراب؟!...

أَوَلستَ بناسِ ليلى

بعد طول الأيام التي ابتلعها الزمنُ في أحشائه؟!

حقًا!... إنك لوفيّ!...

ووفاؤك بالغ لا يحد!...

ولكن!...

كفاك نواحًا وعويلاً!

وكفاك تمطر السماء والأرض من دموعك السخيَّة الغزيرة!

وكفي رعودك المُومضة قصفًا!

إذ مهما كانت قوتك وجبروتك،

فلن تستطيع إرجاع ليلى... إلى الحياة  كما كانت!...

                            ***

وأنتِ يا ليلاي الفتية!

لسوفَ أبكيكِ إلى أن أقضي!

رُغمَ تأكدي بأن دموعي ليست بمُجديتي نفعًا!

ورغم رؤيتي شبح الموت

الساخر من حزني، ومرارتي، وبؤسي الشديد!...

سأبقى أبكيك!

وسأنوح كما ناحت الطبيعة!

ومثلما بكت عليك العناصر العديدة!

حتى... العصافير المُغردة، والطيور الصادحة...

صمتت جاثمةً بين أغصان الأشجار!

لقد شعرت بفقدك...

ولا من يستطيع تعزيتها بمصيبتها!

ولطالما حنوت عليها، وأطعمتها...

فكانت تقف على كتفك!

وتهبط لتأكل من يدك البذور

التي كُنتِ تحملينها لها...

ومئات من المرات،

حامت في المكان الذي اعتادت أن تلقاك فيه!

ولكنها لم تر ليلى!...

عبثًا كان تحويمها وهباءً!...

وكأنَّها عرفت حقيقةَ الأمر!

فذهبتْ

إلى حيثُ قبرُكِ القائم في مدخل الغاب الصامت!

وجثمت

فوق فروع الشجيرة التي تظللها!!...

وصمتت...

وأعينها مُلصقة بالمكان المحتوي جثمانك!

فيا لوفاء هذه الطيور!

ويا لمصيبتها... بفقدك!...

ويا لمأساة طفلتك الرضيعة التي غادرتها حتى يوم النشور!

                                    ***

ليلى!... لن تغمرني السعادة بعد اليوم بجناحيها!

ولو ملكتُ الكون وحكمتهُ!...

فسيبقى الحزنُ ملازمًا لي حتى أُطوى!...

                            ***

أبكيكِ... يا ليلى!... أبكيكِ!

وليتَ الموتَ يقبلُني عنك فيحييك!

ولكن الآمال ستبقى آمالاً دون مزيد!

وهي لن تتحقق... ولن تعطي الثمر المنشود!

إذ لم يسبق رجوعُ من ذهب إلى عالم الخلود!...

ولسوف أذهبُ إلى مكانكِ

وأنتِ ... لن ترجعي!

ليلاي! ... افتحي ذراعيك، واستقبليني!

فلسوف رُوحي – بعد التقائها بروحك – تحييني!...

                                                                    القدس 1933